ونعى المجلس المركزي للمسلمين في ألمانيا هوفمان الذي عمل مستشارا له، وأضاف بيان المجلس أن المفكر الإسلامي الألماني مات بين أحبائه.
وكان الدكتور مراد ويلفريد هوفمان سفيرا لبلاده في الجزائر والمغرب، وهو مولود لعائلة كاثوليكية عام 1931 في أشافنبورغ، وهي بلدة كبيرة في شمال غرب بافاريا، واعتنق الإسلام في سبتمبر/أيلول 1980 مثيرا عاصفة من الجدل بسبب مكانته الدبلوماسية الرفيعة.
عمل هوفمان في وزارة الخارجية الألمانية من عام 1961 إلى 1994، وكان متخصصا في القضايا المتعلقة بالدفاع النووي.
وواصل عمله مديرا للمعلومات في منظمة حلف شمال الأطلسي في بروكسل في الفترة من 1983 إلى 1987، وسفيرا لبلاه لدى الجزائر من 1987 إلى 1990، وسفيرا في المغرب من 1990 إلى 1994.
ونتيجة ما شاهده في حرب الاستقلال الجزائرية وإعجابه بصبر الجزائريين واستيعابهم لما جرى، ولولعه كذلك بالفن الإسلامي، ولما اعتبره تناقضات في العقيدة المسيحية التي كان يعتنقها؛ قرر قراءة القرآن بنفسه، وقال عنه "كل شيء في مكانه، منطقي تماما".
الإسلام كبديل
يرد هوفمان في كتابه "الإسلام كبديل" على الادعاء بأن الديمقراطية العلمانية والرأسمالية هي قمة الحضارة، وقدّم هوفمان كتابه إلى "الغربيين الذين يسعون إلى فهم الإسلام على المستوى الشخصي".
واعتُبر الكتاب بمثابة إعلان من الدبلوماسي والمفكر الألماني عن إسلامه، مما عرضه لهجوم من وسائل الإعلام الألمانية والأوروبية كونه كان دبلوماسيا ألمانيا سابقا وعمل في منصب حساس في حلف الناتو.
واعتنق هوفمان الإسلام يوم 25 سبتمبر/أيلول 1980، وتحدث في كتابه عن الإسلام مقدما رؤيته المستقبلية للدين، وهو يرى في كتابه أن القرن الحادي والعشرين هو قرن انبعاث الإسلام في أوروبا.
ورغم أن المؤلف قدم الكتاب للقراء الغربيين، فإنه لم يتجنب قضايا حساسة مثل أحكام الحدود وتعدد زوجات الرسول عليه الصلاة والسلام ومسائل القضاء والقدر والربا والمذاهب الأربعة، فضلا عن مواضيع مثيرة للجدل مثل الخلافة والتصوف والتطرف وقضايا المرأة والفن وغيرها.
وأثار الكتاب ضجة كبيرة قبل نشره بمجرد الإعلان عن أن دار نشر ألمانية معروفة ستتولى طباعته، وتعرض هوفمان للعديد من الشائعات وحملات التشويه، بما في ذلك من مزاعم بأن كل امرأة في وزارة الخارجية الألمانية تعمل تحت إدارة هوفمان ستجبر على ارتداء الحجاب.
ودون قراءة الكتاب، هاجم بعض الكتاب والسياسيين هوفمان بزعم أن أفكاره لا تتسق مع الدستور الألماني، وطلبت الخارجية الألمانية منه تقديم إفادة حول آرائه، وفي النهاية صدر الكتاب بتقديم أكاديمية ألمانية مرموقة أثنت على الكتاب الذي أثار جدلا طويلا على صفحات الصحف والكتب الألمانية.
يوميات هوفمان
وفي يومياته التي صدرت ترجمتها العربية الأولى عن مركز الأهرام للترجمة والنشر عام 1985، يتناول هوفمان رحلته للحج والمواقف التي حدثت له مع المسلمين في الغرب والعالم الإسلامي، وعبّر عنها بالقول "الإخوّة في الإسلام لا حدود لها".
ويلاحظ في اليوميات أن هوفمان تناول الإسلام كدين واعتقاد أكثر من تناوله واقع المسلمين، ويرى المفكر الألماني أن الإسلام يمكن أن يملأ الفراغ الذي تولد عن انصرف الغرب عن الكنيسة إلى الإلحاد.
ويقول في مقدمة كتابه "ولا مناص من أن يرى حديث العهد بالإسلام، بلاده على ضوء جديد يحتم عليه أن يجري حوارا مع نفسه، وهذا في الحقيقة موضوع هذا الكتاب".
وفي تناوله لصحيفة المدينة، يبدي هوفمان في الكتاب استغرابه من عدم تمكن الدبلوماسيين الغربيين والمسلمين على حد سواء من إيجاد أرضية مشتركة فيها بينهم على خلفية قانونية.
ويتعرض في الكتاب للجدل الفلسفي بين أبو حامد الغزالي وابن رشد الأندلسي، بعد أن قرأ ترجمات لكتبهما، ويتناول كذلك ملاحظات على دراسة ابن خلدون للاجتماع الإنساني ويقارنه بفلاسفة غربيين مثل نيتشه وهيغل وروسو.
ويبدو هوفمان في المذكرات هاربا من مجتمع مادي غربي وباحثا في الإسلام عن الروحانية المفقودة، وهو ينتقد تجسد الإله في المسيحية مقابل مفهوم الألوهية المجرّد والتوحيدي في الإسلام.
وجاء إسلام هوفمان كتتويج لعملية طويلة من البحث والتأمل والمقارنة بين الأديان والفلسفات الحديثة التي درسها المفكر الحاصل على الماجستير بالقانون من جامعة هارفارد والدكتوراه من جامعة ميونيخ، وله كذلك كتاب "نهج فلسفي لتناول الإسلام" (1983)، و"دور الفلسفة الإسلامية" (1985).
وفي كتابه "رحلة إلى مكة"، يتناول هوفمان رحلته الأولى إلى مكة بعد إسلامه، متطرقا لأركان الإسلام وحقيقة الإيمان كما يشعر بها، متعرضا لتأملاته الصوفية والفلسفية التي لازمته طوال رحلة الحج.
وينتقد هوفمان المسلمين "المهزومين نفسيا" معتبرا أن الإسلام بديل صالح لحل مشكلات العالم الكبرى في عصر ما بعد الحداثة والألفية الثالثة، وقد قدم هوفمان نقده للحداثة الغربية والصور النمطية عن المسلمين والعداء بين الشرق والغرب من موقع المفكر الألماني المسلم.