السلام عليكم احباءنا ورحمة الله وبركاته واهلاً بكم في اولى حلقات هذا البرنامج الذي ينقلنا الى واحة الولاء ويقتطف لنا بعض ثماره من خلال نقل بعض ما في سجل المتوسلين الى الله تعالى بالامام الرؤوف علي بن موسى الرضا عليه السلام.
رواية هذه الحلقة تحمل عنوان: هذا العطر الملائكي الأخاذ .. وهي تنقل لنا قصة شفاء الاخت المؤمنة "ماه شيرين" من اهالي باكستان في حرم الامام الرضا عليه السلام بعد خمس سنوات عانت فيها هي واهلها من آثار صدمة دماغية بها في بلدها.
نشرت اصل القصة وثائقياً مجلة حرم الصادرة باللغة الفارسية في مدينة مشهد المقدسة في عددها الرابع والاربعين الصادر في شهر تموز سنة ۱۹۹۷.
القى الليل عباءته السوداء على النهار، فغطاه من اقصاه الى اقصاه.. وحافلة الركاب تمضي قدماً في الطريق المعبد، يتقدمها ضوء مصابيحها كأنما هو مشوق الى الوصول ومن بعيد تتلامع انوار مصابيح المدينة الرابضة بين جبلي طوس.
ركاب الحافلة كانوا قد قطعوا المسافات تسبقهم اشواقهم لهذه الزيارة التي كانت امنية في القلب: احدهم يتمتم بينه وبين نفسه بدعاء، واخر يفتأ يدير بيده المسبحة بالذكر والتهليل وثالث يتلو ما يحفظ من آيات القرآن الكريم.
اتكأت المسافرة الشابة على كرسيها وراحت تتطلع بنظراتها التعبى الى المدى البعيد. ومع ان "ماه شيرين" لم تتجاوز السادسة عشرة من عمرها.. الا ان من يراها يفتقد فيها بوضوح النشاط والمرح المعهود في مثل سنها. منذ سنوات لم يعد للحركة والسرور في حياتها من معنى فقد سلبها الداء حيوية الشباب لطالما تعذب ابواها وهما يدوران بها من طبيب الى طبيب فلما يئسا من الطب والاطباء وانقطعت كل الوسائل والسبل شدا رحال السفر ليطرقا هذه المرة باب سيد عظيم لا يرد من قصده.
نظرت "فاطمة" الى ابنتها "ماه شيرين" قائلة: هل تشعرين بالحر؟ وكان الصمت هو جواب الفتاة ان هذا الصمت الذي تعودت الام ان تقابلها به ابنتها منذ خمس سنوات ما اشد ما يؤجج في قلبها نيران العذاب فتحت الام نافذة الحافلة فدغدغ النسيم وجه الفتاة.
الحرم الرضوي يموج بنفحات معنوية آسرة تجتذب اليها قلوب الوالهين الذين اجتمعوا لزيارة الامام الرؤوف وحينما دخل "غلام محمد" وعائلته في صحن الحرم كان شوق الزيارة يزداد منهم في القلوب وملأهم احساس ان زيارة اليوم تختلف عن زياراتهم في الايام الخالية ودفع الاب امامه الكرسي المتحرك الذي ارتمى عليه جسم "ماه شيرين" السقيم، فكان كل من يراها يرق لها "وترتسم على قسماته امارات الشفقة والرحمة".
قالت المرأة وقد استبد بها القلق والحزن: اقول اذا كان جواب الامام هو الرد .. فالى اين نولي وجوهنا؟!
تأوه الرجل وهو يقول: توكلي على الله كوني مطمئنة ما جاء بنا الامام الى هنا الا وهو يريد ان يعطينا من عطاياه.
قال الاب هذا وقلبه يدق بسرعة انه انما قال ما قال ليطمئن زوجته وليبعث في قلبها الآمال اما هو فكان صدره يزخر بالاضطراب، وضغط بيديه على مقبض الكرسي المتحرك ليسيطر على اضطرابه الذي بدا ظاهراً في ارتعاش يديه. ودخلوا الصحن المليء بالزائرين.. فمضت فاطمة على الفور الى الشباك الفولاذي العريض، وادخلت اصابع يديها في مشبك الحب والرحمة .. وانهمرت من عينيها الدموع كانت فاطمة تبكي بكاءً ينبعث من القلب، وهي تخاطب الامام بهمس مفعم بالتوسل والرجاء: منذ شهر يا مولاي تركنا الوطن وجئنا لاجئين اليك. اتوسل اليك ان تشفي ابنتنا ارجوك. ثم اصدرت أنات محزونة ضاعت في دوي اصوات الزائرين.
القى "غلام محمد" نظرة صافية ـ من خلال اهدابه المبلولة ـ تلقاء القبة الذهبية العالية ان للقبة في عتمة الليل لألأة يشد اليه الابصار وراح الاب يتضرع في حضرة ثامن كواك الامامة والولاية الالهية علي بن موسى الرضا سلام الله عليه، ويدعو الله تعالى بقب كسير ان يقضي له حاجته ويفرج عنه كربته ثم اتخذ سبيله الى مكان قريب من الشباك الفولاذي حيث كانت ابنته قد اغلب عليها النوم، فجلس الى جوارها القرفصاء اما زوجته فكانت قد ذهبت الى داخل الروضة المقدسة.
اسند الرجل رأسه الى يديه، وراح يفكر جملة من التفكير الى ايام الماضي: قبل خمس سنوات تماماً.. كان من عادة "ماه شيرين" ان تمضي مع زميلاتها في الطريق الى المدرسة، ثم تعود الى المنزل كانت تقطع الطريق ذهاباً واياباً وهي تعدو وتتواثب كأنها غزالة صغيرة حضورها في المنزل يبعث الحياة والنشاط في روح والديها المتعبين من اعمال اليوم حياة الاسرة بسيطة طيبة وعلى الرغم من قلة ذات اليد كانوا يواسون المحتاجين ويمدونهم بما يقدرون عليه وحينما يؤثرون على انفسهم ويهبون الفقراء من ثيابهم وطعامهم كان "غلام محمد" يستشهد بالمثل القائل: اعمل خيراً والقه في البحر فان الله يأتيك به وانت منقطع في الصحراء.
وتمضي الايام .. وتنمو معها "ماه شيرين" زهرة صغيرة تتحول رويداً رويداً الى وردة زاهية يعطر حضورها فضاء الدار ولم يطل الزمان على هذه الحال ففي احد الايام.. وقع حادث في المدرسة اصيبت فيه "ماه شيرين" اصابة اضرت بدماغها ففقدت قدرتها على الاتزان الفكري وفقدت قدرتها على الكلام.
ومنذ ذلك اليوم غا المرح والسرور من اجواء عائلة غلام محمد، ولم يعد له من حضور على الاطلاق ان معاناة مرض "ماه شيرين" من جهة وما كانت فيه الاسرة من ضعف مالي .. قد حمل الاسرة مشقات متصلة ثم لما يئسوا من العلاج في الباكستان تهيأت لهم فرصة السفر الى مشهد الامام الرضا عليه السلام بطريقة لم تكن تخطر لهم على بال وها هو قد انقضى شهر كامل وهم ياملون العلاج بين انهم حتى الان لم يفوزوا بما يأملون لم يبق الا هذه الليلة ففي صباح غد هم عازمون على العودة الى الوطن الذين ينتظرون عودتهم هناك اذا رجعوا اليهم يائسين يائسين؟! كان رأي الاطباء في ايران موافقاً لاقوال اطباء الباكستان: كلهم قد اجمعوا على ان مرض الفتاة مرض مستعص عضال ما ثمة سبيل الا المعجزة تنقذها لتضيء "ماه شيرين" مرة اخرى حياة اسرتها وتبث فيها الطلاقة والسرور كان الاب في خلوته عند الشباك الفولاذي يذرف الدمع بقلب منكسر وصدر منقبض وهو يطلب من الامام المدد والعون.
عادت الام من زياتها في داخل الروضة، وجلست قرب ابنتها على الارض اخذت برأس الفتاة على مهل ووضعته على ركبتها ومسحت بطرف شال رأسها عرقاً كان ينقط وجنات "ماه شيرين" متضرعة بطلب العافية والشفاء الى جوارهم كان عدد من الزائرين يتلون بنبرة حزينة دعاء "التوسل" فشاركتهم فاطمة من صميم قلبها في الدعاء.. تبكي وتبوح باحزانها في محضر الامام كانت سفينة فاطمة المكسورة قد غرقت في بحر المحبوب الذي لا ساحل له. افاقت "ماه شيرين" من الرقاد فتحت عينيها فتلألأ فيهما بريق الابتهاج ارادت ان تنطق فلم يسعفها اللسان وبعد محاولات عديدة استطاع صوتها ان ينطلق بالنداء: يا رضا... يا رضا... يا رضا... لقد برعمت اغصان الامل، وكانت نداءاتها مفعمة بمسرة عميقة الجذور ولفتت نداءاتها اليها الانظار اما الام فكان ما عاينت اكبر من قدرتها على التحمل فغشي عليها في الحال وكاد الاب وهو يرى "ماه شيرين" ان يطير من الفرح وتحدرت الدموع وكان الفضاء مغموراً وقتئذ بعطر سماوي لذيذ.
لكأن الصحن كله مفروش بسجاجيد الضراعة والتعبد وتشابكت ازهار الياسمين على مشبك النافذة الفولاذية المطلة على الضريح الرضوي المقدس... رافعة رؤوسها تلقاء سماء الحب والحنان التفت حولهم جموع الحاضرين وكانت ماه شيرين وابوها خرا على الارض في سجدة شكر وامتنان خاشعة.
لقد حدث اعجاز الحب: اصطبغت السماء الزرقاء بلون الحب، واطلقت حمائم الحرم في مهرجان الماء والمرايا والحب اجنحتها في عرض السماء.
*******