ويقول الباحثون إنه من الصعب تحديد متى ماتت خلية دماغية، حيث يمكن أن تستمر الخلايا العصبية التي تظهر غير نشطة تحت المجهر في حالة توقف بين الحياة والموت لعدة أيام، ويبدأ بعضها فجأة في إرسال الإشارات مرة أخرى بعد أن بدت خاملة.
وبالنسبة للباحثين الذين يدرسون التنكس العصبي، فإن عدم وجود إعلان دقيق عن "وقت الموت" للخلايا العصبية يجعل من الصعب تحديد العوامل التي تؤدي إلى موت الخلايا وفحص الأدوية التي قد تنقذ الخلايا المسنة من الموت.
وطور فريق من معاهد غلادستون تقنية جديدة تتيح لهم تتبع آلاف الخلايا في وقت واحد وتحديد اللحظة الدقيقة لموت أي خلية في المجموعة.
وأظهر الفريق، في ورقة بحثية نُشرت في مجلة Nature Communications، أن هذا النهج يعمل في القوارض والخلايا البشرية وكذلك داخل أسماك الزرد الحية، ويمكن استخدامه لمتابعة الخلايا على مدى أسابيع إلى شهور.
وأوضح ستيف فينكباينر، الحاصل على الدكتوراه في الطب ومدير مركز النظم والعلاجات في غلادستون: "إن تحديد وقت دقيق لموت الخلايا مهم جدا لكشف السبب والنتيجة في الأمراض التنكسية العصبية. ويتيح لنا معرفة العوامل التي تسبب بشكل مباشر موت الخلايا، والتي هي عرضية، وأيها قد يكون آليات التأقلم التي تؤخر الموت".
وفي ورقة بحثية مصاحبة نُشرت في مجلة Science Advances، قام الباحثون بدمج تقنية مستشعر الخلية مع نهج التعلم الآلي، حيث قاموا بتعليم الكمبيوتر كيفية التمييز بين الخلايا الحية والميتة أسرع 100 مرة وأكثر دقة من الإنسان.
وكشف الدكتور جيريمي لينسلي، المشارك في البرنامج العلمي الرائد في مختبر فينكباينر، والمؤلف الرئيسي للورقتين البحثيتين: "لقد استغرق الأمر من طلاب الجامعات شهورا لتحليل هذا النوع من البيانات يدويا، ونظامنا الجديد فوري تقريبا، يعمل في الواقع أسرع مما يمكننا الحصول على صور جديدة على المجهر".
وعندما تموت الخلايا، مهما كان السبب أو الآلية، فإنها في النهاية تصبح مجزأة وتتدهور أغشيتها. ولكن عملية التحلل هذه تستغرق وقتا، ما يجعل من الصعب على العلماء التمييز بين الخلايا التي توقفت منذ فترة طويلة عن العمل، والخلايا المريضة والمحتضرة، والخلايا السليمة.
ويستخدم الباحثون عادة علامات أو أصباغ الفلورسنت لمتابعة الخلايا المريضة بالمجهر بمرور الوقت ومحاولة تشخيص مكان وجودهم ضمن عملية التحلل هذه.
ويقول لينسلي: "لقد أردنا حقا مؤشرا يستمر طوال عمر الخلية بالكامل، ليس فقط بضع ساعات، ثم يعطي إشارة واضحة فقط بعد اللحظة المحددة التي تموت فيها الخلية".
واختار لينسلي وفينكبينر وزملاؤهما أجهزة استشعار الكالسيوم، المصممة في الأصل لتتبع مستويات الكالسيوم داخل الخلية.
وعندما تموت الخلية وتصبح أغشيتها متسربة، فإن أحد الآثار الجانبية هو أن الكالسيوم يندفع إلى العصارة الخلوية المائية، والتي عادة ما تحتوي على مستويات منخفضة نسبيا من الكالسيوم.
لذلك، صمم لينسلي مستشعرات الكالسيوم لتستقر في العصارة الخلوية، حيث تتوهج فقط عندما ترتفع مستويات الكالسيوم إلى المستوى الذي يشير إلى موت الخلايا.
ويمكن إدخال المستشعرات الجديدة، المعروفة باسم مؤشر الموت المشفر جينيا (GEDI)، في أي نوع من الخلايا والإشارة إلى أن الخلية حية أو ميتة طوال عمر الخلية بالكامل.
وقام الفريق بربط النتائج من المستشعر الجديد ببيانات الفلورة القياسية على نفس الخلايا العصبية، وقاموا بتعليم نموذج كمبيوتر، يسمى BO-CNN، للتعرف على أنماط التوهج النموذجية المرتبطة بالشكل الذي تبدو عليه الخلايا المحتضرة.
وأظهر الباحثون أن النموذج كان دقيقا بنسبة 96% وأفضل مما يمكن أن يفعله المراقبون البشريون، وكان أسرع بمئة مرة من الطرق السابقة للتمييز بين الخلايا الحية والميتة.
وسيسمح كل من GEDI وBO-CNN للباحثين بإجراء دراسات جديدة عالية الإنتاجية لاكتشاف متى وأين تموت خلايا الدماغ، وهي نقطة نهاية مهمة جدا لبعض الأمراض.
ويمكنهم أيضا فحص الأدوية لمعرفة قدرتها على تأخير أو تجنب موت الخلايا في الأمراض التنكسية العصبية. أو، في حالة السرطان، يمكنهم البحث عن أدوية تسرع من موت الخلايا المريضة.
ويقول فينكباينر: "هذه التقنيات تغير قواعد اللعبة في قدرتنا على فهم أين ومتى ولماذا يحدث الموت في الخلايا. لأول مرة، يمكننا حقا الاستفادة من السرعة والحجم اللذين توفرهما التطورات في الفحص المجهري بمساعدة الروبوت لاكتشاف موت الخلايا بدقة أكبر، والقيام بذلك قبل وقت طويل من الموت. نأمل أن يؤدي ذلك إلى علاجات أكثر تحديدا للعديد من الأمراض العصبية التنكسية التي كانت حتى الآن غير قابلة للشفاء".