البث المباشر

قصة نبي الله نوح (عليه السلام) ۳

الأحد 17 مارس 2019 - 09:25 بتوقيت طهران

الحلقة 43

بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا ان هدانا الله والصلاه والسلام على امين وحيه محمد المصطفى واله الهداه الابرار مستمعينا الكرام السلام عليكم ورحمه الله وبركاته واهلا بكم الى برنامج القصص الحق * ايها الاحبه في هذه الحلقة من البرنامج نواصل حديثنا عن حكاية نبى الله نوح (عليه السلام) التي ذكرت في الاية ۳٦ (السادسة والثلاثين) الى ۳۹ من سورة هود وهي تستعرض جانبا اخر من مواجهة نوح مع قومه. • * فتابعونا ايها الكرام ضمن الفقرات التالية • * بداية نتبرك بالانصات الى تلاوة هذه الايات • ثم نتعرف على معانى مفرداتها وعباراتها • نستمع الى اجابة الاستاذ عبد السلام زين العابدين بخصوص سؤال حول الشفاعة وعلم النبي بهذا الشان. • نستمع بعد ذلك الى هذا الجزء من الحكاية • نقدم لكم رواية عن الامام الباقر (عليه السلام) بشان الايات • ومسك الختام مع باقة من الدروس والعبر المستفادة من هذه الحكاية القرانية فاهلا ومرحبا بكم الى فقرات هذا اللقاء

*******

 

المقدمة


إنّ قصّة نوح عليه السلام الواردة في آيات سورة هود تمثل سلسلة من احداث مواجهة نوح (عليه السلام) في قبال المستكبرين، ففي الآيات التي تناولناها في الحلقة السابقة من البرنامج جرى الحديث عن دعوة نوح (عليه السلام) المستمرة والتي كانت في غاية الجدية، وبالاستعانة بجميع الوسائل المتاحة حيث استمرت سنوات طوالا آمنت به جماعة قليلة من حيث العدد وكثيرة من حيث الكيفية والاستقامة. وفي الآيات محل البحث إشارة إلى المرحلة الثّالثة من هذه المواجهة، وهي مرحلة انتهاء دورة التبليغ والتهيؤ للتصفية الإلهيّة......

*******

 

التلاوة


" وأُوحِيَ إِلى نُوح أَنَّهُ لَنْ يُؤْمِنَ مِنْ قَوْمِكَ إِلاّ مَنْ قَدْ آمَنَ فَلا تَبْتَئِسْ بِما كانُوا يَفْعَلُونَ ۳٦ واصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنا ووَحْيِنا ولا تُخاطِبْني فِي الَّذينَ ظَلَمُوا إِنَّهُمْ مُغْرَقُونَ ۳۷ ويَصْنَعُ الْفُلْكَ وكُلَّما مَرَّ عَلَيْهِ مَلاَ ٌ مِنْ قَوْمِهِ سَخِرُوا مِنْهُ قالَ إِنْ تَسْخَرُوا مِنّا فَإِنّا نَسْخَرُ مِنْكُمْ كَما تَسْخَرُونَ ۳۸ فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ مَنْ يَأْتيهِ عَذابٌ يُخْزيهِ ويَحِلُّ عَلَيْهِ عَذابٌ مُقيمٌ ۳۹ 

*******

 

المفردات


يقول القران الكريم: " وأُوحِيَ إِلى نُوح أَنَّهُ لَنْ يُؤْمِنَ مِنْ قَوْمِكَ إِلاّ مَنْ قَدْ آمَنَ"في الآية الاُولى نقرأ ما معناه: يا نوح، إنّك لن تجد من يستجيب لدعوتك ويؤمن بالله غير هؤلاء وهي إشارة إلى أنّ الصفوف قد أمتازت بشكل تام، والدعوة للإيمان والإصلاح غير مجدية، فلابدّ إذاً من الإستعداد للتصفية والتحول النهائي. وفي نهاية الآية تسلية لقلب نوح (عليه السلام) أن لا تحزن على قومك حين تجدهم يصنعون مثل هذه الأعمال "فَلا تَبْتَئِسْ بِما كانُوا يَفْعَلُونَ" وجاء الأمر لنوح أن "واصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنا ووَحْيِنا" إنّ المقصود من كلمة " أَعْيُنِنا" إشارة إلى أن جميع ما كنت تعمله يا نوح وتسعى بجد من أجله في هذا المجال هو في مرآى ومسمع منّا، فواصل عملك مطمئن البال. كما يستفاد من كلمة " وَحْيِنا" أيضاً أن صنع السفينة كان بتعليم الله، وينبغي أن يكون كذلك، لأنّ نوحا (عليه السلام) لم يكن بذاته يعرف مدى الطوفان الذي سيحدث في المستقبل ليصنع السفينة بما يتناسب معه، وإنّما هو وحي الله الذي يعينه في انتخاب أحسن الكيفيات. وفي نهاية الآية ينذر الله نوحاً أن لا يشفع في قومه الظالمين، لأنّهم محكوم عليهم بالعذاب وإن الغرق قد كتب عليهم حتماً "ولا تُخاطِبْني فِي الَّذينَ ظَلَمُوا إِنَّهُمْ مُغْرَقُونَ". هذه الجملة تبيّن بوضوح أنّ الشفاعة لا تتيسر لكل شخص، بل للشفاعة شروطها، فإذا لم تتوفر في أحد الاشخاص فلا يحق للنّبي أن يشفع له وان يطلب من الله العفو لأجله. أمّا عن قوم نوح فكان عليهم أن يفكروا بجد في دعوة النّبي نوح (عليه السلام) ويحتملوا على الأقل أن هذا الإصرار وهذه الدعوات المكررة كلها من " وحي الله" فتكون مسألة العذاب والطوفان حتمية!! إلاّ أنّهم واصلوا استهزاءهم وسخريتهم مرّة اُخرى وهي عادة الأفراد المستكبرين والمغرورين يقول الله تعالي: "وَيَصْنَعُ الْفُلْكَ وَكُلَّمَا مَرَّ عَلَيْهِ مَلأٌ مِّن قَوْمِهِ سَخِرُواْ مِنْهُ قَالَ إِن تَسْخَرُواْ مِنَّا فَإِنَّا نَسْخَرُ مِنكُمْ كَمَا تَسْخَرُونَ". " المَلأٌ " والأشراف المتكبرون يسخرون من المستضعفين في كل مكان، ويعدونهم أذلاء وحقراء لأنّهم لا قوّة لهم ولا ثروة!! بل حتى أفكارهم وإن كانت سامية، ومذهبهم وإن كان ثابتاً وراسخاً، وأعمالهم وإن كانت عظيمة وجليلة... كل ذلك في حساب " المَلأٌ " حقير تافه..! ولذلك لم ينفعهم الإنذار والنصيحة. فلابدّ أن تنهال أسواط العذاب الأليم على ظهورهم. يقال أنّ الملأ من قوم نوح والأشراف كانوا جماعات، وكل جماعة تختار نوعاً من السخرية والاستهزاء بنوح ليضحكوا ويفرحوا بذلك الاستهزاء. "فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ مَن يَأْتِيهِ عَذَابٌ يُخْزِيهِ وَيَحِلُّ عَلَيْهِ عَذَابٌ مُّقِيمٌ"إشارة إلى أنّه بالرغم من أنّ مضايقاتكم لنا مؤلمة، ولكننا نتحمل هذه الشدائد ونفتخر بذلك أوّلا، كما أنّ ذلك مهما يكن فهو زائل، أمّا عذابكم المخزي فهو باق ودائم ثانياً، وهذان الأمران معاً لا يقبلان القياس.

*******


زين العابدين: بسم الله الرحمن الرحيم، سؤال جميل دائماً يتطرق هذا السؤال ويطرح يعني لماذا نوح عليه السلام قال " رَبِّ إِنَّ ابُنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ وَأَنتَ أَحْكَمُ الْحَاكِمِينَ " طبعاً تأدباً لن يسأل النجاة يعني حينما نجمع " رَبِّ إِنَّ ابُنِي مِنْ أَهْلِي "مع جملة " وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ " تستلزم النتيجة ماذا؟ النجاة، لكنه لن يطلب النجاة مباشرة لأبنه تأدباً مع الله عزوجل لأن الله عزوجل قال له " قُلْنَا احْمِلْ فِيهَا مِن كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ إِلاَّ مَن سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ وَمَنْ آمَنَ وَمَا آمَنَ مَعَهُ إِلاَّ قَلِيلٌ " ، نوح عليه السلام كان يظن ان الاهل هنا يعني فقط الزوجة، الزوجة كانت كافرة، كانت ظالمة، جائرة، لم تدخل في دائرة اهلك، الناجين يعني " إِنَّ ابُنِي مِنْ أَهْلِي " ، " قال إِنَّ ابُنِي مِنْ أَهْلِي " يعني من اهلي الناجين الذين وعدت بنجاتهم وكان يظن ان ابنه لم يكن من اهله غير الناجين وانما من اهله الناجين لهذا هو لن يسأل عن زوجته، لماذا لم يسأل نوح عن نجاة زوجته؟ لأنه يعتقد وكان يتيقن من عدم نجاتها، كان يتيقن من عدم استحقاقها للشفاعة ولهذا لن يسأل عن زوجته وانما سأل عن ابنه لأن كلمة اهلك كانت غامضة يعني اهلك اي دائرة للاهل؟ طبعاً الابن من الاهل، الزوجة من الاهل، هو كان يؤمن بأن الاهل يعني الزوجة لم تكن تستحق الشفاعة فلم يسأل ولكن هو كان يشك او كان لايعرف بأن ابنه من الاهل غير الناجين ولهذا قال " إِنَّ ابُنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ " يعني وعده بنجاة اهله يعني اهله من الناجين ولهذا نوج عليه السلام لم يكن متيقناً من ان ابنه لم يكن يستحق الشفاعة ولهذا " لَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى " هؤلاء الاولياء والانبياء والاوصياء لايشفعون الا لمن ارتضى كما في سورة الانبياء في الاية ۲۸ يعني "الا لمن ارتضى لله دينه" وليس عمله لأن الانسان عمله قد يكون خاطئاً، يكون ظالماً، جائراً "ادخرت شفاعتي لأهل الكبائر من امتي" طبعاً الذين يتطلعون الى الشفاعة يوم القيامة هم اهل الكبائر ولهذا يسأل الامام ابن ابي عمير، يسأل الامام الكاظم عليه السلام " فقلت له يابن رسول الله كيف تكون الشفاعة لأهل الكبائر والله تعالى يقول ولايشفعون الا لمن ارتضى؟ " هل اهل الكبائر من الذين ارتضى الله عنه بحيث يستحقون الشفاعة كما كان ابن نوح، كان يظن ابنه وان كان مع الكافرين ولكن لم يظن انه من الكافرين وانما كان معهم ولهذا "ومن يرتكب الكبائر لايكون مرتضى به" هذا ابن ابي عمير يسأل الامام الكاظم فقال الامام عليه السلام " يا ابا احمد ما من مؤمن يرتكب ذنباً الا ساءه ذلك وندم عليه وقد قال النبي صلى الله عليه واله وسلم كفى بالندم توبة وقال عليه السلام من سرته حسنته وساءته سيئته فهو مؤمن ومن لم يندم على ذنب ارتكبه فليس بمؤمن ولم تجب له الشفاعة وكان ظالماً والله تعالى ذكره يقول ما للظالمين من حميم ولاشفيع يطاع فقلت( يعني ابن ابي عمير) يابن رسول الله وكيف لايكون مؤمناً من لم يندم على ذنب يرتكبه؟ فقال يا ابا احمد ما من احد يرتكب كبيرة من المعاصي وهو يعلم انه سيعاقب عليها الا ندم على ما ارتكب ومتى ندم كان تائباً مستحقاً للشفاعة، " لَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى " " فالمشكلة في نوح عليه السلام لم يكن يعلم او يتيقن ان ابنه من الاهل غير الناجين وانما كان يظن ان ابنه من الاهل الناجين " أَهْلِكَ " يعني اهلك الناجين ولهذا سأل " إِنَّ ابُنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ " ولهذا ذهب كل المفسرين الى ان نوح عليه السلام لم يكن يتيقن بأن ابنه من الذين لايستحقون الشفاعة ولهذا سأل وان كان لم يسأل مباشرة، سأل تأدباً " إِنَّ ابُنِي مِنْ أَهْلِي " هذه المقدمة الاولى والمقدمة الثانية " وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ "النتيجة ماذا؟ يعني يكون من الناجين ويكون من الذين لم يشملهم الغرق فعلمه الله عزوجل انه " لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ " " إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ " يعني ليس من اهلك الناجين الذين وعدك بنجاتهم وانما من اهلك غير الناجين الذين لايستحقون الشفاعة، انه ليس من اهلك، لماذا؟ " إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ " يعني هذا عمل غير صالح يعني مبالغة بفساد ابنه ولهذا نوح عليه السلام من الله عزوجل عرف ان ابنه ليس من الناجين وانما من المغرقين ولهذا وقف تأدباً امام الله عزوجل فأذن نوح عليه السلام، خلاصة الكلام نوح عليه السلام من الذين " لَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى " يعني لمن ارتضى الله دينه، يشفعون لأهل الكبائر ولهذا بالرواية الدقيقة جداً " الا لمن ارتضى الله دينه" يعني وليس عمله لأنه قد يكون الانسان دينه صحيح، اعتقاده صحيح ولكن عنده اهواء فيرتكب المحرمات، يرتكب الصغائر بل حتى يرتكب الكبائر، مادامت عقيدته سليمة وصحيحة، مادام يؤمن بالله عزوجل ويؤمن برسول الله ويؤمن بأهل بيته الخلفاء، انهم عدل القرآن الكريم، هذا مادام عقيدته سليمة فهذا حتى لو ارتكب اخطاء وحتى لو ارتكب كبائر قد تشمله الشفاعة ويدخل في الشفاعة

*******


كما اشرنا في الفقرة المتقدمة ان للشفاعة شروطها التي اذا ما توفرت لا يمكن للنبى ان يشفع للمذنبين في ظل قوله تعالى "وَ لا تُخاطِبْني فِي الَّذينَ ظَلَمُوا إِنَّهُمْ مُغْرَقُونَ" هناك امر مسبق بان لا يشفع نوح (عليه السلام) "فِي الَّذينَ ظَلَمُوا" حسب الاية هل من المنطقي ان النبي لا يعرف شروط الشفاعة وقد طلب فيما بعد النجاة لابنه في قوله "إِنَّ ابُنِي مِنْ أَهْلِي"؟ للاجابة عن هذا التساؤل نستمع الى ما تفضل به سماحة السيد عبدالسلام زين العابدين الاستاذفي العلوم القرانية.....

*******

 

القصة


أصدر الله تعالى حكمه على الكافرين بالطوفان فأمر الله تعالى عبده نوحا أن يصنع سفينة بعلم الله وتعليمه، وعلى مرأى منه وطبقا لتوجيهاته ومساعدة الملائكة.و هكذا جاء الوحى: "وَ اصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنا ووَحْيِنا ولا تُخاطِبْني فِي الَّذينَ ظَلَمُوا إِنَّهُمْ مُغْرَقُونَ" اجل أصدر الله تعالى أمره إلى نوح بان الله يُغرق الذين ظلموا مهما كانت أهميتهم أو قرابتهم للنبي، وينهى الله نبيه أن يخاطبه أو يتوسط لهم. بدأ نوح يغرس الشجر ويزرعه ليصنع منه السفينة. انتظر سنوات، ثم قطع ما زرعه، ثم بدأ (عليه السلام) يبني السفينة، ويمر عليه الكفار فيرونه منهمكا في صنع السفينة، والجفاف سائد، وليست هناك أنهار قريبة أو بحار. فكانوا يستهزؤن منه ويقولون له: كيف ستجري هذه السفينة إذن يا نوح؟ هل ستجري على الأرض؟ أين الماء الذي يمكن أن تسبح فيه سفينتك؟ لقد جن نوح، وترتفع ضحكات الكافرين وتزداد سخريتهم من نوح. وكانوا يسخرون منه قائلين: صرت نجارا بعد أن كنت نبيا الا ان نوحا (عليه السلام) كان يواصل عمله في صنع السفينة تحت الرعاية الالهية فكان الكفارمن جانبهم يواصلون الاستهزاء لنوح فمنهم من يقول: يا نوح، يبدو أن دعوى النبوة لم تنفع فصرت نجاراً آخر الأمر.... ومنهم من يقول: واهاً لهذه السفينة العظيمة، كان بإمكانك أن تصنع أصغر منها ليمكنك سحبها إلى البحر. كانوا يقولون مثل ذلك ويقهقهون عالياً، وكان هذا الموضوع مثار حديثهم وبحثهم في البيوت وأماكن عملهم، حيث يتحدثون عن نوح واصحابه فكانوا يقولون: تأملوا هذا الرجل العجوز كيف انتهى به الأمر، الآن ندرك أنّ الحق معنا حيث لم نؤمن بِكلامه، فهو لا يملك عقلا صحيحاً. ولكن نوحاً كان يواصل عمله بجدية فائقة وأناة واستقامة منقطعة النظير لأنّها وليدة الإيمان، وما كان يكترث بكلمات هؤلاء الذين رضوا عن أنفسهم وعميت قلوبهم، وإنّما يواصل عمله ليكمله بسرعة. ويوماً بعد يوم كان هيكل السفينة يتكامل ويتهيأ لذلك اليوم العظيم، وكان نوح (عليه السلام) أحياناً يرفع رأسه ويقول لقومه الذين يسخرون منه هذه الجملة القصيرة: " قَالَ إِن تَسْخَرُواْ مِنَّا فَإِنَّا نَسْخَرُ مِنكُمْ كَمَا تَسْخَرُونَ". انتهى نوح (عليه السلام) من صنع السفينة فأوحى الله إليه، " أَنَّهُ لَن يُؤْمِنَ مِن قَوْمِكَ إِلاَّ مَن قَدْ آمَنَ ". أوحى الله إليه ألا يحزن عليهم. ساعتها دعا نوح على الكافرين بالهلاك: "وَقَالَ نُوحٌ رَّبِّ لَا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا" ثم برر نوح دعوته بقوله: "إِنَّكَ إِن تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا عِبَادَكَ وَلَا يَلِدُوا إِلَّا فَاجِرًا كَفَّارًا"

*******

 

من هدي الائمة


عن أبي جعفر الباقر (عليه السلام) قال: كان شريعة نوح أن يعبد الله بالتوحيد والإخلاص وخلع الأنداد وهي الفطرة التي فطر الناس عليها وأخذ الله ميثاقه على نوح والنبيين أن يعبدوا الله تبارك وتعالى ولا يشركوا به شيئا وأمر بالصلاة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والحلال والحرام، ولم يفرض عليه أحكام حدود ولا فرائض مواريث فهذه شريعته. فلبث فيهم نوح ألف سنة إلا خمسين عاما يدعوهم سرا وعلانية فلما أبوا وعتوا قال: " رَبَّهُ أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانتَصِرْ" فأوحى الله عز وجل إليه: "لَن يُؤْمِنَ مِن قَوْمِكَ إِلاَّ مَن قَدْ آمَنَ فَلاَ تَبْتَئِسْ بِمَا كَانُواْ يَفْعَلُونَ ".

*******

 

دروس وعبر


* نستفيد من الآية "وَ أُوحِيَ إِلى نُوح أَنَّهُ لَنْ يُؤْمِنَ مِنْ قَوْمِكَ إِلاّ مَنْ قَدْ آمَنَ فَلا تَبْتَئِسْ بِما كانُوا يَفْعَلُونَ" نستفيد ضمناً أنّ الله يطلع نبيّه نوحاً على قسم من أسرار الغيب بمقدار ما ينبغي، كما نجد أنّ الله تعالى يخبره بأنّه لَنْ يؤمن بدعوته في المستقبل غير اُولئك الذين آمنوا به من قبل، وعلى كل حال لابدّ من انزال العقاب بهؤلاء العصاة اللجوجين ليطهر العالم من التلوّث بوجودهم، وليكون المؤمنون في منأى عن مخالبهم. * يقول الله تعالى "وَ اصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنا ووَحْيِنا" طبيعي أنّ هذا الإحساس بأنّ الله حاضر وناظر ومراقب ومحافظ يعطي الإنسان قوّة وطاقة، كما أنّه يحسّ بتحمل المسؤولية أكثر. * عندما يفتقد الاعداء للبرهان في مواجهة الانبياء يتشبثون بحربة الاستهزاء والسخرية "وكُلَّما مَرَّ عَلَيْهِ مَلاَ ٌ مِنْ قَوْمِهِ سَخِرُوا مِنْهُ". * نستفيد من الاية "ويَصْنَعُ الْفُلْكَ وكُلَّما مَرَّ عَلَيْهِ مَلاَ ٌ مِنْ قَوْمِهِ سَخِرُوا مِنْهُ" ان الانسان المؤمن بالله تعالى وبالمباديء والقيم السماوية لا تصده العواصف والتيارات المنحرفة من مواصلة مسيرته وتطبيق اوامر الله تعالى حتى لو استهزيء من قبل الاخرين.

*******

شاركوا هذا الخبر مع أصدقائكم

جميع الحقوق محفوظة