البث المباشر

بكاء رجل

الثلاثاء 8 يناير 2019 - 11:35 بتوقيت طهران

الحلقة 3

والقصة ترتبط بحادثة شفاء السيد زين العابدين النجار صاحب استوديو للتصوير من اهالي محافظة شيراز الايرانية، وقد حظي بالشفاء في حرم الامام الرضا عليه السلام في شهر آب سنة ۱۹۹٤ بعد ان عانى مدة من ضعف البصر وضعف الذاكرة وصعوبة النطق وشلل نصفي اصيب به اعرض عن معالجته بعد يأس من قدرة الاطبار على ذلك وملل من كثرة مراجعة العيادات الطبية والمستشفيات.
وقد نشرت اصل قصته مجلة زائر الصادرة بالفارسية في مدينة مشهد المقدسة في عددها التاسع عشر سنة ۱۹۹٥ نستمع الى روايتها الادبية على لسان احد زبائنه الذي شاهده في كلتا حالتيه.
المريض المعافي: زين العابدين النجار من محافظة شيراز الحالة المرضية: شلل وضعف البصر والذاكرة وصعوبة النطق. تاريخ الشفاء آب ۱۹۹٤.
أبداً ما كنت اراك متبعاً يا زين العابدين ولا منكفئاً على نفسك ولا محزون الفؤاد الفتك سنوات طويلة، وعرفتك منذ زمن بعيد كنت طفلاً صغيراً امر كل يوم وانا في طريقي الى المدرسة باستوديو التصوير الذي تملكه اتذكر يا زين العابدين؟! تناديني وتسألني عن حالي ثم تدس يدك في جيبك فتخرج قطعة شيكولات وتقدمها لي وما زلت الى الان احس بحلاوتها في فمي تقبل جبيني وتأذن لي ان اتفرج على الصور المؤطرة المعروضة في الاستوديو كم كنت احب هذه التصاوير..خاصة تصوير ذلك الطفل الذي لا ادري حتى الان: اكان يبكي ام كان يضحك! كنت ارغب ان تكبر صورتي وتؤطرها ثم تضعها في واجهة الاستوديو لكني اخجل ان ابوح لك بهذه الرغبة ابداً ما كنت اراك متعباً يا زين العابدين ولا منكفئاً على نفسك ولا محزون الفؤاد دائماً كنت احبك اراك مرحاً ضاحكاً طيب القلب.
كيف اصدق يا زين العابدين ان عينك صارت كليلة عاجزة ابداً لا اصدق انت تعتمد في شغلك اكثر من أي شيء آخر على عينيك ورجليك كيف يصدق ان رجليك لا تسعفانك في الحركة والمشي؟!
ما زلت اذكر كيف كنت تتنقل وتتحرك في الاحتفالات التي تدعى الى تصويرها خفيفاً رائق النفس وانت تحمل كاميرتك التي يبرق فلاشها مرات ومرات.
اتراه واقعاً ما اراه زين العابدين المرح الفكه قد انقل انساناً محزوناً مهموماً لا يغادر كرسي المقعدين وعيناه الواهنتان تحدقان في المجهول لا كاميرا ولا فلاش ولا تصاوير ولا ذكريات تثبتها الناس على الورق الصقيل لا يا زين العابدين لن اصدق ابداً لن اصدق ابداً! اعبر امام الاستوديو فاراك قاعداً على كرسي العجز والمسكنة وعينك تنظر بذهول تستبد بي الدهشة واسرع اليك وتسيقظ في ذهني الذكريات احس انني طفل يود لو يتذوق من يدك حلاوة الشيكولات وتستهويه الصور المعروضة في محلك ويطلب منك بلا خجل هذه المرة ان تكبر صورته وتضعها في واجهة المحل. لكن .. لا انا لم اعد طفلاً لقد كبرت ولم تعد يستهويني التفرج على هذه الصور اليت وقع الغبار على ابتساماتها المصطنعة، ونظراتها الجامدة وهيئاتها المتكلفة احبك يا زين العابدين فانت جزء من ذكريات طفولتي وقطعة من الماضي الجميل.
اقترب منك واسلم عليك وتسمع انت صوتي فتجيش قسمات وجهك ويغلب عليك البكاء أسألك: ما الذي حدث يا زين العابدين؟! تقول لي من خلال البكاء: بلاء بلاء .. نزل عليّ بلاء! آه ما اصعب رؤية هذا البكاء بكاء رجل هزيمة رجل! وتواصل: بلاء نزل فجأة عليّ .. حادثة مرة لا ادري من اين جاءتني فجأة احسست بدوار. ولم يتوقف الدوار فقدت القدرة على التحمل لا طاقة لي. وقعت على الارض.. شلل نصفي لا اقدر ان احرك رجلي حتى بصري اصيب شبه اعمى.. بلاء هو الموت .. الموت بعينه!
ضممت رأسك الى صدري وقبلت جبينه لا طاقة لي على رؤيتك تبكي يا زين العابدين يشق علي ان ارى رجلاً يبكي ويتعذب ودعوت لك الله.. أتراني قادراً على ان اعمل لك شيئاً غير الدعاء؟!
يا سبحان مقلب الاحوال بعد مدة جئت اليك فرأيت الحال متغيراً طابت ايامك يا زين العابدين، ودمت في هناء وسرور. كل شيء عاد الى سرته الاولى..ورائحة الماضي تملأ المكان: رائحة ايام الطفولة السعيدة.
اعبر امام الاستوديو فاراك ضاحكاً بمسرة ضاحكاً من القلب وانت تعدو هنا وهناك توزع حلويات الفرح على جيران محلك وعلى العابرين لم اصدق انك انت الواقف على قدميك وعينك صحيحة سليمة تعمل بشكل طبيعي آتيك لأتحقق اجل .. اجل .. وهو ذا انت انت يا زين العابدين، بلا كرسي متحرك.. تمشي على قدميك وعيناك!
كان شيئاً لم يقع من قبل هو ذا انت زين العابدين القديم المعافى الفكه النشيط زين العابدين الطيب القلب.
ولمحتني فاقبلت مسرعاً الي احتضنتني وقبلتني بحرارة ما احلى رائحة الماضي هذه التي تفوح منك رائحة القلب الطيب والمحبة والصفاء. قدمت لي الحلويات وانا اتطلع كالذاهل اليك ما هذه العجيبة التي ما كانت تخطر لاحد على بال؟ اخذت بيدي واجلستني على كرسي وجلست انت الى جواري اردت ان تعبر عن فرحتك وان تخرجني من هذا الذهول. اردت ان تجيب عن السؤال الذي كان يطن مني في الذهن. وتدفقت تشرح ما احلى حديثك يا زين العابدين، وما اروع ما فيه من عبير اخاذ!
لا انسى ما قلته لي خاطبتني بكلمات نفذت الى اعماق قلبي قلت: انت تدري يئست من مراجعة الاطباء والمستشفيات لم يبق لي امل شعرت اني مقطوع عن هذا العالم الذي اسلمني وتركني الى وحدتي وهمومي لا اراك الله مرارة داء هو كالموت البطيء كنت ابكي وحدي اختلي بالله وابكي اتضرع اليه ليس لي غيره. تغيرت حالة زين العابدين وهو يحكي لي ما جرى وقرأت دمعة تترقرق في عينيه الوسيعتين قال: كما قلت لك كنت اتضرع الى الله ودموعي تسيل حارة حارقة ولم ادر كيف نعست وانا ابكي واخذني النوم وفي المنام: رأيت نوراً نازلاً من السماء، ومن داخل النور سمعت قائلاً يقول لي: دواؤك في مشهد اطلب شفاءك من امامك.. وصحوت من النوم قلبي يضطرب وفي نفسي جيشان لا اقدر على وصفه ترى ما معنى هذه الرؤيا؟ اتراها شيئاً غير اللجوء الى الامام الرضا عليه السلام والتوسل به الى الله؟! الرؤيا واضحة لا مجال فيها للتأويل وسافرت فعلاً الى مشهد لالتجىء دخيلاً عند شافي جميع الامراض باذن الله كنت قد سمعت ان الامام يحضر في الرؤيا للذين يلجؤون الى عتبته المقدسة ولذلك حاولت ان انام، لكن استعصى علي النوم، مرة اخرى حاولت لا فائدة اغمضت عيني ورحت اناجي الامام بقلب مضطر كسير: ايها الامام الرضا .. ايها الرؤوف من وجهني اليك لابد ان يكون قد اوصاك بي وها انذا اتيت عبداً ضعيفاً ذليلاً مسكيناً مستكيناً بين يدي الله، وانت ولي الله الاعظم وبابه الذي يؤتى منه .. ايها الرضا .. ايها الرضا.
كنت اسمع همهمات ادعية وضراعات الحاضرين اللائذين مثلي بعتبة شمس الشموس وانيس النفوس .. حين تناهى الى اذني من بين الهمهمات المختلطة صوت صوت يخاطبني بعذوبة وحزم: قم؟
لا اقدر.
قم انت تقدر؟
باعدت بين اجفاني فادهشني ما رأيت هذه هي جموع الزائرين اراها بوضوح امسكت بمشبك الضريح واعتمدت عليه لاقوم ما هذا يا الهي هذا انذا استطيع الوقوف على قدمي لقد شفيت شفيت شفاني الامام الرضا وبدون ان اقصد صدرت مني صيحة ورميت نفسي على الرضيح ارتفعت نداءات الزائرين بالتكبير والتهليل والصلوات على محمد وآل محمد وكانت الايدي تمتد من حولي الى ثيابي تقتطع منها قطعاً تقبل بشوق وتوضع على العيون وما كنت اسمع الا صوت نقارة الحرم تبث بشائرها في كل ذرة من الهواء.

*******

 

شاركوا هذا الخبر مع أصدقائكم

جميع الحقوق محفوظة