البث المباشر

النقد الغربي والأدب العربي -٤

الخميس 31 يناير 2019 - 17:13 بتوقيت طهران

الحلقة 163

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وحياكم الله نحن نعرف ان الادب العربي قد واجه عدداً من النظريات المجلوبة من الغرب في مجال النقد الادبي قدمها الادباء في نطاق الدعوة‌الى تجديد الادب العربي، هذه النظريات الغربية والغريبة المقحمة قد خالفت منطلق الادب العربي وجذوره وتعارضت مع اصالته الاسلامية العربية الخالصة، وتصادمت مع مزاجه النفسي والعقلي ومن هنا لم تستطع ان تستمر فتساقطت واحدة تلو اخرى ذلك ان هذه النظريات قد انطلقت في اصولها من حياة الاداب الاوروبية ومن رواسبها وموروثها وتشكلت وفق مضامين تلك الاداب واعتمدت على النظريات التي بدأت في دائرة العلم الطبيعي ثم فرضت نفسها على الفلسفات والاداب وهي نظريات اعتبرت الانسان حيواناً محكوماً بظروف البيئة كسائر الاشياء الدانية المادية وانت تعرف ان هذه نظرية مادية ومغرقة في المادية لا تنسجم وروح الادب العربي الذي يستمد اصوله من الاسلام العظيم في الترابط بين المادية والروحية وبين العقل والقلب في حياة الانسان.
ان منهج النقد الادبي الغربي الذي فرضه بعض الادباء على الادب العربي بعد الحرب العالمية الاولى يقوم على اساس المادية فهو مبني على النظريات التي استمدت مناهجها من نظرية داروين عن تطور واصل الانسان، وهي النظرية التي قامت في دائرة العلم الطبيعي ثم نقلها الفيلسوف هاربرت سبنسر الى مجال المجتمع فطبقها على مباديء الاخلاق ثم جاء فردناند برونتز الناقد الفرنسي فطبقها على الانواع الادبية يضاف الى هذا ان المفاهيم التي اعتمد عليها دعاة التغريب في النقد الادبي قد استمدوها من الناقدين الفرنسيين من امثال تين وسانتبس وهذان يريان ان الانسان ليس الا اثراً من اثار البيئة بمعناها الاجتماعي الواسع وانه لا يكاد يختلف عن النبات والحيوان في امتثال الحول وانعدام الارادة، وما يتصل بهذا من الفضيلة والرذيلة ليس الا نتاجاً لعملية تلقائية مثل الاحماض والقلويات، هذا الى جوار ما ترتبط به هذه النظرية جميعها من آثار نظرية داروين في النشؤ والارتقاء التي تنزل الانسان من موقع البطولة والارادة الانسانية البناءة الى موقع الحيوان المحكوم الذي يعيش خاضعاً للقوى المحيطة به.
هذه النظريات الاجنبية المشوهة قد نماها الباحث الفرنسي دوركاين في مفاهيمه التي تلقاها بعض الادباء العرب في جامعة سوربن في فرنسا وجعلوا منها اساساً لنظريتهم في النقد الادبي التي جرى تطبيقها على المتبني وابن خلدون وابي العلاء المعري، ثم جاء تطبيقها على الشعر الجاهلي وعلى ادب القرن الثاني للهجرة، وقد كان لهذه النظريات الهجينة اثر عميق في احداث التضارب الذي اصاب القيم الاساسية للادب العربي وقد ذهب الباحثون الى اخضاع الادب للمنهجين الاجتماعي والنفسي، المنهج الاجتماعي الذي رسمه دوركاين حيث يعترف ان الانسان حيوان اجتماعي وان قيم المجتمع ليست اصيلة فيه، والمنهج النفسي الذي التقطه الادباء من نظرية اليهودي سجموند فرويد الذي يرى ان الانسان عبد لشهواته وان الجنس هو المحرك الاول لكل تصرفاته.
وقد غلب المذهب الاجتماعي على دراسات الادب والتاريخ وغلب المذهب النفسي على دراسات التراجم والشعر، من هنا ظهرت تلك الاراء الغربية الالحادية التي تشبث بها بعض التالفين والتي لا تتفق من قريب او بعيد مع مفاهيم الفكر الاسلامي والانساني، من ذلك ما قاله طه حسين من: «ان الدين نبت من الارض ولم ينزل من السماء» ومثل قوله: «ان العالم الحقيقي هو الذي ينظر الى الدين كما ينظر الى اللغة وكما ينظر الى الثياب» من حيث ان هذه الاشياء كلها ظواهر اجتماعية يحدثها وجود الجماعة ومن هنا فالدين من نظر هذا المنسلخ عن هويته الاصيلة خرج من الارض كما خرجت الجماعة نفسها ولاشك ان هذه الافكار مدخولة مهربة من مستنقع الحياة الغربية المادية ولا شك ايضاً ان طه حسين لن يصل اليها بعد بحث ودراسة وانما نقلها نقلاً حرفياً عن دوركاين وغيره من الكتاب الغربيين الذين ارادوا ان يتحركوا بمفاهيمهم هذه من خلال الفكر الغربي الذي يقف من المسيحية موقفاً معيناً وحيث له قضية وازمة والواقع ان الادب العربي ليس له مع الاسلام مثل هذه القضية ومثل هذه الازمة ولذلك فمن الظلم البين والخطأ الفاحش ان ننقل مكان المعركة الى الادب العربي وهو في غير ما حاجة اليها الا حاجة واحدة في نفوس الاعداء هي محاولة تغريب الادب العربي وعزله عن ذاتيته وهويته ومقوماته وارضيته، والادعاء بأن هناك صراعاً بين الدين والعلم ادعاء‌ مضلل فليس بين العلم والدين عامة خصومة حقيقية اضافة الى انه ليس بين الاسلام والعلم خصومة ما والنظريات العلمية الحديثة لم تستطع ان تثبت تناقضاً بين العلم والدين، فالاسلام يدعو الى حرية البحث وصراحة التفكير وقد اصبح العلم اليوم يسلم بوجود ما ليس قائماً امام الحس اذ ذهب عصر المسلمات العلمية وتغير وقع القواعد التجريبية واصبح عصرنا عصر يقين واعتقاد بالقوى الخفية حتى لا يمكن القول بأن العلم في الايام المقبلة سيخطو نحو الدين خطوات جرئية.
ان المنهج العلمي الذي يعول عليه طه حسين في نقده لا يصح استخدامه الا في مجال الوقائع العلمية التي يدرسها العلماء كأصول الدراسة الكيميائية والطبيعية وما اليها، ولا يدخل في مجال الوقائع العلمية تعارف الشعوب ولا يستطيع العلم ان يستقل ببحث هذا الموضوع لانه في مجال الرأي، ويعول طه حسين في المنهج العلمي على المنهج الاجتماعي الذي ينظر الى الانسان على انه حيوان اجتماعي، ومن هنا يعمد هذا الكاتب الى دراسة البيئة والعصر ولا يدرس البواعث النفسية للادب التي تحفزه الى نوع من السلوك دون نوع آخر، اضافة الى هذا كله فأن هنا فرقاً بين مناهج الادب ومناهج العلم، ان العلم ميدان التجربة والعقل وهو لا وطن له ولا قومية كما ان العقل لا قومية له ولا وطن، ذلك ان قوانين التفكير واحدة وسبل العقل واحدة في العالمين ثم انت لا تشعر اثناء تلقي العلم من اي نبي انك تتلقى شيئاً خاصاً بجنس من البشر دون جنس وقوم دون قوم ولكن تتلقى شيئاً مشتركاً او ينبغي ان يكون مشتركاً بين الناس اجمعين كأشتراك العقل بينهم، وليس الادب كذلك فبينما انت في العلم لا تجد علماً انجليزياً ولا علماً المانياً ولا علماً فرنسياً بل علماً واحداً اذ تجد الادب متعدداً لتعدد الامم، لكل امة ادبها كما لكل امة لغتها ولتجد ادب كل امة مطبوعاً بطابعها طبعاً لاخفاء فيه او هكذا هو اذا استقلت الامة بأدبها ونسجت لنفسها برداً من روحها وتاريخها وتقاليدها وعاداتها بدلاً من ان تلتف بخرقة من برد غيرها، فلا تجد فيه دفئاً ولا قوة ولا جمالاً، اجل لقد واجه هذا المذهب الغربي في الادب نقداً ومعارضة تستمد قوتها من معاكسته للذوق العربي ومضادته لهوية الادب العربي الذي يعتبر الانسان سيد المخلوقات ويعلي من شأن روحه وعقله وهو ينظر اليه من خلال مقاييس تختلف اختلافاً جذرياً عن المقاييس المادية التي ترى الانسان عبداً خاضعاً لغريزة الجنس.

*******

 

شاركوا هذا الخبر مع أصدقائكم

جميع الحقوق محفوظة