المريضة المعافاة: صغرى رحيمي، ٥۲ سنة.
المدينة: رفسنجان.
المرض: مصابة بالسرطان.
تاريخ الشفاء: تيرماه ۱۳٦۸ش.
- ماما.. ماما..!
اختلط صوتها بالأذان وهمهمة الذكر. التفت اليها فرأيتها. كانت تتلفت الى ماحولها بقلق ظاهر... تبحث عن أمها، فلم تجدها.
غطت السماء غيوم داكنة، وادلهمت زرقة السماء. توقف حفيف اجنحة الحمائم وصمت ذكر الزائرين ودعاؤهم. لم يعد يسمع غير نداء الأذان. انتظمت صفوف المصلين مستقيمة الى آخر الصحن، ووقفت امها مع النساء للصلاة.
الله اكبر.
علا بكاؤها وتردد في الصحن، ذهبت اليها واحتضنتها: ماذا بك يا حبيبتي؟
الصقت رأسها الصغير برأسي، وبكت.
- الله اكبر.
انحنت الصفوف.
- سمع الله لمن حمده.
وانتصبت رؤوس الرجال جميعاً. انحنوا مرة اخرى وهووا الى السجود.
- ذاك الرجل...!
قالت وحدقت بالجانب الآخر من النافذة الفولاذية.
سألتها: اي رجل؟
دقت الساعة خمس دقات. تفلتت من حضني وقامت.
بحول الله وقوته.
تطلعت بنظراتها الندية الى عيني.
رأيته. نور... اخضر... ابيض. جاء وكلمني.
- من ؟! ذاك الرجل؟!
سألتها. بدأت السماء تنث رذاذاً ناعماً. وشق الرعد صفحة السماء جلست مرة اخرى في حضني.
برد!
الصقتها بصدري، ولففتها بعباءتي. أحطت عنقها بيدي وقبلتها.
احكي.
بكت. مرة اخرى سألتها ان تحكي: قولي.. عن ذاك الرجل، ماذا قال؟
شبكت يديها الصغيرتين حول خاصرتي، وضغطت برأسها صدري، فأحسست بلفح انفاسها قالت بصوت خفيض:
قال لي: قومي.
قلت: ما اقدر.
سأل: لماذا؟
قلت: قررت ان لا اقوم قبل ان يشفيني الامام. ابتسم لي وجهه المبارك، ومسح بيده على رأسي، وقال بهدوء انت شفيت، قومي واذهبي.
أبعدت رأسها عن صدري وحدقت بي سائلة: يعني... ممكن؟!
هززت رأسي، وجففت دموعي بطرف عباءتي.
قلت بصوت خفيض: نعم يا ابنتي.. ممكن.
سألتها: ما مرضك؟
انسلت من حضني، وقامت.
سمعتها تقول: مرض لاعلاج له.
وجرت. اجتازت صفوف الرجال الطويلة، وغابت في سواد صفوف النساء.
ما من مرض لا علاج له يجب البحث عن دوائه!
تمتمت بهذا، والصقت جسمي بمشبك النافذة: يا انيس النفوس.. ادركني!
الرذاذ ينزل، والسماء معتمة. دوى الرعد، وأضاء البرق قلب السماء.
سمعت صوتاً يسأل: ما مرضك... ماما؟
استدرت الى حيث صدر الصوت، فلم اجد احداً، قلت: مرض لا علاج له.. سرطان.
مرة اخرى جاء الصوت. من جهة اخرى هذه المرة: ما من مرض لا علاج له، جدي دواءه.
كان الصوت صوتي، اخاطب نفسي. من الذي نطق على لساني؟! التفت...
فلم يكن من احد غيري وغير صفوف المصلين.
مرة اخرى شق السماء قصف الرعد. نور ممتد من السماء الى حيث شبكت يدي بالنافذة. تقدم رجل من جانب النافذة الفولاذية الآخر، حتى وقف قبالي. في يده قدح قربه امام وجهي قدمه لي: اشربي.
مددت يدي وتناولت القدح من يده. ماءً عذباً بارداً كان ما شربته. أأكون قد وجدت دواء دائي؟! وأين يمكن ان اجده في غير حضرة رجائه؟! صحت: ايها الامام الرضا... أدركني!
وبسطت يدي الى السماء ادعو. وكانت أصوات المصلين تتعالى في الصحن بالصلوات على محمد وآل محمد.
امتزج بالصوات دوي رعد آخر، وراحت زخات المطر تنهمر بغزارة، فتفرقت الصفوف، وفتحت المظلات هنا وهناك. هرع الكثيرون الى داخل الحضرة، والتجأ بعضهم الى زوايا جدران الاروقة يحتمون بها.
التجأت الحمائم تحت السقوف، وامتزجت دموعي بالمطر. لقد غسل ماء المطر وجهي، وانتصبت مظلة فوق رأسي، استدرت. كانت ام الصبية تضحك لي.
هنا يصيبك البرد..
مدّت الصبية رأسها من فتحة عباءة امها، وابتسمت. سحبت الام يد الصبية ويدي معاً: تعالي... الجو هنا بارد جداً.
افلت من يدها يدي. احب المطر. ان احساساً غريباً يجعلني أظل تحت المطر.
قلت: لا، اظل هنا.
تبسمت المرأة وذهبت آخذةً معها ابنتها. خلا الصحن، واشتد وابل المطر. نقعت ثيابي. لففت عباءتي على خاصرتي، واخذت أجري في المطر. وانطلقت اصوات النقارة. كان الصبح قد طلع... نقياً كالمطر، ولم اعد اجد للألم من اثر.
(ترجمة واعداد من مجلة الزائر، ص ۲٦-۲۷، السنة الاولى العدد ۹، آذر ماه ۱۳۷۳ش)
*******