البث المباشر

كاسة الماء

الأربعاء 9 يناير 2019 - 09:56 بتوقيت طهران

الحلقة 11

السلام عليكم احباءنا ورحمة الله وبركاته. تحية طيبة مباركة ببركة نسائم ذكر الله عز وجل حول ذكر اوليائه سلام الله عليهم حلقة اخرى من حلقات هذا البرنامج الروائي الوثائقي يسرنا ان تجمعنا بكم في رواية تحمل عنوان:
كاسة الماء
المريضة المعافاة: زهراء المنصوري من مدينة خرم آباد تنكابن الحالة المرضية شلل عام تاريخ الشفاء ۱۳ من تموز ۱۹۸۷.
ليست المسألة مسالة يوم او يومين، ولا شهر او شهرين، ولا حتى مسألة سنة او سنتين. انها مسألة عمر باكمله اترى من المتوقع ان يتحمل شخص هذا الوضع عراً كاملاً، فلا يشكو ولا يتبرم؟!
كلا، انه توقع كبير ما ينبغ ان اتوقع منه هذا كله انه ما يزال في سن الشباب ويريد زوجة سالمة معافاة يريد امرأة يجدها عندما يحين موعد عودته من عمله اليومي ـ قد نظفت الغرف، وحضرت الشاي، واعدت طعام الغداء. وعندما يدق الباب تنهض لاستقباله فتفتح الباب بطلاقة وجه، تسكب له الشاي، واذا ما شر مدت سفرة الطعام امامه وحين يسالها: ما طبخت لنا اليوم؟ تبتسم له وتقول: الاكلة التي تفضلها. وعندئذ يصفق كفاً على كف، ويقول بابتهاج سلمت يدك يا زوجتي الطيبة.
اما الان.. فبأي قدم اكون رفيقته؟! باي يد اعينه باي لسان اتفاهم معه.
باي...؟
كلا، لا اتوقع منه ان يظل معي على حالتي هذه حتى يدركه المشيب الى متى سيتحمل، سنة، عشرة سنوات؟ لابد ان يمل في اخر الامر، قبل هذا علي ان احدد وضعي معه، لابد ان ابوح له بما في صدري لا يجوز ان يظل يحترق هو بناري فيتحطم وينتهي.
لا .. لابد ان اطلب منه ان يخلي سبيلي، ان يطلقني ليتخلص من عبء هذه المسؤولية المفروضة عليه.
لابد ان اصارحه ساقول له اليوم كل شيء عندما يعود من العمل لكن .. باي لسان اقول له؟ ما أنا الا قطعة لحم لا تقوى على أي حركة لا فائدة فيها ولا نفع. حتى يدي عاجزة عن الكتابة له بما اريد. ما انا الا حمل ثقيل جاثم على صدره. مسكين هو زوجي لماذا عليه ان يتحمل الامي التي لا علاج لها؟ لماذا عليه ان يحترق بمعاناتي ويتحول الى رماد؟! آه لو كان لي لسان ينطق! كل شيء كان قد حدث فجأة وبدون سابق انذار: عباس كان جالساً في شرفة المنزل يراقب الوان الافق وقت الغروب حينما وخزني بغتةً الم في خاصرتي اليمني فارتعش جسدي وصرخت بدون اختيار هرع عباس الي راكضاً وسمعته يصيح:
ايها الامام الرضا...
لم ار بعدها الا وجهه القلق ينحني علي ويرفعني من على الارض ولما عاد الي الوعي وجدت نفسي في المستشفى حاولت ان انهض، ولكن عبثاً ما حاولت كنت كالمسمرة على السرير. وحين رآني عباس قد افقت اسرع الي بقلق واضطراب وعلى الفور نادى الممرضة.
لقد أفاقت!
ودخلت الممرضة، يتبعها ابي وامي العجوزين باكيين ادرت ان اسلم، فلم يتحرك لساني، وما اسعفني الا البكاء بكيت، فاخذ زوجي بيدي التي لا حياة فيها ووضعها بين كفيه، وراح يشاطرني البكاء بصوت خفيض ثم قال: لا تبتئسي .. سوف تتحسنين.
انا ايضاً كنت اظن هذا الظن. لم اكن اصدق قط ان اصاب بالشلل فلا اقدر على الحركة والكلام.
ومرت الايام، لا انا قادرة على الحركة ولا قادرة علىالنطق وخرجت من المستشفى على هذه الحالة عائدة الى الديار.
تجمعوا كلهم حوالي: ابي وامي واخواني واخواتي وكل الاهل والاقرباء امي كانت تتطلع الي وتبكي بصمت، ولا تكف عن التوسل لله تعالى بالامام الرضا عليه السلام مسكينة هي امي لا تعلم ان ابنتها ميتة، فقط لها نفس يعلو ويهبط الا ليتها لا تتنفس! وبالتدريج اخذوا ينصرفون من حولي ويتفرقون ذهب الاخوة والاخوات الاهل والاقارب دعوا لي بالشفاء واودعوني في رعاية الله.
وذهب ايضاً ابي ما بقيت غير امي تبكي عند سريري ترى: الى متى تستطيع هذه المسكينة ان تتحمل؟! الى متى تبقى باكية، الى جواري؟! اتراها قادرة ان تتخلى عن دارها وعيشتها وتعكف علي؟! لا هي بقادرة ولا انا اتوع منها هذا وبعد ايام شكرها زوجي كثيراً، ورجاها ان تدعنا بمفردنا ولما ذهبت امي كانت ما تزال تبكي: ساظل ازورك يا بنيتي كل يوم ازورك وحين بقينا بمفردنا جلس عباس الى جنبي التقت عيناه بعيني، وقال بهمس: اعالجك يا زهراء حتى لو كلفنا ذلك كل ما نملك. شكرته بنظرة، هي وسيلتي الوحيدة للتعبير، وبحركة من عيني اشرت الى صورة لنا مشتركة معلقة على الجدار كانت قد التقطت لنا في مشهد في اول ايام زواجنا اردت بهذه الطريقة ان افهمه بان يأخذني لزيارة الامام الرضا عليه السلام طلباً لشفائي. ونظر عباس الى الصورة ملياً، فلحظت دمعةً ندت من عينيه، وسمعته يتمتم بدعاء: (يا ابا الحسن يا علي بن موسى ايها الرضا يا ابن رسول الله يا سيدنا ومولانا انا توجهنا واستشفعنا وتوسلنا بك الى الله، وقدمناك بين يدي حاجاتنا، يا وجيهاً عند الله اشفع لنا عند الله).
وشاركته من جانبي في قلبي بالدعاء والتوسل بالامام الرؤوف ومن حينها قر قرارنا على الذهاب لمشهد الامام في طوس.
وضعني عباس عند الشباك الفولاذي في الصحن العتيق بين جموع القاصدين المتوسلين، ودخل هو الى داخل الروضة، ليتوسل عند الضريح الشريف. اخذت ارنو الى حمامات الحرم التي تحلق في فضاء الصحن، وتصل الى اذني مناجاة المحبين وشعرت بعطش شديد وجفاف في الفم. لا استطيع ان انطق.. وادرت بصري هنا وهناك.
في وسط الصحن.. انتصبت مشربة الماء الذهبية، وقد تجمع حولها العطاش يشربون من مائها العذب، ويمضون آه لو كنت استطيع ان اقف على قدمي لاجري مسرعة الى المشربة فأملأ كاسة بالماء واشربه بجرعة واحدة، ثم املأ كاسات المشربة كلها واسقي كل (دخيل) هنا عاجز عن الحركة. لكن .. واسفاء، ماذا افعل وانا مثلهم في عجز تام؟! كنت احدق في مشربة الماء لما وقع نظري ـ في جاب منها ـ على رجل واقف هناك كان الرجل يشير الي اشارة كأنما يريد ان يقول لي شيئاً لكن .. ماذا يريد ان يقول؟ لا ادري المسافة بعيدة بيني وبينه، فلم افهم مغزى اشارته اخذ الرجل يقترب .. حتى رأيته بوضوح: طلعة كلها بهاء وصفاء كان يبتسم.
على كتفه شال اخضر وفي يده كاسة. كاسة مترعة بالماء. مدها باتجاهي وحرك شفتيه بهدوء: ماء.. مددت يدي اليه كانت مسافة ما تزال بيني وبينه، ويدي قصيرة لا تصل اليه. ارتسمت على شفتيه ابتسامة عذبة، وبلغ صوته الرائع اذني وهو يقول: قومي هذا الماء جئت به اليك، خذي. قمت، وتحركت نحوه ووقفت في قباله، اخذت الماء من يده وشربته بعجل حتى ارتويت وقلت: سلام الله على الحسين الشهيد.
ابتسم لي، وانصرف مبتعداً اما انا فقد بهت عندما رأيتني واقفة! واقفة على قدمي! وعندما وجدت لساني الميت وقد عادت اليه الحياة ونطق!
ايها الامام الرضا! صحت بصوت عال، وركضت الى داخل الروضة لعلي الحق به، فلم اعثر عليه، وعدت الى مكاني عند شباك الفولاذ. هناك رأيت "عباس" قد استبد به القلق كان قد خرج قبل لحظات من الروضة فلم يجدني في مكاني.
حمائم الحرم تطير على ارتفاع القبة الذهبية، ثم تحلق نحو السماء الزرقاء انا ايضاً مثلها: احلق طليقة الجناح. ثم يعلوم صوت "نقارة" الحرم يشاركني مهرجان المسرات والافراح، فتغمرني سعادة لا اول لها ولا اخر.
الختام
ما استمعتم اليه مستمعينا الاكارم هو صوت النقارة الذي يسمونه زوار الحرم الرضوي عندما تقع امثال هذه الكرامات ويعلم بوقوعها الحاضرون والاخت الكريمة التي حباها الله عز وجل بالشفاء هي السيدة زهراء المنصوري من سكنة مدينة خرم اباد منطقة تنكابن وكانت قد اصيبت بحالة الشلل العام. تاريخ شفاءها ببركة التوسل الى الله عز وجل بالامام الرضا عليه السلام هو الثالث عشر من شهر تموز سنة ۱۹۸۷ وقد نقلت اصل قصتها مجلة حرم الايرانية في عددها السابع والثلاثين الصادر في شهر شباط عام ۱۹۹٦م رزقنا الله واياكم خالص المودة لاهل بيت النبوة "محمد وآله" صلوات الله وسلام عليهم اجمعين، الى لقاء اخر نستودعكم الله والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

*******

 

شاركوا هذا الخبر مع أصدقائكم

جميع الحقوق محفوظة