البث المباشر

الشعر القصصي الفارسي واثره في الاداب الاسلامية الاخرى الجزء الثاني من قصة يوسف (ع) وزليخا

الثلاثاء 15 يناير 2019 - 11:11 بتوقيت طهران

الحلقة 14

دراسات مقارنة في الادب الفارسي والاداب الاخرى عنوان الحلقة: الشعر القصصي الفارسي واثره في الاداب الاسلامية الاخرى الجزء الثاني من قصة يوسف(ع) وزليخا أعزائنا المستمعين، تحدثنا لكم في الحلقة الماضية عن قصة يوسف(ع) وجذورها التاريخية الاسرائيلية والاسلامية، ووجدنا أنها ملحمة كانت معروفة عند الاسرائيلين. وقد جاءت في القرآن الكريم، على أنها أحسن القصص وكما نص القرآن الكريم بقوله تعالى: (لقد كان في يوسف واخوته آيات للسائلين)، وكان لها أعمق الاثر في شعر الشعراء للاسلاميين، وقد أصبحت قصة من قصص الحب الصوفي، تختلط فيها العاطفة الانسانية والعظمة الدينية والمثالية الروحية، تصاغ في اروع الصور الشعرية. ونحن في هذه الحلقة نتابع معكم الجزء الثاني من هذه القصة الملحمية العاطفية الدينية الاخلاقية، ومن اجل هذه، معنا في الاستوديو خبير البرنامج، الدكتور عباسي العباسي الطائي استاذ الادب العربي والخبير باللغة الفارسية وآدابها، نحييه ونرحب به
سؤال: دكتور، عرفنا من خلال حديثنا معكم في الحلقات الماضيية إن الشعراء الايرانيون أمعنوا في نظم القصص التاريخية، امثال، قصة وامق والعذراء وسلامات وأبسال وخسرو وشيرين، وليلى والمجنون، وغيرها، وقد اصبحت هذه القصص المنظومة باللغة الفارسية، نمطاً يحتذى به، وفي الحلقة الماضية كان الحديث عن احسن القصص ألا وهي قصة يوسف(ع) وزليخا، وفي هذا الجزء الثاني من هذه القصة، نريد أن نطلع مستمعينا الكرام على الشعراء الايرانيين الذين نظموا قصة يوسف وزليخا، فهل تتفضلون؟
جواب: بسم الله الرحمن الرحيم: يذكر بعض مؤرخي الادب، أن ابا القاسم الفردوسي الشاعر الفارسي العبقري، بعد أن أتمّ ملحمة الشاهنامة والتي تحدثنا عنها في هذا البرنامج في اكثر من حلقة، نظم قصة يوسف عليه السلام وزليخا، وكانت بالنسبة له عملاً من أعمال التقوى، لكن هناك شكوكاً قد تارت حول نسبة هذه القصة الى الفردوسي، وهذه الشكوك قد ظهرت لدى بعض المستشرقين وكذلك عند بعض العلماء الايرانيين، وأيد البعض الآخر نسبتها إلى الفردوسي، والامر موضع جدل لا مجال للبت فيه لكن هناك اشارات تساعد على قوة انتسابها اليه، منها أن الشاعر أشار إلى أنه أمضي نصف عمره في نظم الاساطير ، ومن يا ترى يكون ذلك الشاعر غير الفردوسي، ومنها أن منظومة يوسف وزليخا هذي، نسجت في بحر المتقارب وهو نفس البحر الذي صيغت به الشاهنامة، ومنها أن القصة المنظومة ذات طابع بطولي وأن البطولة قد اقتصرت على يوسف(ع) وحده. كما أن هناك دلائل يستدل بها المشكلون في نسبتها للفردوسي، منها كثرة الا لفاظ العربية المستخدمة في هذه المنظومة، على خلاف ما جاء في الشاهنامة من الاحتراز من استخدام الانفاظ العربية الذي تقلص حجمه من ثلاثة إلى خمسة عشر في المائة.
سؤال: وهل سبق الشاعر، من قام بنظم الشاهنامة؟
جواب: نعم، لقد ذكر صاحب هذه المنظومة الضخمة، في مقدمتها، اسم شيرين سبقاه إلى نظمها، هما، ابوالمويد البلخي، والبختياري، لكن المنظومتين قد فقدتا ولا مجال للبحث عنما.
سؤال: هل تعطون المستمع الكريم فكرة عن كيفية نظم هذه القصة (المنسوبة للفردوسي) وعن محتواها؟
جواب: المنظومة غنية بالصور البيانية التي اضفاها الشاعر على الاحاديث مما يدل على براعته في تصوير العواطف التي زخرت بها القصة، اما في سرد القصة، فقد التزم الشاعر بالترتيب الذي جاء في القرآن الكريم قدر ما استطاع وقد أورد ما جاء في تفسير القصة فضلاً عما سمعه من روايات. بداً الشاعر المنظومة بالحديث عن قدرة الله تعالى ثم مدح الرسول(ص) وهذه المقدمات نراها في اكثر المنظومات القصصية. ثم ياتي بفصل في تفضيل بني آدم على الحيوان، ثم يذكر سبب نزول سورة يوسف(ع) ويذكر ابيات في العظمة والاعتبار، ويستغرق نظم هذه المقدمات ثلاثمائة وثلاثين بيتاً، ثم يدخل في القصة بدأ بيعقوب وقصته(ع) ثم قصة يوسف، ويقف في وصف جمال وقفة رائعة: منها يعقوب (حينما أشرقت طلعته على الزمان، حفل العالم بالنور من اقصاه إلى اقصاه/ فكأنما ولدت لراحيل شمس أطل النور منها على الاقاليم السبعة….) وهكذا تتستمر القصة حتى يزوج يوسف من زليخا، لكن الموقف الختامي في القصة يصور تحول زليخا عن حب يوسف. وهل هذه الفكرة صوفية ظهرت في عصر الفردوسي، لأن الايمان قد عمر قلبها. وهذه الفكرة تحمل بذوراً صوفية أشار اليها الغزالي في كتابه (مكاشفة القلوب) الذي أورد فيه قصة يوسف وزليخا في باب العشق. يقول الغزالي (الحب عبارة عن ميل الطبع إلى الشيء، فأن تاكد ذلك الميل وقوي، سمي عشقاً، الا ترى إلى زليخا بلغ بها من الحب ليوسف(ع) أن رهنت مالها و جمالها، و قد كان لها و قر سبعين حملاً، انفقتها كلها في محبة يوسف، وروي أنها لما تزوجت به انفردت عنه وتخلت للعبادة وانقطعت إلى الله تعالى وقالت: يا يوسف، إنما كنت أحبك قبل أن أعرفه فلما عرفته فما أبقت محبته محبة لسوا. (مكاشفة القلوب ص ۲۳) وقد صور هذا الموقف الاخير من انقطاع زليخا إلى الله شاعر هذه المنظومة أروع تصوير. لكننا نرى بعد ذلك شاعراً عارفاً شهيراً آخر وهو مولانا عبدالرحمن الجامي، وقد عالج هذا الموضوع، اي الموضوع الصوفي باحسن مايمكن.
سؤال: وبهذا يكون الشاعر الثاني الذي نظم قصه يوسف(ع) هو مولانا عبدالرحمن الجامي، فهل من الممكن مقايسة (او موازنة) هاتين المنظوتين باختصار؟
جواب: إذا كانت المنظومة المنسوبة إلى الفردوسي حول يوسف وزليخا قد ركزت على بطولة يوسف وحسب. ولم تعطي لزليخا إلا دوراً جانبياً، فإن منظومة عبدالرحمن الجامي هذا العارف الشاعر الشهير تناولت القصة تناولاً فنياً فجعلت يوسف وزليخا يتقاسمان بطولة القصة. ثم أن الجامي ركز على فكرة الحب الصوفي، وقد حذف الجامي كثيراً من تفصيلات قصه يوسف مع إخوته وقد جعل القصة قصة حب ومكافاة ثم أن الرمزية واضحة في اسلوب الجامي.
سؤال: هذا عن الشعراء الايرانيين، وماذا عن شعراء غير ايرانيين نهجوا هذا المنهج في نظم قصه يوسف وزليخا؟
جواب: وهذه هي المقارنة بذاتها، إذ يبرز شاعر تركي باسم حمدالله چلبي الذي اتخذ اسم (حمدي) تحلصاً له وكان معاصراً لشاعرنا الجامي في القرن التاسع الهجري، فكان ابوحمدي متصوفاً عالماً أنجب اثني عشر ابناً كان اصغرهم الشاعر حمدي وقد مات ابوحمدي عندما كان للشاعر اثنتا عشر سنة ولم يكن حمدي على وفاق مع اخوته، فقد تحدث في مقدمة منظومة (يوسف وزليخا) عن سوء نواياهم كما ذكر ماتنباً به ابوه (اي ابا حمدي) عن الشر الذي يصيبه على ايديهم. وعلى مايبدو أن شاعرنا كان فقيراً وكانت هذه المنظومة تدر عليه بفص المال من خلال انتساخ صدر لها وهناك نسخ مخظوطة تدل على الامر. وكانت يوسف و زليخا اشهر المنظومات او المثنويات التركية على الاخلاق.
سؤال: قد يكون الدافع للشاعر لنظم هذه القصة تشابهه مع يوسف عليه السلام.
جواب: بالتأكيد، فإن الشاعر حمدي يذكر مصائبه التي لاقاها من اخوته، غير انه يقول إن يوسف(ع): لقد وجد يوسف نهاية لاحزانه، أما هو فلم يجد.
سؤال: إذن لهذا كان الشاعرحمدي مهيأً من الناحية النفسية لنظم قصة يوسف.
جواب: إضافة إلى ذلك، يقول إنه نهض بهذا الحم لانه لم يجد من نهض بمثل هذا الامر في اللغة التركية.
سؤال: وهل أفاد حمدي من المنظومة المنسنوبة إلى الفردوسي، او من منظومة الجامي؟
جواب: يقول حمدي، أن منظومة الجامي وصلت اليه بعد أن نظم قصة يوسف وزليخا، لكنه يعترف(اي حمدي) أن منظومته ترجمة من بعض وجوهها وهي من وجودهها الاخرى محاكاة (اي تقليد).
سؤال: يبدو أنها (اي بعض جوانبها) ترجمة من منظومة الفردوسي، لكننا نجد حمدي قد استخدم خياله في تصوير بعض الاحداث، فطور قصة الذئب مع يعقوب وأسرف في تصوير كرامات يوسف واضاف إلى بعض المواقف تفصيلات أخرى من نسبح خياله.
سؤال: وماذا أفاد حمدي من منظومة الجامي؟
جواب: تمت منظومة الجامي سنة (۸۸۸) ثمانهائة وثمان وثمانين، وتمت منظومة حمدي بتسع سنوات بعدها فلابد أنه استفاد من تجارب الجامي وهذا يظهر في الموقف الذي يباع فيه يوسف وتظهر زليخا على المسرح في منظومة الجامي، لكن حمدي يطور هذا الموقف اذ نلمس براعة الشاعر حمدي في تصوير هذا الموقف وهي تفوق براعة الجامي، لان الجامي ذكر شباب يوسف ثم انتقل بصورة مفاجاةٍ إلى طفولة زليخا، في حين أن حمدي روى قصة يوسف حتى وقت بيعه في مصر، فظهرت زليخا على مسرح الاحداث وهناك وجد الشاعر حمدي الفرصة الملائمة لرواية أحداث حياة زليخا حتى زواجها من يوسف إذاً تاثير الجامي على حمدي عميق جداً.
سؤال: وهل وهناك شعراء آخرون غير الايرانيين او ايرانيون نظموا هذي القصة؟
جواب: نعم، هناك شاعر تركي آخر، يدعى احمد بن سليمان بن كمال باشا وهو من الشعراء المشاهير الاتراك، وله آثار جمة نظم قصة يوسف وزليخا في سبعة الاف وسبع مائة وسبعة وسبعين بيتاً كما نظم قصة يوسف وزليخا شعراء آخرون بالفارسية والتركية والأردية. وهناك منظومة باللغة الاسبانية باسم قصيدة يوسف، لكنها بالحروف العربية، ربما يرجع هتاريخها إلى القرن الرابع عشر الميلادي.

*******

 

شاركوا هذا الخبر مع أصدقائكم

جميع الحقوق محفوظة