البث المباشر

الفخر والحكمة في شعر أبي الطيب المتنبي

الأحد 21 يوليو 2019 - 11:40 بتوقيت طهران

خبير البرنامج: الدكتور سعد الشحمان
المحاورة: مستمعينا الكرام في كل مكان السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته
أحبتي في واحات الأدب وتحت أفياء القوافي الوارفة وعلى ضفاف القوافي التي إنتزعت الإعجاب والتقدير من فم الزمان وأهله نلتقيكم مرة اخرى ونحن محملون بحصاد آخر من قريض الشعر العربي الذي خلده الزمان والمكان فأضحى انشودة تتغنى بها الأجيال على مر الدهور دون كلل او ملل. ندعوكم أيها الأحبة الى مرافقتنا عبر سيرة اخرى من سير القصائد.
المحاورة: مستمعينا محبي الأدب ومتذوقي الشعر كثيرة هي القصائد الخالدة التي ورثها الشعر العربي من فارسه وحكيمه أبي الطيب المتنبي، هذا الشاعر الموهوب الى أبعد الحدود والذي تطغى الجودة والإبداع على أشعاره ولانكاد نجد بين تضاعيف أشعاره الغث والركيك من النظم كما نلاحظ ذلك عند الكثير من الشعراء الذين يتذبذب معظمهم صعوداً وهبوطاً في عالم الإبداع الشعري. فنجد عندهم الرائع السامق المؤثر في النفوس ونجد في ذات الوقت الغث الركيك الذي يهبط بالشاعر الى مستوى من لايتمتعون بموهبة شعرية اصلاً. قصيدتنا التي إخترناها لكم أيها الأحبة من عاشقي الفن الرفيع هي من نوع تلك الأشعار التي تسير على نسق واحد ووتيرة لاتتغير من الجمال والإبداع والتأثير والروعة إعتباراً من مطلعها وحتى خاتمتها بل إننا قد لانبالغ إن قررنا أنها تزداد جمالاً وروعة كلما مضى الشاعر في رسم صورها وملامحها الفنية. إنها مستمعينا الكرام القصيدة التي عرفت بمطلعها "وا حرّ قلباه" القصيدة التي عبر الشاعر من خلالها عن مظلوميته وعدم معرفة الناس حتى أقرب المقربين وحتى من أضمر لهم الحب الخالص والوفاء لقدره وموهبته وشخصيته التي بلغت حدود النبوغ والعبقرية فكنوا له ما شاؤوا من التهم الباطلة ليصبوا بذلك الزيت على لهيب العبقرية ونيران النبوغ ليجود علينا المتنبي بقصيدة هي من أروع القصائد ومن أكثرها إزدحاماً بالفخر الممزوج بدرر الحكم ولآلئ قوانين وسنن الحياة الخالدة. فلنصغي معاً أيها الكرام لمقاطع من هذا القريض الخالد قبل أن يجمعنا اللقاء بخبير البرنامج، تابعونا مشكورين.

وا حرّ قلباه ممن قلبه شذم

ومن جسمي وحال عنده سقم

مالي أكتم حباً قد برى جسدي

وتدعي حب سيف الدولة الأمم

يا أعدل الناس إلا في معاملتي

فيك الخصام وانت الخصم والعلم

أعيدها نظرات منك صادقة

أن تحسب الشحم فيمن شحمه ورم

وما إنتفاع اخ الدنيا بناظره

اذا إستوت عنده الأنوار والظلم

سيعلم الجمع ممن ضم مجلسنا

بأنني خير من تسعى به قدم

أنا الذي نظر الأعمى الى أدبي

وأسمعت كلماتي من به صمم

أنام ملأ جفوني عن شواردها

ويسهر الخلق جراها ويختصم


المحاورة: مستمعينا الكرام من دواعي سرورنا أن نجدد اللقاء بخبير البرنامج الدكتور سعدي الشحمان الذي سيحدثنا عن الجانب الفخري والحكمي في شعر المتنبي. نرحب بكم دكتور أهلاً ومرحباً بكم
الشحمان: حياكم الله والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته وأنا ايضاً من دواعي سروري ان ألتقي بحضرتكم وبالمستمعين الأكارم
المحاورة: شكراً لهذا الحضور دكتور. نرجو دكتور أن تسلط الأضواء على ظاهرتين متلازمتين في شعر المتنبي وهما الفخر والحكمة حيث كثيراً ما نلاحظ وكما هو الحال في القصيدة التي نحن بصددها التلازم بل التمازج احياناً بين الجانبين الفخري والحكمي في أشعار أبي الطيب وكأن الفخر هو البركان الهادر الذي تتفجر الحكم الخالدة اذا صح التعبير اذا أطلقها المتنبي ليعرفنا من خلالها على قوانين الحياة وسننها وعلى فضائع الدهر والناس وخبايا النفوس.
الشحمان: نعم ما تفضلتم به صحيح، هذه الظاهرة وهذه الخصوصية في الحقيقة تعتبر من الخصوصيات التي تميز شخصية المتنبي الشعرية. نحن دائماً وأبداً نلاحظ هذا التلازم بين الشعر الذي نظمه المتنبي في مجال الفخر وفي مجال المدح وبين إطلاقه لحكمه الخالدة التي ظلت خالدة على مدى الدهور الى درجة أن بعض النقاد اعتبره فيلسوف القوة بين شعراء الحكمة، من المعروف أن المتنبي يعرف من شعراء الحكمة ولكن الحكم التي أطلقها كلها تدور حول محور واحد هو محور القوة والتغني بهذه القوة وهذه النزعة أكثر ما ظهرت في قصائده الفخرية وفي مدائحه، حتى المدائح التي مدح فيها الآخرين فإنه عطفها في الكثير من الأحيان على نفسه وصب هذا المدح على نفسه. وكان هذا المدح وهذا الفخر بمثابة المرجل او كما تفضلتم بمثابة البركان الذي إنطلقت منه الحكم التي نعرفها عن المتنبي. ربما كان ذلك بسبب طبيعة العصر الذي يعيشه المتنبي، كان المتنبي يعيش في نهايات حكم الدولة العباسية، في العهد الأخبر من الدولة العباسية وكما تعرفون كان هذا العهد عهد إنقسام الدولة العباسية الى دويلات صغيرة والى امارات صغيرة وكانت القوة تلعب دوراً كبيراً في تحديد مصائر الآخرين وفي تحديد الدور الذي يقوم به الشعراء لذلك المتنبي توسل بالقوة لتحقيق أهدافه ومن المعلوم أن الشعر هو الوسيلة الكبرى التي إستعان بها المتنبي في سبيل الوصول الى غاياته والى اهدافه التي كانت ذات طبيعة سياسية في كثير من الأحيان ونحن نعلم أن المتنبي كان كثير التعاظم وكثير الإعتداد بنفسه وشديد الثقة بنفسه كما فسر المتنبي نفسه هذه الظاهرة التي تميزت بها شخصيته في قوله وكانما يقارن بين شخصيته والعصر الذي كان يعيشه، يقول:

أين فضلي اذا قنعت من

الدهر بعيش منجد التنكيد

أبداً أقطع البلاد ونجمي

في نحوس وهمتي في صعود

ثم يقول بعد ذلك:

عش عزيزاً او مت وأنت كريم

بين خفق القنا وطعن البنود

الشحمان: يعني يعتبر المعارك ويعتبر القتال هي الطريق الوحيد الى بلوغ المجد وتحقيق الأهداف. ثم يقول:

واطلب العز في لظى ودع الذل

ولو كان في جنان الخلود


الشحمان: تلاحظ أن هذه الأبيات التي قرأتها عليكم هي أبيات فخرية ولكنها جاءت متلازمة وممزوجة مع الحكم وإنطلقت منها الحكم وكأن النفس الفخري لدى المتنبي هو المصدر والينبوع الذي إنطلقت منه الحكم التي خلدها التاريخ. سوف نحاول أن نستعرض فيما تبقى لنا من وقت ضيق وقصير بعضاً من الحكم التي انشدها المتنبي في هذا الجو، جو الفخر كما نلاحظ ذلك في قصيدته الزاخرة بالحكم من اولها الى آخرها والتي نظمها في مدح سيف الدولة الذي كان الصديق المفضل للمتنبي وكان يرى المتنبي في سيف الدولة الوسيلة لتحقيق اهدافه والتي بدأها بقوله:

لكل أمرء من دهره ما تعودا

وعادة سيف الدولة الطعن في العدا

ويقول بعد ذلك ناثراً الحكم الخالدة في ذلك الجو الحماسي والفخري:

ومن يجعل الضرغام بازاً لصيده

تصيده الضرغام فيما تصيدا

ثم يخاطب سيف الدولة قائلاً:

أزل حسد الحساد عني بكبتهم

فأنت الذي صيرتهم لي حسدا

ثم ينشد بيته الخالد حقاً يقول في هذا النفس الحماسي:

وما الدهر إلا من رواة قصائدي

اذا قلت شعراً أصبح الدهر منشدا

الشحمان: ربما يبالغ المتنبي في بعض الأحيان بالفخر بنفسه ولكن لاأدري هذا الفخر جاء مطبوعاً وجاء بسبب روعته وبسبب صوره الفنية التي بلغت الغاية في الجمال. ثم يقول بعد ذلك:

تركت السرى خلفي لمن قلّ ماله

وأنعلت أفراسي بنعماك عزجدا

اذا سأل الانسان أيامه الغنى

وكنت على بعد جعلنك موعدا

فسار به من لم يسير مشمراً

وغنا به من لم يغن مغردا

أجزني اذا انشدت شعراً فإنما

بشعري أتاك المادحون مرددا

الشحمان: لاأدري هل بقي من الوقت أم لا؟


المحاورة: نعم ليس لدينا من الوقت لتكملة الحديث عن شاعرنا لهذه الحلقة أبي الطيب المتنبي
الشحمان: نعم كان علينا أن نذكر بهذا الجانب في الحديث يعني جانب الفخر الذي هو مصدر الحكم التي نثرها المتنبي في أشعاره
المحاورة: نعم الفخر كما ذكرت ومصداق فخره بنفسه هو:

الخيل والليل والبيداء تعرفني

والسيف والرمح والقرطاس والقلم


كما قال الشاعر.
الشحمان: نعم وهذا هو البيت الذي تسبب كما يقول الرواة في مقتل المتنبي
المحاورة: نعم دكتور على العموم أشكرك جزيل الشكر لحضورك معنا وتسليط الضوء على شخصية شاعرنا لهذه الحلقة أبي الطيب المتنبي وإن شاء الله في الحلقات القادمة سنلتقي بك وبالمستمعين الكرام في قصائد اخرى عبر برنامج سير القصائد، شكراً لكم دكتور وشكراً لطيب متابعتكم مستمعينا الكرام حتى الملتقى أطيب التحيات وفي أمان الله.

شاركوا هذا الخبر مع أصدقائكم

جميع الحقوق محفوظة