البث المباشر

إشكالية في متحفة التراث الفني الاسلامي

الأربعاء 23 يناير 2019 - 14:18 بتوقيت طهران

الحلقة 24

السلام عليكم ايها الاصدقاء ورحمة الله.
من الصعاب الكبرى التي يواجهها الباحث او الناقد او المتذوق للفن الاسلامي انعدام الامكانات والفرص للاطلاع على الاثار الفنية‌ الاسلامية وتأملها على نحو علمي وعملي واضح فالاثار الفنية‌ الاسلامية موزعة عشوائياً ‌بين قارات ودول ومتاحف ولدى افراد ومؤسسات خاصة تحاصرها اسرار وشروط تحول دون الاطلاع السهل عليها، لقد حدث على مدى قرون نهب وسرقة ونقل وبيع الكثير من هذه الاثار من اماكنها الاصلية الى مدن وعواصم ومؤسسات في العالم الغربي بطرق سرية مجهولة كما حدث على مدى قرون ايضاً اهمال العديد من هذه الاثار من قبل اهلها وورثتها بفعل التخلف الحضاري، ومع انفتاح المدن والعواصم المسلمة على الوضع الحضاري الغربي الحديث واخذها بالعمران ومظاهر المدينة الحديثة تم القضاء على كثير من مظاهر وآثار هذا الفن سواء كان ذلك في العمارة او في مظاهر الحياة الاجتماعية وتقاليدها مما كان يشكل المجال الاوسع لتجلى الفن الاسلامي، ومن هنا وقبل تسليط الاضواء‌ على‌ هذه المأساة او الكارثة الحضارية التي ما تزال مستمرة تبدو الحاجة الى متحفة للفن الاسلامي حاجة ماسة واساسية، ان متحفة الفن الاسلامي في القاهرة‌ من اهم المتاحف الاسلامية في العالم لا لانها تضم آثاراً نادرة من الفنون الاسلامية التي تجلت في ثلاث قارات قديمة‌هي آسيا وافريقيا واوربا طوال اكثر من الف عام بل لانها المتحفة الوحيدة التي تقدم رؤية شبه شاملة لهذا الفن منذ تجلياته الاولى الى الايام الاخيرة للحكم العثماني في مصر، الاهمية الثانية هي ان معظم الاثار والتحف النادرة المعروضة حالياً في اروقتها وفي قاعاتها سبق ان كانت في الجوامع والمساجد والمدارس والبيوت التي قامت في مصر منذ فتحها ومروراً بين طولون وجامعه الشهير الى عهد الفاطميين وانشاء القاهرة‌ والى عهد المماليك والعصر المملوكي عصر المساجد والقلاع الى العثمانيين الى‌ الايام الاخيرة‌ من القرن التاسع عشر، من الوجهة المتحفية المحضة يمكن القول انها المتحفة الكثرى غنى والكثرى جمعاً لاثار الفنون الاسلامية في العواصم العربية وهي من وجهة‌ التركيب واسلوب العرض ربما تضاهي المتاحف العالمية‌ الكبرى.
سندخل متحفة الفن الاسلامي هذه المرة من الجدل الدائر حديثاً او من الاشكالات التي يطرحها حالياً الفن الاسلامي في البيئات الثقافية ذلك ان خصوصيات هذا الفن ومعاينه واهدافه كما عرفها الماضي هي نفسها موضوع الجدل والنقاش، من هذا المنطلق يقف ترتيب المتحفة كموضوع للجدل العميق، المتحفة تقرأ الفن الاسلامي قراءة تاريخية سياسية فهي توزع الاثار الفنية ‌على حسب العصور التي عرفها التاريخ الاسلامي وفي الوقت نفسه تمضي المتحفة‌ في قراءتها للفن الاسلامي في منهج آخر غير المنهج التاريخي السياسي فتوزع الاثار الفنية الى ‌انواع هي الزخرفة والرسم والخط والخشبيات والنحاسيات والزجاجيات والخزفيات والنسيج والسجاد في توزيع يتبع بالضرورة التوزيع التاريخي السياسي اي على اساس تاريخ السلطة الحاكمة. يبدو هذا التقسيم او تبدو هذه القراءة من خلال هذا التقسيم قراءة منطقية علمية اذا اخذنا بمنطقية وعلمية المتاحف الكبرى او اذا اخذنا بالمنطق وعلم المؤرخين وخبراء الاثار بيد ان هذا المنطق سرعان ما يهتز اذا انطلقنا في قراءتنا من الخصوصيات ومن المعاني ومن الشهادات الكبرى التي يدلي بها الفن الاسلامي نفسه ومن داخله ازاء هذا الفن نحن لسنا في مكان ولسنا ازاء حادث اي لسنا ازاء التاريخ كمجموعة من الحوادث والاخبار فالفن الاسلامي لا يروي ولا يصف فلا الاثار الفنية‌ التي يضمها ذلك المكان الذي نسميه متحفة الفن الاسلامي في القاهرة التي يعود تاريخها الى‌العصر الاموي سوف لا تحدثنا عن التاريخ الاموي ولا عن الاثار التي ترجع الى العصر العباسي او المملوكي انها سوف تكشف لنا عن هذه العصور السياسية وما حدث فيها من تحول او نمو او تراجع فالفن الاسلامي ليس شاهداً على العصر كما تشهد الفنون الكثيرة التي عرفها التاريخ الفني في العالم ولا ريب في ان الفن الاسلامي يشهد بيد ان شهادته تتجاوز التاريخ فهو لا يشهد على التاريخ الاسلامي بل يشهد على الاسلام والفارق شاسع وكبير ذلك ان شهادته ستنفتح على الموقف والمبدأ والمنهج والفهم الكلي للانسان وللعالم وعلى قدر ابتعاد التاريخ عن الموقف والمبدأ والمنهج والفهم تبتعد شهادة الفن الاسلامي عن العصور التي مر بها التاريخ الاسلامي بين اموي وعباسي وفاطمي ومملوكي وعثماني، ان الذي تغير هنا هو نوع السلطة الحاكمة باسم الاسلام الذي لم يتغير من حيث الرؤية الشاملة.
ولمزيد من فهم هذه الاشكالية التي يطرحها الفن الاسلامي يمكن الوقوف عند معاني التسميات التي تطلق على هذا الفن فمرة هو آثار عربية ومرة هو فن انواع كخزف وخشب ومعدن ومرة هو فن قارات، فن آسيا الوسطى او فن الاناضول او فن الاندلس ومراراً هو الفن الاسلامي في مصر او في تركية او ايران او سورية والعراق وما الى ذلك. ان هذا التعدد يا اخي انما مرجعه محاولة الجمع بين التاريخ السياسي والجغرافي وبين التجلي الفني على اساس ان الفن هو الشاهد على العصر الذي نشأ فيه واما قلق هذه التسميات وعدم ثباتها فيعود بالضرورة الى تلك الوحدة التي توحد الفن الاسلامي من حيث الابداع الفني او من حيث الجوهر الابداعي وعلى الرغم من العهود الزمنية الممتدة الى اكثر من الف عام وعلى الرغم من تعدد البيئات التي عرفت تجليات هذا الفن سواء كانت آسية وسطى، شرقية ام غربية ام كانت افريقية مصرية ام مغربية ام كانت اوربية ام اندلسية على الرغم من ذلك كله حافظ الفن الاسلامي على‌ وحدته على انه تجلي ابداعي رفيع من حيث الفلسفة او المبدأ والرؤية والغاية والهدف، انه على الرغم من الاختلافات في آثار الفن الاسلامي التي يمكن وصفها بأنها اختلافات في اللهجة المحلية‌ فأن جميع الفنون في دار الاسلام تتكلم اللغة نفسها اساساً ومثال ذلك ان المقارنة‌ بين اعمال الخزف في مراكز مختلفة شديدة التباعد مثل ايران وبلاد الشام ومصر وجنوب الفولغا في القرن الثامن الهجري تثبت لنا هذه المسألة بغاية ‌الوضوح بل انه بعد نصف قرن من البحث الدولي المركز كان مستحيلاً في كثير من الاحيان للتعرف للاختلافات الاقليمية بل ان احداً لا يستطيع تعيين البلد الذي كتبت فيه المصاحف الكثيرة المزينة بالزخارف حتى عام ۳۹۰ للهجرة او يميز بين قطع الزجاج الصخري المنحوتة في مصر وفي العراق في القرنين الرابع والخامس للهجرة او يميز بين قطع الزجاج المشكلة في هيئة فصوص في الحقبة نفسها او يفرق بين المنسوجات الحريرية التي صنعت في هذين البلدين خلال القرن السابع والثامن للهجرة.
وهناك مثال آخر يؤيد هذه المسألة وهو ان عدداً من المخطوطات المزدانة‌ بالتصاوير الفارسية التي تعود الى النصف الاول من القرن التاسع الهجري تسب الان الى الهند الاسلامية لا لانها تحمل ملامح هندية واضحة بل لان العلماء لم يستطيعوا حتى‌ الان ان يحددوا موضعاً معيناً من ايران يمكن ان تكون قد صنعت فيه وهذا يؤكد على نحو اكيد اكيد وجود صناعة‌ يدوية عريقة استلهمت من مصدر واحد وهي تستعمل في الانتاج الفني وتنتمي الى اساليب متشابهة، يمكننا ان نفترضها كانت موجودة في كل حرفة على وجه التقليد في العالم الاسلامي ونجد في حالات اخرى ان نسبة العمل الفني الى مكان ما من العالم الاسلامي لا تقوم على دلائل في الاسلوب الفني بل هي ناتجة عن قراءة الكتابات المثبتة على الاعمال الفنية، الى جوار التشخيص بوسائل التقنية الحديثة التي استعين بها منذ زمن قريب والى لقاء آخر استود عكم الله.

*******

 

شاركوا هذا الخبر مع أصدقائكم

جميع الحقوق محفوظة