البث المباشر

ثقافة غزة وتراثها تحت الخطر

الأحد 29 أكتوبر 2023 - 08:49 بتوقيت طهران
ثقافة غزة وتراثها تحت الخطر

تقع غزة عند مفترق الطرق بين لبنان ومصر، وعًدّت عبر التاريخ مركزاً تجارياً مهماً، بالإضافة إلى موقعها العسكري ذي الأهمية الاستراتيجية. يعود تاريخها إلى ما لا يقل عن 5000 عام.

في العصور القديمة تصارع عليها المصريون والكنعانيون إلى أن وصل الأمر إلى الإمبراطوريتين البريطانية والعثمانية. وتركت هذه الحضارات بصماتها على غزة، وساهمت في خلق إرث لا يزال مستمراً حتى يومنا هذا. لكن المدينة وقطاعها في الوقت الحالي، يتعرضان للقصف، ولا كهرباء في المستشفيات.

في 19 تشرين الأول/أكتوبر، دمرت غارة جوية إسرائيلية كنيسة أرثوذكسية يونانية تعود إلى القرن الثاني عشر، بحيث كان الناس يختبئون. استشهد 18 شخصاً. نحن نتحدث عن ثقافة غزة وتراثها المعرضين لخطر التدمير، وعن الثقافة الفلسطينية في هذه المدينة الفريدة وتقاليدها.

في قطاع غزة، عدد من المباني التاريخية، يعود بعضها إلى العصرين المملوكي والعثماني. وتقع معظمها في الأحياء التاريخية لمدينة غزة. وعلى الرغم من الأزمة المزمنة التي شهدها القطاع، اقتصادياً واجتماعياً وسياسياً، إلا أن المباني تنقل إحساساً بالهوية الوطنية والتاريخ الطويل.

حتى قبل اشتداد العدوان الإسرائيلي على غزة عام 2023، كانت المعالم السياحية في المنطقة معرضة للخطر. فبالإضافة إلى الحرب، كانت الأسباب متنوعة: غزة واحدة من أكثر المناطق اكتظاظاً بالسكان في العالم، وفيها كان الطلب على السكن يتزايد باستمرار. لم تكن هناك مبادرات كثيرة للمحافظة على التراث المعماري، لكن تجدر الإشارة إلى أن هذا يتطلب تدابير التخطيط الحضري والتمويل، فضلاً عن المهنيين المؤهلين.

كنيسة القديس برفيريوس
في 20 تشرين الأول/أكتوبر 2023، استيقظ سكان غزة على قصف آخر. تعرضت إحدى أقدم الكنائس في هذا القطاع الفلسطيني، وهي كنيسة القديس برفيريوس، في وقت متأخر من ليلة الخميس، لغارة جوية إسرائيلية، الأمر الذي أسفر عن استشهاد 16 شخصاً على الأقل، وإصابة العشرات داخل الكنيسة الأرثوذكسية اليونانية. لجأ عدد من سكان غزة إلى هذا المعبد عندما اندلعت الحرب.

وفي عام 2014، بات نحو 2000 شخص، معظمهم من النساء والأطفال، في باحة الكنيسة وفي أروقتها. تقع كنيسة القديس برفوريوس في حي الزيتون، وتُعَدّ من أقدم الكنائس العاملة في مدينة غزة، وسميت على اسم أسقف غزة في القرن الخامس الميلادي، والذي يقع ضريحه في الزاوية الشمالية الشرقية من الباحة.

شُيّدت هذه الكنيسة في الأصل عام 425 للميلاد، لكن في القرن السابع تم تحويلها إلى مسجد. وفي القرن الثاني عشر، أعاد الصليبيون استخدامها ككنيسة. من أبرز ميزات المبنى سقفه ذو القبة، وثلاثة مداخل مدعومة بأعمدة رخامية. وفي كل عام، يؤم الكنيسة مئات المؤمنين من السكان المسيحيين الغزيين، ليشاركوا في قداس عيد الميلاد.

تل أم عامر أو دير القديس هيلاريون
يقع دير تل أم عامر المسيحي في الجزء الجنوبي من مدينة غزة، ويُعَدّ مسقط رأس القديس هيلاريون، وهو راهب سوري فلسطيني من القرن الرابع الميلادي، كان من رواد الرهبنة، بحيث ترك الحياة الدنيا وتفرغ للروحانيات.لعدة قرون، كان الدير بمثابة محطة للمسافرين عند مفترق الطرق بين مصر وفلسطين وسوريا وبلاد ما بين النهرين.

يتكون الدير من كنيستين ومدفن وقاعة المعمودية ومدافن عامة، بالإضافة إلى سرداب واسع. وهو أحد أكبر الأديرة في المنطقة، وتبلغ مساحته نحو 10 هكتارات. وعلى الرغم من كونه في حاجة ماسة إلى الصيانة، فإن السكان الفلسطينيين لا يزالون يستخدمونه للعبادة. وتضع منظمة “اليونيسكو” التابعة للأمم المتحدة هذا المكان في خانة “الأولوية القصوى” للحماية والمحافظة عليه.

قلعة برقوق
تقع قلعة برقوق في خان يونس، جنوبي قطاع غزة، وشُيّدت في عهد السلطان المملوكي برقوق عام 1387. وهذا السلطان كان عبداً من أصل شركسي، واستغل حالة عدم الاستقرار بين النخبة المملوكية من أجل إطاحة السلطان السابق والحلول مكانه.

استُخدمت القلعة محطةَ استراحة للتجار المسافرين بين دمشق والقاهرة. ومن المرجح أن البناء المنيع استُخدم حصناً لمواجهة زحف الزعيم المغولي تيمورلنك، الذي أنشأ إمبراطورية واسعة في وسط آسيا وجنوبيها، وفي الشرق الأوسط أيضاً، ونجت الواجهة الأمامية للقلعة حتى يومنا هذا، لكن معظم البناء إمّا تحول إلى أطلال، وإمّا تم تحويله إلى أماكن للمعيشة ومتاجر.

قصر الباشا
بُني قصر الباشا في العصر المملوكي في منتصف القرن الثالث عشر، ويقع في البلدة القديمة في غزة. وفق الموروث المحلي، يُعَدّ القصر بقايا مسكن كان يشغله بيبرس، وهو سلطان مملوكي مصري حارب الصليبيين والمغول، حين يحل في المدينة. ويقال إنه خلال إحدى زياراته غزة، تزوج بيبرس بامرأة من المدينة، وأمر ببناء قصر كبير لزوجته وأولاده، وهو أساس القصر الحالي.

يعكس الطراز المعماري للقصر عناصر العصر العثماني، وكان بمثابة حصن للحكام المحليين. وسكن القصر ولاة غزة الذين تم تعيينهم من جانب العثمانيين.

وفي فترة الانتداب البريطاني على فلسطين، تحول القصر إلى مركز للشرطة، ثم تحول فيما بعد إلى مدرسة. واليوم، بات القصر متحفاً، بدعم مالي من “بنك التنمية الألماني”، وتديره وزارة السياحة والآثار الفلسطينية، بدعم من المنظمات الدولية. ويضم مجموعة من القطع الأثرية، التي تغطي حِقَباً متعددة من تاريخ غزة، بما في ذلك العصور المصرية القديمة والفينيقية والفارسية والهلنستية والرومانية.

المسجد العمري
يقع أقدم مسجد في قطاع غزة في وسط المدينة. ويُعَدّ المسجد العمري الأكبر والأشهر في المنطقة، وهو بناء ذو أقواس مميزة وفناء مفتوح واسع. ويسمى أحياناً جامع غزة الكبير. شُيّد المسجد فوق كنيسة بيزنطية تعود إلى القرن الخامس، وكانت الكنيسة شُيِّدت فوق معبد قديم.

وفي القرن السابع، في أثناء الفتح الإسلامي، تم تحويل المبنى إلى مسجد، وسُمِّي “المسجد العمري”، تكريماً للخليفة الإسلامي عمر بن الخطاب، الذي حكم في ذلك الوقت.

خلال الحروب الصليبية، تم تحويل المسجد إلى كنيسة، أُعيدت تسميتها تكريماً للقديس يوحنا المعمدان. ومع ذلك، أعاد المماليك ترميم المبنى، وحولوه إلى مسجد في نهاية المطاف.

تبلغ مساحة المسجد نحو 4100 متر مربع، مع فناء مساحته 1190 متراً مربعاً. يحظى المسجد بأهمية كبيرة لدى سكان غزة وفلسطين بصورة عامة، ويرمز إلى الصمود في مواجهة الشدائد. وعلى مدى أعوام وجوده الطويلة، نجا المسجد من الزلازل القوية، فضلاً عن الحروب المتعددة. دمر مئذنته زلزال في القرن الحادي عشر، ثم أعيد ترميمها، لكن في القرن الثالث عشر دمرها زلزال آخر.

بالإضافة إلى ذلك، تعرض المسجد لأضرار كبيرة خلال الحرب العالمية الأولى، لكن تم ترميمه في عام 1925. المئذنة مصممة على الطراز المعماري المملوكي، وهي شهادة على التراث التاريخي للمسجد. كان المسجد يحتوي في السابق على مكتبة كبيرة مليئة بآلاف الكتب والمخطوطات، لكنّ أغلبية مجموعتها فُقدت خلال الحروب الصليبية، ثم خلال الحرب العالمية الأولى، ولم يبقَ اليوم سوى جزء صغير منها.

كما تعرّض المسجد لأضرار جزئية في الأعوام الأخيرة بسبب الغارات العسكرية الإسرائيلية على غزة. واليوم، يواصل المسجد جذب المؤمنين والسكان الفلسطينيين المفتونين بعظمته.

ثقافة غزة الحديثة وإضرابات المتحف
يستمر الفن والفنانون في العيش والإبداع في غزة، على الرغم من الحصار. الحصار، الذي دخل الآن عامه السابع عشر يخنق أكثر من مليون شخص من سكان القطاع، الذين عايشوا 4 حروب وعدة معارك أصغر مع “إسرائيل” منذ وصول حماس إلى السلطة.

تركت كل هذه العوامل البنية التحتية في حالة خراب ونقص في المياه النظيفة والكهرباء والرعاية الطبية. وتؤثر القيود التي يفرضها الاحتلال في التعبير الفني، لكنها تظل بالنسبة إلى عدد من سكان غزة بمثابة شريان الحياة.

في 20 تشرين الأول/ أكتوبر 2023، أضرب الفنانون والناشطون في المنظمات الفنية حول العالم عن العمل تضامناً مع الشعب الفلسطيني، بينما تواصل “إسرائيل” قصفها المميت لغزة.

وفي نيويورك وأمستردام وسانتياغو وبرلين ولندن ومدن أخرى، أغلقت العشرات من المعارض الفنية والمتاحف والشركات الخاصة مبانيها واستديوهاتها، مطالبة بوقف فوري لقصف غزة، بحيث قتلت الغارات الجوية الإسرائيلية أكثر من 7000 فلسطيني، وفي كونيتيكت، انضم متحف فلسطين في الولايات المتحدة، وهو أول متحف في نصف الكرة الغربي مخصص للفن الفلسطيني، إلى الإضراب. وقال المدير التنفيذي للمتحف فيصل صالح، إنه على اتصال بعدد من الفنانين والشخصيات الثقافية الفلسطينية، الذين يضطرون إلى التنقل بصورة مستمرة من منطقة إلى أخرى في محاولة للهروب من القصف المتواصل.

إن نقص الكهرباء وعدم الوصول إلى الإنترنت، بسبب الحصار الإسرائيلي، يجعلان من الصعب على صالح التحقق مما إذا كان أصدقاؤه آمنين.

هبة زقوت ومحمد سامي، وهما فنانان من مدينة غزة عمل معهما صالح، استُشهدا مع أفراد أسرتيهما في القصف الإسرائيلي في الأسابيع الأخيرة.

الكتابة على الجدران وسيلة للتواصل
في عام 1994، قدمت ليلى الشوا، وهي فلسطينية من غزة، مشروعاً بعنوان “أسوار غزة”. وبحسب الشوا، فإن الكتابة على الجدران في غزة تتباين عن الكتابة على الجدران في جميع أنحاء العالم، فهي تُستخدم وسيلةً للتواصل بين السكان الفلسطينيين.

التقطت المصورة سلسلة من الصور للكتابات على الجدران، والتي ظهرت على المنازل في غزة خلال الانتفاضة الأولى. إنهم يسجلون الاتصالات العفوية والعابرة خلال التعتيم الإعلامي الذي فرضته “إسرائيل”، والطريقة التي يتفاعل بها الاحتلال مع السكان.

احتوت الكتابة على الجدران على كل شيء، بدءاً بالرسائل الشخصية، حتى الشعارات السياسية، ودعوات الجمهور الفلسطيني إلى الاعتصام.

على سبيل المثال، تم تجميع بعض الصور تحت عنوان “رسالة إلى أمي”، وتحتوي على صور كتابات مرسومة كعلامة احتجاج ضد الاحتلال الإسرائيلي. ويرمز اللون الأرجواني إلى اللون الذي يستخدمه الجيش الإسرائيلي للرسم على الجدران.

وجاءت هذه النقوش دعما لحركة “فتح”، وهي فرع من منظمة التحرير الفلسطينية. وتشدد الشوا على الكلمات التي تركز على رسالة الأمل والمقاومة، التي يرسمها سكان غزة العاديون على جدران مدينتهم، على الرغم من الرقابة الإسرائيلية.

شاركوا هذا الخبر مع أصدقائكم

جميع الحقوق محفوظة