رُوِيَ عن الإمام علِيَّ (ع) أنه قال: "تَفَكَّرْ قَبْلَ أَنْ تَعْزِمَ، وَشاوِرْ قَبْلَ أَنْ تُقْدِمَ، وَتَدَبَّرْ قَبْلَ أَنْ تَهْجُمَ".
وهذه خارطة طريق يضعها الإمام (ع) بين يديك لنجاحك في كل عمل تريد فعله، إن أنت التزمت بها فاتخذتها منهجاً لحياتك أفلحت وكان النجاح خليفك في الحياة، وهذا المنهج يقوم على أضلع ثلاثة:
الضّلع الأول: التفكُّر قبل العزم، أما التَّفَكُّرُ: فهو تَصَرُّفُ القلب في معاني الأشياء؛ لإدراكِ المطلوب، وعُرِّف بأنه: جَوَلَانُ العقلِ في طريق استفادة علم صحيح .وأما العَزمُ: فهو ما ينعقد عليه القلب من أمر يفعله الإنسان، وقيل هو الإرادة المؤكدة التي لا يصرف عنها صارف.
وقيل: العزم: القطع على الأمر بعد الروية فيه، ولهذا لا يوصف الله عَزَّ وجَلَّ بالعزم، كما لا يوصف بالرَّوِيَّة. فذو العزم هو الذي يعقد قلبه على إمضاء أمر من الأمور أو فعل من الأفعال، دون تردد أو حيرة. فإذا رأيتَ صواباً فلا تتردد فيه، ولكن امض عليه، فإن ذلك هو الحزم، قال الشاعر: إذا كنت ذا رأىٍ فكن ذا عزيمةٍ، فإن فساد الرأي أن تترددا.
ولا شكَّ في ضرورة أن تتفكرَّ في أي أمر تريد أن تفعله قبل أن تعزم على فعله، فترى هل هو ممكن أم غير ممكن، وهل يجب فعله أو لا يجب، وكيف تفعله، ومتى تفعله، وماذا تحتاج إلى فعله من أسباب وإمكانيات، فتجيل نظرك في كل شيء، ولا تترك شاردة ولا واردة إلا وتقف عندها طويلا، ولا صغيرة ولا كبيرة إلا وتعرف حكمها وطريقة عملها وكيفية تحققها، فإذا استبان لك كل شيء يحتاجه، وتيقنت من إمكانه ومن قدرتك على إنجازه، فاعزم على فعله دون حَيرة أو تردد، أو تلكؤ وتسويف.
الضّلع الثاني: المَشورة قبل الإقدام، وأهمية المشورة لا يُنكرها عاقل، خصوصا في المجالات التي لا تملك فيها معرفة كاملة، ولا خبرة طويلة، فتحتاج فيها إلى استشارة أهل الاختصاص، والوقوف على وجهة نظرهم فيها، وهذا دَيدَن العقلاء في مختلف شؤونهم، وقد بالغ أئمة الدين والهدى في الحَثَّ على الاستشارة، فقد رُوِيَ عن رسول الله (ص) أنه قال: "لا مُظاهَرَةَ أوثَقُ مِنَ المُشاوَرَةِ" وقال: "ما مِنْ رَجُلٍ يُشاوِرُ أحَداً إلّا هُدِيَ إلَى الرُّشدِ" وقال: "الحَزمُ أن تَستَشِيرَ ذَا الرَّأيِ وتُطِيعَ أمرَهُ" ورُوِيَ عن الإمام أمير المؤمنين (ع) أنه قال: "مَن شاوَرَ ذَوِي العُقولِ استَضاءَ بأنوارِ العُقولِ" وقال: "الاستِشارةُ عَينُ الهِدايَةِ، وقد خاطَرَ مَنِ استَغنى بِرَأيِهِ" وكشف (ع) عن الحكمة من الاستشارة فقال: "إنّما حُضَّ على المُشاوَرَةِ لأنّ رَأيَ المُشيرِ صِرْفٌ ، ورَأيَ المُستَشِيرِ مَشُوبٌ بالهَوى".
وتكون الاستشارة في عرض التفكير في الأمر الذي تروم فعله، ففي الوقت الذي تفكر فيه تستشير ذوي العقول والخبرة والاختصاص، الأمر الذي يُحَصِّن رأيك من الخطأ ويصونه من الزَّلَل، ويكون داعية لموافقة الصَّواب.
الضّلع الثالث: التَّدَبُّر: وهو أن تفكر في عواقب الأمر الذي تريد أن تفعله، فلا يكفيك أن تفكر فيه، بل لابد من معرفة مآلاته ونتائجه، والأمور مرهونة بنتائجها لا بمقدماتها وحسب، فرُبَّ أمرٍ يكون صحيحاً في ذاته، ومقدوراً عليه، ولكن وقته لم يحن بعد، أو نتائجه غير مضمونة، أو يؤدي من بعض الجهات إلى نتائج سلبية لا تريدها أو لا تتحمَّل عِبئها.
فإذا اكتملت هذه الأضلُع الثلاثة، وبان لك الرُّشد في أمرك، فاهجم عليه، والهجوم يقتضي المُسارعة إلى تنفيذ ما عزمت عليه دون تلكؤ ومماطلة، حذراً من أن تضيع فرصته، وإضاعة الفُرصة غُصَّة، و "التُّؤَدَةُ مَمدوحَةٌ في كُلِّ شَيءٍ إلّا في فُرَصِ الخَيرِ" و "لا يَستَقيمُ قَضاءُ الحَوائجِ إلّا بِثَلاثٍ: بِاستِصغارِها لِتَعظُمَ، وبِاستِكتامِها لِتَظهَرَ، وبِتَعجيلِها لِتَهنُؤَ" كما قال الإمام أمير المؤمنين (ع).
**السيد بلال وهبي-باحث في الدراسات الدينية