البث المباشر

تأثيرات الفن الاسلامي على الحضارة الغربية

الأربعاء 23 يناير 2019 - 12:38 بتوقيت طهران

الحلقة 20

السلام عليكم ايها الاصدقاء ورحمة الله.
تقام بين زمن وآخر ومنذ اواخر القرن التاسع عشر معارض للفن الاسلامي التراثي في عواصم الغرب الكبرى، هذه المعارض لم تترك انطباعاً حسناً عند المشاهدين والباحثين والفنانين التشكيليين وحسب بل كانت تثير كل مرة ضجة كبيرة وجدلاً واسعاً في الحياة الثقافية والفنية مما ترك اثراً واضحاً في التوجهات الفنية لدى كبار الفنانين التشكيليين يعدون من الركائز الاساسية في توجهات الفن الحديث إذا كان المعرض الاول للفن الاسلامي الذي اقيم في لندن عام ۱۸۸٥ للميلاد في نظر الكثير من النقاد الحدث الاول الذي فتح عين الفنان الغربي على فن متميز غني مثير للاستلهام فأن معرض ميونخ الذي اقيم سنة ۱۹۱۰ للميلاد بعد الحدث الاكبر لتبلور وظهور التجريدية، التيار الفني الابرز في ثورة الفن الحديث، وما يزال النقد يربط بين توجهات كل من كاندنيسكي وبول كيلبة ومندريان النظرية والتطبيقية على صعيد اللوحة الحديثة التي هي من اعمق المنعطفات الفنية في القرن العشرين، وبين اطلاعهم وتأملهم لمعرض ميونخ للفن الاسلامي.
كذلك يمكن اعتبار معرض لندن عام ۱۹۳۱ للميلاد ومعرض لينينغراد عام ۱۹۳٥ للميلاد ثم معرض باريس لعام ۱۹٦۱ للميلاد من المعارض البارزة ليس على صعيد تسليط الاضواء على فنون الاسلام او فنون آسيا الغامضة المتنوعة بل في قوة حضورها الفني الصرف، وفيما تتضمنه من اجابات حاسمة عن الكثير من الاسئلة التي كانت مطروحة في الحياة الفنية الغربية بشكل عام وقد ادى هذا الامر الى ظهور جيل جديد من العلماء راح يتحرر تدريجياً من النظرة الغربية المتعصبة المتغطرسة من جهة كما ادى هذا الحضور الفني الاسلامي الى بروز جيل من الفنانين التشكيليين من جهة ثانية، كان اشد حماسة واوفر جرأة على الاعتراف بجمال هذا الفن وعمق اصالته الابداعية، ولاريب يا اخي ان تنظيم مثل هذه المعارض لم يكن خالياً من الاهداف غير الفنية اذ نستطيع مرة اخرى قراءة الصراعات القومية والسياسية واعادة تقسيم الشعوب والحضارات والفنون وتبويبها على طباق المصالح السياسية الغربية، وهذا ما نراه ماثلاً في المعارض الجديدة التي اقيمت بحماسة منذ مطلع السبعينيات وبأخراج افضل في كل من لندن وباريس ونيويورك وجنيف وشارك في اعدادها افراد وانظمة ومؤسسات اسلامية وعربية وشرقية ومع هذا كله فأن حضور الفن الاسلامي كمجموعة من القيم الجمالية ومجموعة من الاساليب والتقنيات ومجموعة من الخصائص والسمات الفنية المتميزة الخاصة استطاع هذا الحضور ان يستقل بنفسه وان يطرح اسألته الفنية والجمالية بعيداً عن تلك الاهداف السياسية والتجارية وعن الغايات المصلحية الخفية.
انطلاقاً من هذه الحقائق نقف ازاء المعرض المثير جداً الذي اقيم على ارض اسطنبول عام ۱۹۸۳للميلاد الذي حمل عنوان «معرض الفن الاسلامي» بمناسبة ‌مرور اربعمئة والف عام على الهجرة النبوية، واستمر عرضه سبعة اشهر، اضافة الى معرض اخر تحت شعار «الحضارة الاناضولية» الذي ضم اثار الحضارات الاولى السابقة للاسلام، ان معرض اسطنبول هذا لا يختصر معارض الفن الاسلامي التي اقيمت من قبل بل هو المعرض الاكثر شمولاً والاكثر تاريخاً للفن الاسلامي، انه المعرض الاهم والاغنى الذي لابد ان يبدو اثره الفعال ليس في اوساط الحياة الفنية‌ الغربية بل هذه المرة في اوساط الحياة الفنية الشرقية على الارض نفسها التي شهدت تجلياته العظمى.
اجل يا صديقي فنحن بأزاء كنز ضخم من الماضي، الماضي العريق تفتح اسطنبول ابوابه فيكشف عن ثروة واسعة هي عشرة الاف عمل فني وعشرة الاف سنة قبل الميلاد، هذه الثروة تراكمت منذ ما قبل التاريخ حتى القرن الماضي، وقد تركتها وراءها الحضارات التي تعاقبت على ارض الاناضول من بدائية الى وثنية الى مسيحية الى اسلامية، وبالقياس الينا ثمة ثروة رهيبة من الآثار والاعمال الفنية التي تعود الى الحضارة الاسلامية‌ من القرن الحادي عشر حتى اواخر القرن التاسع عشر وهي تتضمن رسالة النبي (صلى الله عليه وآله) الى ملك الروم والمصاحف الاولى كمصحف الامام علي (عليه السلام) ثم هناك مخطوطات وخطوط وما يدهش من اعمال فنية تحققت على النحاس والخشب والنسيج والخزف والسيراميك، وما تحقق على صعيد العمران، فما تزال ترتفع جوامع ومساجد ومآذن وقباب تشهد على ازدهار فن ابداعي مدهش رفيع، نحن في هذا المعرض ازاء تعاقب حضارات عمرت وصارعت وحاربت واثنى بعضها بعضاً،‌ حضارات محت اسماءها وحضارات ما نزال نرفع لواء الولاء لها وثمة تاريخ طويل من الحروب والقتال وثمة شهادات كثيرة من اليونان ومن الرومان وشهادة اكثر اثارة تجيء من جهة البيزنطينيين وشهادة تعقبها تجيء من قبل الاسلام، ان كثيراً من الماضي الحضاري الذي يشكل الهاجس الغربي والهاجس الاسلامي الحديث لا يتجلى في الآثار التي يكشف عنها معرض اسطنبول ويسلط عليها الاضواء، انها لاثارة نادرة وثرية ومدهشة، ليست الاثارة في هذا الاتساع التاريخي مع انه منبع الاثارات بل الاثارة تكمن في تلك الاسئلة الكثيره التي تتلاحق عندما لا يستطيع المرء ان يفصل بين الاسئلة القائمة التي تطرحها الثقافة الحديثة للمسلمين حول التقدم الحضاري وحول الماضي الحضاري، انها الاسئلة الحاضره التي تتفجر مع تفجر الواقع اليومي وبين المضامين والشهادات التي تدلي بها هذه الاثار، ففي الوقت الذي تبدو فيه انها آثار انست جزءاً من الماضي الذي افل يسرع الماضي بكل ثقله وطوله وعرضه عند تلمس قلق المواقف واضطراب الخيارات الحضارية الفعلية ليحضر بقوة كموضوع اصيل في المسائل والمشكلات التي يعاني منها حالياً مجتمعنا العربي ومجتمعنا التركي ومجتمعنا المسلم على السواء.
من الصعوبة يا اخي الوقوف ازاء هذه المعارض الفنية وقفة حيادية جافة، وقفة العلماء الحياديين، والباحثين الحياديين فحتى المدخل الحيادي او المدخل الفني الصرف سيثير الاسئلة الحرجة، ذلك ان التوجهات والتجليات الفنية الحديثة التي عرفها كل من المجتمع العربي الحديث والمجتمع التركي الحديث ايضاً انما هي توجهات وتجليات ما تزال منذ اكثر من مئة عام تعاني آلام الانفصال عن الماضي وآلام الاتصال بالحاضر وتعاني كذلك الام الجمع بين هذين الاثنين، وآلام ما يسمى الاحياء والاستلهام والاستفادة من الماضي الفني وآلام ما يسمى ايضاً المواكبة والتماثل والتحاور مع الغرب المتقدم ومع العصر، فالعناوين الكبرى لثقافتنا الحاضرة تزيد من اهمية هذه المعارض فليست الاصالة والهوية والحداثة والتجريد الفني الا مداخل ستقودنا بالضرورة الى هذه الفنون التي تسلط اسطنبول الاضواء عليها اذا كانت آثار الحيثين والرومان والبيزنطينيين تشهد بشكل او بآخر على ان تاريخ ارض جبال الاناضول وجبال الارز ووادي النهرين والشرق الادنى تاريخ واحد، فأن الشهادة الكبرى التي ستشهدها الاثار المتراكمة من عهد السلاجقة الى الايام الاخيرة للعثمانيين لن تردد الشهادة نفسها فحسب بل ستشهد على الوحدة في المطلق، وحدة الانسان ووحدة المبدأ ووحدة التجلي ووحدة الذوق ووحدة الداعي ووحدة الفن، الشهادة الكبرى التي يشهدها الفن الاسلامي خلال اكثر من الف عام هي شهادة التوحيد بأمتياز فلقد انتشر هذا الفن وازدهر في قارات وبين شعوب تعددت في اسماءها ومنابعها وماضيها وظل فناً متماسكاً في وحدة مبادئه ومنطلقاته الجمالية والفلسفية. في الوقت الذي يشهد فيه بقوة وتفرد على سقوط الحدود والاسماء والصفات عند الدخول على دائرة الابداع والاقامة فيها والانتماء اليها، منظم الندوة الدولية حول الفن الاسلامي التي شارك فيها مئة وعشرة من العلماء والباحثين من سبع وعشرين دولة يؤكدون هذه الخصائص ويطرحون جوهر المسألة بأختيارهم المبادي والمضامين والاشكال المشتركة للفنون الاسلامية عنواناً للندوة وموضوعاً للمناقشة ذلك انه حين تتضح وحدة هذه المباديء والاشكال والمضامين ستتأكد وتتضح وحدة الرؤية والمنطلق والدافع الجمالي والابداعي ومعها يمكن الوصول الى الاجابات الصميمية العميقة عن الاسئلة القائمة المتصلة بالتوجهات الحضارية بين الشرق والغرب والتراث والحضارة والمحافظة والتجديد على صعيد الفن والصعيد الثقافي العام. والسلام عليكم ورحمة ‌الله.

*******

 

شاركوا هذا الخبر مع أصدقائكم

جميع الحقوق محفوظة