البث المباشر

الإمام علي بن الحسين ـ عليه السَّلام ـ سيرته وسنته

الجمعة 16 نوفمبر 2018 - 18:59 بتوقيت طهران
الإمام علي بن الحسين ـ عليه السَّلام ـ سيرته وسنته

سلوك الإمام زين العابدين عليه السلام مع أبنائه فقد تميز بالتربية الإسلامية الرفيعة لهم، فغرس في نفوسهم نزعاته الخيرة، واتجاهاته الإصلاحية العظيمة وقد صاروا بحكم تربيته لهم من ألمع رجال الفكر والعلم والنضال في الإسلام

في بيته:

كان الإمام زين العابدين (عليه السلام) من أرأف الناس وأبرهم وأرحمهم بأهل بيته، وكان لا يتميز عليهم، بل كان كأحدهم، وأثر عنه أنه قال: لأن أدخل السوق ومعي دراهم أبتاع بها لعيالي لحماً، وقد قرموا(1) أحب إلي من أن أعتق نسمة(2) وكان يبكر في خروجه صبحاً لطلب الرزق لعياله، فقيل له: إلى أين تذهب؟ فقال: أتصدق لعيالي من طلب الحلال، فإنه من الله عز وجل صدقة عليهم(3). وكان يعين أهله في حوائجهم البيتية، ولا يأمر أحداً منهم فيما يرجع إلى أي شأن من شؤونه الخاصة، كما كان يتولى بنفسه خدمة نفسه خصوصا فيما يرجع إلى شؤون عبادته فإنه لم يك يستعين بها أو يعهد إلى أحد في قضائها.
لقد سار الإمام في بيته سيرة لم ير الناس مثلها فقد تمثلت فيها الرحمة والتعاون والرأفة، ونكران الذات.

مع مربيته:

عهد الإمام الحسين (عليه السلام) إلى سيدة زكية من أمهات أولاده بالقيام بحضانة ولده زين العابدين ورضاعته ورعايته، وقد عنيت به هذه المرأة الصالحة كأشد ما تكون العناية، فكانت ترعاه كما ترعى الأم الرؤوم فلذة كبدها، وقد درج الإمام في جو من الكتمان الشديد، فلم يخبره أحد بموت أمه إلا بعد أن كبر لئلا يحترق قلبه ويقلق باله(4).
وبعد أن كبر الإمام زين العابدين عليه السلام علم بموت أمه، وأدرك أن ما أسدته إليه هذه المربية الصالحة من ألوان البر والإحسان إنما كان خدمة له وتقرباً إلى الله، فقابل (عليه السلام) ذلك المعروف بكل ما تمكن عليه من أنواع الإحسان وقد بلغ من جميل بره بها أنه أمتنع أن يؤاكلها فلامه الناس، وأخذوا يسألونه بإلحاح قائلين:
(أنت أبر الناس، وأوصلهم رحماً فلماذا لا تؤاكل أمك؟...).
فأجابهم جواب من لم تشهد الدنيا مثل أدبه وكماله قائلاً:
(أخشى أن تسبق يدي إلى ما سبقت عينها إليها(5) فأكون قد عققتها...)(6).
أية إنسانية تضارع هذه الإنسانية؟ وأي نفس ملائكية هذه النّفس؟ وحسبه أنه ابن الحسين الذي ملأ الدنيا بشرفه وكماله.

رواية موضوعة:

ذكر ابن كثير رواية لا أساس لها من الصحة، فقد روى أن الإمام زين العابدين زوج أمه من مولى له، وأعتق أمة فتزوجها فأرسل إليه عبد الملك يلومه في ذلك فكتب إليه (لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثيراً، وقد أعتق صفية فتزوجها، وزوج مولاه زيد بن حارثة من بنت عمه زينب بنت جحش(7).
أما صدر هذه الرواية دون ذيلها فهو مفتعل، والذي يدلل عليه ما يلي:
أولاً: إن السيدة أم الإمام توفيت في نفاسها، وقد ذكر ذلك جمهور المؤرخين والرواة.
ثانياً: أن الإمام أبا الحسن الرضا (عليه السلام) صرح بذلك في حديثه مع سهل بن القاسم النوشجاني، فقد قال له: إنها - أي أم الإمام علي بن الحسين - ماتت في نفاسها فكفله بعض أمهات ولد أبيه فسماها الناس أمه، وإنما هي مولاته، وزعموا أنه زًََوج أمه، ومعاذ الله ذلك، وإنما زوج هذه، قال سهل: ولم يبق طالب بخراسان إلا كتب هذه عن الرضا(8).
إن مصدر هذه الرواية لا أساس له من الصحة مطلقاً، وأما عتق الإمام لبعض مملوكاته وزواجه بها فأمر يتفق مع روح الإسلام وهديه، ولا مانع منه.

مع أبويه:

كان الإمام زين العابدين عليه السلام من أبر الناس بأبيه ومربيته، فقد خفض لهما جناح المودة والرحمة، ولم تبق مبرة ولا خدمة إلا قدمها لهما، وبلغ من عظيم بره لأبيه أنه طلب من عمته زينب بطلة كربلاء في يوم الطف أن تزوده بالعصا ليتوكأ عليها، وبالسيف ليذب به عن أبيه في حين أن المرض قد فتك به فلم يتمكن أن يخطو خطوة واحدة على الأرض إلا أن عمته صدته عن ذلك لئلا تنقطع ذرية النبي (صلى الله عليه وآله) فأي مبرة مثل هذه المبرة؟ ومن خدماته لأبيه أنه قام بعد شهادته بتسديد ما عليه من الديون الضخمة التي كان قد أنفقها على البؤساء والمحرومين... ومن مبراته لأبويه دعاؤه لهما.

مع أبنائه:

أما سلوك الإمام زين العابدين عليه السلام مع أبنائه فقد تميز بالتربية الإسلامية الرفيعة لهم، فغرس في نفوسهم نزعاته الخيرة، واتجاهاته الإصلاحية العظيمة وقد صاروا بحكم تربيته لهم من ألمع رجال الفكر والعلم والنضال في الإسلام، فكان ولده الإمام محمد الباقر (عليه السلام) من أشهر أئمة المسلمين، ومن أكثرهم عطاءاً للعلم، وهو صاحب المدرسة الفقهية الكبرى التي تخرج منها كبار الفقهاء والعلماء أمثال أبان بن تغلب وزرارة بن أعين، وغيرهما ممن أضاءوا الحياة الفكرية في الإسلام،.. وأما ولده عبد الله الباهر فقد كان من أبرز علماء المسلمين في فضله، وسمو منزلته العلمية، وقد روى عن أبيه علوماً شتى، وكتب الناس عنه ذلك(9) أما ولده زيد فقد كان من أجل علماء المسلمين وقد تخصص في علوم كثيرة كعلم الفقه والحديث والتفسير وعلم الكلام وغيرها وهو الذي تبنى حقوق المظلومين والمضطهدين، وقاد سيرتهم النضالية، في ثورته الخالدة التي نشرت الوعي السياسي في المجتمع الإسلامي، وساهمت مساهمة إيجابية وفعالة في الإطاحة بالحكم الأموي.

مع مماليكه:

و سار الإمام زين العابدين عليه السلام مع مماليكه سيرة تتسم بالرفق و العطف و الحنان فكان يعاملهم كأبنائه،و يغدق عليهم بره و معروفه و إحسانه، و قد وجدوا في كنفه من الرفق ما لم يجدوا في ظل آبائهم، و يقول الرواة إنه لم يعاقب أمة و لا عبداً فيما إذا اقترفا ذنباً(10) و قد كان له مملوك فدعاه مرتين فلم يجبه، وفي الثلاثة قال له الإمام برفق و لطف:
-((يا بني أما سمعت صوتي؟...)).
-((بلى..)).
-((لم لم تجبني؟...)).
-((أمنت منك...)).
فخرج الإمام و راح يحمد الله و يقول:
((الحمد لله الذي جعل مملوكي يأمنني...))(11)
لقد فرح الإمام لأنه لم يكن قاسياً، و لا جباراً حتى يخاف منه الناس أو يحذرون.

مع جيرانه:

و كان الإمام زين العابدين عليه السلام من أبر الناس بجيرانه، فكان يرعاهم كما يرعى أهله، و كان يعول ضعفاءهم و فقراءهم، و يعود مرضاهم، و يشيع موتاهم، و لم يترك لوناً من ألوان البر إلا أسداه إليهم، و كان يستقي لضعفاء جيرانه في غلس الليل البهيم كما روى ذلك الزهري وليس في تاريخ الإنسانية مثل هذا اللون من المعروف والبر. 

مع جلسائه:

أما سلوك الإمام عليه السلام مع جلسائه يتميز بالآداب الرفيعة و الخلق الإسلامي العظيم، فكان يحترم، و يكرم كل من جلس معه، و قد قال عليه السلام: (( ما جلس إلي أحد قط إلا عرفت له فضله))(12) و كان يوقر جلساءه، و يقابلهم بالمزيد من ألطافه، و معالي أخلاقه، و قد دخل عليه نصر ابن أوس الطائي، فرحب به الإمام، و قال له:
_((ممن أنت \؟)).
_((من طي..)).
_((حياك الله، و حياً قوماً عُزِيْتَ إليهم، نعم الحي حيك...)).
و التفت الطائي إلى الإمام فقال له:
_((من أنت؟..)).
_((علي بن الحسين..)).
_((أولم يقتل بالعراق مع أبيه؟..)).
فقابله الإمام ببسمات فياضة بالبشر قائلة:
_((لو قتل يا بني لم تره..)).(13)
و يقول المؤرخون إنه كان لا يسمح لأحد من جلسائه أن يعتدي على من أساء إليه، فقد دخل عليه أحد أعدائه، فقال له:
((هل تعرف الصلاة؟..)).
فانبرى أبو حازم و هو من أصحاب الإمام فأراد الوقيعة به، فزجره الإمام، و قال له ((مهلاً يا أبا حازم إن العلماء هم الحلماء الرحماء، ثم التفت إلى الرجل بلطف و قال له:
((نعم أعرفها..))
سأله الرجل عن بعض خصوصيات الصلاة فأجابه الإمام عنها، فخجل الرجل،و راح يعتذر للإمام و يقول له: ما تركت لأحد حجة(14). لقد كان شأن الإمام في المعالي أخلاقه مع جلسائه و غيرهم شأن جده الرسول الأعظم الذي بُعث ليتمم مكارم الأخلاق.

مع شيعته:

كان الإمام زين العابدين عليه السلام يتحرى في سلوكه مع شيعته أن يكونوا قدوة حسنة لكل إنسان مسلم في ورعهم و تقواهم و حريجتهم في الدين و قد جهد في تربيتهم و تهذيبهم بالأخلاق الإسلامية الرفيعة، و قد بث فيهم المواعظ و النصائح، و حفزهم على التقوى و العمل الصالح، فقد قال (عليه السلام) لبعض شيعته:
(أبلغ شيعتنا أنه يغني عنهم من الله شيء، و أن ولايتنا لا تنال إلا بالورع..)(15).
إن الورع عن المحارم الله من أهم الوسائل في نجاة الإنسان من عذاب الله و عقابه، كما إنه من أنجح الطرق للظفر بولاية أهل البيت عليهم السلام ووفد جماعة على الإمام (عليه السلام) و عرفوا نفوسهم له بأنهم من الشيعة فأمعن في وجوههم فلم ير عليها أثر الصلاح، فقال لهم: (أين السمت في الوجوه؟ أين أثر العبادة؟ أين سيماء السجود؟ إنما شيعتنا بعبادتهم، و شعثهم، قد قرحت العبادة منهم الآماق و وثرت الجباه و المساجد، خمص البطون، ذبل الشفاه، قد هيجت وجوههم، و أخلق سهر الليالي، و قطع الهواجر، حثيثهم، المسبحون إذا سكت الناس، و المصلون إذا نام الناس و المحزونون إذا فرح الناس، يعرفون بالزهد، و شاغلهم الجنة..)(16).
إن هذه الصفات التي ذكرها الإمام(عليه السلام) إنما تتوفر في خواص الشيعة، و حواري الأئمة عليهم السلام أمثال عمار بن ياسر، و أبي ذر، و سلمان الفارسي، و ميثم التمار، و نظرائهم ممن أترعت نفوسهم بالتقوى و الصلاح، ووعوا رسالة الإسلام أما الأكثرية الساحقة من الشيعة فإنما هم من أتباع أهل البيت و مواليهم، و لا شبهة أن للأئمة عليهم السلام مما يوجب الغفران، و يدلل عل ذلك ما روي عنه عليه السلام، حينما مرض فقد دخل عليه جماعة من صحابة النبي(صلى الله عليه وآله) لعيادته فقالوا له:
(كيف أصبحت يا ابن رسول الله فدتك أنفسنا؟)
(في عافية و الله لك المحمود على ذلك، و كيف أصبحتم أنتم؟...)
(أصبحنا و الله لك يا ابن رسول الله محبين، وادين..)
فبشرهم الإمام بالفردوس الأعلى لولائهم لأهل البيت قائلاً:
(من أحبنا لله أسكنه الله في ظل ظليل يوم القيامة يوم لا ظل إلا ظله و من أحبنا يريد 
مكافأتنا كافأه الله الجنة، و من أحبنا لغرض دنيا آتاه الله رزقه من حيث لا يحتسب..)(17)

رواية موضوعة:

من الروايات الموضوعة ما رواه ابن عساكر أن جماعة من أهل العراق وفدوا على الإمام زين العابدين (عليه السلام)، فقال لهم: ((يا أهل العراق أحبونا حب الإسلام، و لا تحبونا حب الأصنام، فما زال بنا حبكم حتى صار علينا شيناً..))(18) و هذه الرواية افتعلت للحط من شأن الشيعة و انهم يغالون في حبهم و ولائهم لأهل البيت عليهم السلام، و يرفعونهم إلى مستوى الخالق العظيم، و هو اتهام رخيص لا سند له من الواقع. إن حب الشيعة للأئمة الطاهرين عليهم السلام قائم على أساس الفكر و الوعي و يستند إلى الكتاب العزيز و السنة المتواترة، و ليس فيه أي شائبة من الغلو... إن أهم ظاهرة في ولاء الشيعة لأئمة أهل البيت (عليهم السلام) هي أنها تأخذ معالم دينها عنهم_ تلتزم بما أثر عنهم في حياتهم الدينية، و مما لا شبهة فيه أن الأخذ بفقه أهل البيت و الاستناد إليه في مقام العمل مجز عن الواقع، فهل في هذه الجهة غلو، و إنحراف عن الدين؟ 
و قد رويت نفس هذه الرواية بشكل آخر ليس فيها طعن على الشيعة، فقد روي يحيى بن سعيد قال: كنت عند علي بن الحسين فجاءه نفر من الكوفيين، فقال لهم علي بن الحسين: يا أهل العراق أحبونا حب الإسلام، فإني سمعت أبي يقول: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): يا أيها الناس لا ترفعوني فوق حقي، فإن الله عز وجل قد اتخذني عبداً قبل أن يتخذني نيباً، و ليس في هذه الرواية ما يدعو إلى التشكيك فيها.

إلزامه للشيعة بالتقية:

وألزم الإمام زين العابدين (عليه السلام) شيعته بالتقية نظراً للظروف العصبية الخانقة التي كانت تمر بهم، فقد كان الحكم الأموي يفتش بدقة عن العناصر الموالية لأهل البيت ليقوم بتصفيتهم جسدياً، وقد جاء أمر الإمام (عليه السلام) بلزوم التقية و إخفاء شيعته موافقاً للحكمة، و متفقاً مع روح الإسلام وجوهره، قال عليه السلام: (يغفر الله للمؤمن كل ذنب، ويطهره منه في الدنيا والآخرة ما خلا ذنبين ترك التقية، و تضييع حقوق الأخوان).
لقد حفظت التقية دماء شيعة أهل البيت في تلك العصور السود التي كان فيها الحكم الأموي يتتبعهم تحت كل حجر ومدر فأشاع فيهم القتل والإعدام، وبلغ الحال أن من يقذف من المسلمين باليهودية والنصرانية أهون عليه من أن يوصف بأنه من شيعة آل محمد (صلى الله عليه وآله) وقد ندد بالشيعة من لا وعي له من الحاقدين على آل البيت (عليهم السلام) لإلتزامهم بالتقية. ولم يعلم أنها ضرورة إسلامية ملحة، ولولا التزامهم بها لم يبق يدين بالولاء للأئمة الطاهرين.

استغفاره لمذنبي شيعته:

وبلغ من حب الإمام زين العابدين عليه السلام لشيعته والموالين أنه كان يدعو لمذنبيهم في كل يوم، فقد قال (عليه السلام) لأم فروة بنت القاسم بن محمد بن أبي بكر: (إني لأدعو لمذنبي شيعتنا في اليوم و الليلة مائة مرة، لأنا نصبر على ما نعلم و يصبرون على ما لا يعملون...)(19) ودل هذا الحديث على مدى تعاطف الإمام على شيعته، وحبه لهم، فقد دعا لمذنبيهم بالمغفرة و الرضوان فأي بر وأي إحسان أعظم من هذا البر و الإحسان).

مع أعدائه:

أما سلوك الإمام عليه السلام مع أعدائه، والحاقدين عليه، و الظالمين له فقد تميز بالصفح و العفو عنهم، والإحسان إليهم، و البر بهم، يقول المؤرخون: إن إسماعيل بن هشام المخزومي كان والياً على يثرب، وكان شديد البغض و الحقد على آل لبيت (عليهم السلام) و كان يبالغ في إيذاء الإمام زين العابدين، و يشتم آباءه على المنابر تقرباً إلى حكام دمشق، ولما ولى وليد ابن عبد الملك الخلافة بادر إلى عزله و الوقيعة به لهنات كانت بينهما قبل أن يلي الملك والسلطان، وقد أوعز بإيقافه للناس لاستيفاء حقوقهم منه، وفزع ابن هشام كأشد ما يكون الفزع من الإمام زين العابدين لكثرة اعتدائه عليه، وإسائته له، وقال: ما أخاف إلا من علي بن الحسين فإنه رجل صالح يسمع قوله في، أما الإمام (عليه السلام) فقد عهد إلى أصحابه و مواليه أن لا يعترضوا له بمكروه، وأسرع فقابله ببسمات فياضة بالبشر و عرض عليه القيام بما يحتاج إليه من معونة في أيام محنته قائلاً:
(يا ابن هشام العم عافاك لقد ساءني ما صُنع بك فادعنا إلى ما أحببت...) وذهل هشام وراح يقول بإعجاب:
(الله أعلم حيث يجعل رسالته فيمن يشاء...)(20).
ولنستمع ونمعن في دعائه الشريف بالمغفرة لأعدائه وظالميه،إلى ما اقرتفوه من الاعتداء عليه السلام:
(اللهم وأيما عبد نال مني ما حظرت عليه، وانتهك مني ما حجرت عليه فمضى بظلامتي ميتاً، أو حصلت لي قبلة حياً، فاغفر له ما ألم به مني، واعف له ما أدبر به عني، ولا تفقه على ما ارتكبت فيّ، ولا تكشفه عما اكتسب بيّ، واجعل ما سمحت به من العفو عنهم، وتبرعت به من الصدقة عليهم أزكى صدقات المتصدقين وأعلى صلاة المقربين، وعوضني من عفوي عنهم عفوك، ومن دعائي رحمتك حتى يسعد كل واحد منا بفضلك، وينجو كل منا بمنك...)(21)
 

بكاؤه على أبيه الحسين بن علي (عليهما السلام) 

روى الشيخ الصدوق بإسناده عن أبي عبد الله عليه السلام قال: البكاؤون خمسة: آدم ويعقوب، ويوسف، وفاطمة بنت محمد (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وعلي بن الحسين عليهم السلام فأما آدم فبكى على الجنة حتى صار في خديه أمثال الأودية، وأما يعقوب فبكى على يوسف حتى ذهب بصره وحتى قيل له (تالله تفتؤا تذكر يوسف حتى تكون حرضاً أو تكون من الهالكين) وأما يوسف فبكى على يعقوب حتى تأذى به أهل السجن فقالوا له: أما أن تبكي الليل وتسكت بالنهار وأما أن تبكي النهار وتسكت بالليل فصالحهم على واحدة منهما.
وأما فاطمة فبكت على رسول الله حتى تأذى بها أهل المدينة، فقالوا لها: قد آذيتنا بكثرة بكائك فكانت تخرج إلى مقابر الشهداء فتبكي حتى تنقضي حاجتها ثم تنصرف.
وأما علي بن الحسين فبكى على الحسين (عليه السلام) عشرين سنة أو أربعين سنة ما وضع بين يديه طعام إلا بكى حتى قال له مولى له: جعلت فداك يا ابن رسول الله إني أخاف عليك أن تكون من الهالكين، قال: إنما أشكو بثي وحزني إلى الله وأعلم من الله ما لا تعلمون، إني ما أذكر مصرع بني فاطمة إلا خنقتني لذلك عبرة (الخصال ج1 ص129).
روى ابن قولويه بإسناده عن أبي عبد الله (ع) قال: بكى علي بن الحسين على أبيه حسين بن علي (صلوات الله عليهما) عشرين سنة أو أربعين سنة وما وضع بين يديه طعام إلا بكى على الحسين حتى قال له مولى له: جعلت فداك يا ابن رسول الله إني أخاف عليك أن تكون من الهالكين، قال: إنما أشكو بثي وحزني إلى الله وأعلم من الله ما لا تعلمون، إني لم أذكر مصرع بني فاطمة إلا خنقتني العبرة لذلك (كامل الزيارات، الباب الخامس والثلاثون ص107).
وروى بإسناده عن إسماعيل بن منصور عن بعض أصحابنا، قال: أشرف مولى لعلي بن الحسين عليه السلام، وهو في سقيفة له ساجد يبكي، فقال له: يا مولاي يا علي بن الحسين، أما آن لحزنك أن ينقضي، فرفع رأسه إليه وقال: ويلك - أو ثكلتك أمك - والله لقد شكى يعقوب إلى ربه في أقل مما رأيت حتى قال: يا أسفي على يوسف، إنه فقد ابناً واحداً، وأنا رأيت أبي وجماعة أهل بيتي يذبحون حولي، قال: وكان علي بن الحسين عليه السلام يميل إلى ولد عقيل فقيل له: ما بالك تميل إلى بني عمك هؤلاء دون آل جعفر؟ فقال إني أذكر يومهم مع أبي عبد الله الحسين بن علي عليه السلام فأرق لهم (المصدر السابق).
قال ابن شهر آشوب: وقيل: أنه بكى حتى خيف على عينيه وكان إذا أخذ إناء ليشرب الماء بكى حتى يملأها دمعاً، فقيل له في ذلك، فقال: وكيف لا أبكي وقد منع أبي من الماء الذي كان مطلقاً للسباع والوحوش، وقيل له: إنك لتبكي دهرك فلو قتلت نفسك لما زدت على هذا، فقال: نفسي قتلتها وعليها أبكي.

1- قرموا: أي أشتد شوقهم إلى اللحم.

2- البحار ج 46 ص 67.

3- بحار الأنوار ج 46 ص 67.

4- الإمام زين العابدين ص 19.

5- شذرات الذهب ج 1 ص 105 الكامل للمبرد ج 1 ص 302.

6- عيون الأخبار لابن قتيبة ج 3 ص 97.

7- البداية والنهاية ج 9 ص 108.

8- عيون أخبار الرضا ص 270.

9- غاية الاختصار ص 106.

10- البحار ج 64 ص 103.

11- تأريخ دمشق ج 36 ص 155.

12- بهجة المجالس و أنس المجالس القرطبي ج 1 ص 46.

13- تأريخ دمشق ج 36 ص 145.

14- بهجة الأبرار.

15- الدر النظيم ص 173.

16- صفات الشيعة من مخطوطات مكتبة السيد الحكيم.

17- نور الأبصار ص 127.

18- تأريخ دمشق ج 36 ص 157

19- الذرية الطاهرة ص 29مخطوط في مكتبة أمير المؤمنين تسلسل 44.

20- الإمام زين العابدين ص 202 نقلاً عن المحاسن للبرقي.

21- الوافي ج 2 ص 183 عيون المعجزات ص 76.

شاركوا هذا الخبر مع أصدقائكم

جميع الحقوق محفوظة