البث المباشر

الفن الاسلامي والتوحيد الخاص

الأربعاء 23 يناير 2019 - 14:25 بتوقيت طهران

الحلقة 28

السلام عليكم ايها الاصدقاء ورحمة الله. ترك الفن الاسلامي التراثي آثاراً كثيرة متعددة في انواعه الفنية كلها يحكي مضمون هذا الفن ومنهجة وفلسفته عن الكون وعن الانسان، ومن يقرأ آثار هذا الفن قراءة تأمل عميقة يجد وطرة ما تنطوي عليه من معاني التجريد الذي يرحل من الكثرة الى الوحدة ومن التعينات الى التشخصات في العالم الى المطلق المجرد من التعينات والاضافات اي الى التوحيد في بساطته وشموله وهيمنته على كل الوجود، ان الزخرفة الاسلامية والخط الحفر على الخشب والنحاس والعمارة وفن الخزف والمنمنمات وسواها انما تنقل الانسان اضافة الى وظيفته العملية في الحياة اليومية الى معاني دينية عميقة لا تجد نظيراً لها في سائر الفنون الدينية ‌التي عرفها العالم في شرق الارض وغربها، انما هي تفتح للمرء نافذة رائعة يطل منها على اللانهاية واللا محدود، على الغيب الواحد المطلق وتلك مزية عظمى يحق للفن الاسلامي ان يفتخر بها على الرغم من محاولات الدارسين ونقاد الفن الغربيين تهميش قيمة هذا الفن وعلى الرغم من سعيهم الى عدة من الفنون الصغرى او الفنون التزئينية وقد وقفنا في لقاءات سابقة لنا على تفصيلات نافعة كشفت لنا عن تجليات الفن الاسلامي وخصائصه ومعاينه العميقة التي تتجاوز السطح الظاهر لتغوص في الاعماق.
فن الخزف نوع من الانواع الفنية ومجالاً من مجاليه، كان انتاجه عظيماً جداً لكثرة الحاجة اليومية اليه وكانت الاساليب الفنية في صناعة الخزف تنتشر بسرعة كبيرة في شتى انحاء العالم الاسلامي الذي شمل ثلاث قارات خلال اكثر من الف عام وقد عثر المنقبون عن الاثار في مصر وايران والعراق والشام وشمال افريقية والاندلس على كثير من الانواع المشتركة بين هذه الاقاليم وكانت الاساليب الفنية خير معين في معرفة تاريخ انواع الخزف الاسلامي وفي نسبتها الى موطنها في ديار الاسلام والملاحظ ان كل ما اصابه الخزفيون من تجديد وتقدم في اي اقليم اسلامي كان يرحل بسرعة الى سائر الاقاليم مما يشهد بعظم الاقبال على الاثار الفنية الخزفية ويشهد بجهود الفنانين في الوصول بها الى درجة الاتقان وقد تحدثنا في لقاء سابق عن تاريخ تطور فن الخزف في العصر العباسي في بقاع شتى من العالم الاسلامي وكان الحكام السلاجقة في القرنين الخامس والسادس بعد الهجرة من اعظم رعاة الفن ولدى وصولهم الى الحكم في ايران جمعوا امهر الفنانين في مرو ونيسابور وهرات والري واصفهان ووصل الخزفيون في عصرهم وفي عصر المغول الى قمة مجدهم الصناعي الفتي بين القرنين الخامس والثامن بعد الهجرة فنضجت آثارهم واتقنوا الاساليب الصناعية والزخرفية فكانوا يستعملون الزخارف المحفورة والبارزة والمخرمة والمجسمة ويرسمون النقوش فوق الدهان او تحته ويجملونها بالتذهيب او بالبريق المعدني وإذا استثنينا الصيني البرسلين نجدهم عرفوا هذين العصرين كل انواع الخزف وصنعوا منها شتى الاشكال المتفاوتة الحجم المتنوعة في الوانها البراقة الجميلة وحذقوا في رسم الصور الادمية والحيوانية والنباتية واستعملوا في رسمها مهارة المصورين والمذهبين وفتح لهم استعمال الخزف في الزخارف العمرانية باباً جديداً زادهم مثابرة ونشاطاً، وقد قضى الغزو المغولي على اكبر مراكز الصناعة الخزفية في ايران فدمرت مدينة الري سنة ٦۱۷ للهجرة وكذا مدينة قاشان سنه ٦۲۱ للهجرة لكن الراجح هو ان فن الخزف لم يتأثر بذلك الى حد كبير ما سوى كمية الانتاج ويدل على هذا ان بعض التحف الخزفية الجميلة تحمل تواريخ تثبت انها صنعت بعد الغزو المغولي بزمن غير طويل.
ومنذ نهاية القرن الرابع الى بداية القرن السابع صنع الخزفيون الايرانيون انواعاً مختلفة من الخزف ذي الزخارف المحفورة منها نوع ابيض رفيع خفيف الوزن محفور فيه زخارف دقيقة او محلى برسوم بارزة بروزاً خفيفاً تتألف من اوراق شجر محورة عن الطبيعة او من فروع نباتية وقد تشاهد بينها كتابات كوفية وعمد الفنانون في بعض الاحيان الى زخرفة الاناء بخروم في بدنه تسد بالدهان وينفذ منها الضوء فيضفي على سائر الزخرفة ظهوراً ويكسب التحفة رقة عجيبة بيد ان ابدع انواع الخزف ذي الزخارف المحفورة هو ما امتاز بتعدد الوانه وسيادة العنصر التصويري فيه، اما الالوان التي شاع استعمالها في هذا النوع من الخزف فهي الازرق بدرجاته المختلفة والاخضر المسائل الى الزرقة والاخضر الناصع والاحمر الارجواني والاصفر الناصع الى جانب لون الباذمجان بين السواد والحمرة اما زخارف هذا الفن فطيور كالطاووس والغزال والاوز والصقر او حيوانات اسطورية كأبي الهول والطائر ذي الوجه الادمي وتظهر الزخرفة على ارضية صفراء ناصعة او بيضاء وتزينها رسوم فروع نباتية ومن انواع الخزف السلجوقي ذي الزخارف المحفورة نوع تحفر فيه الرسوم حفراً دقيقاً تحت الطلاء او الدهان وتستعمل فيه الالوان الاصفر والبني والذهبي والاخضر ولون الباذنجان بيد ان الالوان هنا مفصولة بعضها عن بعض كأنها الفسيفساء كما يبدو ذلك في المثلثات الصغيرة التي تزين حافة الاناء وتشكل زخرفة كأسنان المنشار ومعظم زخارف هذا النوع من الخزف طيور تقوم على ارضية من الاغصان والفروع النباتية.
وشهد العصر السلجوقي نهضة جديدة في فن الخزف ذي البريق المعدني ولاسيما في مدينة الري التي كانت منذ القرن الثالث الهجري من اعظم بلدان العالم الاسلامي اذ استعمل الخزف ذي البريق المعدني في شتى انواع المنتجات الخزفية كالاواني والمحاريب والمقاعد والموائد وتطورت الزخرفة بالبريق المعدني في هذا العصر فأصبحت الارضية هي التي تغطى في معظم الاحيان بالبريق المعدني في حين تظل الرسوم بيضاء محجوزة في تلك الارضية وقد كان الشائع في العصر السابق ان الرسوم هي التي تؤدى‌ بالبريق المعدني دون الارضية، تمتاز الآثار الخزفية البديعة ذوات البريق المعدني ولاسيما في مدينة الري بوضوح رسمها وصفاءه وبابداع زخارفها كما اتخذت الحروف الكوفية لتزيين حافة الانية وكان الفنانون يعنون في بعض الاوقات برسم تلك الحروف فتمكن قراءتها، كما كانوا يرسمونها في اوقات اخرى بطريقة تحويرية تبعدها عن اصولها وتجعلها زخرفة شبه كتابية واستعملوا في الكتابة التي تدور حول الاناء الخط الفارسي المحقق ذا الحروف المقوسة المتصل بعضها ببعض وكانت الكتابات المجوفة الكبيرة تستعمل على نحو خاص في الايات الكريمة على البلاطات التي تكسى بها جدران المحاريب، ومن المراكز الفنية التي ذاعت شهرتها الفنية في انتاج الخزف مدينة قاشان التي كانت لها منزلة كبيرة في انتاج الخزف ذي البريق المعدني وقد وصل الينا اسماء بعض الخزفيين الذين نبغوا فيها من بينهم الحسن بن عربشاه الذي جاء اسمه على محراب من القاشاني ذي البريق المعدني والزخارف البارزة، مؤرخ في سنة ٦۲۳ للهجرة ومنهم علي الحسيني كاتبي وحسن بن علي بن احمد بن بابويه البنا ورد اسم الاول على محراب محفوظ في متحفة الارميتاج واسم الثاني على محراب ثالث في متحفة المترولثان ومنهم محمد بن ابي طاهر الذي تنسب اليه المحاريب الخزفية الثلاثة التي ترجع الى سنة ٦۱۲ للهجرة وهي موجودة في حرم الامام الرضا (عليه السلام). والسلام عليكم ورحمة الله.

*******

 

شاركوا هذا الخبر مع أصدقائكم

جميع الحقوق محفوظة