البث المباشر

إنبهار الغرب المسيحي بالفن الاسلامي التراثي

الأربعاء 23 يناير 2019 - 12:18 بتوقيت طهران

الحلقة 19

السلام عليكم ايها الاصدقاء ورحمة الله.
استطاع الفن الاسلامي التراثي ان يشق له طريقاً الى الغرب منذ وقت مبكر وحظيت آثاره المتنوعة بالاقبال عليها هناك والعناية عليها وقد شجع على الاستقبال الغربي مظاهر الفن الاسلامي انه فن لم يكن صريحاً في دعوته الدينية الاسلامية ولا هو فن تبليغ على نحو مباشر بحيث تتحاشاه الذهنية الغربية المسيحية، فالاشكال الرقيقة التي اتخذها التصوير الاسلامي في هيئة حيوانات وطيور وتوريقات مع بعض تصاوير آدمية بين الحين والحين جعلت الاشياء التي تحمل هذه التصاوير مقبولة حتى عند استعمالها في تدثير بقايا قديس او فرشها على درج مذبح كنيسة، ولم يستثنى من ذلك شيء حتى الكتابات العربية التي كانت تحيط برأس المادونا اي صورة‌ السيدة مريم العذراء‌ (سلام الله عليها)، كما نجدها على اطراف الاثواب التي يلبسها القديسون في التصاوير وعلى ابواب الكاد ترائيات وعلى سطح آخر يمكن الرسم عليه، ومع ان الكتابة العربية كان لها معنى ديني في الاسلام وان بعض النصوص المكتوبة بشكل فني باللغة العربية كانت تمثل ادعية دينية يتكرر فيها اسم الله جل جلاله الا ان اهل الغرب لم يفهموها على هذا النحو وهناك سبب آخر لتلقي مظاهر الفن الاسلامي التراثي من قبل الغربيين هو ما تتمتع به هذه المظاهر والآثار الفنية من قيمة جمالية واضحة، تتمثل احياناً في تناسقها وفخامتها وما تحفل به في كثير من الاحيان من غنى بالالوان، وثمة مزية اخرى جعلت الفن الاسلامي يبهر الغرب المسيحي ذلك ان هذا الفن بخاصة في عصوره الاولى كان على درجة عالية من الاتقان الفني وهي درجة تفوق بمراحل اي شيء كان من الممكن ان ينتجه الغرب في تلك العصور، ناهيك عن ظرافتها الغريبة، وكان استقبال الغرب لاثار الفن الاسلامي بوجوه عديدة، ففي بعض الاحيان كانت اثار الفن الاسلامي ومصنوعاته الفنية‌ تؤخذ كما هي دون ادخال تغيير عليها مع استعداد لتهيئتها على نحو يوافق الاغراض الغربية ويدخل في هذه المجموعة تلك الاعداد الكبيرة من البسط الشرقية المستوردة التي كانت بلاشك اكثر المصنوعات الاسلامية وفرة في الغرب. وهناك مصنوعات اسلامية اخرى ذات قيمة ثقافية اكبر وان كانت اقل بكثير من حيث العدد لم تكن تؤخذ كما هي وانما كانت تغير لتخدم اغراض معينة وتكيف بما يلائم الذوق الغربي في الاشكال وهكذا فأن قطعة نسيج يمكن ان تستخدم بطانة لتجليد مخطوط فاخر ومن الممكن ان يرسم عليها شكل في وضعها الجديد على نحو يبدو رسمها معه كأنه اصيل، وتترائى للعين بعد ذلك وكأنما هي بطانة لجلدة الكتاب صنعت لهذا الغرض.
وبنفس الطريقة كانت البسط تستعمل لكل غرض ممكن وفي بعض الاحيان كان يدخل تعديل تصميم نقشها، ففي متحفة فيكتوريا والبرت بساط انجليزي مطرز من القرن السابع عشر الميلادي ومع ان زخرفته قائمة‌ على النمط التركي فأنه يظهر كأنه تفريغ غربي جديد لهذا النوع القديم وبين تأثيرات الفنون الاسلامية ذات المدى الاوسع ما تجده في تصاوير البندقية الكثيرة الغنية بالالوان التي يعتقد ان ابداعها على هذا الشكل جاء متأثراً بالعدد الكبير من البسط الشرقية التي دخلت مدينة ‌البندقية، وهناك اثر للفن الاسلامي في الحياة الغربية هو اجلى‌ وضوحاً ويظهر في اعمال اثنين من عظماء الرسامين احدهما رابرامات الذي كان يحاول في الكثير من الاحيان ايجاد جو شرقي عندما كان يرسم موضوعاً دينياً، هذا الى جوار ما كان يرسمه في لوحاته من عمائم وطيالسة تركية، كما ان ولع رابرامات بالمنمنمات الاسلامية ذات الطراز المغولي يكشف عن رغبته في تعرف عناصر الحضارة الاسلامية. يتجلى التأثير الشرقي بصورة اوضح في الاندماج الفني لدى الرسام الفرنسي ديلاكروا بالحضارة الاسلامية وخاصة في طابعها المغربي وهو تأثير ترجع قوته الى كونه مبنياً على ملاحظة ودراسة حقيقية، فلوحاته بشكل خاص مخططاته التصويرية لها قيمة وثيقية مهمة، فنحن هنا بين يدي عمل كامل تكون فيه الصبغة الاسلامية جانباً مهماً مندمجاً كل الاندماج في مخيلة فنان غربي، ومن الاثار الاسلامية في الفن الغربي ظهور شخوص عربية واسلامية بعمائمها وثيابها التقليدية في عدد لا يحصى من لوحات عصر النهضة الفنية، كما كانت التماثيل الصغيرة المصنوعة من الخزف التي تمثل رجالاً ونساءاً من المسلمين الاتراك ظاهرة شائعة في القرن الثامن عشر، وفي ذلك القرن ايضاً كان الناس يصنعون صورة مسجد تركي في الرياض التي كان الامراء ينشؤونها ويبدأ ظهور الاشكال الشرقية في الملاحظات التي سجلها الفنانون الغربيون خلال زياراتهم لبلدان الشرق الاسلامي، ومن هذه الاشكال الباقية الى الان سلسلة تبدأ بالرسوم التخطيطية التي عملها بليني في اثناء اقامته في القسطنطينية وقد ضمت هذه السلسلة فيما بعد فنانين معروفين امثال دوركس وبانمور، وقد حفظ هذان الرسامان مشاهد ماضية كثيرة من الضياع كما حفظا اشكالاً انسانية كانت توجد في المدن الشرقية، وامثال هذه الموضوعات كانت ترسم بأيدي رسامين رسميين، كانوا يرافقون البعثات الدبلوماسية ثم يكملها المصورون الذين شاهدوا ما كان يوجد احياناً في المدن الغربية من انماط شرقية.
بيد ان ثمة موضوعات فنية فعلية انتقل اثر الفن الاسلامي عن طريقها، فالنسيج مثلاً لابد ان يحتل موقع الصدارة لانه كان يرد الى اوروبا من الشرق منذ البداية وترك فيها اثراً لا ينمحي، ويكفي لبيان هذه الحقيقة ان ننظر في المصطلحات الكثيرة المشتقة من الفاظ او اسماء لا ماكن اسلامية، فلفظة القطن دخلت في المعجم الغربي كتن ولفظة الديوان تداولوها بصيغة ديوان ولفظة الصفة بمعنى الاريكة او بيت صيفي مسقوف عرفها الغربيون بأسم صوفا والمرتبة او المطرح غدت عندهم ماتريس، والقماش الدمشقي، دمسك، والموصلي، عرف عندهم بلفظ المصلين، والقماش البغدادي ادخلوه في لغاتهم بصيغة بلداشين. ان هذه الاصناف وامثالها لابد ان يكون استيرادها الى الغرب قد بدأ بعيد قيام الدولة الاسلامية ان لم تكن قد اتخذت طريقها الى الغرب قبل هذا التاريخ ولابد من القول ان ضخامة عدد من قطع النسيج التي صدرت الى الغرب لاتدعو الى الدهشة لان صناعة‌ النسيج كانت اكبر الصناعات في العالم الاسلامي بحيث كانت تقدم للناس كلما يحتاجون اليه من ثياب وتقدم لهم كذلك كل لوازم البيت من اغطية ومساند ووسائد وبسط وستر وخيام ولما كانت قطع النسيج متينة يسهل طيها فأنها لم تكن عسيرة في النقل فأذا وصلت الى بلاد الغرب استعملت في اغراض اخرى في العادة مثال ذلك ان النسيج الاسلامي صنع في وقت مبكر وعليه رسم ايراني لطائر، استعمل غطاءاً لنقاب السيدة العذراء وهو محفوظ الان في كنيسة شارتر قرب باريس، وفي بعض الاحيان كان ينظر الى قطع النسيج هذه نظرة تبجيل كما في نقاب القديسة آن المحفوظ في زجاجة من البندقية يرجع تاريخها الى القرن الخامس عشر، وهذه القطعة المنسوجة عليها كتابة عربية تتضمن الشهادتين واسمي الخليفة الفاطمي المستعلي ووزيرة الافضل وعليها ايضاً ما يفيد انها صنعت في دمياط في مصر سنة ٤۸۹ او ٤۹۰ للهجرة.
ولما كانت هذه القطعة قد نسجت قبل سقوط بيت المقدس بأيدي الصليبين وهزيمة الافضل بن بدر الجمالي في عسقلان فمن الجائز جداً انها قد نهبت واخذت الى اوروبا مع اشياء اخرى ثمينة، وقدمت الى كنائسهم على سبيل الشكر بمناسبة نجاتهم من القتل في الحروب الصليبية. والى لقاء آخر في الهواء الطلق استودعكم الله سالمين غانمين.

*******

 

شاركوا هذا الخبر مع أصدقائكم

جميع الحقوق محفوظة