البث المباشر

ملامح العمارة الاسلامية في جوامع الدولة العثمانية

الخميس 24 يناير 2019 - 17:11 بتوقيت طهران

الحلقة 42

السلام عليكم ايها الاصدقاء ورحمة الله. في بدايات القرن الهجري الثامن اغار المغول على دولة السلاجقة في آسيا الصغرى وتمكنوا من القضاء عليها وافاد من ذلك عثمان بن ارطغل جد الاتراك العثمانيين فأستقل بالمقاطعة التي كان السلاجقة قد اقطعوه اياها وهكذا اسست الدولة العثمانية وعملت هذه الدولة بعد ذلك على مد سلطانها في آسيا الصغرى ثم في البلقان وتقدم العثمانيون في اراضي البلغار والصرب ووصلوا الى نهر الطونة بعد التغلب على الجيوش المتحالفة التي ارادت الوقوف في سبيلهم ثم توجوا انتصاراتهم بفتح القسطنطينية سنة ۸٥۷ للهجرة وقضوا بذلك على الدولة البيزنطينية وتم لهم اخضاع البوسنة والصرب والمورة والبانيا والقرم فأصبحت شبه جزيرة البلقان جزءاً من امبراطوريتهم الكبيرة، ثم اتجه العثمانيون في حركتهم العسكرية الى المشرق والجنوب فبسطوا سلطانهم على بلاد الجزيرة والشام ومصر، وما لبثوا ان اتخذوا لقب الخلافة الاسلامية وخضعت لهم جزيرة العرب وامتد نفوذهم الى شمال افريقية. وقد انتشر طراز العمارة التركية في الاقاليم الخاضعة لهم والظاهران الاتراك ساروا على خطة البلاد التابعة لهم فكانوا ينقلون الى اسطنبول العاصمة بعض اعلام الصناع والفنانين منها وينقلون اليها من بلادهم صناعاً وفنانين ليحلوا محلهم وقد حدث مثل هذا في مصر اذ بعث السلطان سليم الى اسطنبول نخبة من ارباب الصنائع من كل فن واحضر غيرهم من عاصمته يقيمون بمصر، العمائر الدينية العثمانية كانت في بداية امرها حلقة انتقال من الطراز السلجوقي الى الطراز العثماني ويبدو ذلك جلياً في المساجد التي اقيمت في بروسه في القرن الثامن الهجري وفي طليعتها الوجامع وقوام تلك المساجد اروقة فيها اكتاف وعليها قباب صغيرة ويدخل النور للمسجد من نوافذ في عنق كل قبة، اما المساجد الصغيرة فكانت تتألف من فاعة كبيرة قبة ولكن عمارة الجوامع الكبرى تأثرت بعدئذ ببناء آياصوفيا بعد ان اصبحت مسجداً ويبدو هذا التأثر واضحاً في المحمدية او مسجد محمد الفاتح الذي شيد بين عامي ۸٦۷ و ۸۷۳ للهجرة، وهذا المسجد مع تأثره بعمارة اياصوفيا وثيق الصلة بكل الاساليب العمرانية التي عرفها الترك منذ العصر السلجوقي. ومن المساجد التركية التي تأثرت بعمارة اياصوفيا مسجد السلطان بايزيد الثاني الذي بناه المهندس خير الدين في اوائل القرن العاشر ولهذا المسجد رواقان جانبيان على كل منهما اربع قباب صغيرة وله منارتان ممشوقتان انحدر شكلهما من المآذن السلجوقية.
ان العصر الذهبي للعمارة العثمانية بدأ مع المهندس سنان في القرن العاشر الهجري، ولد سنان في نهاية القرن التاسع الهجري بالاناضول وذاع صيته في حملة تركيا على اقليم ولاخيا، اذ وكل اليه عمل قنطرة كبيرة على نهر الطونة وكان التوفيق حليفة في هذا المشروع ومنذ ذلك الحين كرس حياته الطويلة للعمارة واشرف على تشييد الابنية في اسطنبول وفي غيرها من المدن التركية وسائر الاقطار العثمانية ومات سنان بعد ان نيف على الثمانين ودمن في الضريح الذي كان قد اعده لنفسه بجوار جامع السليمانية الذي يعد ابدع منشآته ولا ريب في ان سناناً هذا قد طبع عصره بطابع عبقريته واساليبه الرائعة في العمارة، وتتجلى مراحل نشاطه في ثلاث عمائر تمثل نشأته الفنية ثم شبابه ثم اكتمال نبوغه وهي مسجد شهرزاد ثم مسجد السلطان سليمان المعروف بأسم السليمانية بأسطنبول واخيراً مسجد السلطان سليم المشتهر بالسليمية في ادرنا، فهو في مسجد شهرزاد يتأثر بتخطيط مسجد المحمدية ولكنه ينجح في ان يكسب القبة وداخل المسجد طابعاً من الرشاقة وجمال النسب، اما في السليمانية فأنه يتأثر بتخطيط اياصوفيا والبايزيدية، وتضم السليمانية صحناً خارجياً ثم المسجد نفسه ويجمعها كلها سور واحد تقوم حوله المباني التابعة لها كالمدرسة والحمامات ومطعم الفقراء والمكتبة ويمتاز المسجد نفسه بالاكتفاء بالقبة الرئيسة الكبرى يحف بها نصف قبة اصغر حجماً ويخرج من كل منهما نصف قبة اخرى صغيرة اما في مسجد السليمية في ادرنا فأن المهندس سنان قد اظهر اقصى عبقريته في اقامة القبة الضخمة‌ على ثمانية اكتاف كبيرة، وفي الاكثار من النوافذ والفتحات لتخفف من ضغط البناء وثقل مظهره، ومع كل هذه الابداعات العمرانية للمهندس التركي سنان، هل كان لهذا المهندس من آثار في فن العمارة ابان العهد العثماني؟ لقد كان لسنان اثر كبير في تطور علم العمارة العثمانية فقد احتدى جدوه المهندسون وظهرت شخصيته في الاجيال التالية لجيله. ومن المساجد التي نشهد بهذا الاثر البالغ جامع السلطان احمد بأسطنبول الذي يعد من اجمل مساجد العاصمة ومن افخمها، وتدل الكتابة المنقوشة على احد ابوابه على انه شيد بين عامي ۱۰۱۸ و ۱۰۲٥ للهجرة، اما مهندسه فهو محمد اغا اشهر اولئك المعماريين الترك بعد سنان وداود اغا، ويقع هذا المسجد جنوبي اياصوفيا وشرقي ميدان السبق البيزنطي القديم وله سور مرتفع يحيط به من ثلاث جهات وفي السور خمسة ابواب، ثلاثة منها تؤدي الى صحن المسجد واثنان الى قاعة الصلاة، اما الصحن ففناء كبير يسبق المسجد وتحيط به اربعة اروقة ذات عقود محمولة على اعمدة من الجرانيت ولها تيجان رخامية‌ ذات مقرنصات وفوقها نحو ثلاثين قبة صغيرة، وفي وسط الصحن مضئة سداسية الشكل تقوم على ستة اعمدة، وفي القباب والجدران عدد وافر من النوافذ يجلب الى حرم المسجد ضوءاً وافراً ويزيده ابهة وفخامة والجدران مغطاة بالقاشاني الازرق والاخضر الى النوافذ العليا، اما المحراب والمنبر فمن المرمر، وزخارفها فاخرة جداً، ويحف بالمحراب شمعدانان كبيران وللمسجد ست مآذن عالية ممشوقة اضيفت اليها واحدة فأكتملت سبعة.
ومن امثلة المساجد التركية طراز الجامع الذي شيده محمد علي باشا الكبير في قلعة الجبل بالقاهرة وقد بدأ بأنشاءه سنة ۱۲٤٦ للهجرة علي يد المهندس التركي البارع يوسف بوشناق، وقد حاكابه تصميم جامع السلطان احمد في اسطنبول.
اما العمائر المدينة في الطراز التركي فمنها الخانات التي تطورت من الخانات المملوكية، فكان قوامها صحناً كبيراً تحيط به ارقة ذات عقود وتضم قاعات في عدة طبقات ومن العمائر المدينة التي عني بها العثمانيون الاسبلة اذ كانوا يشيدونها احياناً على هيئة ابينة رشيقة غنية بالزخرفة في جوانبها تضليعات وتجاويف ونقوش ومقرنصات وزخارف بارزة، ومن ابدع تلك الاسبلة ما شاده السلطان احمد الثالث في بعض احياء اسطنبول، اما الاسواق فكانت سلسلة من مربعات على كل منها قبة صغيرة، وكانت الحمامات مشتقة في تخطيطها من الحمامات الكلاسيكية واهم نماذجها حمام قابلجة في بروسة ويرجع اقدمها الى القرن الثامن الهجري، هذا والملاحظ في زخرفة العمائر العثمانية بوجه عام انها مشتقة الى حد كبير من زخرقة العمائر السلجوقية ولكن التطور واضح فيها فأن وجهات العمائر فقدت في الطراز العثماني وغاب ما كان لها من الاهمية الزخرفية في الطراز السلجوقي، وقل ما فيها من زخارف وتجويفات. واقبل العثمانيون على استعمال المرمر في صناعة المنابر والطاقات في الجدران وسوى ذلك مما كان يصنع قبل ذلك من الخشب عادة بيد ان العناية بالزخارف الجصية ظلت واضحة في الطراز العثماني على ان التجديد العظيم في الزخارف العمرانية هو استعمال القاشاني لكسوة الجدران فقد استخفى استعمال الفسيفساء الخزفية الذي عرفه الطراز السلجوقي وحل محله في بداية العصر العثماني استعمال نجوم من القاشاني ذي الطلاء الازرق والرسوم المذهبة وبلاطات من القاشاني المتعدد الالوان. والسلام عليكم ورحمة الله.

*******

 

شاركوا هذا الخبر مع أصدقائكم

جميع الحقوق محفوظة