البث المباشر

قصة ذي القرنين -۱

السبت 16 مارس 2019 - 18:03 بتوقيت طهران

الحلقة 11

 

الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَل لَّهُ عِوَجًا.
والصلاة والسلام علي رسوله وحبيبه محمد وآله الطيبين الطاهرين.
اهلاً بكم الي برنامج القصص الحق يسعدنا ان نلتقي بكم في هذا الملتقي القرآني الذي نمضي عبره دقائق لنستنير بهدي القصص القرآنية؛ وفي هذا اللقاء سنتعرف علي حكاية «ذِي الْقَرْنَيْنِ» والتي تحدثت عنها الايات الثالثة والثمانون حتي الاية الثانية والتسعين (الآيات ۸۳-۹۲) من سورة الكهف.
بعد مقدمه عن الحكاية ننصت معاًَ الي تلاوة هذه الايات، ثم نقف عند معاني المفردات والعبارات القرآنية التي وردت في هذه الحكاية.
نستمع الي الحوار الذي اجري مع خبير هذا اللقاء سماحة السيد عبد السلام زين العابدين استاذ العلوم القرآنية، وننتقل بعد ذلك الي الحكاية نفسها. ونستمر في تقديم البرنامج بفقرة من هدي الائمة (عليهم السلام) ورواية عن الامام علي (عليه السلام)، لننهي البرنامج باستعراض الدروس العملية والنظرية المستفادة من قصة «ذِي الْقَرْنَيْنِ».

*******

قـُلنا في الحلقات الماضية إِنَّ مجموعة مِن قريش قرَّرت اختبار الرّسول الأكرم (صلى الله عليه وآله)، وقامت هذه المجموعة بالتنسيق مع اليهود واستشارتهم بطرح ثلاث قضايا هي: تأريخ الفتية مِن أصحاب الكهف والسؤال عن ماهية الروح، أمّا القضية الثّالثة فقد كانت حول «ذِي الْقَرْنَيْنِ» وفي القرآن، جاءَ الردّ على قضية الروح في سورة الإِسراء، أمّا الإِجابة عن السؤالين الآخرين فقد جاءت في سورة الكهف وفي هذه الحلقه نحنُ بصدد الحديث عن قصّة «ذِي الْقَرْنَيْنِ».
كما ذكرنا في اللقاءات الماضية أنَّ في القصص الثلاث هذه مضامين تنقلنا مِن حياتنا العادية إِلى أفق آخر، يكشف لنا أنَّ العالم في حقائقه وأسراره لا يُحَدُّ فيما ألفناه مِنهُ، وفيما يحيطنا مِنهُ، واعتدنا عليه لا سيما في قصة «ذِي الْقَرْنَيْنِ» اذ تدور حول شخصية أثارت اهتمامات الفلاسفة والباحثين منذ القدم. وقد بُذلت جهود ومساع كثيرة للتعرُّف على هذه الشخصية.

*******

من هدي الآيات

يقول تعالى: «وَيَسْأَلُونَكَ عَن ذِي الْقَرْنَيْنِ» فيكون الجواب على لسان الرّسول المصطفى (صلى الله عليه وآله وسلم): «قُلْ سَأَتْلُو عَلَيْكُم مِّنْهُ ذِكْرًا».
ولأنَّ «السين» في «سَأَتْلُو» تستخدم عادة للمستقبل القريب، والرّسول هنا يتحدَّث مُباشرة إِليهم عن «ذِي الْقَرْنَيْنِ»، فمن المحتمل أن يكون ذلك مِنهُ (صلى الله عليه وآله وسلم) احتراماً ومراعاة للأدب; الأدب الممزوج بالهدوء والتروي، الأدب الذي يعني استلهامه للعلم مِن الله تبارك وتعالى، ونقلهُ إِلى الناس يقول تعالى: «إِنَّا مَكَّنَّا لَهُ فِي الأَرْضِ». أي منحناه سُبل القوة والقدرة والحكمية.
قوله تعالي: «وَآتَيْنَاهُ مِن كُلِّ شَيْءٍ سَبَبًا»، أي اِنَّهُ مُنحَ كل الأسباب والسبُل المادية والمعنوية الكفيلة بتحقيق الأهداف المنشودة.
ثمّ يشير القرآن بعد ذلك إِلى استفادة «ذِي الْقَرْنَيْنِ» مِن هذه الأسباب والسبل فيقول: «فَأَتْبَعَ سَبَبًا».
قوله تعالى: «حَتَّى إِذَا بَلَغَ مَغْرِبَ الشَّمْسِ وَجَدَهَا تَغْرُبُ فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ وَوَجَدَ عِندَهَا قَوْمًا» بمعني فسار حتى إذا بلغ والمراد بمغرب الشمس، آخر المعمورة يومئذ من جانب الغرب بدليل قوله: «وَوَجَدَ عِندَهَا قَوْمًا». 
وذكروا أن المراد بالعين الحمئة العين ذات الحمأه وهي الطين الاسود، وأن المراد بالعين البحر فربما تطلق عليه، وأن المراد بوجدان الشمس تغرب في عين حمئة أنه وقف على ساحل بحر لا مطمع في وجود بر وراءه فرآى الشمس كأنها تغرب في البحر لمكان انطباق الافق عليه «ووجد عندها قوماً» أي مجموعة من الناس فيهم الصالح والطالح، هؤلاء القوم هم الذين خاطب الله ذا القرنين في شأنهم: «قُلْنَا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِمَّا أَن تُعَذِّبَ وَإِمَّا أَن تَتَّخِذَ فِيهِمْ حُسْنًا».
تحكي الآيات جواب «ذِي الْقَرْنَيْنِ» الذي قال: «قَالَ أَمَّا مَن ظَلَمَ فَسَوْفَ نُعَذِّبُهُ ثُمَّ يُرَدُّ إِلَى رَبِّهِ فَيُعَذِّبُهُ عَذَابًا نُّكْرًا». أي إِنَّ الظالمين سينالون العذاب الدنيوي والأخروي معاً.
«وَأَمَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُ جَزَاء الْحُسْنَى».
«وَسَنَقُولُ لَهُ مِنْ أَمْرِنَا يُسْرًا» أي أنّنا سنتعامل معهُ بالقول الحسن، وسنقول له قَوْلاً مَّيْسُورًا من أمرنا أي نكلفه بما يتيسر له ولا يشق عليه.
والظاهر أنَّ ذا القرنين أراد مِن ذلك أن الناس سينقسمون مقابل الدعوة الى التوحيد والإِيمان والنهي عن الظلم والفساد إِلى مجموعتين: 
الأُولى: هي المجموعة التي سترحب ببرنامجه الإِلهي ودعوته للتوحيد والإِيمان وهذه ستجزى بالحسنى وستعيش حياة آمنة ومطمئنة.
أمّا الثّانية: فستتخذ موقفاً عدائياً مِن دعوة «ذِي الْقَرْنَيْنِ» وتقف في الجبهة المناوئة، وتستمر في شركها.
وعندما إنتهى «ذو القرنين» مِن سفره إِلى الغرب توجه إِلى الشرق حيثُ يقول القرآن في ذلك: «ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَبًا»، أي استخدم الوسائل والإِمكانات التي كانت بحوزته.
حَتَّى إِذَا بَلَغَ مَطْلِعَ الشَّمْسِ وهنا رأى أنّها اي الشمس: «وَجَدَهَا تَطْلُعُ عَلَى قَوْمٍ لَّمْ نَجْعَل لَّهُم مِّن دُونِهَا سِتْرًا». وفي اللفظ كناية عن أنَّ حياة هؤلاء الناس بدائية جدّاً، ولا يملكون سوى القليل مِن الملابس التي لا تكفي لتغطية أبدانهم مِن الشمس.
أمّا بعض المفسّرين فلم يستبعدوا افتقار هؤلاء الناس إِلى المساكن التي تحميهم مِن الشمس وهناك احتمال آخر يطرحه البعض، ويرى أن يكون هؤلاء القوم في أرض صحراوية تفتقر للجبال والأشجار والملاجيء، وأن ليسَ في تلك الصحراء ما يمكن هؤلاء القوم مِن حماية أنفسهم مِن الشمس مِن غطاء أو غير ذلك بالطبع ليسَ هناك تعارض بين هذه التفاسير.
قوله تعالى: «كَذَلِكَ وَقَدْ أَحَطْنَا بِمَا لَدَيْهِ خُبْرًا». هكذا كانت أعمال «ذِي الْقَرْنَيْنِ» ونحن يعلم جيداً بإِمكاناته، بعض المفسّرين قال: إِنَّ هذه الآية تُشير إِلى الهداية الإِلهية لذِي الْقَرْنَيْنِ في برامجه ومساعيه.

*******

اسئلة الخبير

اذ نقف بازاء حكاية «ذِي الْقَرْنَيْنِ» التي جاءت في سورة الكهف المباركة، حان موعدنا لننتقل الي الزميل السيد مصطفى رجاء واللقاء القرآني الذي اجراه مع فضيلة الاستاذ السيد عبد السلام زين العابدين:
المحاور: في ضمن حديث حلقتنا لهذا اليوم استضيف فضيلة السيد عبد السلام زين العابدين خبير البرنامج واستاذ العلوم القرآنية، فضيلة السيد في قصة ذو القرنين نجد الايات تتحدث عن الامور التي تتعلق بذِي الْقَرْنَيْنِ وتسكت عن البعض الاخر كما تشير الى ذلك عبارة «قُلْ سَأَتْلُو عَلَيْكُم مِّنْهُ ذِكْرًا» مثلاً، ماذا تقولون؟
السيد عبد السلام زين العابدين: بسم الله الرحمن الرحيم يعني وردت الكثير من الروايات الاسرائيلية في شخصيته وفي سبب تسميته بهذا الاسم، يظهر ان شخصية «ذِي الْقَرْنَيْنِ» كانت معروفة وشائعة في ذلك الوقت وكان يكتنفها الكثير من الغموض والاوهام والخرافات كما هو شأن الاسرائيليات في تعاملها مع القصص القرآنية، من الروايات وهب بن منبه تعلمون يعني وهب بن منبه وكعب الاحبار لعبا دوراً كبيراً في زخم كثير من الاسرائيليات في قصص الانبياء والمرسلين فأصبحت روايات هؤلاء اليهود الذين اسلموا كذباً مع الاسف الشديد تزخر بها الموسوعات التفسيرية وترك مع الاسف عدل القرآن وهم اهل البيت (عليهم السلام) والرسول الاكرم قد اوصى بهم الذكر «اني مخلف فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي اهل بيتي» هذه يعني من المصائب حقيقة في عالم التفسير وما جاء فيه لهذا القرآن الكريم اشار اشارة واضحة في تحري الذكر «قُلْ سَأَتْلُو عَلَيْكُم مِّنْهُ ذِكْرًا»، الذكر «يَسْأَلُونَكَ عَن ذِي الْقَرْنَيْنِ قُلْ سَأَتْلُو عَلَيْكُم مِّنْهُ ذِكْرًا» ذكرى يعني قرآن والذكر تعبير له دلالاته وايحاءاته كما هو تعبير عبرة الذكر «لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِّأُولِي الأَلْبَابِ» يعني العبور من الماضي الى الواقع والحاضر لنستلهم الدروس والسنن والمواقف والاستفادة من الاسباب المتاحة والوسائل الممكنة التي استعملها او التي اتبعها على حد التعبير القرآني الكريم الذكر «إِنَّا مَكَّنَّا لَهُ فِي الأَرْضِ وَآتَيْنَاهُ مِن كُلِّ شَيْءٍ سَبَبًا» كأن القرآن الكريم في اشارة الذكر «أَتْلُو عَلَيْكُم مِّنْهُ ذِكْرًا» يريد ان يقول عليكم ان لا تستغرقوا بالامور التي لا تدخل في مجال الذكر وفي مجال العبرة وفي مجال الدروس العملية والفكرية والاجتماعية والسياسية في ابطال التاريخ كما نعلم ويظهر من السياق ومن الروايات يعني من اكبر ابطال التاريخ هذا الرجل ذو القرنين ومع الاسف بعضهم قال انه ملك مثلاً الجاحظ في كتابه الحيوان "لقد كانت امه ادمية وابوه ملك" وخرافات عجيبة غريبة جاءت لهذه الشخصية. 
المحاور: هل هو كان نبياً ام لا؟
السيد عبد السلام زين العابدين: طبعاً بعض الروايات تشير الى هذا المعنى يعني انه كان نبياً ربما بعض الاشارات القرآنية استفاد منها المفسرون مثلاً كما في قوله تعالى «قُلْنَا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِمَّا أَن تُعَذِّبَ وَإِمَّا أَن تَتَّخِذَ فِيهِمْ حُسْنًا»، «قُلْنَا» يقول بعض المفسرين هذا التعبير فيه دلالة او لا اقل ان يكون شاهداً في انه نبي يوحى اليه ولكن يمكن ان يطلق، «قُلْنَا» يمكن ان يطلق على الهام قول كذلك مثل اوحينا «وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ» هذا الايحاء والقول الرباني ممكن ان يقول على شكل الهام ليس يختص بهذا التعبير بالايحاء الرسالي او الوحي الرسالي او القول الرسالي ولهذا جاءت الروايات تؤكد عن اهل البيت (عليهم السلام) ان «ذِي الْقَرْنَيْنِ» كان عبداً صالحاً احب الله فأحبه الله وناصح الله فناصحه الله وفي بعض الروايات انه كان محدثاً يأتيه ملك فيحدثه وفي البعض الاخر انه كان نبياً طبعاً هناك العديد من الروايات في هذا المعنى، كثير من الروايات يعني بعضهم قالوا سمي بذِي الْقَرْنَيْنِ لأنه ملك قرني الارض وهما يعني المشرق والمغرب كما نفهم ذلك من القرآن الكريم، بعضهم يقول لأنه ملك الروم وفارس وبعض الروايات تقول كان في تاجه قرنان من الذهب ولكن هناك رواية عن الامام الصادق (عليه السلام) ربما تكون اقرب وهي انه دعا قومه الى الله فضربوه هذا نص الرواية عن الامام الصادق (عليه السلام) وعن امير المؤمنين علي بن ابي طالب (عليه السلام) يقول في تسمية ووجه تسمية «ذِي الْقَرْنَيْنِ»: (انه دعا قومه الى الله فضربوه وعلى قرنه الايمن فغاب عنهم ثم جاءهم ودعاهم الى الله ثانياً فضربوه على قرنه الايسر فغاب عنهم زماناً ثم آتاه الله الاسباب فطاف شرق الارض وغربها فسمي لذلك «ذِي الْقَرْنَيْنِ») يعني يبدو من هنا انه قام بأنتفاضتين او بثورتين، الثورة الاولى فشلت والثورة الثانية فشلت بعد ذلك استفاد من الاخطاء او من السلبيات فتعلم مصادر القوة فنهض وسار ثالثة ضد الظلم فنجحت ثورته فطاف نحو شرق الارض وغربها ربما من هاتين الضربتين او هذين القمعين يعني قمعت ثورته مرتان او انه طاف شرق الارض وغربها يعني قرني الارض الشرق والغرب.

*******

قصّة «ذِي الْقَرْنَيْنِ»

نشأ ذو القرنين في امة مستعبدة، اعتدت عليها دول مجاورة لها، ولما ظهر ذو القرنين وراى ما عليه امته من ضعف واستعباد، حزن حزناً شديداً وفكر ان يفعل شيئاً من اجل تحرير بلاده مما عليه. بدأ ذو القرنين يدعو قومه للعمل على التخلص من الظلم وقال لهم: ايها الناس تعالوا الى التوحد والالتفاف حولي وتأييدي بقوتكم. 
ولكن القوم اعتادوا على قبول الظلم والذل، وطلبوا منه الا يتكلم في هذا الموضوع، حتى لا يعلم ملك العدو فيجهز جيشاً قوياً يهاجمهم به.
لم ييأس ذو القرنين واصر ان يفعل شيئاً مهماً، وقد وهب الله له صفات عظيمة، فقد كان ذا عقيدة صادقة، وايمان راسخ، وحكمة ورأي سديد، وكان قويّ البدن، أعطاه الله صحة وقوة رائعة.
ذات ليلة رأى ذو القرنين في منامه رؤيا عجيبة جعلته يتفاءل بها كثيراً ويفرح، رأى كانه صعد الى الشمس، او كأن الشمس اقتربت منه حتى أمسك قرنيها بيديه، صحا ذو القرنين من منامه وقصّ على اصحابه وهو منشرح الصدر مسرور وقصّ رؤياه علي اصحابه.
فقام احد هم بتفسير منامه قائلاً له: انك ستقوى وتصبح رجلاً قوياً وسيكون لك اتباع وجيش، وستملك الدنيا كلها وتمسك قرنيها المشرق والمغرب.
زاد نفوذ ذو القرنين، حتى اصبح زعيماً للبلاد كلها والتفَّ حوله الناس وعاهدوه على السمع والطاعة ومحاربة العدو، حتى يرجع لهم حقهم.
وكانت بلاد «ذي القرنين» تدفع اموالاً كل عام للملك المجاور ضريبة فرضها عليهم، ولما حان موعد دفع هذه الاموال حضر رجال الملك ليجمعوا هذه الاموال من الناس، فطردهم ذو القرنين وكتب للملك: انّ الضرائب لن تدفع لك بعد اليوم عد الي حيث ما كنت. 
أعدَّ ذو القرنين جيشاً ضخماً واستعدَّ للحرب، وسار بالجيش الى بلاد الملك الظالم، فلما علم اهل هذه البلاد بقدوم «ذِي الْقَرْنَيْنِ»، القى الله في قلوبهم الرعب، واسرعوا الى الملك يطلبون منه مصالحة العدو، فغضب لذلك الملك، وجمع الجيش واستعدَّ للقتال.
التقى الجيشان ودار قتال شديد بينهما، وكان الله مع المؤمنين الصابرين، فنصرهم وهزم اعداءهم، وسقط ملك العدو قتيلاً في ميدان القتال، وبذلك خلص ذو القرنين البلاد من ظلم الملك، واصبح ملكاً على البلاد كلها والبلاد المجاورة لها، فنشر العدل والامن بين الناس. عزم ذو القرنين على ان يجول بجيشه القويّ المنتصر في ارجاء الارض لكي يطهر شرقها وغربها بكلمة الله، وقد اعطاه الله كل ما يجعله قوياً ومنتصراً في الارض، قال تعالى: «إِنَّا مَكَّنَّا لَهُ فِي الأَرْضِ وَآتَيْنَاهُ مِن كُلِّ شَيْءٍ سَبَبًا». وسار ذو القرنين بجيشه متـّجهاً نحو الغرب، فوجد فيه قوما كافرين لا يعبدون الله، فنصره الله عليهم، واستطاع السيطرة عليهم، فنصحهم واصلح شأن هذه البلاد، وعمرها، وبنى فيها، مساجد واستطاع ان يجعل من هؤلاء القوم مؤمنين يدينون بالله عزوجل. 
سار ذو القرنين نحو الشرق، بعدما اطمأنّ على حال الغرب وكان معه جيشه، ورجاله من المهندسين والاطباء، واخذ يدعو كل قوم يلقاهم في طريقه لعبادة الله وحده. 

*******

في رحاب الائمة (عليهم السلام)

جاء في كتاب كمال الدين عن الاصبغ بن نباتة انه قام ابن الكواء إلى علي (عليه السلام) وهو على المنبر فقال: يا أمير المؤمنين أخبرني عن «ذِي الْقَرْنَيْنِ» أنبيا كان أم ملكاً؟ وأخبرني عن قرنيه أمن ذهب أم من فضة؟ 
فقال (عليه السلام) له: لم يكن نبياً ولا ملكاً، ولم يكن قرناه من ذهب ولا فضة ولكن كان عبداً أحب الله فأحبه الله ونصح الله فنصحه الله وإنما سمي ذا القرنين لانه دعا قومه إلى الله عزوجل فضربوه على قرنه فغاب عنهم حيناً ثم عاد إليهم فضرب على قرنه الاخر، وفيكم مثله.
يقول العلامة السيد الطباطبائي تعليقا علي هذه الرواية في تفسير الميزان على قوله: «وفيكم مثله» أي مثل «ذِي الْقَرْنَيْنِ» يشير (عليه السلام) إلى نفسه فإنه أصيب بضربة من عمرو بن عبدود وبضربة من عبد الرحمان بن ملجم لعنه الله فاستشهد بها. 

*******

دروس وعبر

يمكن تلخيص الدروس المستفادة من حكاية «ذِي الْقَرْنَيْنِ» بالشكل الآتي:
إِنَّ أوّل: درس تعلمنا إِيَّاه أنَّ عمل هذه الدنيا لا يتمّ دون توفير أسبابه، لذا فإِنَّ الله تبارك وتعالى وهَب الوسائل والأسباب لتقدم وانتصار «ذِي الْقَرْنَيْنِ» في علمه: «وَآتَيْنَاهُ مِن كُلِّ شَيْءٍ سَبَبًا». وفي نفس الوقت استفاد «ذو القرنين» مِن هذه الأسباب والوسائل بأفضل وجه ممكن: «فَأَتْبَعَ سَبَبًا».
ثانياً: بالرغم مِن أنَّ غروب الشمس في عين من ماء آسن سببهُ خطأ في الباصرة واشتباه مِنها، إِلاَّ أنَّ المعنى الذي نلمحهُ مِن هذا المثال هو إِمكان تغطية الشمس مع عظمتها بالعين الآسنة ومثلها في ذلك مثل ذلك الإِنسان العظيم الذي يسقط وينهار بسبب خطأ واحد فتغرب شخصيته من انظار الناس.
ثالثاً: لا تستطيع أي حكومة أن تنتصر بدون ترغيب الأنصار والأتباع، ومعاقبة المذنبين المخطئين، وهذا هو نفس الأساس الذي اعتمد عليه ذو القرنين حيثُ قال: «أَمَّا مَن ظَلَمَ فَسَوْفَ نُعَذِّبُهُ ... وَأَمَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُ جَزَاء الْحُسْنَى».
رابعاً: التكليف الشاق والتصعُّب في الأُمور وتحميل الناس ما لا يطيقون، كل هذه الأُمور لا تناسب الحكومة الإِلهية العادلة أبداً، ولهذا السبب فإِنَّ ذا القرنين بعد أن صرّح بمعاقبة الظالمين وتشويق الصالحين، أضاف: «وَسَنَقُولُ لَهُ مِنْ أَمْرِنَا يُسْرًا» حتى يمكن إِنجاز الأعمال عن شوق ورغبة.

*******

شاركوا هذا الخبر مع أصدقائكم

جميع الحقوق محفوظة