الصلاة وازكى السلام على الرسول الهادي الامين، وعلى آله الهداة الميامين. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
من يقرا، او يسمع، او يطلع على قصة شهادة الامام الحسين عليه السلام، وبشيء من التجردوالانصاف، والموضوعية والحيادية... فانه اما سيعجب او يستغرب او يستعظم، او يذهل او يغضب.. وقد تاخذه الغيرة على الحق والتعصب له، فلا يكتفي بهذا وذاك، حتى يطلق لسانه او يراعه بالبيان، فيقول شيئا او يكتب شيئا، يرضي بذلك ضميره.
نعم، ان قصة ابي عبد الله الحسين سلام الله عليه يقراها كل البشر، على اختلاف دياناتهم ومذاهبهم وافكارهم، وبلدانهم واقوامهم وعصورهم، فيتأثرون بها، ويقفون عندها، حيث تستوقفهم لاحدى الحالات... وكانت أن استوقفت هذه القصة الغريبة، والعجيبة، وان شئت فقل: الرهيبة! قد استوقفت رجلا ً من علماء الحنفية هوالشيخ سليمان القندوزي الحنفي، فكتب حول أهل البيت عليهم السلام سمّاه (ينابيع المودّة لذوي القربى) معجبا ً بهم، ومجللا ً لمقاماتهم ومناقبهم وفضائلهم.. لكنّه حينما وصل الى ذكر سيّد شباب اهل الجنّة أبي عبد الله الحسين صلوات الله عليه، وقف عنده وقفات طويلة، إذ أفرد له ثلاثة أبواب من كتابه النافع هذا، احتلت الابواب ما يقرب من مئة صفحة، لأن الحسين سيّد الشهداء، وقد قُتل مظلوطا ً بقتلة عجيبة، وغريبة.. وإن شئت فقل رهيبة!
قبل الدخول الى المقتل الذي اورده الشيخ القندوزي الحنفي. أحببنا أن نشير الى المؤلِّف، ثم الى المؤلَّف.. أما المؤلِّف فهو سليمان بن خواجة كلان ابراهيم بن بابا خواجة القندوزي البلخيّ، الصوفيّ، الحسينيّ، نزيل القسطنطينية. وُلد سنة 1220 هجرية، وتوفي سنة 1294 هجرية. من تصانيفه ومؤلفاته: "أجمعُ الفوائد" و"مُشرق الاكوان"، و"ينابيع المودة لذوي القربى ...".
وكان ينوي تأليف موسوعة تضم مناقب اهل البيت عليهم السلام، إلا ّ انه لم يخرج من يراعه إلا ّ "ينابيع المودة" وهو موسوعة مصغرة لمشروعه الذي نواه وقد اجتبى اليه ما في كتب المناقب المهمة لدى علماء السنّة، مثل (مودة القُربى) للسيد عليّ الهمداني، و(ذخائر العقبى في مناقب ذوي القربى) لمحب الدين الطبري الشافعي، و(المناقب) للخوارزمي الحنفي، و(مناقب الامام عليّ) لابن المغازلي الشافعي، و(الصواعق المحرقة)لابن حجر الهيتميّ الشافعيّ، و(جواهر العقدين) للسمهودي الشافعيّ، و(فرائد السمطين في فضائل المرتضى والبتول والسبطين) للحموينيّ الشافعي، و(كنوز الحقائق) للمناويّ، و(فردوس الاخبار) للديلمي ابن شيرويه.. ومن هذه الكتب وغيرها استقى الشيخ القندوزي بعض الفضائل المتعلقة بسيد الشهداء الحسين عليه السلام، مُحاولا ً إيراد المختصرات من الروايات والاخبار.
عُرف الشيخ القندوزي الحنفي بأنه كان عالما ً عابداً ورعا ً تقيا ً، رقى مراقي العلوم والاداب في بلخ، وأكمل تحصيله في بُخارى، ونال الاجازات من الأعلام، حتى عُدّ من أعلام الحنفية في الفروع، وأساطين النقشبندية في الطريقة، أو كما عبّر ولده الشيخ عبد القادر بأنه حنفي المذهب، نقشبندي المشرب. وهذه كانت مقدمات الى ولعه في التعرف على مناقب أهل البيت والتعريف بها.
وفي خصوص الامام الحسين عليه السلام، أعتمد اولا ًَ على مصادر عديدة في عرض الاحاديث الواردة في الإنباء بشهادة الامام الحسين عليه السلام، وحزن النبي صلى الله عليه وآله وبكائه عليه، مستفيدا من الكتب السنية المعتمدة والشهيرة، حتى أورد تسعة وستين حديثا ً في هذا الباب، وهو الباب الستون من كتابه (ينابيع المودة) عدّها مقدمة لدخوله في قصة مقتل الامام الحسين عليه السلام، والتي رواها في الباب الحادي والستين عن المقتل المشهور، المعروف بـ(مقتل ابي مِخنف) موفرا ً على نفسه جهدا ً كبيرا ً في جمع روايات مقتل الامام الحسين عليه السلام، فجاء في ثلاث ٍ واربعين صفحة، يجده موثوقا ً ومدرجا ً ادراجا ً مرتبا ً زمنيا ً، يبدأ من محاولة أخذ البيعة من الامام الحسين وامتناعه عليه السلام عن اعطاء البيعة ليزيد، الذي حاول قتل الامام إن لم يبايع، ثم الخروج من المدينة الى مكة ثم الى العراق، حتى يتسلسل في الوقائع والحوادث التي تنتهي بتفاصيل شهادة الاصحاب ثم آل ابي طالب، ثم الحسين سلام الله عليه ثم السبي الى الكوفة فإلى الشام، لتنتهي بالعودة الى المدينة، مُورداً ما انشدته ام كلثوم بنت أمير المؤمنين عليه السلام بنت أمير المؤمنين عليه السلام من قصيدة نونية طويلة اولها:
مدينة جدّنا لا تقبيلينا
فبالحسرات والاحزان جينا
ولما قارنا ما جاء به القندوزي مع مقتل ابي مخنف، وجدنا اختلافا ً يسيرا ً مع النسخة المشهورة اليوم، وكأنه اعتمد نسخة أخرى.
ثم كان ان فتح الباب الثاني والستين من (ينابيع المودة) عنونه بإيراد مدائح الشافعي وتفسير بعض الايات والاحاديث الواردة في كثرة ثواب من بكى على الحسين وأهل بيته رضي الله عنهم. وقد أوردنا في هذا الباب ابياتا ً للشافعي وغيره، كان منها:
تأوب هميّ والفؤاد كئيبُ
وأرق عيني والرقاد غريبُ
تزلزلت الدنيا لآل محمد
وكادت لها صمم الجبال تذوبُ
فمن مُبلغ عنيّ الحسين رسالة
وإن كرهتها أنفس وقلوبُ
قتيل بلا جرم كأن قميصه
صبيغ بماء الارجوان خضيب
نصليّ على المختار من آل هاشم
ونؤذي بنيه؟! إنّ ذاك عجيبُ!
ثم يورد الآية الكريمة: «فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاء وَالأَرْضُ».
ليأتي بأخبار كثيرة حول بكاء السماء، صدرها بما أخرجه الثعلبي عن السَّدّيّ أنه قال: لما قُتل الحسين، بكت عليه السماء، وبكاؤها حمرتها.
وحُكي عن ابن سيرين قوله: إنّ الحمرة في السماء لم ترَ قبل قتل الحسين.
وعن سليم القاضي قال: مطرتنا السماء دما ً، أيام قتل الحسين!
*******