البث المباشر

بصمات الفن الاسلامي في صناعة السجاد الايراني

الخميس 24 يناير 2019 - 17:16 بتوقيت طهران

الحلقة 48

السلام عليكم مستمعينا الاكارم ورحمة الله وبركاته. من انواع فن صناعة السجادات النوع الايراني الذي ينسب الى مدينة هرات وسجاجيد هذا النوع مزينة برسوم الازهار ويرجع جلها الى النصف الثاني من القرن العاشر الهجري والى القرنين الحادي عشر والثاني عشر، قوام زخارف هذه السجاجيد الهراتية فروع نباتية ومراوح نخيلية ورسوم سحب صينية وارضيتها في معظم الاحيان حمراء اللون ذات اطار اخضر، ويلاحظ في سجاجيد هرات المصنوعة في القرن الحادي عشر الهجري ان رسوم المراوح النخيلية فيها اكبر وانها تحتوي مع الزخارف المعروفة في القرن السابق على وريقات طويلة ومقوسة وانها اقل دقة في الصناعة واقل تلائماً في الالوان ومن انواع السجاجيد الايرانية ما يزين بزخارف فروع نباتية منثنية تتكرر وتمتد فتغطي مساحة السجادة كلها، ومن امثلة هذا النوع سجادة محفوظة في الجناح الاسلامي من متحف برلين ويرجح انها من صناعة شمال ايران وهي ذات ارضية زرقاء وقد يحدث تجمع السجادة بين زخارف الارابسك والجامة مضافاً اليها مناطق فيها ابيات من الشعر الفارسي، ومن اهم ضروب السجاجيد الايرانية السجاجيد ذات الزهريات والراجح انها كانت تصنع في القرنين العاشر والحادي عشر بعد الهجرة ولاسيما في الاقاليم الوسطى من ايران وقد امتاز بها عصر الشاه عباس الصفوي حيث انها تنسب اليه في بعض الاحيان وقد غلبت تلك التسمية على هذا الضرب من السجاجيد لان في زخارفها رسوماً تشبه الزهريات وعلى كل حال فأن زخارفه كلها من الازهار وليس فيه زخارف تتوسط السجادة وانما ترتب رسومه في توازن وتقابل حول محورها الاوسط وتمتاز السجاجيد ذات الزهريات بمتانتها ودقة صناعة وبرها وضيق اطارها وارضيتها الزرقاء او الحمراء وبما فيها من معينات من سيقان الازهار والفروع النباتية والزهرية والازهار والمراوح النخيلية، كما يلاحظ ان زخارفها غير متأثرة بأساليب المصورين والمذهبين والمجلدين وان الالوان التي استخدمت فيها مختلفة وبراقة وغير هادئة اما في المساحة فأنها تمتاز بأنها طويلة قياساً‌ الى عرضها فقد يبلغ طولها احياناً ثلاثة امثال عرضها.
ومن انواع السجاجيد الايرانية ما تظهر فيه رسوم الاشجار وقد تكون هذه الاشجار هي العنصر الغالب في زخرفة السجادة كما نرى في سجادة محفوظة في الجناح الاسلامي من متحف برلين ومساحتها مئة وثلاثون في مئة وسبعة وتسعين ساتيمتراً‌ وارضيتها حمراء وقوام الزخرفة فيها اربعة صفوف افقية من رسوم اشجار وطيور، وتعود هذه السجادة الى القرن الحادي عشر الهجري ولكنها تمثل مجموعة كبيرة ذاعت صناعتها في القرن التالي وقد تكون الاشجار عنصراً بين العناصر الرئيسية الاخرى في السجادة من جامات ورسوم حيوانات وطيور وازهار وسحب صينية على نحو ما هو في جزء من سجادة مشهورة محفوظة ايضاً في الجناح الاسلامي من متاحف الدولة في برلين وهي ترجع الى القرن العاشر الهجري ذات ارضية بيضاء وقوام زخرفتها منظر طبيعي غني برسوم الاشجار والطيور والحيوانات، والملاحظ ان رسوم الطيور في هذه السجادة منسقة بحيث تبدو كأنها جزء من الفروع النباتية ويفصل بعضها عن بعض رسوم سحب صينية متقنة واركان السجادة مزينة برسوم آدمية ولكنها قصت ولم يبق الا بعض اجزاء هذه الرسوم الآدمية، وبين السجاجيد الايرانية سجاجيد من الحرير محلاة بخيوط الذهب والفضة وقد غلب عليها اسم السجاجيد البولندية لانها كانت تنسب الى بولندا حيناً من الدهر ولكن الراجح انها من منتجات مصانع البلاط الصفوي في اصفهان في نهاية القرن العاشر وبداية القرن الحادي عشر بعد الهجرة، اما زخارفها فهي خليط من الزخارف النباتية في الانواع الاخرى من السجاجيد الايرانية وفي اكثر الاحيان لا تكون الارضية كلها ذات لون واحد بل تكون السجادة ذات ارضية مختلفة الالوان واهم الالوان المستخدمة ‌في هذا النوع من السجاجيد الاصفر والاخضر النافض والبرتقالي والازرق الفيروزي والاحمر القرمزي ولم يكن هذا النوع دقيق الصناعة ولذا كانت اكثر النماذج الباقية منه في حالة غير جيدة، ومن اقدم السجاجيد البولندية المعروفة واحدة بين الكنوز الفنية المحفوظة في كاتدرائية سانمارك بمدينة البندقية، اهداها سفير الشاه عباس الى حاكم البندقية الدوج سنة ۱٦۰۳ للميلاد والراجح ان هذه السجاجيد ذات الالوان الرقيقة والارضية الفضية او الذهبية التي تلائم الذوق الغربي كانت تصنع في ايران لتهدى الى الملوك والامراء في الغرب. وكانت تصنع في شمال غرب ايران ولاسيما في تبريز سجاجيد صغيرة للصلاة، امتازت بالآيات القرآنية المكتوبة بخط النسخ والكوفي والنستعليق في ارضية السجادة والمناطق التي تحف بها ويتوسط السجادة رسم عقد يمثل المحراب بيد ان الفنان لم يوفق في هذه السجاجيد الى اتقان الزخرفة الكتابية ومن ابدع السجاجيد المعروفة من هذا النوع سجادة حريرية محلاة بخيوط من الفضة وهي تعود الى القرن العاشر الهجري ويلاحظ ان الزخرفة النباتية في ساحة هذه السجادة مرتبة على هيئة محراب وان في اطاراتها آيات قرآنية بخط النسخ من بينها آية الكرسي وكتابات اخرى بالخط الكوفي المربع وقد كانت هذه السجادة في المجموعة الفنية التي تحتفظ بها احدى النساء الغربيات من هاويات التحف الفنية واسمها برافتشيني ثم اشتراها الامير يوسف كمال.
ومهما يكن ايها الاخوة فأن السجاد مثل الخزف كان للايرانيين ميداناً واسعاً لاظهار تفوقهم في اختيار الالوان وقد بلغ ما استعملوه منها في بعض الاحيان زهاء عشرين لوناً في السجادة الواحدة ومع ذلك فقد اصابوا ابعد حدود التوفيق في ترتيبها بحيث تكون السجادة وحدة متماسكة في الوانها.
وكانت مصانع البلاط تبذل جهوداً وافرة في انتاج السجاجيد التي تمتاز عن سائر الانواع المعروفة والتي تبعث على العجب بجمالها وحسن تنسيقها وابداع مادتها وزخارفها والظاهر ان السجاجيد الايرانية لم تكن تصنع كلها لكي تفرش على الارض فأننا نرى في صور المخطوطات رسوم بعض السجاجيد المعلقة او التي تظلل مجلساً من المجالس، بيد ان صناعة السجاد الايراني فقدت منذ القرن الثاني عشر الهجري قسطاً كبيراً من اسباب جودتها وامتيازها فتركت الصبغات النباتية في كثير من الحالات واستعملت الاصباغ الصناعية، كما قلت العناية بمتانة الصناعة وتلائم الالوان ودقة الرسم وظهرت الروح التجارية والرغبة للانتاج السريع للاسواق فأصبح الفرق ملحوظاً بين السجاجيد الايرانية في عصرها الذهبي وما غمر منها الاسواق في القرن الماضي، واصبح التجار يقسمون هذه المنتجات الحديثة اقساماً عديدة فينسبونها الى المدن التي تصنع منها او على مقربة منها مثل تبريز واصفهان وهمدان وقاشان وقزوين وسلطان آباد وطهران ومشهد وكرمان وشيراز ويزد او تنسب الى المقاطعات التي تصنع فيها مثل كردستان او الى المدن التي تصدر منها بعد ان تصنع في المناطق القريبة منها مثل كرمنشاه وبروجرد او تنسب الى القبائل التي تصنعها مثل البختياري والافشار، ولكن الكلام على تقسيم السجاجيد الحديثة غير دقيق فهي من منتجات الفنون الحديثة وقد بعدت الشقة بينها وبين الفنون الاسلامية التراثية البحتة، هذا ويلاحظ ان للسجاد في الفن الاسلامي اقاليم اخرى غير ايران فهناك السجاجيد التركية اذ كانت آسيا الصغرى تعادل ايران في مقدار ما تنتجه من السجاد الذي كان يصدر الى مختلف الافاق وبعض ضروب السجاد التركي من حقه ان يعد من ابدع السجاجيد الشرقية وغير التركي هناك سجاد القوقاز التي لم يبق من انواعها القديمة الا النادر القليل، وثمة سجاجيد المصرية التي كانت لها مصانع في القاهرة، اما الانواع المغربية من السجاد فترجع الى القرن السادس الهجري.
واقدم ما وصل الينا منها من القرن الثامن وهناك السجاجيد الهندية الاسلامية التي قامت على اكتاف صناع من الايرانيين في اول نشأتها ثم استطاعت هذه الصناعة ان تقف على اقدامها وتستوي على سوقها بعيداً عن تأثير الفن الاسلامي الايراني. ايها الاخوة نأتي الى نهاية البرنامج ودمتم بألف خير والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

*******

 

شاركوا هذا الخبر مع أصدقائكم

جميع الحقوق محفوظة