البث المباشر

قصة النبي موسى والخضر

السبت 16 مارس 2019 - 16:55 بتوقيت طهران

الحلقة 2

لحمد لله رب العالمين والصلاة على المبعوث رحمة للعالمين محمد واله الطيبين.
يسرنا ان نلتقي بكم عبر لقاء آخر من لقاءات القصص الحق لنقف واياكم وقفة متأنية متدبرة اخرى عند حكاية قرآنية اخري، في هذه الحلقة سنخوض معاً في حكاية نبي الله موسي (عليه السلام) وعبد الله الخضر التي تحدثت عنها سورة الكهف من الاية ٦۰ حتى ۸۲ عسى الله ان يكتبنا من المتدبرين في آياته.
في بداية البرنامج وبعد مقدمة عن اجواء الحكاية القرآنية ننصت معا الى تلاوة قسم من هذه الايات، ثم نتعرف على اهم مفرداتها ومعاني العبارات القرآنية، ثم ننتقل الى ضيف هذه الحلقة فضيلة عبد السلام زين العابدين ليجيبنا عن بعض الاسئلة حول هذه الايات القرآنية، بعد ذلك نستمع الى تفاصيل القصة القرآنية، لنقدم لكم بعدها الروايات المروية عن ائمة اهل البيت (عليهما السلام) بشأن الحكاية، واخيراً ننهي البرنامج بالقاء الضوء علي اهم النقاط والدروس المستفادة منها بتوفيق من الله. 

*******

ذكر المفسّرون في سبب نزول هذه الآيات أنَّ مجموعة مِن قريش جاؤوا الى النّبي (صلى الله عليه وآله) وسألوه عن عالم كان موسى (عليه السلام) مأموراً باتباعه، وفي الجواب على ذلك نزلت هذه الآيات.
لقد ذكرت في سورة الكهف ثلاث قصص متناسقة وهذه القصص هي: قصّة أصحاب الكهف وقصّة موسى والخضر(عليهما السلام); وقصّة ذي القرنين.
هذه القصص الثلاث تخرجنا مِن الأفق المحدود في حياتنا وما تعودنا عليه وألفناه، وتبيّن لنا أن حدود العالم لا تنحصر في نطاق ما نرى وما نُشاهد، وأنَّ الشكل العام للحوادث والأحداث ليسَ هو ما نفهمهُ مِن خلال النظرة الأُولى.
إِنَّ قصّة موسى والخضر لها أبعاد عجيبة ففي القصّة يُواجهنا مشهد عجيب نرى فيه نبيّاً مِن أولي العزم بكل وعيه ومكانته في زمانه يذهب الى معلم (هو عالم زمانه) ليدرس ويتعلم على يديه، ونرى أنَّ المعلم يقوم بتعليمه دروساً يكون الواحد مِنها أعجب مِن الآخر. ثمّ إنَّ هذه القصّة تنطوي ـ كما سنرى ـ على ملاحظات مهمّة جدّاً. لكن دعونا في البداية ان نلقي نظرة علي معاني المفردات والعبارات القرآنية التي وردت في هذه الحكاية. 
في أوّل آية نقرأ قوله تعالى: «وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِفَتَاهُ لا أَبْرَحُ حَتَّى أَبْلُغَ مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ أَوْ أَمْضِيَ حُقُبًا». إِنَّ المعنى بالآية هو موسى بن عمران النّبي المعروف مِن أولي العزم، أمّا المعني مِن «فَتَاهُ» فهو يوشع بن نون.
«مجمع البحرين» بمعنى محل التقاء البحرين والمقصود منه على ارجح الاحتمالات هو محل اتصال «خليج العقبة» مع «خليج السويس» بسبب قربه الى مكان موسى (عليه السلام). ويؤكد هذا الاحتمال ما نستفيده مِن الآيات ـ بشكل عام ـ مِن أنَّ موسى (عليه السلام) لم يسلك طريقاً طويلاً بالرغم مِن أنَّهُ كان مستعداً للسفر الى أي مكان لأجل الوصول الى مقصوده. كلمة «حُقـُب»تعني المدّة َالطويلة والتي فسَّرها البعض بثمانين عاماً، قوله تعالى: «فَلَمَّا بَلَغَا مَجْمَعَ بَيْنِهِمَا نَسِيَا حُوتَهُمَا» أي السمكـّة التي كانت معهما، أمّا العجيب في الأمر فإِنّ الحوت: «فَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ سَرَبًا»، «سَرَب» يعني السير في الطريق المنحدر، و«سَََرْب» يعني الطريق المنحدر.
«فَلَمَّا جَاوَزَا قَالَ لِفَتَاهُ آتِنَا غَدَاءَنَا لَقَدْ لَقِينَا مِن سَفَرِنَا هَذَا نَصَبًا»، «غَدَاءَ» يقال للطعام الذي يتمّ تناوله في أوّل اليوم أو في منتصفه والنصب هو الوهن الذي يكون عن كد والمعنى: ولما جاوزا مجمع البحرين أمر موسى فتاه أن يأتي بالغداء وهو الحوت الذي حملاه ليتغديا به ولقد لقيا من سفرهما تعبا.
«قَالَ ذَلِكَ مَا كُنَّا نَبْغِ فَارْتَدَّا عَلَى آثَارِهِمَا قَصَصًا» البغي يعني الطلب، والارتداد هو العود على بدء، والمراد بالآثار آثار أقدامهما، والقصص اتباع الأثر، اذن تقول الاية عن لسان موسى: ذلك الذي وقع من أمر الحوت هو الذي كنا نطلبه فرجعا على آثارهما يقصانها قصصا ويتبعانها اتباعاً «قَالَ لَهُ مُوسَى هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَن تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا» الرشد هو خلاف الغي وهو إصابة الصواب، والمعنى قَالَ لَهُ مُوسَى هَلْ أَتَّبِعُكَ اتباعاً مبنياً على أساس أن تعلمني مما علمت لأرشد به أو تعلمني مما علمت أمراً ذا رشد. لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا إِمْرًا، [إِمْرًا] اي داهية عظيمة.
«لا تُرْهِقْنِي مِنْ أَمْرِي عُسْرًا» الرهق هو الغثيان بالقهر، والمعنى لا تؤاخذني بنسياني الوعد وغفلتي عنه ولا تكلفني عسراً من أمري، «أَقَتَلْتَ نَفْسًا زَكِيَّةً»، الزكية تعني الطاهرة، والمراد طهارتها من الذنوب لعدم البلوغ وقوله: «بِغَيْرِ نَفْسٍ» أي من دون أن يقتل نفساً محترمة «لَّقَدْ جِئْتَ شَيْئًا نُّكْرًا» أي منكراً يستنكره الطبع ولا يعرفه المجتمع قوله: «اسْتَطْعَمَا أَهْلَهَا» المقصود بالاستطعام طلب الطعام ولذا قال: «فَأَبَوْا أَن يُضَيِّفُوهُمَا»، وقوله: «فَوَجَدَا فِيهَا جِدَارًا يُرِيدُ أَنْ يَنقَضَّ» الانقضاض يعني السقوط، «فأقامه» أي أثبته الخضر بإصلاح شأنه «أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ» ان إِطلاق وصف «المساكين» عليهم ليسَ بسبب الفقر المالي، بل بسبب افتقارهم للقوّة والقدرة، « أَنْ أَعِيبَهَا» أي أجعلها اي السفينة معيبة «فَخَشِينَا أَن يُرْهِقَهُمَا طُغْيَانًا وَكُفْرًا» فعندما يكون لهما ولدٌ منحرفٌ يعيش في دائرة الكفر والضلال. «فَخَشِينَا أَن يُرْهِقَهُمَا طُغْيَانًا وَكُفْرًا» وذلك باستخدام موقعه العاطفي في سبيل إغوائهما للسير في خط الكفر والطغيان، أو كما يذهب إليه البعض ـ أن يضغط عليهما، ويسيء معاملتهما، ويحاصرهما في نشاطهما الروحي، وذلك من خلال طغيانه وكفره اللذين لا يراعي معهما أيّة قرابة وأيّة عاطفة. 
«فَأَرَدْنَا أَن يُبْدِلَهُمَا رَبُّهُمَا خَيْرًا مِّنْهُ» في الخير والصلاح والإيمان، «وَأَقْرَبَ رُحْمًا» بمعنى أشد وصلاً للقرابة وللرحم فلا يُرْهِقَهُمَابشيء.

*******

اسئلة الخبير

الان ننتقل الي حوار اجراه الزميلنا مع ضيف هذه الحلقة عبد السلام زين العابدين للوقوف عند بعض التساؤلات حول هذه القصة القرآنية. 
المحاور: اهلاً ومرحباً بكم في برنامج "قصص الحق" نستضيف في هذه المحطة من البرنامج سماحة السيد عبد السلام زين العابدين استاذ العلوم القرآنية من مدينة قم المقدسة، في سياق قصة النبي موسى والخضر (عليهم السلام)، هل يمكن لنبي مثل موسى عليه السلام ان يصاب بالنسيان حيث يقول القرآن «نَسِيَا حُوتَهُمَا»، ثم لماذا نسب صاحب موسى (عليه السلام) نسيانه الى الشيطان؟
السيد عبد السلام زين العابدين: بسم الله الرحمن الرحيم، طبعاً موضوع النسيان، وهل يمكن للانبياء ان يصابوا بالنسيان، وهل ان النسيان يؤثر على العصمة وعلى النبوة، قطعاً نحن نؤمن بان الانبياء معصومون وهذه العصمة يعني هذا الايمان ليس ايمان نقلي وان كان القرآن يشير في العديد من الآيات الى عصمة الانبياء والمرسلين، بل ان حتى ابليس يؤمن بعصمة الانبياء لان يقول «لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ، إِلاَّ عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ»، المُخلصين وليس المخلصِين، والمخلصون هم الانبياء والمرسلون والائمة المعصومون، حتى ابليس يؤمن بعصمة الانبياء وبانه ليس لديه سلطان على الانبياء والمرسلين ما عبر عنهم بالمخلصين، والله عز وجل قال: «إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ، ولكن بعض مفردات العصمة قد يختلف فيها مثلاً في حالة نسيان موسى (عليه السلام) او يوشع بن نون فتى موسى نسي الحوت، هذا النسيان لا يضر بالعصمة، يعني نسيان القضايا الصغيرة جداً التي ليس لها علاقة بالنبوة وليس لها علاقة بالتشريع وليس لها علاقة بالاسوة، لاننا نحن نؤمن عقلياً بعصمة الانبياء هذا هو الايمان العقلي، لان النبي حينما يخطأ سيخطأ كل الناس، وسيكون فعله اسوة وقدوة الى يوم القيامة، ولهذا لابد ان يكون النبي معصوم، ولكن هناك امور صغيرة كما يقول الشريف المرتضى علم الهدى في "تنزيه الانبياء" حينما يتحدث عن نسيان موسى الكليم ليس فقط في هذه القصة «نَسِيَا حُوتَهُمَا»، لا تُؤَاخِذْنِي بِمَا نَسِيتُ، هنا موسى وليس فتى موسى، لا تُؤَاخِذْنِي بِمَا نَسِيتُ وَلا تُرْهِقْنِي مِنْ أَمْرِي عُسْرًا، الشريف المرتضى والطوسي والطبرسي رضوان الله تعالى عليهم وحتى العلامة الطباطبائي يقول: هذه امور صغيرة لا تؤثر على عصمة الانبياء والمرسلين.
المحاور: طيب فضيلة السيد كيف كانت مهمة الخضر (عليه السلام) هل هي في اطار النظام التشريعي ام التكويني؟
السيد عبد السلام زين العابدين: الخضر حالة خاصة يعني الدرس الذي كان يريد ان يعطيه لموسى (عليه السلام)، في روايات عديدة عن الائمة خمسة روايات تتحدث عن سبب لقاء موسى مع العبد الصالح، في بعض الروايات تقول عن الامام الصادق ان موسى الكليم (عليه السلام) حينما نزلت عليه التوراة وحينما اغرق الله فرعون حدثته نفسه بانه الاعلم فاوحى الله الى جبرائيل يا جبرائيل ادرك عبدي قبل ان يهلك فان في مجمع البحرين من هو اعلم منه، هذه هي تقريباً خلاصة سر لقاء موسى مع العبد الصالح، ولهذا كان هذا اللقاء لقاء خاص اراد الله سبحانه وتعالى ان يعلم موسى ان مهما كان في العلم فيشعر التقصير وَقُل رَّبِّ زِدْنِي عِلْمًا هذه المقولة خطاب لرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): وَقُل رَّبِّ زِدْنِي، ما معنى زِدْنِي يعني الشعور بالنقص مهما كان ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى، فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى ومع ذلك الله عز وجل يأمره يقول وَقُل رَّبِّ زِدْنِي عِلْمًا وبالتالي درس لنا جميعاً بان نردد يومياً مهما اصبحنا علماء ومن المفكرين الا نغتر بعلمنا وَقُل رَّبِّ زِدْنِي عِلْمًا، ولهذا كانت قصة الخضر (عليه السلام) قصة خاصة لا تشمل ظاهر الشريعة وانما باطن الشريعة، ولهذا كان موسى يعرف ظهر الشريعة بينما الخضر يعمل وفق بواطن الشريعة، من هنا ان موسى الكليم (عليه السلام) اعترض مرات عديدة على الخضر لانه عمل عملاً يراه موسى ظاهراً وشرعاً يراه خاطئاً.
المحاور: سياق هذه القصة ربما تطرح اسئلة كثيرة، كيف يمكن اتلاف جزء من اموال شخص بدون اجازته بذريعة ان هناك غاصب يريد ان يصادرها ام انه هل يمكن معاقبة فتى بذريعة الاعمال التي سيقوم بها في المستقبل كيف حال هذه الامور؟
السيد عبد السلام زين العابدين: هذا درس عظيم، حينما حينما يعطي الله عز عبداً رؤيا مستقبلية علم لدني ويرى ان هذا الشخص حينما يكبر سيضر اباه وامه وسيؤدي بهم الى الرهق والى الطغيان، ومن مصلحة الاب و الام ان يقتل هذا او يموت، كذلك اهل السفينة ما عمله الخضر (عليه السلام) كان يصالح اصحاب السفينة ويعلمنا درساً كبيراً، حتى ان الامام الصادق (عليه السلام) في بحث جواز الغيبة الموارد التي يجوز فيها الغيبة كان يغتاب زرارة كان يبهت زرارة كان يلعن زرارة، بعث زرارة ابنه الى المدينة طبعاً زرارة كان بالكوفة، الامام قال لابن زرارة عبد الله قال له بمعناه بعث له رسالة رائعة قال له: "اني خرقتك كما خرق الخضر السفينة وما خرقتك الا لكي تنجو فانك يا زرارة من افضل سفن هذا البحر القمقام الزاخر وان وراءك ملك او ملكا يأخذ كل سفينة ترد في بحر الهدى ليأخذها ويغصبها"، فاذن الامام الصادق استفاد من فخرقها نحن حينما نبهت فلان او نلعن فلان من اجل حمايته من الجائرين هذا عمل ودرس عظيم من خلال كلمة فخرقها، فالخرق كان لصالح اصحاب السفينة، كذلك قتل الغلام، كذلك بناء الجدار لم يكن لصالح اهل القرية البخلاء وانما كان لصالح اليتيمين الذين كانا لهما هذا الكنز.
المحاور: فضيلة السيد عبد السلام زين العابدين استاذ العلوم القرآنية من قم المقدسة، شكراً لكم وشكراً لاحبائنا وهم يتابعون ما تبقى من هذه الحلقة من البرنامج.

*******

قصة النبي موسي والخضر

قام موسى كليم الله خطيباً في بني إسرائيل، يدعوهم الى الله ويحدثهم عن الحق، وكان كلامه بليغاً. فأثر فيهم بعد أن انتهى من خطابه: هل على وجه الأرض أحد اعلم منك يا نبي الله؟
قال موسى مندفعا: لا.
وساق الله تعالى عتابه لموسى حين لم يرد العلم إليه عزوجل، فبعث إليه جبريل يسأله: يا موسى ما يدريك أين يضع الله علمه؟
أدرك موسى أنه تسرع وعاد جبريل (عليه السلام)، يقول له: إن لله عبداً بمجمع البحرين هو أعلم منك.
تاقت نفس موسى الكريمة الى زيادة العلم، وانعقدت نيته على الرحيل لمصاحبة هذا العبد العالم. سأل كيف السبيل إليه. فأمر أن يرحل، وأن يحمل معه حوتا في مكتل، أي سمكة في سلة. وفي هذا المكان الذي ترتد فيه الحياة لهذا الحوت ويتسرب في البحر، سيجد العبد العالم. انطلق موسى - طالب العلم- ومعه فتاه. وهو وصيه يوشع بن نون وقد حمل الفتى حوتا في سلة. انطلقا بحثاً عن العبد الصالح العالم. وليست لديهم أي علامة على المكان الذي يوجد فيه إلا معجزة ارتداد الحياة للسمكة القابعة في السلة وتسربها الى البحر.
وصل الاثنان الى صخرة جوار البحر. رقد موسى واستسلم للنعاس، وبقي الفتى يقظاً ساهراً. وألقت الرياح إحدى الأمواج على الشاطئ فأصاب الحوت رذاذ فدبت فيه الحياة وقفز الى البحر وكان تسرب الحوت الى البحر علامة أعلم الله بها موسى (عليه السلام) لتحديد مكان لقائه بالرجل الحكيم الذي جاء موسى يتعلم منه.
نهض موسى من نومه فلم يلاحظ أن الحوت تسرب الى البحر ونسي فتاه الذي يصحبه أن يحدثه عما وقع للحوت وسار موسى مع فتاه بقية يومهما وليلتهما وقد نسيا حوتهما. ثم تذكر موسى غداءه وحل عليه التعب ولمع في ذهن الفتى ما وقع.
ساعتئذ تذكر الفتى كيف تسرب الحوت الى البحر هناك وأخبر موسى بما وقع، واعتذر إليه بأن الشيطان أنساه أن يذكر له ما وقع، رغم غرابة ما وقع، فقد اتخذ الحوت «سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ». كان أمراً عجيباً ما رآه يوشع بن نون، لقد رأى الحوت يشق الماء فيترك علامة وكأنه طير يتلوى على الرمال.
سعد موسى من مروق الحوت الى البحر وقَالَ: هذا ما كنا نريده، إن تسرب الحوت يحدد المكان الذي سنلتقي فيه بالرجل العالم ويرتدّ موسى وفتاه يقصان أثرهما عائدين.
أخيراً وصل موسى الى المكان الذي تسرب منه الحوت. وصلا الى الصخرة التي استراحا عندها، وتسرب عندها الحوت من السلة الى البحر وهناك وجدا رجلا.
فسلم عليه موسى.
وقال موسى: أنا موسى.
قال الخضر: موسى بني إسرائيل. عليك السلام يا نبي بني إسرائيل.
قال موسى: وما أدراك بي؟
قال الخضر: الذي أدراك بي ودلك علي. ماذا تريد يا موسى؟
قال موسى ملاطفاً مبالغاً في التوقير: «هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَن تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا».
قال الخضر: أما يكفيك أن التوراة بيديك وأن الوحي يأتيك؟ يا موسى «إِنَّكَ لَن تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا».
قال الخضر لموسى (عليهما السلام): إن هناك شرطاً يشترطه لقبول أن يصاحبه موسى ويتعلم منه هو ألا يسأله عن شيء حتى يحدثه هو عنه. فوافق موسى على الشرط وانطلقا.
انطلق موسى مع الخضر يمشيان على ساحل البحر مرت سفينة، فطلب الخضر وموسى من أصحابها أن يحملوهما، وعرف أصحاب السفينة الخضر فحملوه وحملوا موسى بدون أجر، إكراماً للخضر، وفوجئ موسى حين رست السفينة وغادرها أصحابها وركابها فوجئ بأن الخضر يتخلف فيها، لم يكد أصحابها يبتعدون حتى بدأ الخضر يخرق السفينة، اقتلع لوحا من ألواحها وألقاه في البحر فحملته الأمواج بعيداً.
فاستنكر موسى فعلة الخضر وقال: لقد حملنا أصحاب السفينة بغير أجر، أكرمونا وها هو ذا يخرق سفينتهم ويفسدها. كان التصرف من وجهة نظر موسى معيباً وغلبت طبيعة موسى المندفعة عليه، كما حركته غيرته على الحق، فاندفع يحدث أستاذه ومعلمه وقد نسي شرطه الذي اشترطه عليه: «قَالَ أَخَرَقْتَهَا لِتُغْرِقَ أَهْلَهَا لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا إِمْرًا».
وهنا يلفت العبد الرباني نظر موسى الى عبث محاولة التعلّم منه، لأنه لن يستطيع الصبر عليه، ويعتذر موسى بالنسيان ويرجوه ألا يؤاخذه وألا يرهقه: «قَالَ لا تُؤَاخِذْنِي بِمَا نَسِيتُ وَلا تُرْهِقْنِي مِنْ أَمْرِي عُسْرًا».
سارا معاً. فمّرا على حديقة يلعب فيها الصبيان. حتى إذا تعبوا من اللعب انتحى كل واحد منهم ناحية واستسلم للنعاس، فوجئ موسى بأن العبد الرباني يقتل غلاماً. ويثور موسى سائلاً عن الجريمة التي ارتكبها هذا الصبي ليقتله هكذا. يعاود العبد الرباني تذكيره بأنه أخبره أنه لن يستطيع الصبر عليه: «قَالَ أَلَمْ أَقُل لَّكَ إِنَّكَ لَن تَسْتَطِيعَ مَعِي صَبْرًا» ويعتذر موسى بأنه نسي ولن يعاود الأسئلة وإذا سأله مرة أخرى سيكون من حقه أن يفارقه ومضى موسى مع الخضر.
فدخلا قرية بخيلة. لا يعرف موسى لماذا ذهبا الى القرية، ولا يعرف لماذا يبيتان فيها، نفذ ما معهما من الطعام، فاستطعما أهل القرية فأبوا أن يضيفوهما وجاء عليهما المساء، وأوى الاثنان الى خلاء فيه جدار يريد أن ينقض، جدار يتهاوى ويكاد يهم بالسقوط وفوجئ موسى بأن الرجل العابد ينهض ليقضي الليل كله في إصلاح الجدار وبنائه من جديد ويندهش موسى من تصرف رفيقه ومعلمه، إن القرية بخيلة، لا يستحق من فيها هذا العمل المجاني: «قَالَ لَوْ شِئْتَ لاتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْرًا». انتهى الأمر بهذه العبارة.
قال عبد الله لموسى: «هَذَا فِرَاقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ» لقد كشفت الآيات اللاحقة عن الحكمة فيما فعله العبد الصالح ذو العلم اللدني.

*******

الان الي محطة في رحاب اهل البيت (عليهم السلام) ولنر مذا يقول ائمة اهل البيت (عليهما السلام) بشان العبد الصالح ذي العلم اللدني المذكور في هذه الآيات.

في رحاب اهل البيت (عليهما السلام)

عن الامام الصادق (عليه السلام): "أن الخضر كان نبياً مرسلاً بعثه الله تبارك وتعالى الى قومه فدعاهم الى توحيده والإقرار بأنبيائه ورسله وكتبه، وكان آيته أنه لا يجلس على خشبة يابسة ولا أرض بيضاء إلا أزهرت خضراء وإنما سمي خضراً لذلك".
وعن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: إنما سمي الخضر خضراً لأنه صلى على فروة بيضاء فاهتزت خضراء.

*******

دروس وعبر

احبة الايمان والقرآن

۱- تؤكد الايات الاسلوب الوديع الذي يعبّر عن روح التواضع للعلم والعلماء، من دون نظر الى طبيعة المركز الاجتماعي أو الديني الذي يقف فيه العالم والمتعلم، فنحن نجد الأدب الرسالي في هذه الكلمات الهادئة المتعطشة للعلم التي خاطب بها موسى (عليه السلام) هذا العبد الصالح: هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَن تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا».
۲ - الأسلوب الواقعي الذي يعبِّر عن الروح العملية التي يعيشها العالم تجاه المتعلمين، بعيداً عن أيّة مجاملة تفرضها الأوضاع الاجتماعية، أو أيّ أسلوب من أساليب اللف والدوران التي تحاول خداع الآخرين، لتجعل منهم أرقاماً تضاف الى أرقام الأتباع الموجودين الذين يشاركون في تضخيم شخصية الأستاذ، من دون ملاحظة لاستفادتهم منه أو قابليتهم للتعلُّم والانتفاع بعلمه.
۳ - إن القضايا التي قام بها هذا العبد الصالح، كانت تتحدى صبر موسى (عليه السلام) بما أثارته من خروج عن الخط الشرعي، كما في قضية قتل الغلام، وخرق السفينة، لما في الأول من اعتداء على الأموال وتعريض الآخرين للخطر من دون حق، ولما في الثاني من اعتداء على الحياة بدون ذنب، وكما في حادثة تثبيت الجدار وما أظهرته من إهمال لمبدأ استغلال الطاقة التي يملكها الإنسان، من أجل حماية نفسه من الجوع، لا سيما مع الأشخاص الذين لا يعيشون القيم في حياتهم العامة ولهذا كانت احتجاجات موسى (عليه السلام) تتلاحق وتشتد في كل حالة من هذه الحالات، حتى كانت الحالة الأخيرة التي سبقها التعهُّد الأخير بالصبر من قِبَل موسى (عليه السلام)، وإعطاء صاحبه الحرية في أن يفارقه، إذا استمر في إثارة السؤال وفي نفاد الصبر.
٤- إن على الداعية أن يعيش الانضباط والصبر والصمت في الحياة العملية التي تتحرك في اتجاه ممارسته المسؤولية، إذا كانت الجهة التي يتبعها أو يتعاون معها في مستوى الثقة الفكرية والدينية والعملية التي تبرِّر له أمر الاعتماد عليها، والسير معها، فلا يسارع الى الاعتراض في ما يوجّه إليه من أوامر، وما يشاهده من أعمال تخالف ما هو مألوف لديه، لأن ذلك قد يوجب الارتباك في العمل، والخلل في انضباط الصفوف. بل يؤخِّر ذلك الى الظرف المناسب والمكان المناسب، حيث يكون، من الممكن، من وجهةٍ عملية، القيام بما يريده من إثارة السؤال والجواب.
٥ - إن على المؤمنين أن يتقبلوا بالصبر والتسليم ما يُلقى إليهم من أحكام الله، مما لا يتفق مع الأفكار التي يألفونها، لأن الله ـ سبحانه ـ أعلم بجهات الصلاح والفساد.

*******

شاركوا هذا الخبر مع أصدقائكم

جميع الحقوق محفوظة