لكنّ هناك نقطة، وهي أنَّ هذا العالِم عندما يتبنّى حركةً أو حزباً أو خطّاً، فإنَّ عليه أن لا يضع نفسه في الدائرة العصبيّة التقليديّة لهذا الحزب، بل عليه أن يجعل انتماءه الحزبيّ منفتحاً على الأُمَّة، بحيث يتّسع عقله وقلبه وحركته للأُمّة كلّها. وكما قلنا، فإنَّ هناك فرقاً بين أن تجعل نفسك تعيش في زاوية محدَّدة على أساس العصبيّة التي تختنق فيها، بحيث تفصل نفسك عن الآخرين، أو تفصل خطّك عن الأُمّة، وبين أن تنتمي إلى جهةٍ تنفتح على الأُمّة لتنطلق على أساس خدمة الأُمّة من خلال الأخلاق العامّة في هذا المجال.
وإلّا، فلو أردنا أن ننطلق في هذا المجال في رفض انتماء الإنسان إلى خطٍّ معيّن يستهدف تحقيق الأهداف من خلال وسائل معيّنة، فأمكن أن نقول إنَّه من الخطأ أيضاً أن ينتمي الإنسان إلى جمعيّة أو إلى مجلس أو إلى أيّ موقع من المواقع الاجتماعيّة أو السياسيّة الخاصّة.
وعليه، فإذا كان هذا الحزب حزباً سائراً على الخطّ الإسلامي الذي فيه رضا الله، فقد يكون الانتماء واجباً، وليس جائزاً أو مستحبّاً فحسب. وإلّا، فلو أردنا أن ننطلق في هذا الجوّ، فإنَّ علينا أن نقول إنّه لا يجوز للإنسان الانتماء إلى الإسلام، عندما يكون المجتمع متنوِّعاً (كالمجتمع اللّبناني مثلاً)، فليس له أن يُجاهر بإسلامه، كما ليس للمسيحي أن يُجاهر بمسيحيّته، لأنَّ خصوصية الإسلام والمسيحيّة تقسِّم الوطن وتجعله منفتحاً على حالة قد تؤدّي إلى التعصُّب!.
إنَّ هناك فرقاً بين خصوصيّة الانتماء، وهي حالة إنسانيّة طبيعيّة بلحاظ ما يختلف فيه الناس في انتماءاتهم من خلال اختلافهم في اجتهاداتهم وفي قناعاتهم، وبين أن تتعصَّب لانتمائك بنحوٍ تنكر على الآخرين انتماءهم، أو أنَّك تحوّل انتماءك إلى حالة عدوانيّة ضدَّ الآخرين.
العلامة المرجع السيد محمد حسين فضل الله * من كتاب "فقه الحياة".