البث المباشر

مكائد اليهود لقتل المسيح

الأحد 17 مارس 2019 - 15:59 بتوقيت طهران

إذاعة طهران- القصص الحق: الحلقة 68

بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على رسوله وحبيبه رحمةً للعالمين محمدٍ واله الطيبين الطاهرين. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته واهلاً بكم الى برنامج القصص الحق. نحمد الله تعالى ان رزقنا اللقاء بكم وهو يجمعنا واياكم حول نوره المبين وحبله الممدود من السماء الى الارض لنستنير معاً بهدي القصص القرآنية. اما في هذه الحلقة فسنستمر في الحديث عن حياة نبي الله عيسى (عليه السلام) ومشاهدها التي تحدّثت عنها الآيات ٥۲ حتى ٥٤ من سورة ال عمران وهي تتناول حكايته (عليه السلام) عندما طلب الحواريون منه إنزال المائدة من السماء. رافقونا مستمعينا الكرام في هذا البرنامج واليكم استعراضاً لمحطاته.

بداية نقدم لكم تلاوةً مرّتلةً لهذه الآيات المباركة، ثم نتعرّف على معاني المفردات والعبارات القرآنية التي وردت في هذا القسم من الحكاية. نستمع معاً الى اجابة ضيف هذا اللقاء عن سؤالٍ بشأن هذه الحكاية لننتقل بعد ذلك الى محطة القصة ونتابع تفاصيلها، ثم نغترف من معين علوم اهل البيت عليهم السلام في فقرة من هدي اهل البيت (عليهم السلام) وروايةٍ عن الامام أبي الحسن الرضا (عليه السلام)، واخيراً مع باقةٍ من الدروس والعبر المستقاة من القصة القرآنية، فأهلا بكم الى هذا البرنامج.

 

المقدمة

مستمعينا الكرام كان اليهود ينتظرون مجيء المسيح (عليه السلام) بموجب ما بشّرهم به موسى (عليه السلام) وذلك قبل أن يولد، ولكنّه عندما ظهر، وتعرّضت مصالح جمعٍ من الظالمين والمنحرفين من بني إسرائيل للخطر، لم يبق معه إلاّ نفرٌ قليل، بينما تركه الذين احتملوا أن يؤدي قبولهم دعوة المسيح والتقيّد بالقوانين الإلهية إلى ضياع مصالحهم. تعالوا معنا ننصت خاشعين الى تلاوة الايات التالية من سورة آل عمران:

 

التلاوة

"فَلَمَّا أَحَسَّ عِيسَى مِنْهُمُ الْكُفْرَ قَالَ مَنْ أَنصَارِي إِلَى اللّهِ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنصَارُ اللّهِ آمَنَّا بِاللّهِ وَاشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ{٥۲} رَبَّنَا آمَنَّا بِمَا أَنزَلْتَ وَاتَّبَعْنَا الرَّسُولَ فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ{٥۳} وَمَكَرُواْ وَمَكَرَ اللّهُ وَاللّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ{٥٤} إِذْ قَالَ اللّهُ يَا عِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ وَجَاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُواْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأَحْكُمُ بَيْنَكُمْ فِيمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ{٥٥}"

 

المفردات

ايها الاخوة والاخوات بعد أن أعلن عيسى (عليه السلام) دعوته وأثبتها بالأدلّة الكافية، أدرك أنّ جمعاً من بني إسرائيل يصرّون على المعارضة والعصيان ولا يتركون المعاندة والانحراف فبشأنهم يقول القرآن الكريم: "فَلَمَّا أَحَسَّ عِيسَى مِنْهُمُ الْكُفْرَ قَالَ مَنْ أَنصَارِي إِلَى اللّهِ" التعبير بـ (أحسّ) مع أن الكفر أمرٌ باطنيٌ لا يدرك بالحواس قد يكون معناه أنّ إصرارهم على الكفر بلغ مرتبةً من الشدّة وكأنّه أصبح محسوساً. اذن تشير الآية الى انه استجاب لنداء السيد المسيح (عليه السلام) نفرٌ قليل، سمّاهم القرآن بـ (الحواريّين)، الذين لبّوا نداء المسيح (عليه السلام) ولم يبخلوا بشيءٍ في سبيل نشر أهدافه المقدّسة.

اما مفردة الـ (حواريّون) فهي جمع حوري من مادة (حور) بمعنى الغسل والتبييض، وقد تطلق على الشيء الأبيض، لذلك يطلق العرب على الطعام الأبيض (الحواري). و(حور) جمع حوراء وهي بيضاء البشرة. اذن أعلن الحواريون استعدادهم لتقديم كلّ عون للمسيح (عليه السلام) فيحكي القرآن عن حالهم هكذا: "قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنصَارُ اللّهِ آمَنَّا بِاللّهِ وَاشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ". لعلّهم قد شمّوا منذ ذلك اليوم رائحة الانحراف في المستقبل وأنّ هناك من سيدّعي الوهيّة عيسى من بعده، فسعوا ألا يكون في كلامهم ما يمكن أن يتذرّعوا به، هذا ونلاحظ أنّ الحواريين عبّروا في كلامهم عن كونهم مسلمين، وهذا يدلّ على أن الإسلام هو دين جميع الأنبياء (عليهم السلام). وهنا ميّز المسيح (عليه السلام) أتباعه المخلصين من الأعداء والمنافقين كيما يضع لدعوته برنامجاً دقيقاً وخطةً مدروسةً كما صنع نبي الإسلام (صلى الله عليه وآله) ذلك في بيعة العقبة. وبعد أن قبل الحواريّون دعوة المسيح (عليه السلام) إلى التعاون معه واتخاذه شاهداً عليهم في إيمانهم، أتّجهوا إلى الله يعرضون عليه إيمانهم قائلين: "رَبَّنَا آمَنَّا بِمَا أَنزَلْتَ". ولكن لمّا كانت دعوى الإيمان لا تكفي وحدها، فقد اتبعوا ذلك بقيامهم بتنفيذ أوامر الله واتّباع رسوله المسيح (عليه السلام)، وقالوا مؤكدين: "وَاتَّبَعْنَا الرَّسُولَ".

بعد ذلك طلبوا من الله قائلين: "فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ" والشاهدون هم اولئك الذين لهم صفة قيادة الأمم، ويوم القيامة يشهدون على أعمال الناس الحسنة والسيّئة. وبعد أن انتهى الحواريّون من شرح إيمانهم، أشاروا إلى خطط اليهود الشيطانية، وقالوا: إنّ هؤلاء لكي يقضوا على المسيح (عليه السلام)، وعلى دعوته، وصدّوا انتشار دينه، وضعوا الخطط الماكرة، إلاّ أنّ ما رسمه الله من مكر فاق مكرهم وكان أشدّ تأثيراً "وَمَكَرُواْ وَمَكَرَ اللّهُ وَاللّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ".

في القرآن آياتٌ مشابهةٌ لهذه ينسب فيها المكر إلى الله، كلمة (المكر) بالمصطلح المعاصر تختلف كثيراً عن معناها اللغوي، فالمكر بالمعنى المعاصر هو وضع الخطط الشيطانية الضارّة، ولكنّ معناها بلغة العرب هو البحث عن العلاج لأمر ما، وقد يكون حسناً أو سيّئاً. في كتاب (المفردات) للراغب نقرأ: المكر: صرف الغير عمّا يقصد خيراً كان أم شرّاً، وعليه يكون المقصود من الآية هو أنّ أعداء المسيح وضعوا الخطط الشيطانية للوقوف بوجه هذه الدعوة الإلهية، ولكن الله لكي يحفظ حياة نبيّه ويصون الدعوة مكر أيضاً فأحبط كلّ ما مكروه.

 

*******

زين العابدين: بسم الله الرحمن الرحيم

طبعاً الآية المباركة، الآية الثانية والخمسون من سورة آل عمران "فَلَمَّا أَحَسَّ عِيسَى مِنْهُمُ الْكُفْرَ" بحسب السياق الذين احس منهم عيسى المسيح عليه السلام هم بنو اسرائيل لأن الآيات تتحدث عن البشارة "وَرَسُولاً إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنِّي قَدْ جِئْتُكُم بِآيَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ أَنِّي أَخْلُقُ لَكُم مِّنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ" الى قوله تعالى بعد ذلك "فَلَمَّا أَحَسَّ عِيسَى مِنْهُمُ الْكُفْرَ" التعبير طبعاً عن بني اسرائيل وتعرفون هؤلاء القوم الذين وقفوا ضد عيسى عليه السلام وتآمروا عليه ووصل الامر الى ان يقتلوه، ان يقتلوا عيسى عليه السلام ولهذا مكر هو مكر القتل يعني مؤامرة القتل ولهذا يعني العهد الجديد يعني الاناجيل تطلق تعابير عجيبة على اليهود بأنهم الافاعي والحيات، مختلف الاسماء على اليهود لأنهم يؤمنون، المسيح والنصارى يؤمنون بأن الذي قتل عيسى عليه السلام هم اليهود وان كان القرآن الكريم يقول يعني "وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَـكِن شُبِّهَ لَهُمْ" اذن "أَحَسَّ عِيسَى مِنْهُمُ الْكُفْرَ" يعني كانت الامور واضحة جداً من خلال التآمر والكفر والكيد والمكر، تيقن عيسى، احس يعني توضح الامر الى درجة الرؤية او الإحساس "أَحَسَّ عِيسَى مِنْهُمُ الْكُفْرَ" الكفر يعني الذي يعرف ويحرف الاشياء، يعني هم يعرفون ان هذا الرجل هو على حق، عيسى عليه السلام وهو نبي وجاءهم بمختلف الآيات لأثبات نبوته ولكن كما طبيعة اليهود الاصرار على العناد، عاندوا وحينما ظهرت وبانت بوضوح بوادر ومظاهر او امارات الكفر قال عليه السلام "مَنْ أَنصَارِي إِلَى اللّهِ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنصَارُ اللّهِ" فأذن يعني هناك امور كثيرة ظهرت من اشاعات ودعايات ومواقف ضد المسيح عليه السلام، ضد مريم كذلك، القرآن يعبر في سورة النساء "َبِمَا نَقْضِهِم مِّيثَاقَهُمْ وَكُفْرِهِم بَآيَاتِ اللّهِ وَقَتْلِهِمُ الأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقًّ وَقَوْلِهِمْ قُلُوبُنَا غُلْفٌ بَلْ طَبَعَ اللّهُ عَلَيْهَا بِكُفْرِهِمْ فَلاَ يُؤْمِنُونَ إِلاَّ قَلِيلاً{۱٥٥} وَبِكُفْرِهِمْ وَقَوْلِهِمْ عَلَى مَرْيَمَ بُهْتَاناً عَظِيماً{۱٥٦} وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ" يعني اليهود يفتخرون بأنهم قتلوا عيسى بن مريم، يفتخرون، "وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللّهِ" رسول الله من الاستهزاء يعني هذه الكلمة "وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَـكِن شُبِّهَ لَهُمْ" اذن هذا الاحساس من عيسى عليه السلام جراء التآمر المستمر عليه من قبل اليهود حتى وصل الامر الى المكر بقتله وسفك دمه عليه السلام، فتعبير جميل جداً ورائع "فَلَمَّا أَحَسَّ عِيسَى مِنْهُمُ الْكُفْرَ" يعني تيقن وظهر هذا الكفر ظهوراً بائناً واضحاً لا لبس فيه ولا شبهة عليه هنا "قال عيسى عليه السلام من انصار الى الله قال الحواريون" هؤلاء الخاصة الصفوة "نحن انصار الله آمنا بالله واشهد بأنا مسلمون" فتعبير جميل يعني تعبير الاحساس بالكفر لأن الكفر ظهر من هؤلاء القوم جراء مكرهم وكيدهم وتآمرهم واشاعتهم اراجيفهم على عيسى عليه السلام وعلى امه من قبل ظهر لعيسى ظهوراً يعني اعطاهم الفرصة كأنه الاخيرة، كان عيسى يعاملهم معاملة حسنة عسى ولعل يعودوا عن غيهم ويؤمنوا به ويقتنعوا برسالته ولكن وصل الامر الى الطريق المسدود، هذا تعبير جميل "فَلَمَّا أَحَسَّ عِيسَى مِنْهُمُ الْكُفْرَ قَالَ مَنْ أَنصَارِي إِلَى اللّهِ".

اما بخصوص "وَمَكَرُواْ وَمَكَرَ اللّهُ وَاللّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ" هذا التعبير بالمكر بخصوص بني اسرائيل وقلنا ارادوا قتل عيسى عليه السلام غيلة واجمعوا على هذا القتل، هناك تفسيران لتفسير المكر "وَمَكَرُواْ وَمَكَرَ اللّهُ وَاللّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ" التفسير الاول هو التفسير الشائع بأن هذا من باب المشاكلة اللغوية البلاغية يعني الله لايمكر ولكن "وَمَكَرُواْ وَمَكَرَ اللّهُ" يعني كأنه من باب المشاكلة كما"فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُواْ عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ" وهذا وجه الاعتداء ليس اعتداءً أو "اللّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ" كذلك بخصوص الكيد "إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْداً* وَأَكِيدُ كَيْداً" التفسير الشائع انه الله لا يكيد وانما هو من باب المشاكلة البلاغية اللغوية لكن التفسير الاخر وهو ما يتبناه العلامة الطباطبائي ومن قبل الراغب الاصفهاني يقول المكر مكران، مكر محمود ومكر مذموم لأن المكر بحد ذاته ليس سيئاً لأن تعريف المكر هو صرف الغير عن قصده بحيلة، الكيد والمكر ممكن ان يكون الكيد مذموم وكيد ممدوح يعني عندما يكيد الاعداء بالحق طبعاً هذا كيد مذموم او مكر مذموم ولكن حينما يمكر المؤمنون اصحاب الحق، يمكر بالطغاة والظالمين كما نرى اليوم هذا المكر الالهي الرباني يعني هذا مكر محمود لأن المكر هو صرف الغير عن قصده بحيلة وهذا يؤيده "وَاللّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ" يعني غير معقول هنا من باب المشاكلة "وَاللّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ" يبدو التفسير الثاني وهو ان المكر هو مكر محمود ومكر مذموم كذلك "إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْداً* وَأَكِيدُ كَيْداً" هذا التعبير ليس من باب المشاكلة وانما الكيد نوعان، المكر نوعان، مكر للحق ومكر على الحق، المكر للحق هو مكر محمود وغير مذموم اما مكر الطغاة والظالمين والجائرين هو مكر مذموم.

 

*******

نجد في بعض النصوص الدينية انّ الله يصف نفسه بالمتكبّر والجبّار وغيرها من الصفات التي لا يحبّذ لبني البشر ان يتّصفوا بها. وعلى سبيل المثال نجد في آيات هذه الحلقة انّ الله يمكر كما انّ اعداء النبي عيسى عليه السلام يمكرون، فالسؤال هو عن إطلاق هذه الصفة على الباري عز وجل؟

كان بنو إسرائيل لكثرة لجاجهم وانحرافهم، أوجبوا شدة بعض الأحكام عليهم حتى إذا جاء عيسى المسيح (عليه السلام)، خفّفت الأحكام، وأنزلت الشرائع السّمحة، وكان ذلك لطبيعة البشر التي تتكامل مع مرور الزمن، وقد أنزلت على عيسى (عليه السلام) في (الإنجيل) المواعظ والأمثال والحدود ليس فيها قصاصٌ ولا أحكام حدود، ولا فرض مواريث. فأعلن المسيح (عليه السلام) للقوم انه قد جاء ليحلّ لهم بعض الذي حرّم عليهم. وقد أمر المسيح اتباعه باتّباع (التوراة) وما أنزل على النبيين من قبله كما أخبرهم بمجيء محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) وأخذ منهم الميثاق بأن يؤمنوا به.

بدأ المسيح (عليه السلام)، بأرسال رسله إلى مختلف البلاد وهم الذين سمّوا (بالحوارييّن) وكانوا في مرتبةٍ رفيعةٍ من السموّ الروحي، والرفعة النفسية وكانوا نخبةً من الأطهار، أرسلهم لهداية الناس إلى الدين، وتبشيرهم بالنبي المبعوث. انتشر خبر المسيح (عليه السلام) لاسيما وانه كان قد جاء بالمعاجز كشفاء المرضى واحياء الموتى وغير ذلك، فكان يتوجّه إليه من أطراف البلاد عددٌ كثيرٌ من المرضى الذين كانوا مصابين بأمراضٍ مزمنةٍ، أو نواقص خلقية. وهكذا أخذ المسيح (عليه السلام)، يغزو العقول والأفكار، بما يريهم من المعجزات والكرامات. وما يبديه من الأخلاق والفضائل، وما يخفّفه من الشرائع الموسوية المشدّدة، وما يعيشه من البساطة في المأكل والملبس وسائر الشؤون الشخصية. لكنّ هذا الامر ما كان ليروق للكفار والمشركين وعلى رأسهم احبار اليهود الذين وقفوا بشدةٍ امام السيد المسيح (عليه السلام). عند ذاك شعر النبي عيسى بضرورة اخذ البيعة من الناس فنادى بالناس قائلا: من أنصاري إلى الله. عند ذلك استجاب لنداء السيد المسيح انصاره فقاموا وقالوا بصوتٍ واحد: نحن أنصار الله آمنّا بالله. ثم طلبوا من نبيهم المسيح (عليه السلام) ان يشهد على شهادتهم بالإيمان فقالوا: اشهد بأنّا مسلمون.

واخيراً وبعد ان بايعوا نبيهم المسيح (عليهم السلام) توجّهوا الى الله تعالى ودعوا قائلين: "رَبَّنَا آمَنَّا بِمَا أَنزَلْتَ وَاتَّبَعْنَا الرَّسُولَ فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ". إثر ذلك اشتد النشاط المعادي لأحبار اليهود ضدّ النبي عيسى (عليه السلام) وانصاره فقاموا بممارسة المكر والحيل للتخلص من عيسى (عليه السلام). وبالتالي قتله الاّ ان الله تعالى اراد شيئاً آخر، اجل اراد الحياة لعيسى (عليه السلام) ومكروا ومكر الله والله خير الماكرين.

 

من هدى الائمة _عليه السلام_

عن الرضا (عليه السلام): أنه سئل لم سمّي الحواريون بالحواريين؟ قال: "أمّا عند الناس فإنهم سمّوا حواريين لأنّهم كانوا قصّارين يخلصون الثياب من الوسخ بالغسل، وأما عندنا فسمّي الحواريين لأنّهم كانوا مخلصين في أنفسهم ومخلّصين غيرهم من أوساخ الذنوب بالوعظ والتذكير".

 

دروس وعبر

يشير قوله تعالى: "فَلَمَّا أَحَسَّ عِيسَى مِنْهُمُ الْكُفْرَ" الى انّ معرفة افكار وعقائد الناس هي الشرط اللازم لقيادة موفقة وحكيمة. لم يقل الحواريون لعيسى (عليه السلام) نحن أنصارك، بل لكي يعربوا عن منتهى إيمانهم بالتوحيد وليؤكّدوا إخلاصهم، ولكيلا يشمّ من كلامهم أيّ رائحة للشرك، قالوا: نحن أنصار الله، ننصر دينه، ونريدك شاهداً على هذه الحقيقة. عندما يتغلغل الإيمان في روح الإنسان لابدّ أن ينعكس ذلك على عمله، فبدون العمل يكون ادعاؤه الإيمان تقوّلاً، لا إيماناً حقيقاً وهذا يشير اليه قول الحواريين آمنّا بما أنزلت واتّبعنا الرّسول.

وفي الختام نسأله تعالى ان يثبتنا على نهج القران الكريم والائمة عليهم السلام وان يجعلنا من المدافعين عن القيم الاسلامية فنقول اللهم "فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ".

شاركوا هذا الخبر مع أصدقائكم

جميع الحقوق محفوظة