البث المباشر

الفن الاسلامي وجماليته في النتاجات الخزفية

الخميس 24 يناير 2019 - 16:56 بتوقيت طهران

الحلقة 32

السلام عليكم ايها الاصدقاء ورحمة‌ الله. ابدع الفن الاسلامي التراثي انواعاً فنية عديدة تجلت فيها روعته وجماله ورسالته المعرفية التوحيدية فقد ابدع هذا الفن الظاهرة الزخرفية في نوعيها النباتي والهندسي كما ابدع الخط في جماليته المتميزة والرسم والمنمنمات وفن العمارة والحفر على النحاس وفن الخزف وسواها من الانواع التي تشهد للفن الاسلامي بما فيه من تجريد يحمل رسالة هذا الدين خلال الف عام في قارات ثلاث وكان الفن الخزفي من اكثر هذه الانواع انتشاراً وتداولاً في الحياة اليومية وقد عثر المنقبون في مصر وايران والعراق والشام وشمال افريقيا والاندلس على كثير من الانواع الخزفية المشتركة بين اقاليم العالم الاسلامي تلك، ومن خلال الاساليب الفنية للخزف يمكن تعرف موطن هذه الاثار، ويلاحظ ان ما حظي به هؤلاء الخزفيون من تجديد وتطوير في اي اقليم كان ينتشر الى الاقاليم الاخرى بسرعة كبيرة. وقد تطورت صناعة الخزف في ايام العباسيين على نحو ملحوظ كما رأينا من قبل في ابداع الخزف ذي البريق المعدني في سامراء وشهد هذا الفن تطوراً ايضاً في ايران خلال عصر السلاجقة وعصر المغول خاصة في مدينة الري وقاشان إذا كان السلاجقة في القرنين الخامس والسادس بعد الهجرة من اعظم رعاة الفن وعلى الرغم من تدمير مدينتي الري وقاشان على ايدي المغول في الربع الاول من القرن السابع الهجري فأن الراجح ان صناعة الخزف لم تتأثر بذلك الى حد كبير.
عرض فن الخزف في العصر السلجوقي ابداعات شتى وقفنا على عدد منها في لقاء سابق ومن الصناعات الخزفية في عصر المغول صناعة الفسيفساء الخزفية وفيها تؤلف الزخرفة من اجزاء صغيرة من الخزف مختلفة الاشكال والاحجام بعد قطعها من لوحات من الخزف المدهون وتلصق الاجزاء بعضها ببعض بالملاط الذي يصب منها من الخلف فيملأ جميع ما فيها من تجاويف وكان السلاجقة قد اتقوا هذه الصناعة واقدم الموجود منها الان ما هو موجود في عمائد مدينة قونيا في تركية، حتى إذا جاء العصر الصفوي في ايران امتازت الاواني الخزفية بأبداع شكلها وتنوعها والدقة في رسم زخارفها وامتازت كذلك بالذوق الرفيع والبراعة في اختيار الوانها وانواعها وقد نجح الفنانون نجاحاً عظيماً في هذا العصر في استعمال اللون الاصفر ولاسيما في مدينة اصفهان، كما انهم عرفوا كيف يستعملون اللون الواحد بصفاء واتقان يذكران بما وصل اليه الخزفيون الصينيون في هذا الميدان ويبدو ان اعلام المصورين كانوا يعنون بأعداد الصور لزخرفة الاواني الخزفية كما يتجلى ذلك في بعض تحف عليها رسوم تنم عن ريشة المصور محمدي وفي بعض قطع اخرى تشهد رسومها بأنها من عمل رضا عباسي او احد الفنانين النابهين الذين تأثروا بأسلوبه الفني وينقسم الخزف الصفوي على مجموعتين رئيستين تضم الاولى الخزف ذا الزخارف الصفوية البحتة كما هي مشهودة في سائر آثار الفن الصفوي من تصوير ونسيج وسجاد وتضم الثانية الخزف الذي كان يحتذى به حذو الخزف الصيني في عصر اسرة منج.
والمعروف ان الاقبال على تقليد فن الخزف الصيني قد ازداد كثيراً في العصر الصفوي واستقدم الشاه عباس كثيراً من الخزفيين الصينيين مع اسرهم الى ايران لينشروا فيها هذه الصناعة لتصدر منتجاتها الى البلدان الغربية والظاهر ان هؤلاء الفنانين قد استقروا في اصفهان ولكنهم لم يلبثوا ان تأثروا بالمحيط الفني فتسربت الى آثارهم بعض الموضوعات الزخرفية الايرانية، وجمع ملوك الصفويين منذ الشاه عباس مجموعة كبيرة جداً من الخزف الايراني حفظوها في مسجد الشيخ صفي الدين باردبيل وقد وفق الخزفيون الايرانيون في النصف الثاني من القرن العاشر الهجري لابداع نوع من الخزف يكاد يشبه البرسلين الصيني تمام الشبه وان لم يصل الى صلابته وكان تقليدهم ناجحاً في بعض الاحيان الى حد يصعب معه التمييز بين البرسلين الصيني والخزف المصنوع في ايران.
وكان هذا الخزف الاخير متنوع الزخارف وغالبها رسوم طيور وحيوانات ومناظر طبيعية صينية وكلها زرقاء او سوداء او رمادية، وهي منقوشة تحت الطلاء على ارضية بيضاء، ومن هذا الخزف الايراني ما ينسب الى كرمان ومعظمة على هيئة قنينات وتحتفظ زخارفه بقسط وافر من الروح الايرانية وقوامها رسوم ازهار وسيقانها ويرى في الوانها اللونان الاخضر والاحمر الى جانب اللون الازرق ويرجع هذا النوع الى القرنين العاشر والحادي عشر بعد الهجرة، امتاز العصر الصفوي بنوع من الخزف ذي البريق المعدني كان يصنع في قاشان واصفهان وتبريز، واكبر التحف المعروفة من هذا النوع اباريق على هيئة الكمثرى او سلطانيات اي صحون غير عميقة او كؤوس صغيرة، وجل الزخارف المستعملة فيه من النبات ورسوم الطير والحيوان فلا ترى عليها الصور الادمية الا نادراً وارضية هذا الخزف عاجية اللون او زرقاء ناصعة اما الموضوعات الزخرفيه فذات بريق معدني يتفاوت بين اللون الاحمر والاصفر الذهبي، ويتسم بشدة لمعانه اذ تنعكس على التحفة الوان تكاد تبهر الابصار، والملاحظ في معظم الاواني الخزفية ذات البريق المعدني في العصر الصفوي ان ارضيتها ذات لون واحد، يغلب ان يكون الابيض او الازرق او الاصفر الليموني او الاخضر الناصع ثم تنقش الزخارف بالبريق المعدني فوق الارضية المذكورة وتكثر في زخارف هذه التحف رسوم الازهار والاشجار والاعشاب.
واستطاع الخزفيون في العصر الصفوي ان يتقنوا صناعة اللوحات الخزفية لكسوة الجدران وقد اهتدى فنان الخزف في اصفهان الى طريقة اغناءهم من عناء الفسيفساء الخزفية وما تقتضيه صناعتها من وقت ونفقات، تلك هي طريقة هفت رنكي اي الالوان السبعة التي استطاعوا بها جمع سبعة الوان او اكثر في كل لوحة مربعة مساحتها نحو قدم مربع تتيسر لهم بذلك استعمال الالوان في مساحات صغيرة جداً ولم يعودوا ملزمين بالوقوف على حد الزخارف الهندسية والنباتية كشأن صناع الفسيفساء الخزفية بل سهل عليهم تأليف المناظر الادمية‌ المختلفة، واقدم النماذج المعروفة من هذا الفن عثر عليها في مدرسة شاهرخ وهي من بداية القرن التاسع الهجري بيد ان صناعة هذا النوع من الخزف قد بلغت ذروتها في عصر الشاه عباس ولكنها لم تقض على صناعة الفسيفساء الخزفية فأن النوعين موجودان معاً في بعض العمائر مثل مسجد الشيخ صفي الدين في اردبيل والملاحظ في زخارف اللوحات المحفوظة في متحفة المتروبوليتان ان الرسوم الزخرفية فيها منقولة من صور المدرسة الصفوية الثانية التي نبغ منها رضا عباسي وتلاميذه والالوان التي تسود في هذه اللوحات هي الاصفر والازرق والاخضر والبني والاحمر والاسود على ارضية بيضاء والسلام عليكم ورحمة الله.

*******

 

شاركوا هذا الخبر مع أصدقائكم

جميع الحقوق محفوظة