البث المباشر

عمل المعروف أو خدمة الآخرين

السبت 11 مايو 2019 - 15:52 بتوقيت طهران

خبير البرنامج: الشيخ عقيل زين الدين الباحث الاسلامي من لبنان 
مستمعينا الكرام.. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. نرحب بكم في لقاء جديد لبرنامج اداب شرعية لحياة طيبة. وموضوع هذه الحلقة هو (عمل المعروف) نرجو قضاء وقت ممتع ولحظات حلوة مع فقرات هذه الحلقة. ونتمنى لكم كل خير وسعادة وهناء.
عزيزي المستمع: المعروف هو كل ما تعرفه النفس من الخير وتطمئن إليه. القول المعروف ما كان حسنا جميلا يملأ القلب سرورا وانبساطا وحبا والمعروف يشمل كل أبعاد الخير قولا وعملا. 
إن متعة الحياة ولذة العيش سوف تشعر بها كلما قمت بعمل طيب تجاه الآخرين، سواء تلقيت الشكر عليه أو لا. وفي الحقيقة ان سعادتك هي انعكاس لسعادة الآخرين.
السعادة لا تتم إلا إذا اشترك فيها أكثر من شخص. فالسعادة لا تظفر بها إلا بالمشاركة. الإنسان يشعر بالشبع إذا تناول الطعام ولكن الإنسان لا يشعر بالمتعة والراحة النفسية إلا عند ما يشترك مع الآخرين في الأكل. (وخير الطعام ما تكاثرت عليه الأيدي) و (لذيذ العيش أن تشتركا). 
ولكي تتأكد من ذلك جرب _عزيزي المستمع_ أن تطعم طيرا أو تسقي وردة، أو تصلح ساقية، وستكتشف مدى السعادة، التي سوف تشعر بها، يقول أستاذ الصحة النفسية العالم الفرنسي إيمرسون: (إن السعادة عطر لا تستطيع أن تعطر به غيرك دون أن تنهل منه وإن صالح الأعمال ومنه بالطبع العطاء للأخرين من أفضل وسائل إسعاد النفس).
فعندما تعطي فأنت تأخذ أيضا، فكلما أعطيت أكثر بأساليبك الفريدة، شعرت بالسعادة في حياتك. وتنتابك مشاعر من السلام الداخلي أكثر مما تتوقع.
أحبائنا المستمعين: عندما يقرر الإنسان أن يساعد الآخرين يجد الكثير من الطرق لذلك، فالمجال واسع جدا لتكون معطاء. فمن ذلك ما ذكره أحدهم من أنه عندما قرر خدمة الناس وجد كل شيء عنده تحول إلى وسيلة لذلك. فمثلا يمكنك فتح بيتك لصديق أو ربما لشخص زائر يحتاج إلى مأوى وأحيانا ترك مقعدك لرجل مسن في القطار. أو تكتب كتابا نافعا، أو تقدم مبلغا من المال لبناء مسجد أو أي مشروع لخدمة الأيتام. حتى التقاط حجر من الطريق يعد عملا معروفا. أو السلام على فقير ومنحه ولو شيئا قليلا مما يسد حاجته أو زيارة مريض. أو رسم الإبتسامة الحلوة على وجوه الأطفال خصوصا من فقدوا أبائهم في الحروب أو الحوادث. 
يقول أحد الكتاب: (سقيت زهرة في حديقتي كان قد برح بها العطش، فلم تقل لي شكرا ولكنها انتعشت فانتعشت معها روحي..). 
الإسلام يأمرنا بالإحسان إلى الآخرين حتى النبات والحيوان إذ أمرنا بالرفق بالحيوان. وإذا كان الأمر مثيرا بالنسبة للحيوان والنبات والجماد فكيف سيكون بالنسبة للإنسان؟؟ وإن امرأة دخلت النار بسبب قطة فلا هي أطعمتها ولا هي تركتها تأكل من خشاش الأرض. بل حبستها حتى ماتت، حسب ما ورد في الحديث النبوي الشهير. عزيزي المستمع: وهنا نسأل ضيفنا الكريم سماحة (الشيخ عقيل زين الدين الباحث الاسلامي من لبنان) ما هو أثر عمل المعروف ومساعدة الآخرين في تحقيق السعادة لفاعل المعروف نفسه، نستمع معا لإجابته. 
زين الدين: بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة على خير خلقه محمد وعلى ال بيته الطيبين الطاهرين 
شدد الشارع المقدس بقول ان "المؤمنون اخوة" و "رحم الله من سعى في قضاء حوائج المؤمنين" الخير من مسلم الى مسلم من سعى في قضاء حاجة أخيه المسلم او اخيه المؤمن. الشارع المقدس نظر الى المؤاخاة في تكامل الجسم الاسلامي وزرع غرس المحبة في قلوب المسلمين جميعاً في ان يقضي الانسان حاجة اخيه الانسان وجعل لمن يقضى له الاجر وللساعي بقضاء الاجر له سبعين ضعف ذلك، شدد الشارع المقدس بأنه من سعى في قضاء حوائج المسلمين له الاجر الاعظم في ذلك والمردود الفعلي يكون لفاعل الخير الذي سعى في فعل الخير، مردود عند الله جل وعلا ومردود اجتماعي ومردود نفسي. كم يحس الانسان بسعادة اذ ماقصده سائل او قصده مريض او قصده محتاج وساعده في قضاء حاجته اذا كان صادقاً فعلاً وفعله قربة الى الله تعالى كمن ملك الدنيا والاخرة، لاتقدر بمال ولاتقدر بثمن هذا عند صاحب الضمير، عند صاحب الانسانية. لاتتحقق الانسانية الحقة ولايحس الانسان بسعادة الا اذا سعى في قضاء حوائج الاخوان الاخرين. كم جميل ان يأتي مريض وهو بحاجة الى دواء وهو فقير لايستطيع شراء الدواء الى انسان يستطيع شراء ذلك الدواء وقضى حاجته بذلك وسبب له الشفاء من المرض او دفع له مقابل عملية جراحية معينة ومن ثم ذهب لعيادته وقد شفي من ذلك المرض وهو يعلم انه السبب في المساعدة في شفاءه من ذلك المرض سعادة! واقعاً سعادة لاتوصف اذا كانت قربة الى الله وتقع في يد الله تبارك وتعالى. "رحم الله من سعى في قضاء حوائج المؤمنين".
عزيزي المستمع: إن عمل المعروف يفقد الكثير من قيمته إذا كانت الدوافع إليه الرغبة في الحصول على الثناء والتقدير. من هنا فإن الإخلاص يجعله ينمو ويتضاعف. فعندما يكون العمل خالصا لوجه الله تعالى يكون مقبولا وثوابه كثيرا مضاعفا. فإن الله يضاعف الحسنات وإنه لا يضيع أجر من أحسن عملا..
يقول الإمام أميرالمؤمنين عليه السلام: "من السعادة التوفيق لصالح الأعمال" قال الإمام الصادق عليه السلام: "تنافسوا في المعروف لإخوانكم وكونوا من أهله. فإن للجنة بابا يقال له باب المعروف يدخله من عمل المعروف في الحياة الدنيا".
وقال رسول الله (صلى الله عليه وآله) "الخلق كلهم عيال الله فأحبهم إلى الله تعالى أنفعهم لعياله" وقال زين العابدين (ع): "من قضى لأخيه حاجة قضى الله له مائة حاجة إحداهن الجنة. ومن نفس عن أخيه كربة نفس الله عنه كرب الدنيا والآخرة". وقال الصادق عليه السلام قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): "من أكرم أخاه بكلمة يلطفه بها. وفرج عنه كربته لم يزل في ظل الله الممدود عليه من الرحمة".
جاء رجل إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) وقال: يارسول الله إن عيني جامد وإن قلبي قاس، ادع الله في أن يرق قلبي وتدمع عيني. فأجابه رسول الله بما مضمونه: ابحث عن طفل يتيم امسح على رأسه وادخل السرور والبهجة في قلبه تشعر برقة القلب والعين. 
عزيزي المستمع: وهنا ينبغي أن نعرف أهم اداب فعل الخير ومساعدة الآخرين في الشريعة الإلهية لكي نحصل بذلك على أفضل ثماره الطيبة وهذا مايحدثنا عنه مشكورا سماحة (الشيخ عقيل زين الدين الباحث الاسلامي من لبنان) لنستمع لما يقوله: 
زين الدين: طبعاً اهم ادابها اولاً "صدقة السر تطفأ غضب الرب" ان لايشهر بذلك، اذا اراد ان يفعل معروفاً مع الاخرين اولاً ان تكون بينه وبين طالب الحاجة وان لايخرج متباهياً في الشارع وكل ما رآه يقول يافلان شفي ولدك من المرض؟ لقد دفعنا لك مبلغاً من المال! هذه تؤذي الذي تصدق عليه "صدقة السر تطفأ غضب الرب" ان لايكون في ذلك مباهاة ولامنية على الفقير، ان تكون واقعاً صافية لوجه الله تبارك وتعالى وكأنه لم يفعل شيئاً هذه اثرها يقع في الدنيا وفي الاخرة ان تكون بعنوان السر الا اذا اراد ان يشجع مجموعة اخرى لفعل الخير ان فلاناً محتاج لمبلغ معين او عملية جراحية او اي حاجة اخرى فأراد ان يشجع الاخرين بأعطاء ذلك المال او تلك المساعدة لااشكال ولكن اذا كان يريد من وراءها الجاه والتوجه وغيره فهنا يقع الاشكال الشرعي في هذه المسئلة فالقاعدة التي يعمل عليها هي "صدقة السر تطفأ غضب الرب" ومن تصدق بالسر ربح الدارين دار الدنيا ودار الاخرة، ان يكون العنوان صدقة السر وان تكون قربة الى الله من دون منية مطلقاً الا اذا اراد من خلال مساعدته لمريض او محتاج او غيره ان يشجع الاخرين على ذلك فلا اشكال، هنا لااشكال في ذلك ولكن اذا كان يخلط هذا العمل بجاه يخسر ماله ولاترتد عليه اي مسئلة معنوية اخرى ولااجر ولاثواب. 
عزيزي المستمع: السعادة مخزون من الفيض الإلهي وحصتك منه هو بمقدار ما تحمله لغيرك، فمن أجل حياتك إعمل المعروف. وقد جاء في الحديث (لا تحقر من المعروف شيئا ولو أن تلقى أخاك بوجه طلق). و(تبسمك في وجه أخيك صدقة) و(الكلمة الطيبة صدقة).
إن فعل الخير كالمسك كالطيب كالورد ينفع حامله وبائعه ومشتريه. وعوائد الخير النفسية عقاقير مباركة تصرف في صيدلية من غمرت قلوبهم بالبر والإحسان.
عزيزي المستمع: ومن وجوه الإحسان بشاشة الوجه والسماح وفي المثل: السماح رباح، وفي الحديث الشريف: "رحم الله امرء سمحا إذا باع وسمحا إذا اشترى وسمحا إذا تقاضى".
ومن وجوه الإحسان الدعاء للمؤمنين والمؤمنات. الدعاء لشفاء المرضى وزيارة المرضى. والإحسان ليس بالضرورة بذل المال. إنما بالتواضع، بالابتسامة بالقول الحسن، بالعبارة الجميلة، بالمديح للآخرين والشكر لإحسانهم، بإدخال السرور في القلوب. خصوصا قلوب اليتامى والأطفال والمرضى. وقد روي عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) "إن في الجنة بابا يقال له باب الفرح. لا يدخله إلا من أدخل الفرح في قلوب اليتامى".
المعروف هو أي عمل يدخل البهجة والسرور والرضا في النفس، زيارة الآخرين خصوصا الأقرباء والتعرف على أحوالهم وبذل المعروف لهم. وبر الوالدين والإحسان إليهم من أعظم وجوه البر وقد جاء في الحديث: "أعظم الناس حقا على الرجل أمه، وأعظم الناس حقا على المرأة زوجها".
إلى هنا نأتي إلى ختام حديثنا حول المعروف وخدمة الآخرين وإلى أن نلتقي بكم في حلقة أخرى من برنامجكم (آداب شرعية لحياة طيبة) نستودعكم الله والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

شاركوا هذا الخبر مع أصدقائكم

جميع الحقوق محفوظة