البث المباشر

بكائية مالك بن الريب التميمي

الأحد 21 يوليو 2019 - 11:40 بتوقيت طهران

خبير البرنامج: الدكتور سعد الشحمان
المحاورة: بسم الله الرحمن الرحيم وبه تبارك وتعالى نستعين أيها الأخوة والأخوات في كل مكان السلام عليكم وأهلاً بكم في هذا اللقاء الجديد الذي يسرنا أن يجمعنا بكم عبر سير القصائد آملين أن تقضوا معنا أحلى اللحظات في الفضاءات الشعرية المفعة بالسحر والجمال، إصحبونا
المحاورة: أطيب التحيات لكم مستمعينا الكرام واحيي ضيفي في الستوديو خبير البرنامج الدائم الأستاذ الدكتور سعدي الشحمان، السلام عليكم دكتور.
الشحمان: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته وأنا بدوري احييكم وأحيي المستمعين الكرام
المحاورة: دكتور شكراً لهذا الحضور. دكتور شاعرنا لهذه الحلقة من نوع الشعراء المقلين والمبدعين في ذات الوقت، هو في عداد شعراء العصر الأموي مالك بن الريب التميمي الذي إستبق الشعراء في طرافة الموضوع الذي إختاره لقصيدته وفي عبقرية الصور الفنية التي رسمها لنا عن الانسان وهو ينتظر منيته فيجلس منتحباً نفسه، مودعاً حياته بحسرة ومستعرضاً شريط حياته التي سيفارقها عما قريب خاصة وأنه هو الذي إختار لنفسه هذا القدر. أرجو دكتور أن تسلط لنا الأضواء على شخصية هذا الشاعر ورائعته التي حيكت حولها الحكايات والأساطير نظراً الى قيمتها الجمالية المؤثرة.
الشحمان: بسم الله الرحمن الرحيم نعم بالفعل قصيدته من القصائد الرائعة وقصيدة طريفة في موضوعها ونادراً ما نجد انساناً يرثي نفسه ويعلم بأجله. هذه القصيدة للشاعرالاسلامي مالك بن الريب التميمي وهو كما تفضلتم كان شاعراً مقلاً، كان في بداية امره شاباً فاتكاً قاطعاً للطريق حتى قيل عنه إنه لم يكن ينام الليل إلا وهو متوشح بسيفه، ولازم أحد الشعراء الصعاليك ويعرف بشظاظ الضبي الذي ضرب به المثل فقيل: ألص من شظاظ. كانت هذه حياته في بداية أمره وبعد ذلك وقعت حادثة غيرت مجرى حياته، يقال في أحد الأيام مرّ عليه سعيد بن عثمان بن عفان وهو متوجه الى مقاطعة خراسان لإخماد فتنة حدثت هناك فشجعه واغراه في الجهاد في سبيل الله وترك هذه الحياة، حياة اللصوصية. فإستجاب مالك لنصح سعيد وذهب معه الى الجهاد وأبلى بلاءاً حسناً وحسنت سيرته. وهناك رواية طريفة تقول إن مالك بن ريب لما خرج متوجهاً مع سعيد الى خراسان قيل إن إبنته تعلقت بثوبه وبكت وخاطبت أباها قائلة: أخشى أن يطول سفرك او يحول الموت بيننا فلا نلتقي. وقيل إن مالكاً بكى وأنشأ يقول يعني أشعاراً اخرى غير هذه القصيدة:

ولقد قلت لإبنتي وهي تبكي

بدخيل الهموم قلباً كئيباً

وهي تذري من الدموع على الخد

ين من لوعة الفراق غروباً

عبرات يكدن يجرحن ما جزن

به او يدعن فيه ندوبا

حذر الحتف أن يصيب أباها

ويلاقي في غير أهل شعوبا

أسكتي قد حززت بالدمع قلبي

طالما حزّ دمعكن القلوبا

فعسى الله أن يدفع الله عني

ريب ما تحذرين حتى أؤوبا


الشحمان: هذه الأبيات من ضمن الأبيات الأخرى التي أنشدها مالك، الأبيات القليلة لأنه كان شاعراً مقلاً. وقيل إنه كان خلال عودته من الغزو بينما كان في طريق العودة الى موطنه وهو وادي الغضى في منطقة نجد، قيل إنه أصيب بمرض شديد وقيل إنه لسعته أفعى وهو في نومه فسرى السم في عروقه وأحس بالموت فقال ينشد هذه القصيدة ويرثي فيها نفسه، وهذه القصيدة معروفة في الأدب العربي والشعر العربي وتعرف ببكائية مالك بن الريب التميمي وهي كما قلنا من أروع المرثيات التي نظمت في مسيرة الشعر العربي بل أن بعض النقاد يرون أنها أروع مرثية على الإطلاق نظراً الى طرافة موضوعها، قلما نجد شاعراً يفعل ذلك ..
المحاورة: نظراً لإبداعه بأنه يرثي نفسه
الشحمان: نعم وهو أبدع في هذه القصيدة وجمع بين البساطة والسهولة في الأسلوب يعني عندما نقرأ قصيدته هذه او أشعاره بشكل عام لاتتعبنا بمعانيها المعقدة إنما هي معاني واضحة وهي من النوع السهل الممتنع لذلك يمكننا القول إن هذه القصيدة تتمتع بشهرة فذة واسعة وتستمد صدقها من موضوعها فمن المعلوم عندما يرثي الانسان نفسه يكون عادة صادقاً في رثاءه لنفسه. بالإضافة الى هذه القصيدة لمالك ايضاً مقاطع شعرية في الوصف والحماسة أوردها أبوالفرج الأصفهاني في كتابه الأغاني. هذه خلاصة ما نستطيع لأن نقوله ومايسمح به وقت البرنامج.
المحاورة: نعم شكراً جزيلاً لك دكتور نأخذ فاصل قصير ثم نواصل الحديث عن شاعرنا لهذه الحلقة مالك بن الريب التميمي في قصيدته التي رثا فيها نفسه، إبقوا معنا مستمعينا.
المحاورة: أحبتي مستمعينا الكرام يبدو أن الشاعر الذي جبل على التمرد وحياة الصعلكة والخروج عن القانون والمرض الذي ألمّ به وهو في طريقه نحو سبيل الحياة الجديدة حيث الغزو في سبيل الله في ديار نائية عن موطنه عقاباً منطقياً له على ماهو مقدم عليه فأدرك أنها النهاية وقرر أن يرثي نفسه قبل أن يموت بإعتبار أنه ميت فعلاً فبدا في تلك القصيدة العجيبة وكأنه يكتب سيناريو موته كما يتخيله بمشاهد متتابعة وبرؤية فلسفية متخيلة وإن كانت من واقع متكرر وهو واقع الموت بصفته نتيجة حتمية للكون البشري بشكل عام. وفي القصيدة نحن بصدد شاعر في رحلة معتادة مع إثنين من رفاقه عندما يفهمه هاجس الموت ولاندري إن كان المرض هو الذي خلق الهاجس عند ذلك الشاعر أم هي التساؤلات التي لاتنفك تعصف بالتفكير البشري في وحدته غالباً، لكن الشاعر بدلاً بالتفكير بالموت بإعتباره تهديداً يجد نفسه في مشاهده المتتابعة ميتاً حقيقياً وهو الموت الذي يبدو تحقق بالنسبة له منذ أن غيّر إتجاهه في الحياة فإذا به يكتب السيناريو الحزين المفجع عبر أبيات القصيدة الطويلة بهدوء وروية وكأنه كاهن صادق في تنبؤاته يستبق الأحداث، والقصيدة طويلة جداً يبدأها الشاعر بما آل اليه حاله قبل أن يدهمه الموت فجأة وهو بين صاحبين اللذان يبدوان حائرين في كيفية دفنه وإنزاله القبر في صحراء كان الثلاثة يقطعونها على ظهور خيلهم. وعلى الرغم من حرص الشاعر على رسم التفاصيل الدقيقة لتلك المهمة الصعبة والمربكة لرفيقيه فإنه لاينسى أن يعود في لقطات إسترجاعية الى الوراء فيصف مشاهد من حياته السابقة للموت في الحرب حيث شجاعته المشهودة وبين أهله حيث مهارته في ممارس الحياة وكل ذلك في لقطات سريعة ومتتابعة لاينسى أن يمر من خلالها على بعض الوجوه المؤثرة في حياته ربما ليودعها وداعه الأخير بعد أن إتخذ القرار بنفسه. ندعوكم إخوتنا المستمعين للإنتقال الى أجواء القصيدة فإصحبونا.

ألا ليت شعري هل أبيتن ليلة

بجنب الغضا أزجي القلاص النواجيا

ألم ترني بعت الضلالة بالهدى

وأصبحت في جيش بن عفان غازيا

وأصبحت في أرض الأعادي بعدما

أراني عن أرض الأعادي قاصيا

أقول وقد حالت قرى الكرد بيننا

جزا الله عمراً خير ما كان جازياً

إن الله يرجعني من الغزو لاأرى

وإن قلّ مالي طالباً ما ورائيا

تقول إبنتي لما رأت طول رحلتي

سفارك هذا تاركي لاأبا ليا

لعمري لإن غالت خراسان هامتي

لقد كنت عن بابي خراسان نائيا

فإن أنج من بابي خراسان لاأعد

اليها وإن منيتموني أمانيا

تذكرت من يبكي عليّ فلم اجد

سوى السيف والرمح الرديني باكيا

وأشقر محلوكاً يجر عنانه الى

الماء لم يترك له الموت ساقيا

صريع على أيدي الرجال بقفرة

يسوّون لحدي حيث حُمّ قضائيا

ولما تراءت عند مرو منيتي

وحلّ بها جسمي وحانت وفاتيا

أقول لأصحابي إرفعوني فإنني

يقر بعيني أن سهيل بدا ليا

فيا صاحبي رحلي دنا الموت

فإنزلا برابية فإني مقيم لياليا

أقيما عليّ اليوم او بعض ليلة

ولاتعجلاني قد تبين مابيا

وقوما اذا ما أستل روحي فهيئا

لي السدر والأكفان ثم إبكيا ليا

وخطا بأطراف الأسنة مضجعي

وردا على عيني فضل ردائيا

خذاني فجراني بثوبي اليكما

فقد كنت قبل اليوم صعباً قياديا


المحاورة: أيها الأحبة وصلنا وإياكم الى نهاية هذه الحلقة من برنامجكم سير القصائد وخصصنا هذه الحلقة للشاعر مالك بن ريب التميمي في رثاء نفسه. لايسعني إلا أن أشكر ضيفي في الستوديو الدكتور سعدي الشحمان، دكتور شكراً لحضورك.
الشحمان: حياكم الله وأشكركم على حسن الإستضافة
المحاورة: شكراً لكم دكتور وأشكر مستمعينا الكرام لطيب المتابعة حتى الملتقى أطيب التحيات والمنى، في امان الله.

شاركوا هذا الخبر مع أصدقائكم

جميع الحقوق محفوظة