البث المباشر

فن التذهيب والزخرفة في المخطوطات الاسلامية

الأربعاء 23 يناير 2019 - 12:16 بتوقيت طهران

إذاعة طهران - لقاء في الهواء الطلق: الحلقة 17

السلام عليكم ايها المستمعون الكرام ورحمة الله.
من آثار الفن الاسلامي الموروث فن التصوير المرتبط بتزيين الكتاب فقد اهتم المسلمون بالكتب المخطوطة اهتماماً جعلها تحفاً فنية ثمينة ومن قدر له النظر في مخطوط من المخطوطات الفنية الفارسية او التركية او الهندية الاسلامية لا يكاد يدري بأي شيء منها يعجب، ابدقة الزخارف المذهبة وجمالها ام بجذب الصور وسحرها، ام بأبداع الالوان ونضارتها، ام بجمال الخط ورشاقته ام بزخارف الجلد ورسومه، انه ليعجب بكل هذه الاشياء مجتمعة ويذكر صبر الفنانين المسلمين ودأبهم في صناعة مثل هذه التحف النفيسة، العناية بجودة الخط امر طبيعي في الاسلام وقد كان الخطاطون اعظم الفنانين مكانة في العالم الاسلامي عامة‌ وفي بلاد فارس وتركية خاصة لاشتغالهم بكتابة المصاحف ونسخ كتب الادب والشعر ومن هنا تقدم فن تطوير الخط، واقبل الامراء والحكام على شراء المخطوطات الكاملة او النماذج من كتابة الخطاطين المشهورين وكانت اكثر هذه النماذج من الايات القرآنية او الادعية او ابيات الشعر، وجمع منها الهواة المرقعات اي الالبومات الفاخرة. وكان الخطاط يزين كتابته بأمضاءه فخراً بخطه كما صنفت بعض الكتب في تراجم حياة الخطاطين في حين لم يكن لغيرهم من الفنانين نصيب من هذه العناية وكان الى جانب هؤلاء الخطاطين نساخون متواضعون يعنون بنسخ مخطوطات ارخص ثمناً ليقدروا على اقتناءها اولئك الذين يحتاجون اليها من رجال العلم والادب، وطبيعي ان تكون المصاحف ميداناً لفن تجويد الخط وقد كتبها الخطاطون في البداية بضروب من الخط الكوفي الذي تطور على ايديهم من اجل الدقة والرشاقة والجمال الزخرفي، حتى بلغ ذروة عظمته في القرن الخامس الهجري، وكان اكبر عون لهم في ذلك طبيعة الحروف العربية وما فيها من تقويس وانبساط واتصال وما تقبله رؤوسها وسيقانها من ذيول زخرفية وتوريق وترابط واقبل الناس في بلاد المغرب على الكتابة بخط ينسب اليهم وله بعض الخصائص الى جوار تماثله مع خط الثلث والنسخ بيد ان الخطاطين بدأوا منذ القرن السادس الهجري في الانصراف عن كتابة المصاحف بالخط الكوفي وكتبوها بالثلث والنسخ وبضروب اخرى من الخطوط اللينة ومن المخطوطات التي عني فيها لتجويد الخط بعض دواوين الشعر الفارسي والعربي و التركي وبعض كتب الادعية والصلاة على النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وقد استعمل الخطاطون في كتابتها ضروباً شتى من الخطوط منها التعليق والنستعليق والشكستة ونمت صناعة‌ الورق الثمين في العالم الاسلامي ولا سيما في ايران واستطاع الايرانيون في القرن التاسع الهجري ان يصنعوا منه انواعاً فاخرة من الحرير والكتان، عفّوا بضغطها واكسابها بعض الالوان وبتلميعها لتليق بدواوين الشعر الرقيق التي كانت يكتب عليها بالخطوط الجميلة.


ومن فنون الكتاب التي ازدهرت في الفن الاسلامي التراثي فن تزيين المخطوطات بتذهيب بعض صفحاتها او تذهيبها كلها والمعروف ان الخطاط كان يتم كتابة المخطوط تاركاً في بعض صفحاته الفراغ الذي يطلب منه لترسم فيه الاشكال النباتية والهندسية المذهبة او تنقش فيه صور ذات صلة بنصوص معينة في المخطوط وربما لا يكون للبعض صلة قريبة به فيكون الغرض من رسمها تجميل المخطوط فحسب وقد وصل الى المتاحف والمكتبات والمجموعات الفنية الخاصة بعض مخطوطات لم تتم فيها الرسوم في كل الفراغ المتروك في صفحاتها المختلفة وكان المخطوط يسلم في حينه بعد ذلك الى فنان اختصاصي في رسم الهوامش وتزيينها بالزخارف ثم الى آخر لتذهيب هوامشه وصفحاته الاولى وصفحاته الاخيرة وبداية فصوله وعناوينه، وسوى ذلك من الزخارف المتفرقة، هذا وكانت الرسوم النباتية والهندسية المذهبة في المخطوطات تبلغ اقصى حدود الاتقان ولا سيما في القرنين التاسع والعاشر بعد الهجرة، فقد وصل الفن الاسلامي للغاية في الاتفاق والدقة وتوافق الالوان وكان فن التذهيب ارفع فنون الكتاب بعد تجويد الخط وكان المصور الذي يتقن فن التذهيب يحرص على ان يضاف الى اسمه لفظ مذهب، كما ان المؤرخين كان لا يفوتهم ان يتحدثوا بجمعه بين هذين الفنين الرفيعين.


لا ريب يا اخي ان اعظم المخطوطات القديمة‌ شأناً من الوجة الفنية الخالصة هي المصاحف التي كانت تكتب بين القرنين الثامن والثاني عشر الهجريين والتي كانت تذهب وتزين بأدق الرسوم وابدعها ولا ريب ايضاً ان تعظيم القرآن الكريم كان يبعث كثيراً من الفنانين على العناية بتذهيب المصاحف واقبل بعض الامراء والعلماء والادباء على تعلم فن التذهيب وقد اسدى هؤلاء خدمة بينة على المذهبين الذين كانوا يحتاجون في صناعتهم الى بعض المواد الغالية الثمن وحسبنا في هذا الصدد ان نرى مجموعة المصاحف الثمينة المحفوظة مثلاً في دار الكتب المصرية وهي مصاحف غنية بزخارفها المذهبة التي انفق عليها الاموال الطائلة. ومنذ القرن التاسع الهجري زادت العناية بتزيين صفحات بعض المخطوطات فلم يعد التذهيب وقفاً على السرلوح اي الصفحات الاولى ولاقفاً على النجوم الزخرفية التي كانوا يسمون الواحدة منها شمسة ولا على الجامات اي المناطق والبحور التي كان يكتب فيها اسم صاحب المخطوطة وتاريخ الفراغ منها بل اصبح لزخرفه الهوامش والحواشي ايضاً شأن كبير، اذ اقبلوا على تغطيتها برسوم النبات والحيوان وبالرسوم الادمية في بعض الاحيان وقد دعا هذا الصرب من زخرفة المخطوطات في العصر الصفوي في ايران كما اصابت الهند الاسلامية قسطاً وافراً من النجاح فيه، كانت الرسوم المذهبة في المخطوطات بسيطة في البداية لكنها تطورت في سبيل الاتقان وغلبت عليها رسوم النجوم المسدسة او المثمنة‌ ورسوم الفروع النباتية المتصلة وسواها من الرسوم، وقد ابدع المذهبون في اسلوب جديد ازدهر منذ عهد السلاجقة وقوامه ان تحاط سطور الكتابة بخطوط دقيقه وان تعطى الصفحة خارج هذه المناطق التي تحد السطور البنانية وتشهد بعض المخطوطات الثمينة بأن تزيين المخطوطات بالرسوم الجميلة وكذلك تذهيبها لم يك وقفاً على المصاحف وكتب المسلمين فحسب بل كانت مخطوطات الانجيل والتوراة وكذلك سواها تكتب بضروب جميلة من الخط العربي وتذهب وتزين صفحاتها بالرسوم الهندسية والنباتية العربية الطراز وهي الرسوم والزخارف التي عم استعمالها بين رجال الفن في ديار الاسلام والواقع يا اخي هو انه ليس غريباً ان يصيب المسلمون عامة والفرس والترك خاصة ابعد حدود التوفيق في تحلية الصفحات بالرسوم وتذهيبها فأن هذه الفنون الزخرفية تتفق مع ميولهم واستعدادهم حتى اصبحت زخارف الصفحات المذهبة نماذج تنقل عنها الرسوم في التحف المعدنية والخزفية والجصية وفي المنسوجات وفي السجاد، ومن تذهيب الكتاب وتزيينه وزخرفته الى زخرفة الابنية وتزيينها، هذه الزخارف الخطية فرية من مزايا الفن الاسلامي التراثي فأن الكتابات المرقومة على الابيتة وكذلك التحف المختلفة ليس القصد منها دائماً اثبات اسم صاحب التحفة او مؤسس البناء او تاريخه او التبرك ببعض الايات القرآنية الكريمة او بعض العبارات المألوفة فحسب بل ان الفنانين المسلمين اتخذوا الكتابة عنصراً حقيقياً من عناصر الزخرفة فعملوا على رشاقة الحروف وتناسق اجزاءها وتزيين سيقانها ورؤوسها ومداتها واقواسها بالحروف النباتية والوريدات، ولم يكن استعمال الخط في الزخرفة فاصراً على اشرطة الكتابة الكوفية او النسخية على الابنية او على التحف من خزف ومعدن وخشب وعاج ونسج ومخطوطات فحسب بل كان الفنانون المسلمون يبدعون في كتابة العبارات بالخط الكوفي المتداخل بحيث تظهر العبارة على شكل مربع او مستطيل كما كانوا يكتبون العبارة او الكلمة بالخط النسخي او بغيره على شكل حيوان او شكل طائر والسلام عليكم ورحمة الله.

شاركوا هذا الخبر مع أصدقائكم

جميع الحقوق محفوظة