البث المباشر

الدموع والخطب الزينبية وتخليد الرسالة الحسينية حوار مع السيد محمد الشوكي حول ما هو الفرق بين بكاء الجزع وبكاء الرضا التسليمي

الأحد 2 يونيو 2019 - 09:25 بتوقيت طهران

سلام على المرأة الصالحة، والمجاهدة الناصحة، والحرة الابية، واللبوة الطالبية، والمعجزة المحمدية، والذخيرة العلوية، والوديعة الفاطمية السلام على من ارهبت الطغاة في صلابتها، وادهشت العقول برباطة جأشها، ومثلت اباها علياً بشجاعتها، واشبهت امها الزهراء في عظمتها وبلاغتها، السلام على المنسوبة لاسرة النبوة والامامة، والموهوبة وسام الشرف والمجد والكرامة.
الدماء الحسينية الزاكية اخذت دورها المبارك في انقاذ الاسلام من ايدي الجاهلية الجديدة، ثم جاءت الدموع الزينبية الكريمة، لتأخذ دوراً رسالياً مباركاً آخر، حيث نبهت الاجيال الى فاجعة الطف العظمى، وما كان وراءها من اهداف الهية مقدسة، من اجلها استشهد الامام الحسين واهله واوفياء اصحابه، ليكون بعد ذلك الاستشهاد الشريف سبي اليم تحملته بنات الوحي والرسالة، لتدوي صرخات في اعماق التاريخ على عبر الاجيال ان الحسين الغيور نهض بدمه القدسي فقدمه فداء للرسالة المحمدية، فقتل مظلوماً وسبيت عيالات النبي وكرائم الوحي وحرائر آل الله، في مشاهد كئيبة، لتنبعث النهضة العاشورائية في آفاق الدنيا بعد تلك التضحيات الجليلة حيث يقول المولى الحجة المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف في ندبته السامقة:
فقتل من قتل، وسبي من سبي، واقصي من اقصي، وجرى القضاء لهم بما يرجى له حسن المثوبة، الى ان يقول سلام الله عليه، فعلى الاطايب من اهل بيت محمد وعلي صلى الله عليهما وآلهما فليبك الباكون واياهم فليندب النادبون، وليمثلهم فلتذرف الدموع، وليصرخ الصارخون، ويضج الضاجون، ويعج العاجون، أين الحسن أين الحسين أين ابناء الحسين؟!
وكان لابد من صبر صبر لا تتحمله الا زينب العقيلة صلوات الله عليها، صبر لا يعني ان لا تبكي بل تبكي وتحمد الله تعالى رضى بقضائه، فالقتل لاهل بيتها اصبح عادة، وكرامتهم من الله الشهادة، فصبرت وقلبها شوق مجمر على اخيها الحسين سيد شباب اهل الجنة، ونحبت وهي تتجلد لتلك المحن العظمى بايمان راسخ وقلب راض يقول في وجد الشامتين: ما رأيت الا جميلاً، وكانت نفسها الشريفة تتردد منها انفاس الحزن والاكتئاب ولا تهدأ عن بيان ما جرى في كربلاء، وبعد كربلاء وما جاء بالركب الحسيني الى كربلاء تطلق ذلك في صروح الظالمين فكأنها تهدها على رؤوسهم وتفرغ عن لسان ابيها امير المؤمنين فتربك الطغاة والقتلة المجرمين، وفي ذلك كله كانت صابرة لا يرى عليها ذلٌّ ولا انكسار، وان اخذت الفاجعة منها مأخذها:

فلله من صبر بنت البتول

غداة اشرابت الى الطاغية

فابصر به انه قد هوى

مكباً على الرملة الحامية

ايا بنت سيدنا المرتضى

ويا خفراً بالقضا راضية

رزاياك قد قرحت للجفون

فتبكيك بالادمع القانية

وما برحت هاطلات العيون

بمثواك هاطلة هامية

*******

اعزاءنا ننقل الميكرفون الى زميلنا وحوار مع ضيف البرنامج عن الفرق بين الجزع والتسليم.
المحاور: بسم الله الرحمن الرحيم سلام من الله عليكم احبائنا وشكراً لكم على طيب متابعتكم لهذا البرنامج معنا على خط الهاتف سماحة السيد محمد الشوكي، سلام عليكم سماحة السيد.
السيد محمد الشوكي: وعليكم السلام ورحمة الله.
المحاور: سماحة السيد ما الفرق بين بكاء الجزع وبكاء الرضا التسليمي الذي اشرتم اليه في حلقة سابقة؟
السيد محمد الشوكي: بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى ال بيته الطيبين الطاهرين المعصومين، بطبيعة الحال حالة الرضا وحالة الجزع هما حالتان قلبيتان نفسيتان داخليتان بينما حالة البكاء هي حالة خارجية والبكاء كسائر الافعال الانسانية الاخرى هو اسلوب في التعبير، يعني التعبير تارة يكون كلامياً قولياً من قبيل ما نتحدث عن داخلنا وعن سرائرنا و تارة يكون التعبير فعلياً يعني يكون فعلاً خارجياً، الضحك مثلاً قد يكون تعبيراً تارة يكون تعبيراً عن حالة التعجب وتارة يكون تعبيراً عن حالة السخرية وتارة يكون تعبيراً عن قضايا اخرى كذلك البكاء ايضاً هو تعبير عما في داخل الانسان، عما يختلج في داخل الانسان ولهذا علينا ان نركز على حالة الرضا وحالة الجزع القلبي والذي موطنهما هو القلب والبكاء يعبر عنهما، الجزع واضح وان قضية الجزع والرضا مرتبطة بمواجهة الانسان للبلاء.
المحاور: كما هو القول سماحة السيد ان الجزع هو فيه نوع من الاعتراض العملي على ارادة الله تبارك وتعالى بأعتباره يقابل الرضا.
السيد محمد الشوكي: نعم هذه المقابلة، ربما لا يكون دخيلاَ مئة في المئة بالجذر اللغوي للقول ولكن الجزع يعبر عن هذه الحالة، عن حالة السخط ان صح التعبير، عن السخط لأمر ما يواجهه الانسان يعني عندما يرضى الانسان بشيء ما فهو يعبر عن قبوله بذلك الشيء بينما الجزع يتضمن حالة الرفض وحالة السخط لما يتعرض له الانسان، من هنا فان الناس على شكلين يعني في مواجهة البلاء هناك من يجزع بمعنى انه يسخط قضاء الله ويرد ويرفض قضاء الله تبارك وتعالى وهناك من يتقبل القضاء والقدر الالهي بقبول حسن وبروح مطمئنة، بالتالي فالبكاء قد يكون تعبيراً لهذا الجزع الذي في نفس الانسان وابراز هذه الشحنات السلبية، لاحظوا الشحنات السلبية.
المحاور: سماحة السيد حتى لو فسرنا الجزع بما فسره، عادة ما يفسرونه انه نوع من الخروج عن الحالة الطبيعية، يعني حتى الخروج عن الحالة الطبيعية تارة يمكن ان يكون نتيجة للاعتراض، مظهر للاعتراض على ارادة الله تبارك وتعالى وقد يكون خروج عن الحالة الطبيعية ولكن محافظ على حالة الرضا والتسليم لامر الله.
السيد محمد الشوكي: يعني هو السخط، مسألة السخط ليس داخلة في جذر لغوي له، مسألة الجزع ليست سخط والاعتراض على امر الله تبارك وتعالى وانما تتضمنها لان الجزع حالة المبالغة في الحزن، الجزع هو ضرب من ضروب المبالغة في الحزن ولكن المبالغة في الحزن ربما تتضمن هذا الامر وهذا المعنى، فحالة المبالغة في الحزن واضح انها سواء تضمنت رد القضاء الالهي والاعتراض على قضاء الله تبارك وتعالى او لم تتضمن فهي مذمومة، المبالغة في الحزن ولهذا استثني الجزع على الحسين سلام الله عليه لان الجزع مكروه سواء قلنا يتضمن قضاء الله تبارك وتعالى او لا مجرد المبالغة في الحزن لان الله لا يريد للانسان ان يعيش حزيناً كئيباً طوال حياته وان يخرج عن اطاره الطبيعي، فأستثني الجزع عن الحسين سلام الله عليه باعتباره انه لايمثل حالة شخصية وانما هو قضية تنفتح على مبادئ دعا لها الاسلام على قضية الحق وقضية المبادئ السامية التي جسدها الحسين سلام الله عليه، اذن الجزع سواء قلنا بانه متضمن لحالة السخط على القضاء الالهي او لا قد يكون مبالغة في الحزن اكثر من الاطار الطبيعي هو مذموم بحد ذاته بخلاف الرضا الذي يتقبل القضاء الالهي بروح مطمئنة وبروح راضية بقضاء الله، أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ، ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَّرْضِيَّةً، فالبكاء يعبر عن هاتين القضيتين، قد يكون الانسان راضياً ويبكي لانه يعبر كما قلنا اما عن تفاعله مع القضية التي يبكي من خلالها كما نبكي على الحسين سلام الله عليه او لانه يعبر عن حالة من الحزن التي في دواخل الانسان والانسان مجموعة مشاعر والانسان مجموعة عواطف ولو الغيت هذه العواطف لأعدمت الحالة الانسانية في الانسان، تحول الى حجر اصم فقد يبكي الانسان مع رضاه، اما تعبيره عن قضية مقدسة او كما قلنا عن استشعار بعض الحزن الذي داخل كل انسان لفراق حبيب من الاحبة مثلاً او عزيز من الاعزة وهذا حزن لايخلو منه حتى الانبياء كما هو واضح.
المحاور: كما تجلى فيهم باعتبار شفافية روحهم.
السيد محمد الشوكي: نعم روحهم وباعتبار انهم تجليات الرحمة الالهية لهذا قال النبي صلى الله عليه وآله عندما توفي ولده ابراهيم: ان العين لتدمع وان القلب ليخشع وانا بك يا ابراهيم لمحزونون ولكن لا نقول ما يغضب الرب وفي نص آخر ولكن لا نقول الا ما يرضي ربنا، اذن قد يرضى الانسان ويبكي كما قلت رحمة او اشتياقاً لفراق حبيب من الاحبة او تعبيراً عن قضية مقدسة كما نفعل هذا بكاء ايجابي ومدعو له الانسان، ولاخير في عين لاتدمع وقلب لايخشع ونتعوذ منهما نحن في ادعيتنا وتارة يبكي الانسان لسخطه وجزعه اعتراضه للقضاء الالهي وهذا مذموم ولاشك.

*******

وباتت لية الحادي عشر من المحرم زينب وعيالات الحسين في وحشة قاتلة، القتلى وهم اهلهم ها هنا نثر مقطعون، والخيام ها هنا محتقرات مظلمات، والاطفال اليتامى يتراجفون خوفاً وذعراً وجوعاً، والنساء حائرات، حل بهن الثكل والترمل، وهن في حلك دامس، وفرق سائد، وحماتهن صرعى، ولا يدرى ماذا سيأتي الغد لهن من بلوى، وقد صك صراخ الصبية اسماعهن، ولوعهن انين الفتيات ونشيج الوالهات.
وقد مرت امام العيون مشاهد مذهلة، كان اخرها هجوم الخيل، والسلب والنهب، ثم كان قطع الرؤوس بعد ذلك كان السبي وشماتة الاعداء، وامتداد الانظار الى الركب الحسيني الاسير، هذا هو المصاب العظيم، وذاك هو الصبر العجيب الجسيم!
اجل كانت رحلة كربلاء رحلة رهيبة، لا تقطع الا بالصبر، وقد اوتيت زينب العقيلة صبراً عجيباً، فنهضت نهضة حسينية تواصل تلك النهضة التي قام بها اخوها الامام ابو عبد الله الحسين سلام الله عليه، فاومأت الى اهل الكوفة ايماءة سكنت لها الانفاس وسكتت من الخيل الاجراس، فاندفعت بخطبة علوية كشفت حقائق كربلاء، وقبل كربلاء وبعدها، وبينت ما جنت الايدي الغادرة الخائنة المنافقة، فتركت في القلوب اسفاً مريراً وحسرة لا تنقضي ومصيراً اسود لمن خذل امام زمانه.
ويلكم يا اهل الكوفة، اتدرون أي كبد لرسول الله فريتم، واي كريمة له ابرزتم واي دم له سفكتم، واي حرمة له انتهكتم؟! لقد جئتم شيئاً ادا، تكاد السماوات يتفطرن منه وتنشق الارض وتخر الجبال هدا ولقد اتيتم بها خرقاء شوهاء، كطلاع الارض وملء السماء، افعجبتم ان مطرت السماء دماً؟! ولعذاب الاخرة اخزى!
وفي قصر الامارة، قامت لبوة آل ابي طالب زينب، فخطبت خطبتها الفاطمية، اخزت بها عبيد الله بن زياد واذلته، وأبانت عن كفره بما اقدم عليه من قتل اولياء الله، وهددته قائلة له: وسيجمع الله بينك وبينهم فتحاج وتخاصم، فانظر لمن الفلج يومئذ ثكلتك امك يا ابن مرجانة!
ثم عاجت تنقذ امامها وابن اخيها علي بن الحسين من سيف ابن زياد، لترحل به اسيراً مريضاً هو والعيال الى الشام حيث تقتحم قصر الطاغية الاكبر يزيد بن معاوية فتهز عرشه الظالم وتخزيه وتكشف للحاضرين وللاجيال كفره حيث اوقفته على ما قرأ:

لعبت هاشم بالملك فلا

خبر جاء ولا وحي نزل

لست من حندف ان لم انتقم

من بني احمد ما كان فعل

فتقول له: امن العدل يا ابن الطلقاء، تحريرك حرائرك واماءك، وسوقك بنات رسول الله سبايا.
وكان من كلامها ما جعلت يزيد يتمنى ان تبتلعه الارض، وهو يسمعها تقول له: كد كيدك واسع سعيك، وناصب جهدك، فوالله لا تمحو ذكرنا، ولا تميت وحينا، وهل رأيك الا فند، وايامك الا عدد، وجمعك الا بدد، يوم ينادي المنادي أَلاَ لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ.
ولم تنقض احزان زينب وبواكيها، فقد عادت في الاربعين تنتقل بين قبور الاحبة تسقيها دموعاً وفية مخلصة، وعادت الى المدينة تنتحب عند قبر جدها الرسول، وقبر امها البتول.
ثم لم تنقض نوائحها الى يومنا هذا والى ما يشاء الله، فهي تتردد في صدور كل المحبين والموالين، وتترشح على اقلام والسنة البلغاء والنعاة والخطباء.

*******

 

شاركوا هذا الخبر مع أصدقائكم

ذات صلة

المزيد
جميع الحقوق محفوظة