البث المباشر

بيان معنى النور الالهي الذي انتجب الله الائمة (عليهم السلام) له خبير البرنامج يبين منهج أهل البيت (عليهم السلام) في المناظرة

الأربعاء 17 إبريل 2019 - 11:04 بتوقيت طهران

الحلقة 56

نحن الآن مع الزيارة الجامعة للأئمة عليهم السلام وهي ما يطلق عليها اسم (الجامعة الكبيرة) تمييزاً لها عن سائر الزيارات من حيث الحجم، والدلالة والبلاغة وقد حدثناك ـ في لقاءات سابقة ـ عن مقاطعها متسلسلة وانتهينا من ذلك الى مقطع يصفهم بهذا النحو (اجتباكم بقدرته، واعزكم بهداه، وخصكم ببرهانه، وانتجبكم لنوره...الخ)، ولقد حدثناك عن عبارة (اجتباكم بقدرته)وعبارة (اعزكم بهداه) ... حدثناك عن ذلك في لقاءات سابقة، ونحدثك الآن عن عبارة (وخصكم ببرهانه)، وهذا ما نبدأ به ...
البرهان هنا يعني القاء الشيء بنحو يقطع به دليل الخصم، وهذا يعني ان الله تعالى قد خص الائمة عليهم السلام بموقعية لا يتردد اثنان في مشروعية الموقع المذكور، وهو الامامة او الخلافة، او الوصاية بعد رسول الله(ص)، وهذا ما يتجلى في ما نقله المؤرخون والرواة من مناظراتهم (عليهم السلام) فقد جسدت مبدأ الجدال بالتي هي احسن باسمى صوره، كما يبينه لنا خبير البرنامج سماحة الشيخ حسان سويدان في الاتصال الهاتفي التالي، نستمع معاً:
المحاور: سماحة الشيخ ما هي ابرز معالم منهج اهل البيت او الجدال بالتي هي احسن في مناظراتهم عليهم السلام؟
الشيخ حسان سويدان: بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين وصلى الله على سيدنا ونبينا محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين، لا شك ان اهل البيت عليهم السلام وهم ربيبو الوحي فان منطلقهم اولاً وآخراً هو وحي الله سبحانه وتعالى فهم عاملون بقوله تعالى: «ادع الى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة، وجادلهم بالتي هي احسن ان ربك هو اعلم بمن ضل عن سبيله وهو اعلم بالمهتدين»، اذاً فالمنطلق الاساسي في كلامهم صلوات الله عليهم اجمعين هو هذه الدعوة الالهية الى نبيه الاعظم(ص) والى كل من اراد ان ينتهج نهجه(ص) وهم اهل البيت واولى بما فيه، وعلى هذا الاساس فاننا وجدناهم صلوات الله عليهم يجادلون الناس بالتي هي احسن يواجهون كل انسان مهما كانت عقيدته بالاسلوب الحسن وبالدفع بالتي هي احسن على قاعدة قوله تعالى: «ادفع بالتي هي احسن فاذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم» الكلام في هذا يطول لان ائمتنا صلوات الله وسلامه عليهم كثيراً ما واجهوا حركات الانحراف سواء على المستوى الفكري او على المستوى العملي آتي في هذه العجالة بشاهد يرويه علامة من علماء العامة وهو المبرد في كتاب الكامل وهو من ائمة الادب عند اهل السنة يروي ان شامياً من اهل الشام رأى الامام الحسن عليه السلام راكباً فجعل يلعنه والامام الحسن لا يرد فلما فرغ اقبل الامام الحسن عليه السلام فسلم عليه وضحك يا ايها الشيخ اظنك غريباً ولعلك شبهت الامام خير من يعرف الناس وانساب الناس، الا انه لا يريد ان يقول لهذا الشيخ انك تقصدني انظر الى الادب الرفيع عند الامام كيف يبدأ معه اظنك شبهت انت تقصد شخص آخر لك عنده غرامة او لك معه عداوة ثم يبدأ الامام مباشرة (لو استعتبتنا اعتبناك ان كان لك عتب علينا نحن حاضرون ولو سألتنا اعطيناك اذا كان لك حاجة نقضيها لو استرشدتنا ارشدناك ولو استحملتنا احملناك وان كنت جائعاً اشبعناك وان كنت عرياناً كسوناك وان كنت محتاجاً اغنيناك وان كنت طريداً آويناك وان كان لك حاجة قضيناها لك)، تهيأ هذا الرجل وتهيب من هذا الخلق العظيم فوجد الامام ان الوقت صار مناسباً ليبدأ معه حركة جديدة فقال له الامام عليه السلام فلو حركت رحلك الينا وكنت ضيفنا الى وقت ارتحالك كان اعود عليك اكثر نفعاً لك لان لنا موضعاً رحباً وجاهاً عريضاً ومالاً كثيراً. هذا الخلق العظيم امام من يشتم فكيف وهو وقف موقف العداء فكيف بمن جاء يحاور ويجادل ويدّعي انه من اهل الفكر لابي العوجاء او ابن المقفع اجد الائمة عليهم افضل الصلاة والسلام يواجهونهم بشكل لطيف وحسن جداً قضية المفضل بن عمر رضوان الله تعالى عليه والذي هو صاحب اشتهر اسمه بالكتاب الذي املاه عليه الامام الصادق توحيد المفضل سببه في المبدأ ان ابن ابو العوجاء زنديقاً دهرياً وحصلت بينه وبينه مشاجرة فكان جواب ذلك الرجل على زندقته وعلى اعوجاجه اسماً ومسماً تجد ان جوابه كان للمفضل بانه ما هكذا كان يواجهنا جعفر بن محمد عليهم السلام اذا عدنا الى قضية الشامي والقضية طويلة لا يسعها المجال نقول بان الرجل استضافه الحسن دخل اليه هو وابوه وامه ابغض الناس اليه وخرج من عنده عليه السلام مهتدياً وعلياً والحسن والزهراء عليهم السلام احب الناس الي هذا الخلق العظيم هذا الخلق الحسن.

*******

نتابع احباءنا تقديم هذه الحلقة من برنامج امناء الرحمان ونتناول الآن العبارة التالية وهي (انتجبكم لنوره) والموضوع فيها بحاجة الى القاء مزيد من الاضاءة عليه ... فماذا تعني العبارة؟
ان الانتجاب هو انتجاب ما هو نفيس بالقياس الى سواه، والنفيس هو ما يبلغ درجته العالية بالقياس الى الدرجات العادية لسواه ... والسؤال الآن هو: ملاحظة مصطلح "النور" حيث قال النص "وانتجبكم لنوره" فماذا تعني كلمة "النور"؟
من الحقائق التي تنبغي ملاحظتها ان "النور" في اللغة الشرعية طالما يستخدم بمثابة "رمز" والرمز كما هو معروف في اللغة الفنية ـ التعبير اللامحدود بعبارة محدودة، او الاشارة الى دلالات غير محدودة من خلال الكلمة المتقدمة... ولعل القرآن الكريم هو النص الشرعي الذي يستخدم عبارة "النور" في مواقع متنوعة من القرآن الكريم مثل قوله تعالى: «الله نور السموات والارض ...»ومثل قوله تعالى «يخرجكم من الظلمات الى النور» ... وهكذا.
ولعلك تتساءل الان ما هي الدلالات غير المحدودة لرمز "النور"؟ والجواب هو: ان "النور" يتداعى بالذهن الى عشرات بل مئات الدلالت الايجابية بدءاً من المفهومات العامة مثل الايمان، الاسلام، الهدى، الخير ...الخ، وانتهاء بمصاديق متنوعة لما هو ايجابي، مثل الرحمة الشفقة الحنان، الحب، الصدق، الامانة، وهذا يعني ان الذهن بمقدوره ان يستخص مئات الدلالات المتضمنة لما هو خير ...
واذا عدنا الى العبارة القائلة عن الائمة عليهم السلام بان الله تعالى قد انتجبهم لنوره، حينئذ بمقدورنا ان نستخلص دلالات متنوعة، تأتي في مقدمتها عبارة "الانتجاب" التي تعني ـ كما قلنا- النفيس من الاشياء وهو امر يعني ان الله تعالى قد انتجب انفس الشخصيات ليجسدوا السمات او المبادئ التي رسمها الله لعباده حتى يلتزموا بها في غمرة سلوكهم العبادي الذي خلق الله تعالى البشرية من اجل ممارسته.
اذن عندما ينتجب تعالى الائمة عليهم السلام لنوره فهذا يعني ان اغلى الشخصيات المجسدة لما يريده تعالى من المبادئ تتمثل في الائمة عليهم السلام ... وما دام الله تعالى هو نور السماوات والارض، فان الشخصيات التي تستطيع ان تعرف النور المذكور من جانبه وكذلك تستطيع ان تجسد مبادئ النور، أي الايمان في ارفع مراحله: ذلك جميعاً بمقدور الائمة عليهم السلام ان يضطلعوا بالتعريف به من جانب وبالايمان به من جانب ثان، وتوصيله الى الاخرين من جانب ثالث.
اذن للمرة الجديدة يتعين علينا ان ندقق النظر جيداً في دلالة ما يعنيه الرمز "انتجبكم لنوره" والأهم من ذلك هو ان نعتبر ـ نحن القراء ـ او الذين نوفق الى زيارة الائمة عليهم السلام بهذه الزيارة ان نعتبر بمضموناتها ومنها: رمز "النور" الذي يعني في احد مصاديقه المبادئ التي رسمها الله تعالى للبشرية وطلب منا ان نلتزم بها، ومن ثم احد مصاديقه المتمثلة في شخوص الائمة عليهم السلام المجسدين لمبادئ الله تعالى انه ولي التوفيق.

*******

شاركوا هذا الخبر مع أصدقائكم

ذات صلة

المزيد
جميع الحقوق محفوظة