البث المباشر

بعد إمامة الإمام الحسن العسكري عليه السلام ( 2 )

الثلاثاء 20 نوفمبر 2018 - 13:23 بتوقيت طهران
بعد إمامة الإمام الحسن العسكري عليه السلام ( 2 )

الامام الحسن عليه السلام والدور الخاص

اضافة الى المهمات والمسئوليات العامة للامامة، التي نهض بها الامام الحسن العسكري عليه ‏السلام، ‌كان هناك دور متميز اختص به عليه السلام، ‌وهو دور الاعداد العملي لمرحلة امامة ‏ابنه الحجة بن الحسن عليهما السلام، المرحلة التي ستمتد في الزمان الى ماشاء الله، والتي ‏ستغمر، الظلال الحزينة لغيبته عليه السلام، المساحة العظمى لهذه المرحلة.... حيث يعتصر ‏الهم والغم قلوب المؤمنين والمؤمنات في مشارق الارض ومغاربها، حزناً لفقده عليه السلام، ‏وشوقاً الى رؤيته، وتمتد هذه الحسرة في الاجيال المؤمنة حتى ياذن الله تبارك وتعالى له ‏بالخروج والظهور، يملأ الارض قسطاً وعدلاً بعدما ملئت ظلماً وجوراً.‏
وهذا الدور الخاص الذي نهض به الامام الحسن العسكري عليه السلام، كان متشعب الاطراف ‏والابعاد.‏
فمن اطرافه وابعاده ما يرتبط بالتمويه على السلطان الجائر، الذي يرصد كل حركة وسكنة في ‏مراقبة بيت الامامة، حذراً من الوالد وخوفاً من الوليد، الذي سيدمر عروش طغاة الارض ‏اجمعين، حيث اخفى الامام الحسن عليه السلام كل دلائل ولادة الحجة عليه السلام، ولم يورد له ‏ذكر في اي وثيقة قانونية رسمية.‏
ومن أطرافه وأبعاده ما يرتبط بالامة عامة ‌وبالشيعة خاصة، في التأكيد على ولادته والتنصيص ‏عليه والتصريح بامامته، وتهيئته الارضية لمرحلة الغيبة.‏
 

كتمان ولادة الحجة عليه السلام:‏

لقد كتم الامام العسكري عليه السلام ولادة ولده الحجة عليه السلام، خوفاً عليه من الاعداء حتى ‏انه امر بعض خاصة شيعته كاحمد بن اسحاق وغيره، حينما بشرهم بذلك: ان يكتموا امره ‏ويستروا ولادته عن الاخرين، بقوله ولد لنا مولود، فليكن عندك مستوراً، وعن جميع الناس ‏مكتوماً. (1)‏‏
 

الإمام الحسن العسكري والتمهيد لقضية الإمام المهدي عليهما السلام

إنّ أهم انجاز للإمام العسكري عليه السلام هو التخطيط الحاذق لصيانة ولده المهدي عليه السلام ‏من أيدي العتاة العابثين الذين كانوا يتربصون به الدوائر منذ عقود قبل ولادته، ومن هنا كانت ‏التمهيدات التي اتّخذها الإمام عليه السلام بفضل جهود آبائه السابقين عليهم السلام وتحذيراتهم ‏تنصب أوّلاً على إخفاء ولادته عن أعدائه وعملائهم من النساء والرجال الذين زرعتهم السلطة ‏داخل بيت الإمام عليه السلام، الى جانب إتمام الحجة به على شيعته ومحبّيه وأوليائه.‏
ففي مجال كتمان أمر الإمام المهدي عليه السلام عن عيون أعدائه فقد أشارت نصوص أهل ‏البيت عليهم السلام الى أنه ابن سيدة الإماء(2)‏ وأنه الذي تخفى على الناس ولادته، ويغيب عنهم ‏شخصه. وفي هذه النصوص ثلاث إرشادات أساسية تحقق هذا الكتمان، أوّلها أنّ اُمّه أمة وهي ‏سيدة الإماء وقد مهّد الإمام الهادي عليه السلام لهذه المهمة باختيار زوجة من سبايا الروم للإمام ‏الحسن العسكري عليه السلام ولم تكن للزواج أية مراسم ولا أية علامة بل كل ما تحقق قد تحقق ‏بعيداً عن أعين كثير من المقرّبين.‏
وقد خفيت الولادة حتى على أقرب القريبين من الإمام، فإنّ عمّة الإمام عليه السلام لم تتعرّف ‏على حمل اُم الإمام المهدي عليه السلام فضلاً عن غيرها، ومن هنا كانت الولادة في ظروف ‏سرّية جداً وبعد منتصف الليل، وعند طلوع الفجر وهو وقت لا يستيقظ فيه إلاّ الخواص من ‏المؤمنين فضلاً عن غيرهم.‏
وقد خطّط الإمام العسكري عليه السلام ليبقى الإمام المهدي عليه السلام بعيداً عن الأنظار كما ‏ولد خفية ولم يطلع عليه إلاّ الخواص أو أخصّ الخواص من شيعته.‏
وأما كيفية إتمام الحجّة في هذه الظروف الاستثنائية على شيعته فقد تحقّقت ضمن خطوات ‏ومراحل دقيقة.‏

الخطوة الاُولى: النصوص التي جاءت عن الإمام العسكري عليه السلام قبل ولادة المهدي عليه ‏السلام تبشيراً بولادته.‏

الخطوة الثانية: الإشهاد على الولادة.‏

الخطوة الثالثة: الاخبار بالولادة ومداولة الخبر بين الشيعة بشكل خاص من دون رؤية الإمام ‏عليه السلام.‏

الخطوة الرابعة: الإشهاد الخاص والعام بعد الولادة ورؤية شخص المهدي عليه السلام.‏

الخطوة الخامسة: التمهيد لرؤية الإمام المهدي عليه السلام خلال خمس سنوات من قبل بعض ‏خواصّ الشيعة والارتباط به عن كثب وتكليفه مسؤولية الإجابة على اسئلة شيعته المختلفة ‏وإخباره عمّا في ضميرهم وهو في المهد أو في دور الصبا من دون أن يتلكّأ في ذلك. وهذا خير ‏دليل على إمامته وانه حجة الله الموعود والمنتظر.‏

الخطوة السادسة: التخطيط للارتباط بالإمام المهدي عليه السلام بواسطة وكلاء الإمام العسكري ‏عليه السلام الذين أصبحوا فيما بعد وكلاء للإمام المهدي عليه السلام بنفس الاُسلوب الذي كان ‏معلوماً لدى الشيعة حيث كانوا قد اعتادوا عليه في حياة الإمام الحسن العسكري عليه السلام.‏

الخطوة السابعة: البيانات والأحاديث التي أفصحت للشيعة عمّا سيجري لهم ولإمامهم الغائب في ‏المستقبل وما ينبغي لهم أن يقوموا به.‏

ومن هنا نفهم السرّ في كثرة هذه النصوص وتنوّع موضوعاتها إذا ما قسناها الى نصوص ‏الإمام الهادي عليه السلام حول حفيده المهدي عليه السلام ولاحظنا قصر الفترة الزمنية التي ‏كانت باختيار الإمام العسكري وهي لا تتجاوز الست سنوات بينما كانت إمامة الهادي عليه ‏السلام تناهز الـ (34) سنة ممّا يعني أنها كانت ستة أضعاف مدة امامة ابنه العسكري عليه ‏السلام.‏
‏ ‏

تهيئة الارضية لعصر الغيبة:‏

اما المسؤولية الثانية ‌التي تحملها الامام عليه السلام، فهي تهيئة الارضية لغيبة ولده الحجة القائم ‏عليه السلام، بمعنى أنه كان عليه أن يهيء الناس لمرحلة غيبة امامهم من بعده.‏
ومن الاعمال التي قام بها سلام الله عليه تحقيقاً لهذا الغرض:‏

أ-الاحتجاب:‏

استخدم الامام الحسن عليه السلام أسلوب الاحتجاب عن الناس بصورة‌ ملحوظة اكثر مما كان ‏يلحظ في حياة الهادي عليه السلام، تمهيداً واعداداً لذهنية الناس عامة‌ والشيعة خاصة لقبول ‏مرحلة الغيبة، فلم يكن يلتقي بالناس الا في الايام التي كان يخرج فيها بأمر المعتمد الى لقائه او ‏ما يراه من المصلحة في بعض الاحيان ان ياذن او يزورهم بنفسه، بل ولم يكن يظهر حتى ‏لشيعته، على حد قول المسعودي وكان يكلمهم من وراء ‌الستر.‏
قال المسعودي:‏
‏«وروي ان ابا الحسن صاحب العسكر احتجب عن كثير من الشيعة الا عن عدد يسير من ‏خواصه، فلما افضى الامر الى أبي محمد عليه السلام، كان يكلم شيعته الخواص وغيرهم من ‏وراء‌ الستر الا في الاوقات التي يركب فيها الى دار السلطان، وان ذلك انما كان منه ومن أبيه ‏قبله، مقدمة‌ لغيبة صاحب الزمان، لتألف الشيعة ذلك ولا تنكر الغيبة، وتجري العادة ‌بالاحتجاب ‏والاستتار. (3)‏
 

ب-ارجاع الشيعة الى الوكلاء:‏

كما عين الامام العسكري عليه السلام نواباً من قبله، داعماً اياهم بالتأييد والتوثيق، كي يكونوا ‏رابطاً بينه وبين شيعته لحل مشكلاتهم الدينية والدنيوية وليألف الشيعة الرجوع الى‌ النواب ‏مباشرة.‏
وهذا مما يظهر من كتابه الى احمد بن اسحاق الاشعري مؤيداً نائبه الثقة المأمون عثمان بن ‏سعيد العمري قائلاً: هذا ابو عمرو الثقة الامين، ثقة‌ الماضي وثقتي في المحيا والممات، فما قاله ‏لكم فعني يقوله، وما ادى اليكم فعني يؤدي، فأسمع له واطع فانه الثقة المأمون. (4)‏‏
ومن كتابه ايضاً الى اسحاق بن اسماعيل: فلا تخرجن من البلد حتى تلقي العمري رضي الله ‏عنه برضائي فتسلم عليه وتعرفه ويعرفك، فانه الطاهر الامين العفيف القريب منا والينا، فكل ما ‏يحمل الينا من شيء من النواحي، فاليه يصير آخر أمره ليوصل ذلك الينا، والحمد لله كثيراً.(5)‏‏
 

ج-تأييد الكتب الفقهية والاصول المصنفة:‏

وأيد الامام العسكري عليه السلام بعض الكتب الفقهية، والاصول التي جمعت في عصره او قبل ‏ذلك، للعمل والاستهداء ‌بها، وأيد ايضاً اصحاب تلك الكتب وشكر لهم مساعيهم واثنى‌عليهم، ‏ودعا الناس للعمل بما فيها كتأييده الفضل بن شاذن وكتابه. وكتاب يونس بن عبدالرحمن ‏وغيره.‏
قال ابن داود:‌الفضل بن شاذان النيسابوري، ابو محمد، من اصحاب الجواد والهادي والعسكري ‏عليهم السلام متكلم فقيه جليل القدر، كان أبوه من اصحاب يونس، وروى عن ابي جعفر الثاني ‏عليه السلام وقيل عن الرضا عليه السلام ايضاً وكان احد اصحابنا الفقهاء العظام المتكلمين، ‏حاله اعظم من ان يشار اليها قيل: انه دخل على أبي محمد العسكري عليه السلام، فلما اراد ان ‏يخرج سقط عنه كتاب من تصنيفه، فتناوله ابو محمد عليه السلام ونظر فيه وترحم عليه، وذكر ‏انه قال: أغبط اهل خراسان لمكان الفضل، وكونه بين اظهرهم، وكفاه بذلك، فخراً ‌وروى‌ ‏الشكي ما ينافي ذلك ولا التفات اليه. (6)‏‏

المصادر:

- اعلام الهداية، الامام الحسن بن علي العسكري (ع)، المولف: لجنة التأليف، تاريخ النشر: 1422 هـ، الناشر: مركز الطباعة والنشر للمجمع العالمي لأهل البيت (ع)
-حياة الامام العسكري، المؤلف: الشيخ محمد جواد الطبسي، تاريخ الطبع: 1413 هـ.1371 هـ ش، الناشر: مركز النشر - مكتب الاعلام الاسلامي
 

‏1- كمال الدين ج2، ص434.‏
2- راجع معجم أحاديث الإمام المهدي: 4/196 ـ 200.‏
‏3- اثبات الوصية ص262.‏
‏4- غيبة الطوسي ص215.‏
‏5- رجال الكشي ص481.‏
‏6- رجال ابن داود ص272-273.‏
 



















 

شاركوا هذا الخبر مع أصدقائكم

جميع الحقوق محفوظة