البث المباشر

الفنان الشرقي المعاصر واشكالية الانبهار

الأربعاء 23 يناير 2019 - 12:14 بتوقيت طهران

الحلقة 15

السلام عليكم ايها الاصدقاء ورحمة الله.
الهدف الاكبر الذي اذكى ظاهرة استشراق الفني هو حاجة الدول الغربية الى معرفة الشرق الاسلامي في حاضره وماضية، في مظاهرة ‌الاجتماعية والعمرانية والاقتصادية لكي تسهل السيطرة على هذا الشرق والتسلط الاستعماري عليه ومن هنا كان دور الفنانين الغربيين الذين كان غالبهم ملحقين بالبعثات العسكرية والدبلوماسية فكان عليهم نقل صورة واضحة ودقيقة وصحيحة عن الشرق المسلم في اماكنه المقدسة واثاره الحضارية وعاداته ويومياته واسواقه وبيوته لكي تتضح الصورة في عين الغرب القوي الفائق فعندما حدث اختراع آلة التصوير الفوتوغرافية استغنت البعثات العسكرية والدبلوماسية عن هؤلاء الفنانين والرسامين فأنتهت حركة الاستشراق الفني كحركة منظمة وشبه رسمية بيد انها بدأت في اواخر القرن التاسع عشر ومطلع القرن العشرين مع من ظل من هؤلاء الرسامين بمسيرة جديدة اشد اثراً واوفر نجاحاً وهذه المسيرة تقوم على تعليم الشرقيين اساليب الفن الغربي وتقنياته، من منطلق اخضاع المغلوبين الشرقيين لثقافه الغالب ومنطقة وسرعان ما اخذ الفنانون الشرقيون بنسج احلام ذهبية ملونة عن الغرب المنتصر الفائق عليهم.
ارتبطت الحركة الفنية العربية والشرقية عامة منذ بداياتها بالشأن الوطني او بالتوجه الحضاري ككل، ذلكم التوجه الذي يعتمد عنصرين هما الانفتاح على‌ الحياة الغربية واسترجاع الهوية الاصيلة وقد بدت هذه الصيغة الثنائية صيغة منطقية مقنعة وتحولت الى‌ شعار هيمن عشرات السنين مواكباً الحياة الحديثة في مختلف مظاهرها في الفن والادب والاجتماع والسياسة، بيد ان هذه الصيغة التي استجاب لها العقل والمنطق انذاك وسار الجميع تحت شعاراتها ستنقلب من كونها صيغة حل الى صيغة ازمة، او صيغة مشكلة حضارية كبرى، فالصيغة التي كانت منطقية في الظاهر ستبدو فيما بعد صيغة غير متماسكة في الجوهر. منذ رحيل الفنان العربي او الشرقي الاول الى العاصمة الفنية الغربية سيظهر تقليد شبه مقدس ذلك ان جميع الفنانين العرب منذ القرن التاسع عشر حتى اليوم سيختارون عاصمة غربية في الاقل يقيمون فيها دارسين في معاهدها متأملين متاحفها لكي تتم المباركة الغربية لمواهبهم الفنية او لكي يكتسب طموحهم الفني شرعية الحضور وشرعية الحياة.
الغرب كصورة للتقدم والغرب كطرف سيتم الانفتاح عليه والغرب كقطب للمعادلة الحضارية الجديدة هو موضوع التساؤل الان، كيف؟ عندما نسعى الى تلمس الخصوصية الابداعية الناتجة عن ضرورة الانفتاح وضرورة التمسك بالهوية الحضارية سندرك بعد تراكم الاعمال الفنية منذ اواخر القرن التاسع عشر حتى الربع الاخير من القرن العشرين ان هذه الصيغة مهتزة وغير منطقية على الاطلاق، فلا الغرب غرب ولا الشرق شرق ولا نستطيع من ثمة الاعتراف بنجاح هذه الصيغة التآلفية بين الانفتاح على الغرب وبين الالتزام بالاصالة، حين نتأمل اعمال الفنانين الاوائل في القرن التاسع عشر والنصف الاول من القرن العشرين نجد ان الغرب الذي يشكل طرف المعادلة غرب متعدد لاغرب واحد بل يمكن القول ان هذا الغرب الذي طمح هؤلاء الفنانون له ليس غرب القرن التاسع عشر ولا غرب القرن العشرين، يبدو الامر اكثر تعقيداً إذا انتقلنا الى طرف المعادلة الثاني اذ ان من الصعب جداً ان نتلمس التراث او الخصائص والسمات الجوهرية للهوية الحضارية بالمعنى الشامل لشعار الانفتاح والهوية، كيف ذلك؟ هذا ما سنجيب عليه بعيد قليل.
عندما كان الفنان العربي او الشرقي يتأمل بأعجاب اعمال لئوناردو دافنشي وميكال انجلو وروفائيل، اي عندما كان يتأمل فن عصر النهضة الايطالية في القرن الخامس عشر والسادس عشر كنماذج للفن في المطلق كانت الحياة الفنية الاوربية تشهد تحولات كبرى وتتقدم نحو عتبات الثورة الفنية التي سيشهدها القرن العشرون، لم تكن كلاسيكية ‌عصر النهضة قد غيبتها الحجب الكثيفة فحسب بل كانت الرومانسية تلفظ انفاسها الاخيرة وكانت المدرسة الطبيعية ومدرسة الفن للفن على فراش نزعها الاخير ايضاً، السؤال الان، هو لماذا لم ينتبه او لم يتجاوب الفنان الشرقي عند دراسته او عند انفتاحه على الغرب مع الحياة الفنية التي كان يعيشها الغرب انذاك؟ لماذا كان مشدوداً الى ماضي الحضارة الغربية بشكل عام؟ يعود الفنان العربي والشرقي في اواخر القرن التاسع عشر ليرسم لوحة على الطريقة الكلاسيكية الايطالية وليرسم لوحاته الاخرى بالاسلوب الرومانسي، في الوقت الذي كانت عواصم العالم الكبرى تتحدث فيه بالانطباعية كمدرسة جديدة للمستقبل وبعد ان يضج العالم بأسره بحوادث الثورة الفنية في مطلع القرن العشرين ويبرز اسم بيكاسو وبراك وتبرز عناوين مثل المستقبلية والتكعيبية والتجريدية سيعود الجيل الثاني من الفنانين الشرقيين ليستلهموا الاساليب الانطباعية واساليب المدرسة الطبيعية والواقعية التي كانت تتراجع لتصبح من الماضي الذي تجاوزه العصر. اجل يا اخي ان الغرب المتقدم الغرب كنموذج للتقدم لم يكن غرباً واضحاً ولا غرباً واحداً وإذا اخذنا بالاعتبارات التحولات الاجتماعية والاقتصادية والفكرية‌ والسياسية التي رافقت الفن الغربي او التي كان الفن ترجمة لها مع تذكر الثورة الصناعية الكبرى والحربين العالميتين الاولى والثانية فسنجد ان مقولة الانفتاح كانت مقولة مهتزة وسطحية من حيث التطبيق فلم يكن الغرب في هذه المقولة الا شكلاً فارغاً من المضمون او ثوباً لجسد فارقته الروح منذ امد ليس بقصير.
السؤال الاخر حول العلاقة بالغرب، يتعلق بالطرف الاخر من المعادلة، معادلة الانفتاح والهوية ‌في القرن التاسع عشر وهذا الطرف هو مسألة الهوية الحضارية، ترى من اين نبدأ بتلمس الخصوصية الحضارية في اللوحة الحديثة؟ هل نقف عند الازياء؟ هل نقف عند ملامح الوجوه؟ او نتجاوزها لنقف عند خصائص الطبيعة كمناظر لا شجار ولبيوت وطرقات؟ مما اقتصرت عليه اعمال الفنان النصف الاول من القرن العشرين؟ هل الانسان في شكله وزيه وهل الطبيعة في مناظرها والوانها هي التي سوف تكون الشهادة المثلى لفن متميز يشهد على خصوصية ابداعية حضارية؟
تشكل السنوات القليلة التي سبقت منتصف القرن العشرين سنوات الولادة الحقيقية لحركة الفنون التشكيلية الحديثة في العالم العربي ذلك ان فهماً جديداً للفن بمعناه ودوره سيعدل من مقولات عصر النهضة الذي كان العتبة الاولى التي دخل منها الفنانون الاوائل الى عالم الفن فأذا تبين لنا ان مقولة ضرورة الانفتاح على الغرب كمثال للتقدم الحضاري وضرورة الالتفات الى الماضي واحياءه كتوكيد للهوية الحضارية مقولة لن ترى في الغرب الا اصول حرفة الرسم ولم ترفي الشرق الا العناوين الكبرى وحسب فأن سنوات الاستقلال ستسلط الاضواء على الذات اي على الحاضر كنقطة وصل لابد منها لكي يتم العبور الى الغرب ومن ثمة الى التقدم والى ‌الماضي ومن ثمة الى‌ الهوية الحضارية والسلام عليكم ورحمة الله.

*******

 

شاركوا هذا الخبر مع أصدقائكم

جميع الحقوق محفوظة