البث المباشر

دعوة لقراءة جديدة للفن الاسلامي

الأربعاء 23 يناير 2019 - 14:27 بتوقيت طهران

الحلقة 30

مستمعي الكريم السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته. اهلاً ومرحباً بكم في حلقة جديدة من برنامج لقاء في الهواء الطلق نرجو ان تروق لكم.
اخي الكريم، ربما كان من القضايا الملحة ان يزداد اهتمامنا جميعاً بالفن الاسلامي التراثي، ليس لان هذا الفن جزء من تراث شكل في المئة سنة الاخيرة العنوان الثقافي البارز بل لان هذا الفن تنسدل بيننا وبينه منذ اكثر من قرنين حجب النسيان والاهمال والجهل، في الوقت الذي مازال يطرح فيه على الصعيد الابداعي والجمالي اعمق الاسئلة واحرجها اللافت هنا ليس الاهتمام بالفن الاسلامي وان كان اهتماماً جديداً بل اللافت هو عدم الاهتمام من قبل الذين يرون انفسهم ورثة هذا الفن، اللافت حقاً هو هذا الاغتراب الحاصل بين المجتمعات الانسانية الحديثة وبين الفن الاسلامي الذي ازدهر وانتشر وحقق اضافات فنية حضارية مذهلة في ماضي هذه المجتمعات. اذا تأملنا عزيزي المستمع مسيرة الفن الاسلامي خلال عشرة قرون واكثر فلا بد ان ندهش للوحدة التي تجلى فيها في الوقت الذي كان ينتشر ويزدهر فيه عبر مجتمعات وحضارات وقارات تختلف وتتعدد في مصادرها الفنية واذواقها وعاداتها ومناخاتها وثقافاتها وهذه بلا ريب ظاهرة تاريخية لم يعرفها تاريخ الفن لا القديم ولا الحديث وعندما تمضي في تأملنا مجتهدين في قراءة جماليات هذا الفن ستزداد دهشتنا عندما يتضح لنا انه فن ينحدر من رؤية فلسفية جمالية تشمل الانسان والكون وتستلهم في الوقت نفسه الرؤية الدينية الاسلامية ‌وهي تترجم هذا الاستلهام الى لغة فنية صرفة صافية لم نر مثلها في معظم الفنون التي استلهمت الفلسفة والدين الى جوار هذا انه فن في الوقت الذي يبحر عميقاً في الغيب والدين يغزو الحياة اليومية في ادق تفاصيلها مالأ البيت والشارع والمدينة والامة والقارة بأسرها، انه من ثمة فن يجمع بين الطرفين الغيب والشهادة، السماء والارض، الروح والجسد، التجريد والحس، ترى ماذا يعني الاهتمام بالفن الاسلامي اذن؟ انطلاقاً من هذه الخصوصيات يبدو الاهتمام بالفن الاسلامي جزءاً من الاهتمام بالمسائل الفنية والحضارية القائمة وبالاخص بالاسئلة التي تضطرد منذ ثورة الفن الحديث التي ارادت افقاً اوسع لمجال الابداع ولحضور الفنان، ليس في عصره وبيئته بل في زمن ومكان الابداع حيث يتراجع الزمن بلا اوقات وحيث يتسع او يضيق المكان بلا حدود، اللافت للانتباه عزيزي المستمع في النقد الغربي للفن الاسلامي معالجته لمسائل بعينها منذ بداية ظاهرة الاستشراق او الاهتمام بالحضارات غير الاوربية ويمكن حصر هذه المسائل بالبحث اولاً عن مصادر ومنابع الفن الاسلامي ومسألة المنع الديني للتصوير والجانب الحرفي لهذا الفن ومسألة الزخرفة ويبدو واضحاً ان هذا النقد الغربي قد استبسل وتوقف طويلاً في بحثه عن اصول الفن الاسلامي وجذوره ومنابعه لا ليجيب عن الاسئلة المثيرة في هذه المسألة بل ليثبت ان هذه الاصول والينابيع انما هي اصول تعود الى اديان وحضارات غير اسلامية‌ او متناقضة مع الاسلام كالقول بالتأثير البيزنطي المسيحي او بالروماني الهلني او بالساساني الفارسي.
لقد قرأ النقاد الغربيون الفن الاسلامي انطلاقاً من القيم التي تراكمت منذ عصر النهضة الاوربية الشهيرة اي انهم قرؤا الفن الاسلامي من خلال قيم فنية تجمع بين النظرة الاغريقية وبين النظرة الاوروبية للفن حيث تشكل نظرية المحاكاة القاعدة الجوهرية لاي توجه فني وحيث تشكل شهادة‌ الفن على العصر والواقع والانسان الفرد في صراعه ومعاناته هدف الفن ومجاله ومن هنا فأن هؤلاء النقاد لم يروا في الفن الاسلامي الشيء المثير او الشيء المهم وقد حدى بهم هذا ان يدرجوه في ضمن الفنون الصغرى او الفنون التزئينية.
المشكلة اخي المستمع قائمة اساساً في المنطلقات النظرية وفي القيم الجمالية التي تتم من خلالها قراءة الفن الاسلامي ومن اجل ان نفهم ما اخذه الفن الاسلامي وما اضافه، لابد من اعادة النظر في الطرق والاساليب التي اعتمدت للاقتراب منه اي لا مناص من التخلي عن المناهج والقيم التي عرفها النقد الغربي وعلينا ان ننتقل الى الرؤية الدينية التي حملها المسلمون عن الانسان والكون والحياة اذ ذاك ندرك ان الفن الاسلامي ليس اثاراً فنية متحفية وليس شهادات على العصر بقدر ما هو ترجمة فنية لرؤية شاملة، وينبغي ان نهجر الاساليب البيزنطينية او الاساليب الساسانية بل ينبغي ان نبحث في الفكر اليبزنطي او الساساني او الشرقي الذي سبق زميناً الرؤية الاسلامية، في الجانب الديني او الجانب المدني.
ان المثير حقاً في مسألة المصادر والينابيع اي تأثر الفن الاسلامي بالفنون السابقة ليست الفسيفساء البيزنطية التي زينت بعض المساجد الاسلامية الاولى ولا هي اشكال القباب التي تذكر بالقباب الساسانية ولا هي ايضاً تيجان الاعمدة الرومانية بل المثير حقاً هو ما حدف لهذه التأثرات او لهذه الاساليب من ضبط وتغيير وتحسين اي ان المثير هو مبدأ التوحيد ومبدأ المساواة ومبدأ الغاء الصراع بين الانسان والغيب وبين الانسان والطبيعة اي المباديء التي جاء بها الاسلام وسرعان ما ترجمها الفن الاسلامي وطبقها. ومن هنا ما يغدو بالامكان فهم الزخرفة او الرقش او الخط او النسج وما الى ذلك من انواع بمعزل عن الرؤية الجمالية والمعرفية التي تقف وراء ‌الفن الاسلامي، اي اننا لا نستطيع ان نفهم الفن الاسلامي بمعزل عن الفن الاسلامي للانسان والمجتمع والوجود والغيب فعندما ندرك ان كل ظاهر هو زائل ندرك لماذا يرسم الفنان المسلم الشجرة والنهر والوجه الانساني على الطريقة التي رسم بها هذه الاشياء وعندما ندرك ان الكون ينتظم في نظام الاهي محكم يتجلى في الفضاء الواسع كما يتجلى في ورقة الشجرة وفي قطرة الماء ندرك ان الزخرفة في الفن الاسلامي ما هي الا الشهادة الفنية المقابلة لشهادة التوحيد الكبرى التي رفعها الاسلام.
عزيزي المستمع، ان المناهج النقدية التي قرأت الفن الاسلامي في انواع وعبر عصور وتحت عناوين اخرى مختلفة انما هي اساليب ومناهج اكادمية تنتمي الى المدارس والتيارات النقدية الغربية لما ينبع من الفن الغربي وانواعه وعصوره وقيمه الابداعية، بيد ان هذه المناهج النقدية التي قسمت الفن الاسلامي الى انواع والى عصور لا تلتزم بالقيم الاكادمية والنقدية بل هي في كثير من الاحيان تجيء نتيجة الخلافات السياسية والقومية والتحولات الكبرى التي طرأت في المجتمعات الاسلامية او على ارض الاسلام. فالغرب ومنذ القرن التاسع عشر يوزع الفن الاسلامي تحت عناوين مختلفة تتغير سنة بعد سنة او في مناسبة اثر مناسبة على حسب المصالح والظروف السياسية فمرة هو التصوير العربي ومرة هو المنمنمات المنغولية او هو آثار اواسط آسيا الفنية او هو الفن التركي او الاثار العثمانية او الفن المملوكي او الفن العربي الاسلامي وغيرها من اسماء تكثر وتتنوع والواقع ان المميزات التي تميز الفن الاسلامي بين عصر وعصر وبين نوع ونوع لا تشكل منعطفات جوهرية كتلك التي تميز فن القرون الوسطى الاوروبية وفن ما يسمى بعصر النهضة والفن الحديث والصفات التي تميز بها الفن الاسلامي بين عصر وعصر هي واحدة من حيث الجوهر ولا تشهد على خصائص هذا العصر او ذاك.
كذلك في انتقالنا من فن الخط الى فن الخزف الى فن النسيج الى فن الحفر على النحاس لا ننتقل من خصائص ومميزات تختلف في كل نوع عنها في الانواع الاخرى بل على العكس تماماً ذلك اننا نقف على رغم هذا التنوع امام الخصائص والا ساليب الفنية نفسها.
السمات الواحدة للفن الاسلامي عبر كل العصور وعبر كل الانواع لا تعني انه فن لن يتطور او لن ينمو بل تعني انه فن لم يغير فلسفته وجماليته المستقلة عن التطورات السياسية والاجتماعية، كما هو الحال في اهمالنا للفن الاسلامي وجهلنا به والصعوبة في قراءته وتقويمه من جديد كل ذلك تابع من الاختلاف العميق بين القيم الفنية الحديثة السائدة المنحدرة من الفهم الغربي للفن عامة وبين القيم الفنية والمعرفية الجمالية الدينية للفن الاسلامي وهو اختلاف لا ينحصر بالاساليب والتقنيات بل بالاهداف والغايات وما يتعلق بهذه الاهداف والغايات.
ايها الاخوة حتى لقاء آخر وحلقة اخرى من برنامج لقاء في الهواء الطلق تستودعكم الله والسلام عليكم.

*******

 

شاركوا هذا الخبر مع أصدقائكم

جميع الحقوق محفوظة