البث المباشر

التوبة وصدق الاقبال على الغيب

الخميس 24 يناير 2019 - 17:19 بتوقيت طهران

الحلقة 51

هنالك حالة يحس بها الانسان انه يريد ان يتخلص من القيود التي تمنعه من الاقبال الجاد على الله تبارك وتعالى، هذه الحالة ذات قيمة كبيرة وذات شأن وهي تعني اشياء عديدة وتقتضي من الانسان اشياء عديدة ايضاً، من هذه الاشياء في هذه الحالة الايجابية ان يندم المرء ندماً صادقاً على ما ارتكب من اخطاء وما صدر عنه من غفلات، اي يندم على كل ما لا ينبغي وما لا يلائم حركة العبودية التي ينتظر ان تكون صاعدة بأستمرار، هذا الندم الصادق والعزم على التحرر من نقاط الضعف هو ما اصطلح عليه في الحياة الاسلامية بأسم التوبة قال الله عزوجل: «وَمَن يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُورًا رَّحِيمًا ً»والتوبه والاستغفار يا اخي درجات ومقامات اولها الانتقال من مقام سمعنا وعصينا الى مقام سمعنا واطعنا اي العودة من المخالفة الى الطاعة ومن الفعل الحرام وتضييع الواجب الى ما يرضي الله من ترك الحرام واداء الواجب هذه التوبة تقتضي يا اخي ان تكون جادة واقعية مقرونة بالتضرع والتواضع والاستغفار والندم والالحاح فأن العبد لا يدري ان يلقي الصفح من سيده والعفو ام يظل منكفئاً في ظلمات البعد والاعراض لكن الامل بعفو الله ينبغي ان يكون حاضراً والرجاء لفضله ورحمته مما يناغي القلب ويحدو على العمل.
في مرحلة من مراحل العبودية لله وفي كل درجة من درجات القرب هناك شؤون ينبغي للانسان مراعاتها والتسامح في شأن من هذه الشؤون هو قياساً الى اصحاب المقامات العالية ذنب ينبغي الاستغفار منه وبهذا نفهم عزيزي المستمع استغفار الانبياء (صلوات الله عليهم) ذلك انهم اجل مقاماً وارفع شأناً من ان يقع احدهم في شيء من المعاصي المعروفة لان الله عزوجل قد عصمهم من المعصية صغيرها وكبيرها ونزههم عن ارتكاب الاثم، واستغفار الانبياء والاوصياء (سلام الله عليهم) مما لا نقدر نحن بمداركنا المحدودة القاصرة ان نبلغ حقيقته او نصل الى كنهه وعمقه وغاية ما نعرفه عن هذا السياق ان لكل مرحلة من مراحل العبودية حتى العالية منها لوناً من الاستغفار ونوعاً من التوبة هو في غاية الدقة والخفاء، من مصاديقها قوله تعالى في سورة المؤمنون مخاطباً رسول الله (صلى‌ الله عليه وآله) «وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ بِالْعَشِيِّ وَالإِبْكَارِ».
عزيزي المستمع، ثمة روايات كثيرة رودت عن اهل البيت (عليهم السلام) تتضمن استغفار رسول الله والائمة الهداة (صلوات الله عليهم اجمعين) على نحو ينطوي على اسرار عميقة ومعاني دقيقة يستعصي على الفهم العادي ادراك فعزاها وحقيقتها والغلط كل الغلط ان نفسر هذه النصوص بما نهوى وبما يمليه علينا ادراكنا المحجوب بالغفلة عن مقامات التوحيد العالية لان النبي واهل بيته الطاهرين هم في مقام العصمة الشامخ بل هم فوق هذا المقام.
ومن هذه الروايات نقرأ مثالاً او مثالين لنقترب من هذا الموضوع الدقيق العميق يقول الامام الصادق (عليه السلام): «ان رسول الله (صلى الله عليه وآله) كان لا يقوم من مجلس وان خف حتى يستغفر الله خمساً وعشرين مرة» من المواضع التي يستغفر فيها رسول الله اذن هو قبل ان يقوم من المجلس الذي كان جالساً فيه، ترى لماذا الاستغفار بعد كل مجلس ولاي معنى يطلب النبي الكريم المغفرة وما هو هذا الغفران الذي يطلبه من الحق تبارك وتعالى ثم العدد خمسة وعشرون، لماذا يستغفر النبي خمساً وعشرين مرة ومهما يكن الامر فأن سيد الانبياء والمرسلين يستغفر استغفاراً لائقاً بمقامه السامي الرفيع وهو مقام قاب قوسين بل مقام او ادنى، مما لا يسعنا نحن في مقامنا الارضي ان نعرفه وان نستوعبه.
ويماثل هذه الرواية رواية اخرى عن الامام الصادق (عليه السلام) قال: «كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) يستغفر الله عزوجل في كل يوم سبعين مرة وينوب الى الله عزوجل سبعين مرة».
قال الراوي قلت كان يقول: «استغفر الله واتوب اليه»؟
قال (عليه السلام) كان يقول: «استغفر الله، استغفر الله» سبعين مرة ويقول: «واتوب الى الله، واتوب الى الله» سبعين مرة.
ومن غير هذا وذاك عزيزي المستمع، كان نزول سورة النصر اكثر جلاءاً في معالم هذا الاستغفار النبوي خاصة إذا نظرنا الى الاحاديث والاخبار التي تنص على ان رسول الله (صلى الله عليه وآله) كان يستغفر بعد نزول هذه السورة في كل حالة من حالاته وقد ورد في الرواية انه (صلى الله عليه وآله) سؤل عن هذا الاستغفار فقال: انه قد امر به ثم تلى قوله تعالى: «بسم الله الرحمن الرحيم / إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ / وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا / فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا».
اجل يا اخي لعل كثيرين يقولون ان التوبة والاستغفار لا موضع لهما الا لمن ترك واجباً او ارتكب محرماً وان من ادى فرائضه واجتنب ما حرم عليه فأنه لم يرتكب اثماً لكي يحتاج الى توبة واستغفار والواقع يا اخي ان هذا نمط باطل من الظن واسلوب ابتر في التفكير مبعثه الجهل بحقائق القرآن ودقائق الصراط والجهل بمقامات الغرب الالهي ومقامات التوحيد العالية وبعبارة اخرى ان الحجاب المظلم الذي يعيش فيه صاحب هذا الظن هو الذي يقف وراء هذا الظن الباطل.
ان غياب التدبر السليم في آيات القرآن الكريم والبعد عن التدقيق في المقامات المعنوية المنزهة لرسول الله ولاهل بيته الائمة الطاهرين (صلوات الله عليهم اجمعين) من شأنه ان يسوق المرء مهما كان عنوانه وشأنه في الدنيا الى الوقوع في وحل الافكار الموهومة وهو الذي يصوغ له هذه الافكار الباطلة على انها فكر ديني او عقيدة قرآنية بحيث يحسب صاحب هذا التفكير انه ينطق بالحق ويصيب جادة الصواب مما يضطره هذا الفهم القاصر الابتر الى الوقوف حائراً امام الايات والروايات التي تشتمل على توبة النبي او الامام واستغفاره وعندئذ لا يجد امامه سوى تكلف التأويل وركوب التعسف في التفسير بيد ان اصحاب البصائر ممن نور الله قلوبهم بنور الايمان واليقين لا نعييب عنهم ان هذا الاستغفار من المعصوم يناسب مقامه من القرب الالهي القريب وهو ليس استغفاراً كأستغفارنا نحن من المعاصي والمخالفة والذنوب. اخيراً نستودعكم الله اخوتنا الاعزاء ونتمنى لنا ولكم المزيد من نور البصيرة ونور الايمان واليقين.

*******

 

شاركوا هذا الخبر مع أصدقائكم

جميع الحقوق محفوظة