البث المباشر

سمو العاطفة في كلام رسول الله

الإثنين 13 مايو 2019 - 13:55 بتوقيت طهران

السلام عليكم أيها الأحبة، على بركة الله نلتقيكم في حلقة أخرى من هذا البرنامج، موضوع هذه الحلقة هو سمو العاطفة في كلام رسول الله – صلى الله عليه وآله- نتناوله بعون الله بإشارات إلى دور العاطفة في زيادة تأثير الكلام ونقرن ذلك بنماذج من الأحاديث النبوية التي يتجلى فيها هذا العنصر، تابعونا مشكورين.
مستمعينا الأعزاء لكل فن وأدب من العواطف البشرية التي تميز الفن من غيره، أن العاطفة روح الفن، فمن العواطف والخيالات تتشكل الفنون، وفرض ادب وفن من دون عواطف يعني عملية إبداع وخلق ميتة لا حياة فيها، وإذا كان الفن الرفيع يتطلب حضور عواطف الإنسان وأحاسيسه في القطعة الأدبية، فإن الوجود النبوي كله عواطف وأحاسيس وطاقات شعورية هائلة يلمس ذلك أهل الفن وغيره.
ولو دخلنا في عالم الإنسان بما فيه من بعد إنساني خلقه الله وأودعه فيه لوجدناه ماثلاً في شخص نبينا محمد (ص) نبي الرحمة، ولو تأملنا قطعة من كلامه في قوله –صلى الله عليه وآله-: "لو رأيت الظباء ترتع بالمدينة ما ذعرتها"، لرأينا دفق العواطف البشرية وانبعاثها في ديباجة كلامه، أجل نجد العواطف تتلاطم من فيض شعور الرسول (ص) وأحاسيسه.
روى المؤرخون بأنه لما انصرف النبي (ص) الى المدينة حين دفن قتلى أحد، مر بدور بني الأشهل وبني ظفر فسمع بكاء النوائح على قتلاهن فترقرقت عينا رسول الله (ص) وبكى، ثم قال: "لكن حمزة لا بواكي له".
إن عاطفة النبي الكريم (ص) مهذبة وموجهة، فهو إنسان له عواطفه وأحاسيسه إلا أنه أناط عواطفه بما يرضى الرب جل وعلا.
روي أنه قال لإبنه ابراهيم وهو يجود بنفسه: "لو لا أن الماضي فرط الباقي وأن الآخر لاحق بالأول لحزنّا عليك يا ابراهيم"، ثم دمعت عيناه وقال: "تدمع العين ويحزن القلب ولا نقول إلا مايرضي الرب وإنا بك يا ابراهيم لمحزونون".
فالفرح والحزن والغضب لدى الرسول (ص) منضبط بالقدرة الإلهية، وحين يفرح أو يحزن، يحزن ويفرح لله تعالى لا لنفسه، فرضاه من رضى الله وغضبه من غضب الله عزوجل.
كما نجد العقل عند النبي (ص) بما فيه من تفكير سليم ومنهجية مبينة على المنطق، يضبط العواطف ويكبح جماحها ويحولها إلى عواطف راجحة معقلنة، فلا يسمح لعواطف الإنسان بأن تخرج عن خط الإعتدال، فترى ألفاظه (ص) تلجم الإنفعالات والعواطف غير المنضبطة بلجام محكم من الأدب الرفيع، فيقول (ص): "ثلاث من كن فيه كان منافقاً، وإن صام وصلى وزعم أنه مسلم، من إذا أتمن خان وإذا حدث كذب وإذا وعد أخلف".
وصلى النبي محمد (ص) ذات يوم فخفف الركعتين الأخيرتين، فسأله الأصحاب، وفي الصلاة شيء؟ فقال لهم: أما سمعتم صراخ الصبي، إذ كانت أمه معهم في الصلاة فخفف الصلاة رحمة بالطفل ورحمة بأمه.
أجل، وهناك أخباراً مملوءة بعواطفه (ص) ومنها ما ذكرنا، وكذلك أيها الأخوة إثارة العواطف وتحريكها بالصورة يكون أجمل من التقرير، فأن يكون حبيب وقريب بين محبين في مقام واحد أرفع في النفس من أن يكونوا مفرقين كما في هذه الصورة المروية عنه (ص) حين يقول: "إذا كان يوم القيامة ضرب لي عن يمين العرش قبة من ياقوتة حمراء وضرب لإبراهيم (ع) من الجانب الآخر قبة من درة بيضاء وبينهما زبرجدة خضراء لعلي بن أبي طالب (ع) فما ظنكم بحبيب بين خليلين".
وكما تلاحظون –مستمعينا الأفاضل- فإن قوله –صلى الله عليه وآله- "فما ظنكم بحبيب بين خليلين"، مفعم بعاطفة مودة جياشة تصدر من قلب النبي الخاتم وتظهر على ألفاظ كلامه وهو يتحدث عن وصيه المرتضى (ع) فتنتقل محبته له إلى قلوب المخاطبين على مر الأجيال.
وأخيراً نشير مستمعينا الأفاضل إلى صدق العاطفة ونقائها في قلب سيد الرسل –صلى الله عليه وآله- ينعكس بدوره على كلامه ويشكل بالتالي أحد أسرار شدة تأثيره في النفوس والقلوب.
وبهذه الملاحظة ننهي أعزائنا لقاء اليوم من برنامج تأملات في أدب المصطفى –صلى الله عليه وآله- استمعتم له من إذاعة طهران صوت الجمهورية الإسلامية في ايران، شكراً لكم ودمتم في رعاية الله.

شاركوا هذا الخبر مع أصدقائكم

جميع الحقوق محفوظة