هناك لحظات حاسمة في تاريخ إيران المعاصر كانت بمثابة الأساس لتغييرات جوهرية في مستقبل إيران. إن التعرف على هذه الأحداث المهمة وفحصها في تحليل القضايا التاريخية يساعدنا على الحصول على تحليل صحيح وحقيقي لمختلف القضايا في تاريخ إيران المعاصر.
ومن هذه النقاط التاريخية الحساسة، هي انتفاضة أهالي قم في "19 دي" (9 يناير/ كانون الثاني 1978) والتي كانت شرارة لنهاية النظام البهلوي وانتصار الثورة الإسلامية الإيرانية، ولهذا السبب، ومن أجل معرفة المزيد عن طبيعة هذه الانتفاضة وتأثيراتها على عملية انتصار الثورة الإسلامية تحدث المؤرخ والباحث في التاريخ المعاصر الإيراني "قاسم تبريزي"، لتوضيح الأبعاد المختلفة لهذا الحدث التاريخي العظيم.
* ما أسباب انتفاضة أهالي قم في 19 دي؟
إن الأحداث التي أدت إلى انتفاضة أهالي قم في "19 دي" لها جذورها في أحداث سابقة، خاصة من 15 خرداد 1342 (5 حزيران 1963 ). وكان هذا التاريخ بداية مواجهة خطيرة بين النظام البهلوي والشعب الإيراني والتي أدت إلى نفي الإمام الخميني (رض). تم حظر اسم الإمام وأعماله بشكل صارم وكان للسافاك سيطرة كاملة على المجتمع. ومع نفي الإمام بدا أنه لم يعد له مكان وقاعدة بين الناس.
كان لاستشهاد السيد مصطفى الخميني الأثر العميق على المجتمع
نشر في الأول من تشرين الأول (أكتوبر) عام 1977، فجأة خبر الوفاة المشبوهة لآية الله السيد مصطفى الخميني، نجل الإمام الراحل. وكان لهذه الحادثة تأثير عميق على المجتمع، خاصة عندما كان الإمام يعيش في المنفى وتحت ضغط السافاك. وحُكم على العديد من الأشخاص بالسجن والتعذيب بين عامي 1963 و1977 بسبب حيازتهم منشورات أو أعمال الإمام الراحل. ومع ذلك، كانت هناك شعبية غير عادية للإمام الخميني الراحل في أذهان الجمهور.
أدى استشهاد آية الله السيد مصطفى الخميني إلى إقامة تجمعات تذكارية في جميع المدن وحتى القرى. وأقيمت في طهران، بالإضافة إلى مسجد أرك والمسجد الأعظم في قم المقدسة، مراسم في أماكن أخرى أيضًا. وجرى على المنابر ذكر المكانة العلمية للشهيد آية الله السيد مصطفى الخميني، ورأى البعض أن السافاك كان له دور في هذه الاستشهاد. وظهر اسم الإمام الراحل من جديد وازدادت شعبيته في المجتمع.
مقال مهين للنظام البهلوي للإمام الخميني (رض) ورجال الدين
افترض النظام البهلوي خطأً أن اسم الإمام الراحل قد نسي ولم يعد الناس يعرفونه لبعد المسافة عنه، فقرر النظام الانتقام والرد. وتمت كتابة مقال تحت عنوان "الاستعمار الأحمر والأسود" وتم نشره عمداً في 7 يناير/كانون الثاني، وهناك خلاف حول من كتب هذا المقال، لكن النقطة المهمة هنا أن سياسة النظام البهلوي في نشر هذا المقال كانت مسيئة، حتى يقال إنه تم انتساب هذا المقال إلى الشاه قبل نشره.
تم نشر هذا المقال عمدا في ذكرى كشف الحجاب في 8 يناير 1936 بأمر من رضا شاه البهلوي، والذي كان الشعب الإيراني يكن له كراهية خاصة. وبهذا الإجراء حاول النظام البهلوي التذكير بمسألة الحجاب والرد على الإمام والحركة الإسلامية.
بداية انتفاضة طلاب وأهالي قم ضد النظام البهلوي
أثار نشر هذا المقال ردود فعل عديدة في مختلف شرائح المجتمع، خاصة أنه لم يمر أربعون يوماً على استشهاد نجل الإمام الراحل.
ماذا حدث في 19 دي؟
رداً على هذا المقال، تحرك حشد من الطلاب ورجال الدين إلى مدينة قم المقدسة. وبدون الرغبة في التظاهرات، ذهبوا إلى منازل الزعماء الدينيين والعلماء مثل آية الله كلبايكاني وآية الله مرعشي لطلب المساعدة. في اليوم السابع عشر من دي، لم يكن الحشد كبيرا جدا، ولكن في اليوم الثامن عشر، بالإضافة إلى الطلاب، انضمت فصول أخرى أيضا إلى هذه الحركة. وفي اليوم التاسع عشر، توسعت الحشود أكثر واستمرت الحركة البطيئة نحو منازل المراجع. لكن السافاك أمر بإطلاق النار وضرب الناس لإثارة الرعب.
وكان يوم 19 دي نفسه هو يوم العملية التي قام بها النظام البهلوي، والتي أدت إلى استشهاد وإصابة واعتقال عدد من أهالي قم المقدسة. وانتشرت انعكاسات هذه الأحداث في المجتمع وخرج الناس من مخابئهم وخرجوا إلى الشوارع للاحتجاج على النظام البهلوي.
عاد الجمهور إلى المسرح بعد استشهاد السيد مصطفى الخميني من جديد
في الواقع، يجب أن نقول أنه بعد استشهاد السيد مصطفى الخميني، ظهر الناس على مسرح الجمعية وهذه المرة لم تكن في مدينة أو منطقة واحدة فقط، بل استمرت الاحتجاجات على مستوى البلاد وعقدت اجتماعات تأبينية بمناسبة شهداء اليوم التاسع عشر من دي، حتى أقيمت الذكرى الأربعون لشهداء قم في تبريز.
قرر أهالي تبريز المتدينون والشجعان إقامة مجلس تأبيني في أحد مساجد تبريز بمناسبة استشهاد الجمهور الشهداء في 19 دي، إلا أن قوات النظام البهلوي أغلقت أبواب المسجد في وجه الأهالي صباح هذا اليوم.
وقال البعض في وقت لاحق إن رئيس السافاك هو المسؤول عن هذا الحادث، وألقى آخرون اللوم على حاكم المدينة. لكن بحسب ما لدينا من معلومات ووثائق، يجب أن نقول إن هذا القمع والضغط على المجتمع قام به النظام البهلوي، ولهذا السبب أغلق باب المسجد وبقي الناس في الشوارع.
في هذه الأثناء، كان بعض الناس يحاولون فتح باب المسجد، عندما قال أحد كبار عملاء النظام البهلوي في تبريز بسوء الأدب: "لا تفتحوا باب هذه الحظيرة"، أي أنهم خاطبوا هذا النوع من مساجد الله، وهو دار عبادة، مما أظهر فهم رجال الدولة البهلويين. وأخيراً اعترض أحدهم؛ "لماذا استهزأت بمسجد الله؟"، وأطلقوا الطلقة الأولى على نفس الشخص فاستشهدوه، مما أدى إلى انتفاضة الناس، وفي يوم واحد أصبحت تبريز مدينة مزقتها الحرب.
جاء أهل تبريز إلى ساحة المعركة
تعرضت مراكز الفساد ودور السينما وحزب رستاخيز للهجوم في يوم واحد. ولم تقتصر هذه الحركة على منطقة واحدة فقط، بل انتشرت في جميع أنحاء تبريز.
وأمام هذا الوضع استشهد البعض، واعتقل البعض، وتعرض البعض للضرب والإصابة. لكن هذه الحركة أظهرت فشل وعدم كفاءة السافاك والشرطة والحكومة. وفي وقت لاحق، أعلن مسؤولو النظام البهلوي أن بعض الأشخاص من الجانب الآخر من الحدود، أي الشيوعيين، تظاهروا في تبريز. هذه الأكاذيب لم تؤد إلا إلى زيادة فضيحة النظام، وبالتالي بدأت عملية الأربعينيات.
ما هو دور انتفاضة 19 يناير في انتصار الثورة وإسقاط النظام البهلوي؟
يُعرف يوم التاسع عشر من دي بأنه نقطة تحول في تاريخ الثورة الإسلامية، كما كان يوم الخامس عشر من خرداد نقطة تحول أخرى. وكان دور اليوم التاسع عشر مهماً جداً في انتصار الثورة. تم الاعتراف بهذا الحدث باعتباره نقطة تحول عندما وقف المجتمع علانية وبلا خوف ضد النظام البهلي في الشوارع. وبدأت الشعارات من "الموت للشاه" ووصلت إلى "الموت لأمريكا" و"الموت لإنجلترا" و"الموت لإسرائيل". شعارات هزت أركان النظام.
ما هي نتائج انتفاضة 19 دي؟
كان من تبعات انتفاضة "19 دي" وجود طلاب ورجال دين في مدينة قم، التي انطلقت مرة أخرى من المدرسة الفيضية. وقد تجلت هذه الحركة في طبيعة رجال الدين وهدفهم وقيادتهم. وكانت النتيجة الثانية هي الكشف عن معاداة النظام البهلوي للإسلاميين. ومن خلال كتابة مقال ضد الشعب وإغلاق أبواب المساجد، أظهر النظام كيفية تعامله مع مطالب الشعب. أما النتيجة الثالثة فكانت حركة الحركة الإسلامية المضحية وعالميتها. لا توجد أسماء لتيارات وأحزاب مختلفة هنا؛ بل إن الناس من جميع مناحي الحياة، من رجال الدين إلى المهندسين والأطباء والطلاب، جاءوا إلى الساحة وأظهروا التضحيات.
النتيجة الرابعة كانت وجود شخصيات إسلامية موحدة بقيادة واحدة وهدف مشترك وهو إسقاط النظام البهلوي وإقامة النظام الإسلامي. ورغم أن العدو حاول خلق انقسامات في المجتمع في يوم 15 خرداد، إلا أن هذه اليقظة التي أبداها المجتمع بقيادة الإمام الخميني (رض) أدت إلى الدعوة إلى وحدة الكلمة وإظهار معارضة الحكومة مع الإسلام.
والنتيجة الخامسة كانت الحركة المنتظمة للتيار الإسلامي في جميع أنحاء البلاد. لقد أحدثت تصريحات الإمام وبياناته وأشرطته الوحدة والوئام في الحركة الإسلامية. على سبيل المثال، نفس الشعار الذي تم تقديمه في مدينة كناباد سُمع أيضًا في إيلام. وأظهر هذا التنسيق دور ممثلي الإمام ورجال الدين الكبار مثل آية الله أشرفي الأصفهاني، وآية الله قاضي الطباطبائي، وآية الله السيد أسد الله مدني، وآية الله الصدوقي والعديد من العلماء الآخرين الذين كانوا جميعاً صوتاً واحداً.
ماذا كان رد فعل العلماء على انتفاضة 19 دي؟
كان رد فعل العلماء على أحداث اليوم التاسع عشر رائعًا وأظهر حالة الحكومة ورجال الدين في ذلك الوقت. هذه الحركة التي جرت في الاتجاه الإسلامي فقدت شرعية ومقبولية النظام البهلوي. وكان علماء الدين، وخاصة آية الله كلبايكاني وآية الله مرعشي وآية الله سيد عبد الله الشيرازي وغيرهم، ضد النظام فعليًا ومحتملًا واتخذوا إجراءات مثل إصدار بيانات الأعياد والإضرابات وعقد الاجتماعات والدفاع عن الشهداء.
النتيجة السادسة كانت بداية المسيرات العامة التي اعتبرت من إنجازات اليوم التاسع عشر. ومن الآن فصاعدا، شهدنا قيام هذا النوع من التحركات في مدن مختلفة، وكان ذروتها في يوم عيد الفطر 1357 (1978)، في ذلك اليوم تحركت حشود كبيرة من قيطرية نحو ساحة آزادي بشكل منظم ومع إدارة خاصة. ورأى البعض في هذه الخطوة بمثابة استفتاء استجاب فيه المجتمع بوضوح لعدم كفاءة النظام. وفي هذه المسيرات تم رفع شعار "نحن نعطي الزهور وأنتم الرصاص" كرمز لعدم عنف الناس واحتجاجهم.
أصبحت مواجهة الشعب مع الشاه علنية
لم تكن المسيرات مجرد حركة احتجاجية؛ لكن كانت لديهم أيضًا مطالب. وأثيرت في هذه المسيرات مطالب مثل إطلاق سراح السجناء وحرية التعبير وحرية الصحافة وعودة الإمام إلى إيران وتطبيق الشريعة الإسلامية. والشعارات والبيانات التي صدرت كانت مبنية على الأسس الدينية لمجتمعنا. كما أن المنشورات والبرقيات التي كانت ترسل إلى مختلف أنحاء البلاد كانت مؤثرة وأظهرت انتشار هذه الحركة التي أطلق عليها بعض الأجانب ثورة المنشورات وثورة أشرطة الكاسيت.
النتيجة السابعة كانت الحراك المناهض للنظام البهلوي في إدارة حضور الناس وإدارة المحتوى، مما يدل على المشاركة الفعالة للشعب خلال الثورة. والنتيجة الثامنة لانتفاضة 19 يناير كانت بداية انتشار البيانات والبرقيات ضد النظام على نطاق واسع، مع ذكر أسماء الشخصيات، وهي نتيجة مهمة أخرى لهذه الفترة.
وفي السابق، كانت الإعلانات تصدر بشكل رئيسي باسم تيارات معينة، لكن الآن بدأ المجتمع الديني في طهران وتبريز ومدن أخرى بإصدار بيانات تذكر أسماء شخصيات مختلفة. وهذا يدل على وحدة وتضامن رجال الدين.
وكانت النتيجة التاسعة لانتفاضة "19 دي" هي اهتمام الناس بالمساجد والجماعات الدينية. عرفت المساجد كقاعدة للحركة العامة منذ بداية الحركة عام 1962. وهناك العديد من الوثائق في هذا المجال تظهر أن المساجد مثل مسجد هدايت ومسجد جليلي ومسجد أرك في طهران، وكذلك المساجد في مدن مثل تبريز وأصفهان، لعبت دورًا مهمًا. وكان وجود الدعاة المفكرين الذين يحللون القضايا السياسية والاجتماعية سبباً في جذب الناس والرد على الشكوك التي يثيرها النظام.
وكانت النتيجة العاشرة لانتفاضة اليوم التاسع عشر هي الإعلان عن مواجهة الشعب مع الشاه. في السابق، كانت الانتقادات تقتصر في معظمها على الحكومة والبرلمان، لكن بعد 19 دي، ارتفع شعار "الموت للملك" علناً. وفي الماضي، تم اعتقال الطلاب وتعذيبهم بسبب كتابتهم مقالات نقدية أو التحدث عن قضايا سياسية في سن 13-14 عامًا؛ لكن الآن لم يعد السافاك قادرًا على قمع الشعب لأنه هذه المرة إذا كانوا سيعتقلون الناس، فسيتعين عليهم اعتقال ملايين الأشخاص.