البث المباشر

قصة قضاء سليمان عليه السلام

الإثنين 18 مارس 2019 - 11:22 بتوقيت طهران

الحلقة 70

 

الحمد لله رب العالمين وصلّى الله على سيدنا محمدٍ واله الطيبين الطاهرين. أحبة القرآن الكريم السلام عليكم ورحمة الله وبركاته أجمل تحيةٍ نبعثها الى حضراتكم وانتم برفقة هذا البرنامج القرآني الذي تتابعونه من اذاعة طهران، فأهلاً بكم في هذه الحلقة ضمن تجوالنا في ربوع القرآن الكريم نتطرق الى قصة الحرث والغنم التي جرت بين نبّي الله داوود وابنه سليمان (عليهما السلام) وبالتحديد تلك التي تتحدث عنها الآيتان ۷۸ و۷۹ من سورة الانبياء المباركة تابعونا ضمن الفقرات التالية.
بدايةً نقدّم لكم تلاوةً مرتّلةً لهذه الايات المباركة، ثم نتعرف على معاني المفردات والعبارات القرآنية التي وردت في هذه الايات، وثمة نقاشٌ حول هذه القصة بين المفسّرين نستمع الى خلاصته، ثم نستكمل البحث من خلال حديث ضيفنا. ننتقل بعد ذلك الى محطة الحكاية ونتابع تفاصيلها. ثم نغترف من نبع علوم أهل البيت عليهم السلام في فقرة من هدي اهل البيت (عليهم السلام)، ورواية عن الامام الصادق (عليه السلام). وأخيراً مع الدروس والنتائج المستقاة من هذه القصة القرآنية فأهلاً بكم الى هذا البرنامج.

المقدمة

تذكر هاتان الآيتان جانباً من حياة داود وسليمان (عليهما السلام)، وهو حادث قضاءٍ وحكمٍ صدر من جانبهما (عليهما السلام) وذلك عندما استفتي داوود (عليه السلام) في قضية الحرث والزرع الذي نفشت فيه الغنم أي رعت فيه ليلاً، ووفّق سليمان عليه السلام في الحكم الأقوم. لنستمع الى تلاوة هاتين الآيتين ثم نعد ونواصل الفقرات التالية.

التلاوة

"وَدَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ إِذْ يَحْكُمَانِ فِي الْحَرْثِ إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شَاهِدِينَ{۷۸} فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ وَكُلّاً آتَيْنَا حُكْماً وَعِلْماً وَسَخَّرْنَا مَعَ دَاوُودَ الْجِبَالَ يُسَبِّحْنَ وَالطَّيْرَ وَكُنَّا فَاعِلِينَ{۷۹}"

المفردات

فتقول الاية: "وَدَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ إِذْ يَحْكُمَانِ فِي الْحَرْثِ إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شَاهِدِينَ". مفردة (نفشت) من مادّة (نفش) أي التفرّق والتبعثر في الليل، ولمّا كان تفرّق الأغنام في الليل، وفي المزرعة سيقترن بالتهام نباتها حتماً لذا قال البعض: إنّها الرّعي في الليل. و(نفش) تعني الأغنام التي تتفرّق في الليل. ومن المعلوم أن لا معنى لحكم حاكمين في واقعةٍ واحدةٍ شخصيةٍ مع استقلال كل واحدٍ منهما في الحكم ونفوذه، ومن هنا يظهر أنّ المراد بقوله: (إِذْ يَحْكُمَانِ) اي إذ يتناظران أو يتشاوران في الحكم لإصدار الحكم النافذ.
(وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شَاهِدِينَ) فإنّ الظاهر أنّ ضمير (لِحُكْمِهِمْ) للأنبياء وقيل انّ الضمير راجعٌ إلى داود وسليمان والمحكوم له، والمقصود من (شَاهِدِينَ) اي حاضرين نرى ونسمع ونوقفهم على وجه الصواب فيه.
(فَفَهَّمْنَاهَا) أي علّمناه الحكومة في ذلك (وَكُلّاً آتَيْنَا حُكْماً وَعِلْماً) أي وكل واحدٍ من داود وسليمان أعطيناه حكمةً، وقيل معناه النبوة وعلم الدين والشرع. وبالرغم من أنّ القرآن قد ألمح إلى هذه المحكمة لمحةً خفيّةً، وإكتفى بإشارةٍ إجماليةٍ وإستخلاص النتيجة الأخلاقية والتربوية لها والتي سنشير إليها فيما بعد، إلاّ أنّه وردت بحوثٌ كثيرةٌ حولها في الاحاديث الدينية وأقوال المفسّرين. وعلى كلّ حالٍ، فإنّ الآية التالية تؤيّد حكم سليمان في هذه القصّة على هذه الشاكلة: (ففهّمناها سليمان) ولكنّ هذا لا يعني أنّ حكم داود كان إشتباهاً وخطأ، لأنّها تضيف مباشرةً (وَكُلّاً آتَيْنَا حُكْماً وَعِلْماً). ثمّ تشير إلى إحدى المواهب والفضائل التى كان الله سبحانه قد وهبها لداود (عليه السلام)، فتقول: (وَسَخَّرْنَا مَعَ دَاوُودَ الْجِبَالَ يُسَبِّحْنَ وَالطَّيْرَ) قيل معناه سيّرنا الجبال مع داود حيث سار فعبّر عن ذلك بالتسبيح لما فيه من الآية العظيمة التي تدعو إلى تسبيح الله وتعظيمه وتنزيهه عن كل ما لا يليق به وكذلك تسخير الطير له تسبيحٌ يدلّ على أنّ مسخّرها قادرٌ لا يجوز عليه ممّا يجوز على العباد، وقيل إنّ الجبال كانت تجاوبه بالتسبيح وكذلك الطير يسبّح معه بالغداة والعشيّ معجزةً له (وَكُنَّا فَاعِلِينَ) أي قادرين على هذه الأشياء ففعلناها دلالةً على نبوّته.

*******

زين العابدين: بسم الله الرحمن الرحيم 
طبعاً هذه الايات المباركة في سورة الانبياء " "وَدَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ إِذْ يَحْكُمَانِ فِي الْحَرْثِ إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شَاهِدِينَ" انظرنا هنا لم يقل وكنا لحكمهما شاهدين "فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ وَكُلّاً آتَيْنَا حُكْماً وَعِلْماً وَسَخَّرْنَا مَعَ دَاوُودَ الْجِبَالَ" اذن هناك حكمان، داوود عليه السلام حكم حكماً وسليمان عليه السلام حكم بحكم، النفش هو دخول الاغنام في المزرعة، حينما تدخل الاغنام وتخرب الزرع في الليل هذا يسمى النفش وعلى صاحب الاغنام ان يخسر ما اتلف من الزرع من قبل اغنامه بأعتبار هو مسؤول في الليل ان لايجعل الاغنام سائبة فيتحمل صاحب الاغنام الخسارة حينما تنفش يعني حينما تدخل مزرعة وتأكل الزرع فداوود عليه السلام حكم حكماً وسليمان حكم حكماً كذلك والحكمان من عند الله عزوجل ولكن حكم داوود اشد على صاحب الاغنام من حكم سليمان لأن داوود عليه السلام حكم ان تكون الاغنام تعطى لصاحب الزرع لأنه سحب حساب رياضي ما اتلف من الزرع بقيمة الاغنام فحكم داوود عليه السلام الاب حكم بأعطاء الاغنام الى صاحب الزرع بينما سليمان عليه السلام حكم بأعطاء نتاج الاغنام من الصوف وحينما تلد هذه الاغنام لمدة سنة، نتاج الاغنام لمدة سنة من لبن وصوف ونتاج يعني اولاد جدد تعدل قيمة الزرع فبقيت الاغنام عند صاحب الاغنام واخذ يعطيه نتاج وفوائد هذه الاغنام لمدة سنة فكان حكم سليمان الابن هو اخف من حكم داوود الاب ولهذا يقول ابو بصير، عندنا رواية في الكافي (سألت ابا عبد الله يعني الامام الصادق عن قول الله "وَدَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ إِذْ يَحْكُمَانِ فِي الْحَرْثِ إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ" فقال علي السلام يعني الامام الصادق لايكون النفش الا بالليل، ان على صاحب الحرث ان يحفظ الحرث بالنهار وليس على صاحب الماشية حفظها بالنهار فما افسدت فليس عليها وعلى صاحب الماشية حفظ الماشية في الليل عن حرث الناس فما افسدت بالليل فقد ضمنوا وهو النفش) فداوود حكم للذي اصاب زرعه رقاب الغنم بينما حكم سليمان بأعطاء النتاج، نتاج الاغنام، فكان حكم داوود عليه السلام اشد بينما حكم سليمان اخف على صاحب الغنم وكلا الحكمين من عند الله عزوجل. في رواية اخرى كان قبل هذا في زمن داوود كان الحكم يعطى الاغنام بعد ذلك كأنما نسخ هذا الحكم او بدل لحكم اخف ان يعطى نتاج الاغنام اذن لهذا القرآن الكريم يقول "وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شَاهِدِينَ" يعني لم يقل لحكمهما شاهدين، الاية المباركة "وَدَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ إِذْ يَحْكُمَانِ فِي الْحَرْثِ إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شَاهِدِينَ{۷۸} فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ وَكُلّاً آتَيْنَا حُكْماً وَعِلْماً" اذن حكم داوود عليه السلام كان نابعاً من حكمة وعلم وكذلك كلاً آتينا حكماً وعلماً ولكن كان اعطاء النتاج لصاحب زرع اخف وطأة من اعطاء الاغنام، رأس الاغنام الى صاحب الزرع وكلا الحكمين من عند الله عزوجل، ان هذا حكم واحد لأن " وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شَاهِدِينَ" الظاهر هذا كان حكماً واحداً يعني كانوا في حال تشاور وليس هناك حكمان منفصلان صدرا لصاحب الاغنام وانما كان يبدو في حالة الاب والابن كانا في حالة مشورة داخلية بعد ذلك اعلنا حكماً واحداً وهذا ما ربما نستشفه من قوله تعالى "وكنا لحكمهم شاهدين" يعني يدل على ان الحكم حكمان صحيحان ويدل كذلك على ان الوضعية كانت وضعية تشاور بين داوود الاب وسليمان الابن. 
لكن تبقى هنا عدّة إستفهامات مهمّةٍ منها:
۱) ماذا كان أساس ومعيار هذين الحكمين؟
۲) كيف إختلف حكم داود عن حكم سليمان؟ فهل كانا يحكمان على أساس الإجتهاد؟ 
۳) هل المسألة هذه كانت على هيئة تشاورٍ في الحكم، أم أنّهما حكما بحكمين مستقلّين يختلف كلٌّ منهما عن الآخر؟! نستمع الى الاجابة عن هذه التساؤلات عن لسان خبير هذا اللقاء.

*******

القصة: (الحرث والغنم)

لقد رزق الله نبيّه سليمان عليه الصلاة والسلام النبوة والملك وأعطاه ملكاً لا ينبغي لأحدٍ من بعده فكان ملكه واسعاً وسلطانه عظيماً. فكان عليه السلام أبيض جسيماً، كثير الشعر، يلبس من الثياب البياض، ورث الملك من أبيه داوود عليه السلام وكان عمره حينئذٍ اثنتي عشرة سنةً، وقد كان مع حداثة سنّه من ذوي الفطانة والذكاء وحسن التدبير والسياسة، وقد منحه الله تبارك وتعالى منذ صباه الذكاء والحكمة وحسن القضاء، فقد كان أبوه في أيام ملكه يشاوره في أموره مع حداثة سنّه لحكمته وفطانته.
اما تفصيل القصة التي تشير اليها آيات هذه الحلقة، فهي: إنّ أغناماً لبعض الرعاة دخلت ليلاً إلى بستانٍ فأكلت أوراقه وعناقيد العنب منه فأتلفته، فرفع صاحب البستان شكواه إلى داوود، فكان رأي داوود أن يعوّض صاحب الاغنام صاحب البستان عن خسارته الفادحة بأعطاء الأغنام له، فقال سليمان والذي كان طفلا آنذاك، لأبيه: يا نبيّ الله العظيم، الرأي هو أن تودع الأغنام عند صاحب البستان ليستفيد من منافعها ولبنها وصوفها، وتودع البستان في يد صاحب الأغنام ليسعى في إصلاحه، فإذا عاد البستان إلى حالته الأولى يردّ إلى صاحبه، وتردّ الأغنام أيضاً إلى صاحبها.

من هدى الائمة _عليه السلام_


عن أبي جعفرٍ الباقر (عليه السلام): في قول الله عزوجل: "وَدَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ إِذْ يَحْكُمَانِ فِي الْحَرْثِ إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ"، قال:"لم يحكما إنّما كانا يتناظران ففهّمها سليمان". عن ابي عبد الله الصادق (عليه السلام): "حكم داود بما حكمت به الأنبياء (عليهم السلام) من قبله، وأوحى الله إلى سليمان (عليه السلام): وأيّ غنمٍ نفشت في زرعٍ فليس لصاحب الزرع إلاّ ما خرج من بطونها". وكذلك جرت السنّة بعد سليمان وهو قول الله عزوجل: "وَكُلّاً آتَيْنَا حُكْماً وَعِلْماً" فحكم كلّ واحدٍ منهما بحكم الله عزّوجل.

دروس وعبر

إنّ المعيار في رأي داوود (عليه السلام) كان جبران الخسارة، فنظر (عليه السلام) إلى أنّ الخسارة التي أصابت الكرم تعادل قيمة الأغنام، ولذلك رأى إعطاء الأغنام لصاحب البستان جبراً للخسارة، لأنّ التقصير من جانب صاحب الأغنام. أمّا معيار حكم سليمان (عليه السلام) فقد كان يرى أنّ خسارة صاحب البستان تعادل ما سينتفع به من الأغنام لسنةٍ كاملة! لقد كان هناك تناسبٌ بين الخسارة والجبران، لأنّ جذور النباتات لم تتلف، بل ذهبت منافعها المؤقتة، ولذلك فإنّ من الأعدل إلاّ تنقل أصول الأغنام إلى ملك صاحب البستان، بل تنقل منافعها فقط. 
لا شكّ أنّ حكم الأنبياء مستندٌ إلى الوحي الإلهيّ، إلاّ أنّ هذا لا يعني أنّ وحياً خاصّاً ينزل في كلّ موردٍ من موارد الحكم، بل إنّ الأنبياء يحكمون حسب القواعد الكليّة التي تلقّوها من الوحي. بناءً على هذا فإنّه لا توجد مسألة الإجتهاد النظريّ بمعناها الإصطلاحي، وهو الإجتهاد الظنّي، ولكن لا مانع من أن يكون هناك طريقان لإيجاد ضابطةٍ كليّةٍ، وأن يكون نبيّان كلٌّ منهما يرى أحد الطريقين، وكلاهما صحيحٌ في الواقع.
إنّ الطريق الذي إختاره سليمانٌ (عليه السلام) كان أقرب من الناحية التنفيذيّة، وجملة "وَكُلّاً آتَيْنَا حُكْماً وَعِلْماً" شاهدةٌ على صحّة كلا القضاءين.

شاركوا هذا الخبر مع أصدقائكم

جميع الحقوق محفوظة