البث المباشر

قصيدة في الرثاء لأبي البقاء الرندي

الأحد 21 يوليو 2019 - 11:40 بتوقيت طهران

خبير البرنامج: الدكتور سعد الشحمان
المحاورة: بسم الله الرحمن الرحيم وبه تبارك وتعالى نستعين مستمعينا في كل مكان السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته. أحبتي المستمعين يسرنا أن نجدد اللقاء بكم عبر محطة اخرى تجمعنا معكم عند قصيدة جديدة من روائع الشعر العربي حيث السمو في المحتوى والمضمون والجمال في الصورة والتعبير، ندعوكم لمتابعتنا آملين أن تقضوا أطيب الأوقات وأحلاها معنا.
المحاورة: أيها الأخوة والأخوات كثيرة هي القصائد التي نظمت على مر العصور في رثاء البلدان والمدن الزائلة وندبها، واذا ما إنتقلنا الى شعراء الأندلس رأينا غزارة هذا النوع من الشعر وخاصة الشعراء الذين عاصروا فترة سقوط المدن الاسلامية في الأندلس الواحدة تلو الاخرى. ومن بين هؤلاء الشعراء الذين برزوا في هذا اللون من الشعر أبو البقاء الرندي الذي تعد قصيدته واحدة من أشهر القصائد وأروعها في رثاء الأندلس حيث عاش بنفسه هذه المأساة ورأى بأم عينه سقوط أخر القلاع والحصون الاسلامية وخروج المسلمين منها والتنكيل بمن بقي منهم، ومن هنا تكتسب قصيدته أهميتها وقيمتها التاريخية فضلاً عن قيمتها الفنية وخاصة اذا علمنا أنه تناول هذا الموضوع مدفوعاً بمشاعر وعواطف دينية. ندعوكم الى مرافقتنا عبر أرجاء هذه القصيدة لكن بعد هذا الفاصل.
المحاورة: يبدأ الشاعر أبو البقاء الرندي قصيدته في رثاء الأندلس في مقدمة يقرر فيها قاعدة فناء الأشياء وإستحالة بقاءها على حال واحدة فلاتكاد الأشياء تبلغ مرحلة الكمال حتى نراها تسارع في النقصان ومن طبيعة هذه الحياة أن تتقلب في أطوار متعددة فلايمكن للإنسان أن يثبت على حال واحدة ومن المستحيل أن يدوم له طيب العيش وهناء الحياة بل كل حمع مصيره التشتت والأيام دول بين الناس فإذا بها تهلك قوماً وتحيي آخرين وترفع خلقاً وتزل آخرين والمهم في كل ذاك أن يعتبر الانسان من كل ذلك فلايأخذنه الغرور ولاينحدر الى هاوية التجبر والطغيان كما ينبأنا أبو البقاء بذلك.

لكل شيء اذا ما تم نقصان

فلايغر بطيب العيش انسان

هي الأمور كما شاهدتها دول

من سرّه زمن ساءته أزمان

وهذه الدار لاتبقي على أحد

ولايدوم على حال لها شان

اين الملوك ذوي التيجان من

يمن واين منهم اكاليل وتيجان

واين ماشده شداد في إرم

واين ما ساسه في الفرس ساسان

واين ماحازه قارون من ذهب

واين عاد وشداد وقحطان

أتى على الكل امر لامرد له

حتى قضوا فكأن القوم ما كانوا

وصار ما كان من ملك ومن ملك

كما حكى عن خيال الطيف وسنان

كأنما الصعب لم يسهل له سبب

يوماً ولاملك الدنيا سليمان

فجائع الدهر أنواع منوعة

وللزمان مسرات وأحزان


المحاورة: تحية طيبة لكم من جديد مستمعينا الكرام وأنتم برفقة هذه الحلقة من برنامجكم سير القصائد من اذاعة طهران صوت الجمهورية الاسلامية في ايران. أحبتي معنا في الستوديو ضيف البرنامج الأستاذ الدكتور سعدي الشحمان الذي تفضل بقبول دعوتنا للمشاركة في هذه الحلقة من البرنامج عبر المعلومات القيمة التي عودنا على تزويدنا بها، نرحب بكم دكتور، أهلاً ومرحباً بك
الشحمان: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
المحاورة: عليكم السلام والرحمة
الشحمان: وأنتم كذلك متفضلون بدعوتنا الى برنامجكم وأحييكم وأحيي المستمعين الكرام
المحاورة: دكتور كما تعلم رثاء المدن والبلدان هو من جملة الأشعار التي تشغل مساحة واسعة من إهتمام الشاعر العربي عبر العصور اذا صح التعبير فأرجو منك اولاً ان تحدثنا عن هذا اللون من الشعر في ديوان الشعر العربي طبعاً مع التركيز على قصيدة هذا الأسبوع وهي القصيدة التي أنشدها الشاعر الأندلسي أبو البقاء الرندي.
الشحمان: نعم بسم الله الرحمن الرحيم في الحقيقة هذا الغرض او هذا الموضوع وهو رثاء المدن والممالك الزائلة من ضمن الأغراض التي عرفها الأدب العربي بشكل عام نثره وشعره، وكانت له جذور قديمة إعتباراً من العصر الجاهلي رغم أن الشعر الجاهلي لم تكن له مدن او ممالك يبكي عليها ..
المحاورة: لكن الأطلال كانت موجودة مثلاً
الشحمان: نعم كان البكاء على الأطلال والربوع الدارسة ويعتبر شبيهاً الى هذا الغرض الذي تسلل الى الشعر العربي بالإضافة الى ذلك لدينا قصائد نادرة يرثي بها الشعراء بعض المعالم التي كانت موجودة في بيئته من مثل أيوان كسرى الذي بكاه الشاعر البحتري ومن مثل بعض المظاهر الحضارية التي خلفها الملوك المناذرة والغساسنة ولكن عندما نتقدم الى الأمام نرى إنتشاراً واسعاً لهذا الغرض الشعري وخاصة في الأندلس وبالتحديد في أواخر حكم المسلمين لهذه البلاد وعندما بدأت هذه المدن والقلاع والممالك الأندلسية تتساقط الواحدة تلو الأخرى نتيجة لإنشغال المسلمين بنزاعاتهم ونتيجة لهجوم الأوربيين عليهم وفي الحقيقة أهمية رثاء المدن والممالك في الأندلس تكمن في أن تكشف عن جوانب غنية وثرية من التاريخ السياسي الذي كان بين المسلمين والمسيحيين في الأندلس كما نلاحظ هناك نوعاً من النقد الذاتي الذي وجهه الشعراء بشكل خاص الى المسلمين انفسهم عندما أدركوا أن السبب وراء ضياع هذه البلاد من يد المسلمين هو الإنغماس في حياة اللهو والترف والإنشغال بالصراعات بين الحكام المختلفين حتى أن المسلمين شهدوا حكماً فريداً من نوعه وهو حكم ملوك الطوائف نتيجة لتشتتهم والإنشقاقات التي حدثت بينهم والتي أدت أن يستغل الأوربيون هذه الفرصة ليهجموا هجمة واحدة على هذه البلاد ولينتزعوها من يد المسلمين كما أشار الى هذا أحد الشعراء الأندلسيين وهو المصحفي عندما قال في لهجة نقدية يقول:

مما يزهدني في أرض أندلس

أسماء معتضد فيها ومعتمد

ألقاب مملكة في غير موضعها

كالهر يحكي إنتفاخ صولة الأسد


الشحمان: وأما بالنسبة الى شاعرنا في هذه الحلقة وهو أبو البقاء الرندي الذي ولد وعاش وتوفي في القرن السابع الهجري، كان من أبناء مدينة رندة قرب الجزيرة الخضراء في الأندلس واليها تعود نسبته. لم يكن شاعراً فحسب وإنما كان من حفظة الحديث وكان أحد الفقهاء البارزين في ذلك الوقت وكان يمتلك مهارة عالية كما تشهد لنا بذلك قصيدته التي تعتبر من أشهر المراثي التي نظمت في سقوط الأندلس. أجاد هذا الشاعر ايضاً في أغراض اخرى من مثل المدح والغزل والوصف والزهد ولكن شهرته تعود بشكل رئيس الى هذه القصيدة والى هذا الغرض الشعري بعد سقوط عدد من المدن الأندلسية والتي كان هو نفسه معاصراً لهذه المأساة التي حدثت في الأندلس فنظم مرثيته الشهيرة التي تفضلتم بإنشاد بعض الأبيات منها وهي النونية والمعروفة بقصيدة النونية ونستطيع وصفها بأنها واسطة العقد في شعر رثاء المدن وأكثر هذه القصائد شهرة وأكثرها تعبيراً عن الواقع وهذا هو السبب الذي يكمن في شهرتها ..
المحاورة: وفي خلودها
الشحمان: نعم وفي خلودها ورثا من خلالها عدداً من المدن والممالك وصور لنا بشكل دقيق وبلهجة حزينة ومأساوية ماحلّ بالأندلس من خطوب عظيمة وجليلة وكيف ضاعت هذه المدن. وأشار الى قرطبة التي كانت دار العلوم، واشار الى مدينة أشبيليا التي كانت مهداً للفن وأشار الى مدينة حمص، حمص في الأندلس طبعاً التي كانت مهبط الجمال وكيف أقفرت الديار من الاسلام وحلت الكنائس محل المساجد وعلا صوت الناقوس ليحل محل صوت الأذان وما الى ذلك من معاني ضمنها الشاعر أبو البقاء الرندي في قصيدته هذه.
المحاورة: نعم شكراً جزيلاً لكم دكتور بهذا القدر نكتفي. شكراً لمعلوماتكم الجيدة حول شاعرنا لهذه الحلقة أبي البقاء الرندي، شكراً جزيلاً بك
الشحمان: شكراً جزيلاً لكم وشكراً للمستمعين الكرام
المحاورة: نعم ونشكر المستمعين الكرام، حتى الملتقى أطيب التحيات.

شاركوا هذا الخبر مع أصدقائكم

جميع الحقوق محفوظة