البث المباشر

الاستشراق وإحياء الجاهلية

الخميس 31 يناير 2019 - 17:40 بتوقيت طهران

الحلقة 172

تركت حملات التغريب التي قادها المستشرقون والمبشرون واتباعهم اثاراً في الادب العربي الحديث وفي النظرة الى التراث الاسلامي بشكل مركز، ولهذه الحملات الاستشراقية اثرن واضحان في الادب العربي:
الاثر الاول: هو توجيه الدراسين العرب والمسلمين الذين يدرسون في معاهد الغرب الى اتخاذ مناهج الادب الغربي اساساً للبحث والتماس اسلوب النقد من نظريات النقد الاوروبي، وكذلك التماس اسلوب التاريخ والبحث جميعاً وهذا هو ما ظهرت نتائجه بوضوح فيما قام بتطبيقه احمد ضيف وطه حسين ممن درسوا في فرنسا او عبد الرحمن شكري ممن درسوا في انجلترا او ما اخذه من اتصل بالمستشرقين خارج المعاهد كأمين الخولي او من نقلوا هذه المذاهب من غيرهم كالمازني والعقاد. من الادب الفرنسي نقلت اساليب سانت بيف وبرويتر وتين ومن الانجليزي نقلت اساليب هافل وماكوري وهي اراء خضعت في اصولها لنظريات التطور لداروين والتحليل النفسي لفرويد والتفسير المادي للتاريخ لماركس والعلوم الاجتماعي لدور كاين وليدي برل وهم في جملتهم من اليهود الغربيين الذين يدفعون الفكر الى الاعتقاد بحيوانية الانسان والغاء المعنى الانساني الكريم.
اما الاثر الثاني: فهو اثر المستشرقين انفسهم ونظرياتهم في الادب العربي التي جاءت نتيجة دراساتهم له وهؤلاء هم امثال مارجليوس وجيب وبروكلمن وبلاشر وجاك بلك، ويتصل بهذا ما كتبه العرب من الذين درسوا في معاهد الغرب من رسائل واطروحات خضعوا فيها لمناهج اساتذتهم او تأثروا فيها بمفاهيمهم، طه حسين مثلاً لا يتوقف لحظه ولا يستحي مرة من ان يعلن تبعيته الواضحة لاراء المستشرقين وخضوعه لمناهجهم في البحث وهو لا يخضع لمنهج واحد وانما تتشكل كتبه بالخضوع للمذاب المختلفة فهو خاضع مرة للمذهب الاجتماعي الذي يؤمن بجبرية الانسان فلا يجعل له ارادة اومسئولية على الاطلاق بل خاضع خضوعاً قسرياً كاملاً للبيئة والعصر وهذه تبدو واضحة في دراسته عن ابي العلاء المعري في القاهرة قبل ان يسافر الى باريس، وهناك خضوع واضح من طه حسين للمستشرق الفرنسي بلاشير في دراسته عن المتنبي وخضوعه لدور كاين في دراسته عن ابن خلدون، وزكي مبارك شأنه في ذلك شأن طه حسين مع تغيير قليل فهو في اطروحته عن النثر الفني يخضع لآراء كثيرة للمستشرقين وخاصة في افتراضه ان القرآن من كلام النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وفي موقفه من الاعجاز ومحاولة تقليل دور الرسالة‌ الاسلامية والنبوة في خلق الحضارة الاسلامية والنهوض بالامة، وهذه كلها من اراء المستشرقين الذين اشرفوا على رسالته وفي مقدمتهم اليهودي لويس ماسينيون.
في اغلب ابحاث من اشتغلوا في الادب والتاريخ نجد تبعيتهم للمستشرقين واضحه وخضوعهم لم يكن خضوعاً لمناهجهم في البحث وحدها بل حتى لآراءهم الشخصية، ان كل اراء طه حسين التي اذاعها والقاها في كلية الاداب فيما يتصل بتفسير القرآن انما اخذها من استاذه المستشرق كازنوفا وروجها تبعاً له وهي الآراء التي يقول فيها طه حسين ان القرآن له اسلوبان احدهما خشن وهو في مكة والآخر لين وهو في المدينة نتيجة لتأثر الرسول باليهود كما يزعم هذا المتغرب التالف، وتهيمن اراء كازنوقا ايضاً على طه حسين فيما ردده وافاض فيه من القول بأن النثر الفني في العربية هو فارسي الاصل وان اول من كتبه هو ابن المقفع وقد عارض زكي مبارك هذه النظرية في كتابه النثر الفني، كذلك ما اوصى به طه حسين وردده من الاعتماد على الف ليلة والاغاني لمصادر البحث الادبي مع انها من المؤلفات التي ليست لها اهلية المراجع ومردها هذا كله الى توجيهات المستشرقين مما هو من صميم هدف حركة الاستشراق المعادية كما تعلمه طه حسين في معهد الدراسات الشرقية في باريس.
المستشرق مارجليوس اليهودي الدين الانجليزي الاصل يعد اول من آثار الشك في الشعر الجاهلي وقال انه منحول، وقد سار طه حسين على نفس الطريق وكان مارجليوس قد نشر بحثين في هذا الموضوع في الجمعية الملكية الآسيوية احدهما عام ۱۹۱٦ والآخر في يوليو عام ۱۹۲٦ اي قبل صدور كتاب طه حسين في عام ۱۹۲٦، وقد رجح في بحثه ان هذا الشعر الذي يقرأ على انه شعر جاهلي انما نظم في العصور الاسلامية ثم نحله هؤلاء الواضعون المزيفون لشعراء جاهلين، يقول الدكتور ناصر الدين الاسد في اطروحته عن مصادر الشعر الجاهلي ان الدكتور طه حسين استقى اكثر مادته حيث يستشهد بالاخبار والروايات من العرب القدماء وسلك سبيل مارجليوس في الاستنباط والاستنتاج وتعميم الحكم الفردي الخاص واعتباره قاعدة عامة وقد اشار طه حسين في التحقيق الذي اجرته معه النيابة العامة الى ان للبحث مصادر يعرفها فقال ان هذا فرض افترضته دون ان اطلع عليه في كتاب آخر وقد اخبرت ان شيئاً من هذا يوجد في بعض كتب المبشرين ولكني لم افكر فيه حتى بعد ظهور كتابه ولا ريب ان طه حسين يكذب في هذا كما ثبت من مراجعة النصوص وتبين اخذه المباشر عن المستشرق اليهودي مارجليوس.
وهناك اشارة اخرى الى كتاب اعتمد عليه طه حسين غير كتابات مارجليوس هو كتاب مقالة في الاسلام لجرجيس سال الانجليزي الذي وقعه بأسم مستعار هو هاشم العربي المطبوع في القاهرة عام ۱۸۹۰ يرى فيه كاتبه ما ردده بعدئذ طه حسين، وقد كشف عن هذه الفضيحة عبد المتعال الصعيدي في جريدة الاهرام في ۱۲ من مايو عام ۱۹۲٦.
في كتابه الذائع الصيت نجد المستشرق كارل برو كلمن يقف من النبي (صلى الله عليه وآله) ومن الاسلام موقفاً شائناً لدوداً يقوم على انكار الرسالة‌ وانكار الاسلام ومثله في هذا جميع المستشرقين غير انهم درجات في الانكار، ومن اشدهم جرأة وعداوة في هذا نولتكه وبرو كلمن اللذين تفوها بهذيان فخري يذكّر بالحقد اليهودي المتأصل على الاسلام والقرآن العظيم فكان مما قال بروكلمن ان قالب القرآن من القوالب الشعرية وانه تأثر بموعظة التبشير المسيحي على لسان المبشرين العرب من جنوب الجزيرة وهذا في الواقع هراء ينكره كل من له ادنى معرفة بحقائق التاريخ، وهكذا فالاستشراق في نظرته العامة لا يخرج عن هذه المفاهيم التي يرددها كل من تلاميذ المستشرقين ودعاة التغريب، ولقد استمع طه حسين وزكي مبارك وعشرات من الادباء الذين تلقوا دروسهم في جامعات الغرب الى مثل هذه الاكاذيب وصدقهم كثير منهم ورددوها، ومن العجيب ان اكثر من رددوها كانوا من الازهر وفي مقدمتهم طه حسين وزكي مبارك وامين الخولي، هذا ولنا بعد يا اخي لقاء في الموضوع بأذن الله.

*******

 

شاركوا هذا الخبر مع أصدقائكم

جميع الحقوق محفوظة