البث المباشر

الفن الاسلامي في العمارة الدينية عند السلاجقة

الخميس 24 يناير 2019 - 17:04 بتوقيت طهران

الحلقة 38

السلام عليكم ايها الاصدقاء ورحمة الله. شهد الفن الاسلامي التراثي في فن العمارة تطوراً ملحوظاً ابان العصر السلجوقي في آسية الصغرى في العراق وايران والمشاهد ان اهم الاثار الفنية التي خلفها الطراز السلجوقي موطنها آسيا الصغرى وارمينية وبلاد الجزيرة والشام ويلاحظ في العمائر الدينية السلجوقية انها لم تكن مقتصرة على المساجد بل كثر بناء الاضرحة على شكل ابراج اسطوانية او ذات اضلاع واوجه عدة او على شكل عمائر ذات قباب ونشأ هذا الطراز من خراسان وانتشر في ارجاء الشرق الاسلامي وادخل السلاجقة بناء المدارس الدينية كالمدرسة المستنصرية التي وصفها ابن بطوطة لدى زيارته بغداد سنة ۷۲۷ للهجرة ومن ابدع امثلة المدارس السلجوقية في الاناضول مدرسة صيرجالي في قونية التي اقيمت سنة‌ ٦٤۰ للهجرة اما مدرسة‌ قرطاي في قونية فترجع الى سنة ٦٤۹ للهجرة، كما تشهد لهذا كتابة تاريخية على مدخلها الرئيس بيد ان البناء الاصلي لهذه المدرسة‌ لم يبق منه الا قاعة‌ القبة وقاعة الدرس وقاعات الضريح الواقعة الى يسارها. وانشأ نور الدين محمود بن زنكي عدة مدارس في سورية كالمدرسة النووية وسواها من المدارس في دمشق وحماة وحلب وبعلبك ثم انتشر تصميم المدارس بعد ذلك في مصر وكان لبناء المدارس اكبر الاثر في تصميم المساجد بعدئذ فقد استطاعت ايران ان تجمع بين تصميم المدارس ذات السطح المستطيل واستعمال القباب في المساجد وانتقل هذا النظام في تشييد المساجد الى كثير من الاقطار الاسلامية وصار الصحن في المساجد الجديدة لا يختلف كثيراً عن فناء المدرسة.
وشهد العصر السلجوقي في ايران تقدماً عظيماً في بناء العمائر ذات القباب والاقبية كما نرى في الجزء الذي بني من المسجد الجامع في مدينة اصفهان في عصر السلطان السلجوقي ابا الفتح ملك شاه والمعروف ان هذا الجامع قد دخلت عليه العصور التالية بتعديلات كثيرة، لكن القبتين والايوان الواقع امامهما هي من العصر السلجوقي وفي قاعة القبة القائمة فوق ايوان الصلاة شريط دائري بالخط الكوفي ذي الحروف الكبيرة البارزة بالاجر، ينص على اسم ملك شاه وعلى قاعدة القبة المجاورة ‌للمدخل الشمالي الشرقي كتابة‌ جاء فيها ذكر سنة ‌٤۸۱ للهجرة على ان البنائين في الجزيرة والعراق خلال العصر السلجوقي ظلوا يقبلون على العمائر ذات الايوانات والاعمدة والاكتاف ولم يتأثروا الا قليلاً بالاساليب العمرانية السلجوقية في ايران وآسية الصغرى والشام، ومن العمائر التى ترجع الى عصر السلاجقة الجامع النوري في الموصل وقد تمت عمارته حوالي سنة ٥٤۳ للهجرة والثاني حوالي سنة ٥٦۸ للهجرة وكان قوام هذا الجامع صحناً تحيط به ايوانات ما يزال احدها قائماً وهو ايوان القبلة وفيه محراب ثمين مؤرخ في سنة ٥٤۳ للهجرة وما تزال منارة ‌هذا الجامع قائمة الى اليوم في الموصل باسم الحدباء ويزيد ارتفاعها على ٥۰ متراً وهي مشيدة بالاجر وتتألف من قاعدة مربعة وبدن اسطواني يضيق تدريجاً فينقص قطره نحو ثلاثة امتار في البداية الى اكثر قليلاً من مترين قبيل القمة‌ التي تشبه الخوذة، وهذه المأذنة غنية جداً بزخارفها الهندسية المؤلفة من اختلاف في وضع الاجر والحق هو ان بلاد الجزيرة عرفت انواعاً طريفة من المآذن ومن بينها منارة في مدينة بارس بين حلب والرقة امتازت بأرتفاعها وشكلها المثمن الاضلاع.
وقد احتفظت المساجد السلجوقية في سورية بالتصميم ذي الايوانات والصحن وظلت القباب وقفاً على الاضرحة الى ان شيدت المدرسة الركنية في دمشق سنة ٦۲۱ للهجرة اذ ان فيها صحناً وقبة وكذا كان الحال في آسية الصغرى فقد استعملت في البداية اعمدة من الخشب ثم استعملت الاعمدة والاكتاف المصنوعة من الحجر وامتاز معظم العمائر السلجوقية بالوجهات الجميلة ذات الابواب الضخمة الفنية بالزخارف والمقرنصات التي تحف بها النوافذ واشرطة الزخارف الهندسية والكتابات التاريخية.
وكان طبيعياً ان يعنى السلاجقة ببناء الاسوار والقلاع وسائر الاستحكامات الحربية فأنهم كانوا دولة حربيه وكان الكفاح بينهم وبين الروم والافرنج الصليبيين اكبر حافز لهم على تحصين مدنهم ومن اجل اعمالهم في هذا الميدان بناء سور دمشق وقلعتها على يد نور الدين زنكي الذي كان له الفضل في تشييد قلعة حلب وقد جددت في القرن السابع الهجري ولكنها احتفظت بكثير من معالمها الاولى وفي سنة ٦۱۹ للهجرة شيد سور لمدينة قونية كان مدعماً بابراج يربو عددها على المئة ولكن هذا السور هدم ولم يبق منه غير اطلال، ومن الاسوار المهمة التي شيدت في عصر السلاجقة سور مدينة امد وقد ظل محل عناية الامراء طيلة القرنين الخامس والسادس بعد الهجرة فأقبلوا على تدعيمه بالابراج والبدنات وسائر الاستحكامات وجدد السلاجقة سور بغداد الذي ظل قائماً حتى منتصف القرن الماضي ثم هدم ولم يبق منه الا بابان منهما باب الطلسم الذي يعود الى سنة ٦۱۸ للهجرة ونسفته الحكومة التركية حين اخلت بغداد عام ۱۹۱۷ للميلاد في الحرب العالمية الاولى وكان قوام هذا الباب برجاً ضخماً في وسطه مدخل يعلوه نقش بارز يمثل رجلاً يقبض على تنينين او حيتين خرافيتين وكانوا يحسبون هذا النقش طلسماً له اثر قوي في النفس والحياة.
ام قصور السلاجقة فلم يبق منها شيء يذكر الا بعض الاطلال لقصر الامير بدرلؤلؤ في الموصل على ان الهند ما تزال فيها آثار بعض القصور الوثيقة الصلة بالطراز السلجوقي لكن عمارتها متأثرة الى حد كبير بالاساليب الفنية المحلية. ومن العمائر المدينة اقبل السلاجقة على تشييدها الخانات فقد كان لهم عدد وافر في مختلف الطرق الرئيسة وكان تصميمها يشبه تصميم المدارس الى حد كبير وانتشر هذا الضرب من العمائر في ايران منذ بداية حكم السلجوقيين بيد ان الامثلة المعروفة منها موجودة الان في الاناضول وقوام تصميمها مدخل يوصل الى صحن مربع تحيط به الغرف ومهما يكن فأن العمائر السلجوقية في الاناضول تمتاز بتفخيم الواجهات وتنوعها حتى ان لكل بناء منها طابعاً خاصاً في الزخارف الفنية التي تزدحم بها الواجهة في حين كانت العناية بسائر العناصر العمرانية ثانوية بالنسبة الى العناية بالواجهات ولا يبدو هذا التفخيم في حجم المدخل كما نرى في ايران وانما يتجلى في العناصر الزخرفية كالحنيات المزينة.
بالمقرنصات الموضوعة في اطارات مستطيلة من الزخارف الهندسية المختلفة الاشكال، وفي بعض الاحيان كانت الواجهة تغطى كلها بأشرطة من الكتابة والزخارف الهندسية القليلة البروز والى جانبها زخارف اخرى بارزة من مراوح نخيلية وخطوط معقودة ويبدو هذا جلياً في واجهة مدرسة اينجمنارلي في قونية.
وكانت العمائر السلجوقية في سورية وبلاد الجزيرة اقل عناية ‌بزخارف الواجهات لكن جدار القبلة في مساجدها كان يزين في معظم الاحيان بزخارف من الحجر تمتاز بجمالها ودقة صناعتها اما في العمائر الهندسية‌ في العصر البثاني فترى الواجهات غنية بالزخارف كما يبدو في مسجد قطب الدين في دهلي حيث نرى العقود المدببة في الواجهات مزينة بعده اشرطة من الزخارف البارزة ومنارة ‌هذا المسجد تمتاز ايضاً بحلقات من اشرطة الكتابة الجميلة بيد ان ما يلفت النظر بوجه خاص في زخارف العمائر السلجوقية والطراز السلجوقي بوجه عام هو الاقبال على رسوم الكائنات الحية ولعلهم تأثروا في هذا الميدان بالاساليب التي تسربت اليهم من بلاد تركستان.
ولم تكن موضوعات الكائنات الحية وقفاً على الرسوم في المخطوطات ومختلفي مناحي الفنون التطبيقية وانما عرفت عمائر ذلك العصر تماثيل آدمية مجسمة من الجص تمثل جنوداً او حراساً او امراء وكانت تزين بها القصورة. والسلام عليكم ورحمة الله.

*******

 

شاركوا هذا الخبر مع أصدقائكم

جميع الحقوق محفوظة