البث المباشر

أيدي الرجاء

الثلاثاء 8 يناير 2019 - 15:13 بتوقيت طهران

الحلقة 6

السلام عليكم اعزاءنا ورحمة الله وبركاته اهلاً بكم في لقاء آخر مع رواية اخرى من روايات الفائزين بالكرامات الرضوية والشفاء باذن الله وببركة التوسل بوليه الرضا علي بن موسى عليهما السلام.
اخترنا لكم ـ احباءنا ـ في الحلقة كرامة رضوية تحمل قصتها عنوان: ايدي الرجاء .. وهذه الكرامة حصلت لفتاة قروية اصيبت بمرض عضال افقدها القدرة على الحركة وعلى اكمال السجادة التي خططت والدتها لتكون اهم قطعة في اثاث عرسها.
نشرت اصل القصة مجلة زاير الايرانية في عددها الحادي والثلاثين الصادر في شهر تشرين الثاني سنة ۱۹۹٦ ونشرت تفصيلات توسل هذه الفتاة بالامام الرضا عليه السلام وفوزها ليس بالشفاء وحسب بل وبرؤيته واخته فاطمة الملقبة بالمعصومة سلام الله عليها.
نتابع معاً رواية قصة هذه الفتاة المؤمنة فيما يلي:
فتحت النافذة فمر نسيم السهل يتهادى بعذوبة ورواء وسرت الى كيانها برودة الصباح تنفست نفسهاً عميقاً ثم عادت والقت نظرة على نول الحياكة المستند الى الحائط المقابل في داخل الغرفة لكأنها تود لو تحس بنعمة الازهار التي قضت اياماً في حياكتها وابداعها تطلعت الى كبات الصوف الملونة المعلقة في اعلى النول .ز ثم هبطت بصرها الى السجادة التي ما تزال تحت الشغل حدقت بالازهار التي ستتجلى في نسيج السجادة بابداع اصابعها الماهرة وكأنها شتلات في حديقة وفي وسط السجادة ينبغي ان تكمل صورة لطائرين متقابلين ينظر احدهما الى الاخر نظرة حب.
وسرحت لحظة مع الخيال تراءى لها سهل اخضر فسيح وجدت نسفها في وسطه على حصان جميل ابيض اللون يمسك بزمامه رجل شاب يبتسم لكنها سرعان ما عادت الى نفسها بارتباك عذراء مستحيية تلفتت يمنة ويسرة لم تكن الام في الغرفة واصطبغت وجنتاها بحمرة الحياء ثم استجمعت همتها وشرعت تشتغل بالحياكة قالت لها امها من قبل: ان هذه السجادة ليست للبيع. ثم اضافت: هذه السجادة لزواجك.
وقر عزمها على ان تحوك افضل سجادة ممكنة، وباحسن ما تقدر عليه من المهارة والاتقان فكرها يذهب الى المستقبل ويداها تشتغلان بلباقة وسرعة وهما تعقدان على سدى النول خيوط النسيج الملونة اصفر بني اخضر ازرق ثم مدت يدها للتتناول الخيط الاحمر لكنها لم تدر كيف فاجأها بغتة وفي لحظة سريعة ألم حاد لف كل كيانها ناراً قد اضطرمت منها في كل مكان وراحت تتلوى ويدها مشتبكة بخيوط النسيج ومن بين فكيها التي كانت تضغطهما بقوة اصدرت انة ألم مختنقة وسقطت من النول كبة الخيوط الحمراء وتدحرجت حتى بلغت باب الغرفة ساحبة وراءها خطاً نحيفاً من الخيط الاحمر.
باعدت بين اجفانها فابصرت امها جالسة عند فراشها.
كان الدكتور قد ذهب بعد ان نصح بنقلها على جناح السرعة الى طهران لاجراء الفحوصات اللازمة وقرأت هي القلق على محيا الام وحاولت ان تضحك: اشفي يا ماما المسألة بسيطة لا شيء.
ابتسمت الام ابتسامة تعبر اكثر ما تعبر عن الاسى والحزن كانت تفكر بكلام الطبيب.
اذا تأخر اجراء العملية فمن الممكن ان تتلف كليتاها جميعاً.
كان الالم يتمشى في عروقها حاولت القيام فلم تستطع قالت الام: يجب ان نأخذك الى طهران الدكتور قال ذلك.
استدارت الفتاة تتطلع الى السجادة التي لم تكتمل وكانت كبة الخيوط الحمراء ما تزال محلولة على الارض.
يمر ظل معتم من امام عينيها لم تتعرف فيه على وجه امها المتغضن البائس الا بعد لحظات ابتسمت الام بمرارة: الاطباء يقولون تتحسنين ان شاء الله.
وادارت الام ظهرها لكن اهتزاز كتفيها وصوت عبرتها المختنقة كانا يقولان شيئاً اخر.
انسلخت ثلاث من السنوات اجريت لها في خلالها ثلاث عمليات جراحية ... وبعدها فقد الاطباء أي بارقة امل: امعاؤها قد تعفنت وتلفت الكليتان نحن نعمل ما نستطيع والبقية على الله.
ثلاث سنوات من الالام والاوجاع والمشقات وها هي ذي قد امست نحيفة ناحلة الجسم واهنة القوى لا تقدر على شيء والسجادة التي ظلت على النصف .. ما تزال مصلوبة الغبار المتراكم دفن تحته الازهار الحمراء، والطائران اللذان لم تكمل حياكتهما كأنهما في مقبرة للاموات لقد ضاع منها كل شيء وماتت الآمال.
تهب نسمة دافئة من نافذة سيارة الركاب الكبيرة الى الداخل تلاطف النسمة وجهها الشاحب العليل افكار مشتتة في ذهنها تدور: الحصان الابيض، ازهار السجادة السهل الاخضر كبة الخيوط الحمراء الام والاوجاع التي رافقتها طيلة هذه السنوات الثلاث وها هي ذي تصل الى اخر الخط الاطباء اعترفوا بصراحة انهم غير قادرين على شيء بكت الام وبكت هي كذلك.
وها هما الان ذاهبتان بالحافلة الى الامام الرضا عليه السلام وعلى مشارف مدينة مشهد توقفت الحافلة قليلاً وجذب نظر الفتاة منظر القبة الذهبية المتألقة التي تتلامع من بعيد فتمتمت بصوت منخفض: السلام عليك يا مولاي يا علي بن موسى الرضا.
كان الحرم مغموراً بنور مدهش كله عظمة وجلال وتعطرت مشامها بنسيم الليل المجبول من ماء الورد هي ذي واقفة عند الباب انحنت امام القبة الرضوية وهمست بالسلام الالم لا يدعها لحظة تستريح وتهالكت جالسة عند الباب ثم دست رأسها ووجهها تحت عباءتها السوداء من عمق وجودها انبثقت دمعتان سالتا منها على الخدين رفعت رأسها فتجلت لها القبة الذهبية اكثر جلالاً وعظمة لقد كان تنظر اليها من خلال الدموع. جلست لحظات وعيناها مشدودتان الى القبة الباسقة العابرون يمرون من قربها لكنها لم تكن تبصر منهم احداً. عيناها لا تريان الا هذه القبة الرفيعة المتألقة بالنور شيء يتحرك في اعماق فؤادها، وماثم سواها من يعلم ماذا كان يجول في اعمق الفؤاد ثم قامت واقفة وصعدت نفساً عميقاً كانت تحبسه في الصدر.
امام الشباك الفولاذي تجمهر فوج من الناس كل قد ربط هنا دخيلاً عند الامام الرؤوف كانت تتخطاهم على مهل حتى وقفت قبالة النافذة العريضة شاهدت خيوطاً كثيرة وقطعاً من القماش معقودة على مشبك النافذة واخذتها حالة فتدفقت فجأة من عينيها امطار الدموع انخرطت في البكاء بلا خجل من احد وقعدت عند النافذة حيث يلوح من وراء المشبك جلال الضريح اخفت رأسها تحت عباءتها واخذت تنتحب نحيباً متعالياً لكنه كان يغيب بين اصوات ضراعات الحاضرين التي تتصاعد من كل مكان ولم تدر كم من الوقت ظلت على هذه الحالة حينما بداً يهيمن عليها النوم. لم تكن تعلم انامت حقاً ام انها كانت مستيقظة: امرأتان ورجل على مسافة منها جالسون نسيت اين هي الان ولم تعد تتذكر أي شيء دائخة كانت قد سلبها الالم كل قدرة على التفكير وسمعت صوتاً كأن احداً يخاطبها: قومي. هزت رأسها: لا اقدر. احدى المرأتين التفتت الى الرجل قائلة: اعنها يا اخي الرضا.
هي تتلوى من الالم مطأطئة رأسها تحت العباءة لا ترى الا قدمي الرجل الذي يتقدم اليها، والا يده التي مسحت على رأسها بحنان وبغتة سطع نور في مقابل عينيها حتى غرق كل شيء في لجة النور.
فتحت عينيها ما تزال تبلغ مسامعها اصوات الحاضرين المرتفعة بالذكر والمناجاة كم من الوقت قد اغفت لا تدري تذكرت امها لعلها استبطأتها فقلقت عليها وحاولت ان تستذكر ما رأته قبل قليل وفاجأها انها انتبهت الى نفسها، وتفطنت الى ان وضعها طبيعي طبيعي جداً فلا الام ولا اوجاع واشتملت عليها الدهشة لحظات. وتذكرت كل شيء تلكما المرأتين وذلك الرجل والصوت الذي قال: اعنها يا اخي الرضا.
شبكت اصابعها على الشباك والصقت رأسها به وراحت تبكي من القلب ويعلو منها البكاء بكاء ترفرف في اعماقه المسرة ويموج فيه الحب العظيم ما ثمة من ألم يؤذيها وينغض عليها ايام الحياة.
في خياليها: ازهار السجادة الحمراء وهي تهتز مرحة بنسيم السهل الاخضر وعلى كتفها حط طائر السجادة يغردان بابتهاج وكانت هي ما تزال تبكي بكاء الفرح والامتنان.

*******

 

شاركوا هذا الخبر مع أصدقائكم

جميع الحقوق محفوظة