البث المباشر

إحياء السنن

السبت 1 يونيو 2019 - 11:51 بتوقيت طهران

إذا جاءت الدّنيا عليك فجد بها

على النّاس طرّاً قبل أن تتفلّتِ

فلا الجود يفنيها إذا هي أقبلت

ولا البخل يبقيها إذا ما تولّت

"السَّلام عليك يا خازن الكتاب المسطور، السَّلام عليك يا وارث التّوراة والإنجيل والزّبور، السَّلام عليك يا أمين الرّحمان، السَّلام عليك يا شريك القرآن، السَّلام عليك يا عمود الدّين، السَّلام عليك يا باب حكمة ربّ العالمين". السَّلام عليكم إخوتنا وأعزّتنا المؤمنين – ورحمة الله وبركاته. إنّ من صفات الله جلّ وعلا إحياء العباد، وهو القائل عزّ من قائل:: "قُلِ اللَّهُ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يَجْمَعُكُمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لَا رَيبَ فِيهِ" الجاثية:۲٦، وهذا الإحياء للإنسان وهبه الله عزّ وجلّ للأنبياء والأوصياء عليهم السَّلام، وسيلةً للهداية والتقوى والأوبة إلى الله تبارك وتعالى، وهو إحياء القلوب والأرواح والنفوس والضمائر، وإحياء القلوب والأرواح والنفوس والضمائر، وإحياء الإيمان والأخلاق والشريعة. ومن هنا خاطب الباري جلّ وعلا عباده المؤمنين يقول لهم:: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اسْتَجِيبُواْ لِلّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُم لِمَا يُحْيِيكُمْ". الأنفال: ۲٤ كتب المفسّر المرحوم الطباطبائيّ في تفسيره (الميزان) يقول: لمّا دعاهم الله تعالى في قوله:: " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَرَسُولَهُ"إلى إطاعة الدعوة الحقّة، أكده ثانياً بالدعوة إلى استجابة الله والرسول في دعوته، ببيان حقيقة الأمر، والركن الواقعيّ الذي تعتمد عليه هذه الدعوة، وهذا الركن هو أنّ هذه الدعوة هي دعوةٌ إلى ما يحيي الإنسان بإخراجه من مهبط الفناء والبوار. وأضاف يقول: الّلام في (لما يحييكم) بمعنى إلى، والذي يدعو إليه الرسول ـ صلّى الله عليه وآله ـ هو الدّين الحقّ، وهو الإسلام الذي يفسّره القرآن الكريم باتّباع الفطرة، فيما تنتدب إليه من علمٍ نافع، وعملٍ صالح. وللحياة – في النظرة القرآنية – معنى آخر أدقُّ ممّا نراه ونعرفه من أنّها ما يعيش به الإنسان في نشأته الدّنيوية، فنقرأ في سورة العنكبوت (٦٤) قوله تعالى:: "وَمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا لَهْوٌ وَلَعِبٌ وَإِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ". أجل، فللإنسان حياةٌ أخرى أعلى كعباً، وأغلى قيمةً من هذه الحياة الدنيوية، وهي الحياة الأخروية التي هي أرفع قدراً وأعلى منزلةً، وهي الحياة الحقيقية الأشرف والأكمل. وقد تعدّد الرأي أيها الإخوة الأكارم – في بيان تلك الحياة التي دعا إليها رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله – فقال بعضهم: إنّ المراد بقوله تعالى: "إِذَا دَعَاكُم لِمَا يُحْيِيكُمْ" بالنظر إلى مورد النزول، هو إذا دعاكم إلى الجهاد ؛ إذ فيه إحياء أمركم، وإعزاز دينكم. وقيل: المعنى: إذا دعاكم إلى الشهادة في سبيل الله في جهاد عدوّكم، فإنّ الله عزّ وجلّ عدّ الشهداء أحياءً عنده، كما في قوله: "وَلاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ أَمْوَاتاً بَلْ أَحْيَاء عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ" آل عمران: ۱٦۹ . وقيل: المعنى هو: إذا دعاكم إلى الإيمان؛ فإنّه حياةُ القلب، كما أنّ الكفر موتُ القلب. أو إذا دعاكم إلى الحقّ. وقيل: إذا دعاكم إلى القرآن والعلم في الدين؛ لأنّ العلم حياة، والجهل ممات، والقرآن نورٌ وحياةٌ وعلم. وقيل: إذا دعاكم لما يحييكم، أي إذا دعاكم إلى الجنّة، إذ فيها الحياة الدائمة التي ليس فيها موت، كما فيها النعيم الأبديُّ الدائم المقيم. بعد هذا، يكون للمفسّر الطباطبائي رأيه أن لا وجه لتقييد الآية بمعنى معينٍ واحد، فالآية المباركة مطلقة لا موجب لصرفها إلى معنى ضيق وإخراجها عن معناها الواسع، فكلّ الوجوه المذكورة في بيانها تقبل انطباق الآية الشريفة عليها. وهذا يعني – إخوتنا الأفاضل – فيما يعنيه: أوّلاً أنّ الله جلّ جلاله خلع على حبيبه المصطفى محمّدٍ ـ صلّى الله عليه وآله ـ هذه الملكة والقدرة والإرادة في دعوة الناس إلى ما يحييهم بالهدى والحقّ والفضيلة والتقوى، بعد أن أماتهم الكفر والشرك والباطل وسوء الخُلق.. دعاهم إلى التّمسك بالثّقلين الشريفين: كتاب الله عزّ شأنه، وعترته صلوات الله عليهم، ففي ذلك حياتهم الحقيقية الرفيعة.. ومن عترته – أيها الإخوة الأحبّة – سبطه وريحانته، ومن ذكر أنّه منه – الحسين بن عليّ، وصيه وخليفته، والذي مضى على ما نهجه رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ ودعا إلى ما دعا إليه، إحياءً لهذه الأمّة.. وقد جاء في وصيته قبل أن يخرج من المدينة إلى مكة فكربلاء: "وأنّي لم أخرج أشراً ولا بطراً، ولا مفسّداً ولا ظالماً، وإنّما خرجت لطلب الإصلاح في أمّة جدّي ـ صلّى الله عليه وآله.. أريد أن آمَرُ بالمعروف وأنهى عن المنكر، وأسير بسيرة جدّي وأبي عليّ بن أبي طالب، فمن قبلني بقبول الحقّ، فالله أولى بالحق، ومن ردّ هذا أصبر حتّى يقضي الله بيني وبين القوم وهو خير الحاكمين". أجل.. وحقّاً كانت حياة الإمام الحسين كحياة جدّه النبيّ الأكرم _صلّى الله عليه وآله وسلّم_ وكانت دعوته كدعوته لما يحيي العباد، وقد أجمع المؤرّخون وأصحاب السّير والتراجم أنّ دعوة الحسين ما كانت إلّا بياناتٍ قرآنية، ومعارف إلهية، وسُنناً نبوية، وأخلاقاً رسالية، وشرائع إسلامية، ونداءاتٍ أخروية، وخطاباتٍ إنسانية.. وفي ذلك حياة الناس لو كانوا يفقهون، لكنّهم حظّهم أخطأوا فقتلوا من دعاهم إلى ما يحييهم، فخابوا وانقلبوا إلى ما يرديهم!

*******

 

شاركوا هذا الخبر مع أصدقائكم

جميع الحقوق محفوظة