البث المباشر

صدق القلب واللسان في الكلام النبوي

الإثنين 13 مايو 2019 - 13:41 بتوقيت طهران

بسم الله الرحمن الرحيم.. السلام عليكم أحباءنا ورحمة الله، أهلاً بكم في لقاءٍ جديد مع أدب سيد الفصحاء والبلغاء خاتم الأنبياء المصطفى- صلى الله عليه وآله- في هذا اللقاء نتناول إشارات محمّدية دقيقة في النقد الأدبي ومميّزات للأدب المؤثر تجلّت في كلامه الحكيم- صلى الله عليه وآله، تابعونا مشكورين
ان الحكم المتوفّرة في الشعر أخذت قوّتها ومازالت في موازين النقد الأدبي، وأوّل من أكّد وضع هذا المعيار هو نبيّنا محمد (صلى الله عليه وآله وسلّم) فقال: "إن من الشعر لحكمة ".
ومع كل المسؤوليات والمتاعب التي واجهته (صلى الله عليه وآله وسلّم) فقد كان له نظر نقدي أباح به، ومن هذه النظرات النقدية نظرية الجمال في الأدب، فجعل (صلى الله عليه وآله وسلم ) المعيار الجمالي للنشر والشعر واحداً في قوله "حسن الشعر كحسن الكلام وقبيحه كقبيح الكلام ".
ولم يهمل النبي الكريم الإشارة لجماليات الفن والأدب في موضع الإقتضاء والضرورة.
ونجد في الحوارالذي جرى بين الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم) والعلاء بن الحضرمي الكشف والإنارة التي ننتظرها من الناقد.
تقول الرواية: ان العلاء قال للنبي (صلى الله عليه وآله وسلم): إنّ لي أهل بيت أحسن اليهم فيسيئون وأصلهم فيقطعون، فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): "إدفع بالّتي هي أحسن فإذا الّذي بينك وبينه عداوةٌ كأنّه وليٌّ حميم " فقال العلاء: إنّي قلت شعراً هو أحسن من هذا؟ قال: وما قلت؟ فأنشده شعره، فقال النبي: "ان من الشعر لحكماً، وإن من البيان لسحراً، وإن شعرك لحسن، وإن كتاب الله أحسن".
وفي رواية كان الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) في سفرٍ فنادى أين حسّان بن ثابت؟ فقال حسّان: لبيك يا رسول الله وسعديك، قال: إحد فجعل حسّان ينشد ويصغي اليه النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ويستمع حتى فرغ من نشيده فقال النبي: "لهذا أشدّ عليهم من وقع النبل".
مستمعينا الأفاضل، ونتلمس في كثير من كلمات الرسول الأكرم - صلى الله عليه وآله – مصاديق جليّة لنظرية الإلتزام الذاتي في الفن والأدب، فالمواهب الممنوحة للفنانين والأدباء خاضعة للقوانين الإسلامية العامة، فالمشاركة الوجدانية والعاطفية هي مبادئ اخلاقية وإنسانية، فأنين الفقراء والمظلومين ينبغي أن تكون من ابداعات الفنان وموضوع الأدب، ورضا الباري جل وعلا غاية الأدب والفنان، والصدق والأمانة هي المسؤولية الملقاة على عاتق الفنان والأديب. يقول الله تعالى: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً"(سورة الأحزاب ۷۰) ويقول عزمن قائل "وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ"(سورة الحج ۳۰)... ان الصدق من أبرز معالم الدين الاسلامي الحنيف وأهمها، والصدق الذي ينبغي أن يتحلّى به الإنسان صدقان، صدق اللسان وصدق الضمير، فلا يكفي أن يكون الانسان صادقاً في لسانه وكاذباً في ضميره لاحظوا أعزاءنا الإشارة النبوية لذلك في الرواية التالية إذ يروى أنه دخل ابوسفيان على النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) يوماً فقال: يا رسول الله أريد أن أسألك عن شيء، فقال (صلى الله عليه وآله وسلم): "إن شئت أخبرتك قبل أن تسألني. قال: إفعل، قال: أردت أن تسأل عن مبلغ عمري"، فقال نعم يا رسول الله. فقال: "اني أعيش ثلاثاً وستين..." فقال، أشهد أنك صادق، فقال (صلى الله عليه وآله وسلم): "شهدت بلسانك دون قلبك". وهذا هو المبدأ الديني الذي جاء به الاسلام وأرسى دعائمه الرسول محمد (صلى الله عليه وآله وسلم)، هو أن يكون الانسان صادقاً مع الله ومع نفسه ومع أمتّه، وهذا الصدق ينبغي أن يكون في اللسان والضمير معاً، والمبدأ المتقدم أيها الأخوة والأخوات، لاحظه في الكلام النبوي حتى الأعداء وشهدوا به لرسول الله _صلى الله عليه وآله_ أيها الكرام، ان النبي (صلى الله عليه وآله) لمّا أنزل عليه "حم تنزيل الكتاب" قام الى المسجد والوليد بن المغيرة قريب منه يسمع قراءته، فلما فطن النبي لاستماعه لقرائته أعاد قراءة الآية، فانطلق الوليد حتّى أتى مجلس قومه بني مخزوم فقال: والله لقد سمعت من محمد آنفاً كلاماً ما هو من كلام الإنس ولامن كلام الجن وان له لحلاوة، وان عليه لطلاوة وان اعلاه لمثمر وان أسفله لمعذق، وانه ليعلو وما يعلى. ثم انصرف الى منزله فانطلق ابوجهل فقعد الى جنب الوليد حزيناً، فقال له: ما لي أراك حزيناً يا ابن أخي؟ قال هذه قريش يعيبونك على كبر سنّك ويزعمون انّك زيّنت كلام محمد، فقام مع أبي جهل حتى أتى مجلس قومه، فقال: تزعمون أن محمداً مجنون؟ فهل رأيتموه يخنق قطاً ؟ قالوا: اللهم لا، قال: تزعمون أنه شاعر؟ فهل رأيتموه أنه ينطق بشعر قطّ؟ قالوا: اللهم لا، قال: تزعمون أنه كذّاب فهل جرّبتم عليه شيئاً من الكذب ؟ قالوا: اللهم لا، وكان يسمى الصادق الأمين قبل النبوة من صدقه، قالت قريش للوليد: فما هو؟ فتفكّر في نفسه ثم نظر و عبس فقال: ما هو الاّ ساحر، أما رأيتموه يفرّق بين الرجل وأهله وولده ومواليه فهو ساحر، وما يقوله سحر يؤثر.
أيها الأخوة والأخوات، والنتيجة التي نخلص إليها هنا مستمعينا الأكارم هي أن المستفاد من أدب سيد الفصحاء الصادق الأمين- صلى الله عليه وآله – أن الكلام يكون مؤثراً إذا اقترن الصدق اللساني لقائله بالإعتقاد القلبي بصحة ما يقول وهذا من أهم ما ميّز الكلام النبوي.
وبهذا ينتهي اعزاءنا مستمعي إذاعة طهران صوت الجمهورية الاسلامية في ايران لقاء اليوم من برنامجكم «تأملات في ادب المصطفى» (صلى الله عليه واله وسلم ) شكراً لكم ودمتم في رعاية الله.

شاركوا هذا الخبر مع أصدقائكم

جميع الحقوق محفوظة