البث المباشر

قبل إمامة الإمام الحسن العسكري عليه السلام ( 2)

الثلاثاء 20 نوفمبر 2018 - 13:24 بتوقيت طهران
قبل إمامة الإمام الحسن العسكري عليه السلام ( 2)

زواج الإمام الحسن العسكري عليه السلام

روي عن بشر بن سليمان النخاس ـ وهو من ولد أبي أيوب الأنصاري ـ أحد موالي أبي الحسن ‏الهادي وأبي محمد العسكري عليهما السلام أنّه قال‎:‎
‎«‎أتاني كافور الخادم ـ خادم الإمام الهادي ـ فقال: مولانا أبو الحسن علي الهادي عليه السلام ‏يدعوك إليه فأتيته فلما جلست بين يديه قال لي: يابشر إنك من ولد الأنصار وهذه الموالاة لم ‏تزل فيكم يرثها خلف عن سلف، فأنتم ثقاتنا أهل البيت، وإني مزكيك ومشرفك بفضيلة تسبق بها ‏الشيعة في الموالاة بها، بسرّ أطلعك عليه، وأنفذك في ابتياع اُمة‏‎.‎
فكتب كتاباً لطيفاً بخط رومي ولغة رومية وطبع عليه خاتمه وأخرج شقيقة صفراء فيها مائتان ‏وعشرون ديناراً، فقال: خذها وتوجه إلى بغداد واحضر معبر الفرات ضحوة يوم كذا، فاذا ‏وصلت إلى جانبك زواريق السبايا وترى الجواري فيها ستجد طوائف المبتاعين من وكلاء قواد ‏بني العبّاس وشرذمة من فتيان العرب، فإذا رأيت ذلك فأشرف من البعد على المسمّى عمر بن ‏يزيد النخّاس عامة نهارك إلى أن تبرز للمبتاعين جارية صفتها كذا وكذا، لابسة حريرين ‏صفيقين تمتنع من العرض ولمس المعترض والانقياد لمن يحاول لمسها، وتسمع صرخة رومية ‏من وراء ستر رقيق، (فاعلم) أنّها تقول: واهتك ستراه، فيقول بعض المبتاعين: عليّ ثلاثمائة ‏دينار فقد زادني العفاف فيها رغبة، فتقول له بالعربية: ولو برزت في زيّ سليمان بن داود ‏وعلى شبه ملكه ما بدت لي فيك رغبة فأشفق على مالك، فيقول النخّاس: فما الحيلة؟ ولا بد من ‏بيعك، فتقول الجارية: وما العجلة؟ ولا بد من اختيار مبتاع يسكن قلبي إليه وإلى وفائه وأمانته، ‏فعند ذلك قم إلى عمر بن يزيد النخّاس وقل له: أنّ معك كتاباً ملصقاً لبعض الأشراف كتبه بلغة ‏رومية وخطّ رومي، ووصف فيه كرمه ووفاءه ونبله وسخاءه، فناولها لتتأمل منه أخلاق صاحبه ‏فإن مالت إليه ورضيتهُ، فأنا وكيله في ابتياعها منك‎.‎
قال بشر بن سليمان: فامتثلت جميع ما حدّه لي مولاي أبو الحسن عليه السلام في أمر الجارية ‏‏(فلما نَظَرَتْ) في الكتاب بكتْ بكاءً شديداً وقالت لعمر بن يزيد بِعني لصاحب هذا الكتاب، ‏وحلفت بالمحرجة والمغلظة أنه متى امتنع من بيعها منه قتلتْ نفسها، فما زلت اُشاحّه في ثمنها ‏حتّى استقرّ الأمر فيه على مقدار ما كان أصحبنيه مولاي عليه السلام من الدنانير، فاستوفاه مني ‏وتسلّمت الجارية ضاحكة مستبشرة، وانصرفت بها إلى الحجيرة التي كنت آوي إليها ببغداد، فما ‏أخذها القرار حتّى أخرجت كتاب مولانا عليه السلام من جيبها وهي تلثمه وتطبقه على جفنها ‏وتضعه على خدّها وتمسحه على بدنها، فقلت تعجباً منها: تلثمين كتاباً لا تعرفين صاحبه؟ ‏فقالت: أيها العاجز الضعيف المعرفة بمحلّ أولاد الأنبياء أعِرني سمعك وفرّغ لي قلبك أنا مليكة ‏بنت يشوعا بن قيصر ملك الروم، واُمي من ولد الحواريين تنسب إلى وصيّ المسيح شمعون: ‏اُنبّـِئُك بالعجب: إنّ جدي قيصر أراد أن يزوّجني من ابن أخيه وأنا من بنات ثلاث عشرة سنة ‏فجمع في قصره من نسل الحواريين من القسيّسين والرهبان ثلاثمائة رجل، ومن ذوي الأخطار ‏منهم سبعمائة رجل، وجمع من اُمراء الأجناد وقوّاد العسكر ونقباء الجيوش وملوك العشائر ‏أربعة آلاف، وأبرز من بهيّ ملكه عرشاً مصنوعاً من أصناف الجوهر إلى صحن القصر، ‏ورفعه فوق أربعين مرقاة فلما صعد ابن أخيه وأحدقت الصلب وقامت الأساقفة عكّفاً ونشرت ‏أسفار الإنجيل تسافلت الصلب من الأعلى فلصقت بالأرض وتقوّضت أعمدة العرش فانهارت ‏إلى القرار. وخرّ الصاعد من العرش مغشيًّا عليه فتغيّرت ألوان الأساقفة وارتعدت فرائصهم‎.‎
فقال كبيرهم لجدّي: أيّها الملك اعفنا من ملاقاة هذه النحوس الدالّة على زوال دولة هذا الدين ‏المسيحي والمذهب الملكاني فتطيّر جدّي من ذلك تطيّراً شديداً (وقال) للأساقفة أقيموا هذه ‏الأعمدة وارفعوا الصلبان وأحضروا أخا هذا المدبر العاثر المنكوس جدّه لاُزوّجه هذه الصبيّة ‏فيدفع نحوسه عنكم بسعوده. فلمّا فعلوا ذلك حدث على الثاني مثل ما حدث على الأوّل وتفرّق ‏الناس وقام جدّي قيصر مغتمّاً فدخل منزل النساء واُرخيت الستور واُريتُ في تلك الليلة كأنّ ‏المسيح وشمعون وعدّة من الحواريين قد اجتمعوا في قصر جدّي ونصبوا فيه منبراً من نور ‏يُباري السماء علوّاً وارتفاعاً في الموضع الذي كان نصب جدّي فيه عرشه، ودخل عليهم محمّد ‏صلى الله عليه وآله وختنه ووصيّه وعدّة من أبنائه عليهم السلام فتقدّم المسيح إليه فاعتنقه، ‏فيقول له محمد صلى الله عليه وآله: ياروح الله جئتُك خاطباً من وصيّك شمعون فتاتَه مليكة ‏لابني هذا ـ وأوْمأ بيده إلى أبي محمد عليه السلام ابن صاحب هذا الكتاب ـ فنظر المسيح إلى ‏شمعون وقال له: قد أتاك الشرف فَصِل رَحِمَك رَحِمَ آلِ محمّد عليهم السلام قال: قد فعلتُ فصعد ‏ذلك المنبر فخطب محمّد صلى الله عليه وآله وزوّجني من ابنه وشهد المسيح عليه السلام، وشهد ‏أبناء محمّد عليهم السلام والحواريون‎.‎
فلما استيقظت أشفقْتُ أنْ أقصّ هذه الرؤيا على أبي وجدّي مخافة القتل فكنت اُسِرّها ولا اُبديها ‏لهم وضرب صدري بمحبّة أبي محمّد عليه السلام حتى امتنعت من الطعام والشراب فضعُفتْ ‏نفسي ودقّ شخصي، ومرضت مرضاً فما بقي في مدائن الروم طبيب إلاّ أحضره جدّي وسأله ‏عن دوائي فلما برح به اليأس (قال): ياقرّة عيني وهل يخطر ببالك شهوة فازوّدكها في هذه ‏الدنيا؟ فقلت ياجدّي أرى أبواب الفرج عليّ مغلقة فلو كشفت العذاب عمّن في سجنك من اُسارى ‏المسلمين وفككت عنهم الأغلال وتصدّقت عليهم ومنّيْتهم الخلاص رجوت أن يهب لي المسيح ‏واُمّه عافية، فلما فعل ذلك تجلّدت في إظهار الصحة من بدني قليلاً وتناولت يسيراً من الطعام ‏فسُرّ بذلك وأقبل على إكرام الاُسارى وإعزازهم، فاُريتُ بعد أربع عشرة ليلة كأنّ سيدة نساء ‏العالمين فاطمة عليها السلام قد زارتني ومعها مريم ابنة عمران وألف من وصائف الجنان، ‏فتقول لي مريم: هذه سيدة نساء العالمين أم زوجك أبي محمد عليه السلام، فأتعلّق بها وأبكي ‏وأشكو إليها امتناع أبي محمّد عليه السلام من زيارتي، فقالت سيدة النساء (عليها السلام) إن ‏ابني أبا محمد لا يزورك وأنت مشركة بالله على مذهب النّصارى، وهذه اُختي مريم بنت ‏عمران تبرأ إلى الله تعالى من دينك فإن مِلْت إلى رضاء الله ورضاء المسيح ومريم عليهما ‏السلام وزيارة أبي محمد إيّاك فقولي‎:‎
أشهد أن لا إله إلاّ الله وأنّ أبي محمداً، رسول الله، فلما تكلمت بهذه الكلمة ضمَّتني إلى صدرها ‏سيّدة نساء العالمين وطَيَّبَتْ نفسي وقالت: الآن توقَّعي زيارة أبي محمّد فإني منفذته إليك، ‏فانتبهت وأنا أقول وأتوقّع لقاء أبي محمد عليه السلام، فلمّا كان في الليلة القابلة رأيت أبا محمد ‏عليه السلام وكأنّي أقول له: جفوتني ياحبيبي بعد أن أتْلَفَتْ نفسي معالجة حبك. فقال: ما كان ‏تأخّري عنك إلاّ لشركك، فقد أسلمت وأنا زائرك في كل ليلة إلى أن يجمع الله تعالى شملنا في ‏العيان، فما قطع عني زيارته بعد ذلك إلى هذه الغاية‎.‎
‎(‎قال بشر) فقلت لها: وكيف وقعت في الاُسارى؟ فقالت: أخبرني أبو محمّد عليه السلام ليلة من ‏الليالي أنّ جدكِ سيسيّر جيشاً إلى قتال المسلمين يوم كذا وكذا، ثمّ يتّبعهم فعليك باللّحاق بهم ‏مُتَنَكّـِرة في زيّ الخدم مع عدّة من الوصائف من طريق كذا. ففعلت ذلك فوقعت علينا طلايع ‏المسلمين حتّى كان من أمري ما رأيت وشاهدت وما شعر بأني ابنة ملك الروم إلى هذه الغاية ‏أحد سواك، وذلك باطلاعي إياك عليه، ولقد سألني الشيخ الذي وقعتُ إليه في سهم الغنيمة عن ‏اسمي فقلت: نرجس، فقال: اسم الجواري‎.‎
قلت: العجب إنّك روميّة ولسانك عربيّ، قالت: نعم من ولوع جدّي وحمله إيّاي على تعلّم الآداب ‏أنْ أوعَز إلى امرأة ترجمانة لي في الاختلاف إليّ وكانت تقصدني صباحاً ومساءاً وتفيدني ‏العربية حتى استمرّ لساني عليها واستقام‎.‎
‎(‎قال بشر): فلما انكفأت بها الى سرّ من رأى دخلت على مولاي أبي الحسن عليه السلام فقال: ‏كيف أراكِ اللهُ عزّ الإسلام، وذلّ النصرانيّة، وشرف محمّد وأهل بيته عليهم السلام؟ قالت: كيف ‏أصف لك يابن رسول الله ما أنت أعلم به منّي. قال: فإني أحببت أن اكرمك، فما أحب إليك ‏عشرة آلاف دينار أم بشرى لك بشرف الأبد؟‏
قالت بشرى بولد لي: قال لها: أبشري بولد يملك الدّنيا شرقاً وغرباً ويملأ الأرض قسطاً وعدلاً ‏كما ملئت ظلماً وجوراً‎.‎
قالت: ممّن؟ قال: ممّن خطبك رسول الله صلى الله عليه وآله له ليلة كذا في شهر كذا من سنة ‏كذا بالرومية‎.‎
قالت: من المسيح ووصيه؟ قال لها: ممّن زوجك المسيح عليه السلام ووصيه؟قالت: من ابنك ‏أبي محمد عليه السلام؟ فقال: هل تعرفينه؟
قالت: وهل خلت ليلة لم يرني فيها منذ الليلة التي أسلمت على يد سيّدة النساء صلوات الله عليها؟ ‏قال: فقال مولانا: ياكافور ادع اُختي حكيمة، فلمّا دخلتْ قال لها‎: ‎
هاهية. فاعتنقتها طويلاً وسرّت بها كثيراً، فقال لها أبوالحسن عليه السلام: يابنت رسول الله ‏خذيها إلى منزلك وعلّميها الفرائض والسنن فإنّها زوجة أبي محمد واُمّ القائم (1).‎
وروى الصدوق بسنده عن محمد بن عبد الله الطهري أنه قال: قصدت حكيمة بنت محمد عليه ‏السلام بعد مضي أبي محمّد عليه السلام أسألها عن الحجة وما قد‎ ‎اختلف في الناس من الحيرة التي هم فيها، فقالت لي: اجلس فجلست ثم قالت: يامحمّد إن الله ‏تبارك وتعالى لا يخلي الأرض من حجة ناطقة أو صامتة، ولم يجعلها‎ ‎في أخوين بعد الحسن والحسين عليهما السلام. تفضيلاً للحسن والحسين وتنزيهاً لهما أن يكون ‏في الأرض عديلهما إلاّ أن الله تبارك وتعالى خصّ ولد الحسين‎ ‎بالفضل على ولد الحسن عليه السلام كما خصّ ولد هارون على ولد موسى عليه السلام وإن ‏كان موسى حجة على هارون والفضل لولده إلى يوم القيامة. ولا بد‎ ‎ للاُمة من حيرة يرتاب فيها المبطلون ويخلص فيها المحقّون كيلا يكون للخلق على الله حجة، إن ‏الحيرة لا بدّ واقعة بعد مضيّ أبي محمد الحسن عليه السلام‎.‎
فقلت: يامولاتي هل كان للحسن عليه السلام ولد؟ فتبسّمت ثم قالت: اذا لم يكن للحسن عليه ‏السلام عقب فمن الحجة من بعده؟ وقد أخبرتك أنه لا إمامة لأخوين بعد الحسن والحسين عليهما ‏السلام‎.‎
فقلت: ياسيدتي حدّثيني بولادة مولاي وغيبته عليه السلام. وفي هذا النصّ تشير حكيمة الى أن ‏نرجس قد كانت جارية لها، وأنّ الإمام الحسن العسكري عليه السلام في زمن حياة أبيه الهادي ‏عليه السلام يصرّح لعمّته بأنّ الله سيخرج منها ولداً كريماً على الله عزّ وجلّ فيملأ به الأرض ‏قسطاً وعدلاً بعدما تملأ ظلماً وجوراً‎.‎
وهنا تبادر حكيمة فتستأذن الإمام الهادي عليه السلام لتهب هذه الجارية الى ابنه الحسن ‏العسكري عليه السلام‎.‎
وهنا تقول حكيمة: فلبست ثيابي وأتيت منزل أبي الحسن عليه السلام وجلست. فبدأني عليه ‏السلام وقال: ياحكيمة إبعثي نرجس إلى ابني ابي محمد. قالت‎: ‎
فقلت: ياسيدي على هذا قصدتك على أن استأذنك في ذلك. فقال لي: يامباركة إن الله تبارك ‏وتعالى أحبّ أن يشركك في الأجر ويجعل لك في الخير نصيباً‎.‎
قالت حكيمة: فلم ألبث أن رجعت إلى منزلي وزيّنتها ووهبتها لأبي محمد عليه السلام وجمعت ‏بينه وبينها في منزلي فأقام عندي أيّاماً ثم مضى الى والده عليه السلام ووجّهت بها معه (2)‏‎.‎
والمشتركات بين الخبرين امور عديدة ولا مانع من أن تكون هذه الرواية قد أهملت كثيراً من ‏التفاصيل التي جاءت في الرواية الاولى‎.‎
وهناك روايات اُخرى كلها تصرّح بوجود دور مهم لحكيمة عمّة الإمام الحسن عليه السلام في ‏ولادة الإمام المهدي المنتظر عليه السلام‎.‎المصدر:

- اعلام الهداية، الامام الحسن بن علي العسكري (ع)، المولف: لجنة التأليف، تاريخ النشر: 1422 هـ، الناشر: مركز الطباعة والنشر للمجمع العالمي لأهل البيت (ع)

‏‏1- ‏‎ ‎الغيبة، للطوسي: 124 ـ 128‏‎.‎
‏2- ‏‎ ‎كمال الدين: 2 / 426، وعنه في بحار الأنوار: 51 / 11‏‎.‎
 

شاركوا هذا الخبر مع أصدقائكم

جميع الحقوق محفوظة