البث المباشر

من دلائل إمامة الإمام علي بن الحسين ـ عليه السَّلام

الأربعاء 3 أكتوبر 2018 - 17:45 بتوقيت طهران
من دلائل إمامة الإمام علي بن الحسين ـ عليه السَّلام

كان من دلائل إمامته إخباره بوقوع بعض الأحداث في المستقبل، وقد تحققت بعد عشرات السنين كما أخبر عنها، وتعتبر هذه الظاهرة - عند الشيعة الإمامية - من دلائل الإمامة،

فإن الإخبار عن المغيبات من مكنونات علم الله تعالى، ولا يمنحها إلا لأنبيائه وأوصيائهم، ومما يدلل على ذلك أن الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) أخبر عن كثير من الملاحم، وقد تحققت كلها على مسرح الحياة، فقد أخبر عن مصارع أهل النهروان، ومصرع ذي الثدّية، وأخبر عن زوال دولة بني أمية، وأخبر عن كثير من الأحداث ما لو جمعت لكانت كتاباً، وقد تحقق كل ما أخبر عنه، وهو القائل لأصحابه:
(سلوني قبل أن تفقدوني.. فوالذي نفسي بيده لا تسألوني عن شيء بينكم وبي الساعة إلا أخبرتكم به)..
وقال مرة لأصحابه:
(لو شئت لأخبرتكم بما يأتي ويكون من حوادث دهركم، ونوائب زمانكم، وبلاء أيامكم، وغمرات ساعاتكم..).

وعلق الأستاذ عبد الفتاح عبد المقصود على ذلك بقوله: (ولم يكن - أي الإمام - يرجم بظن، ولا يستقرئ النجوم، ولا يلتجئ للكهانة، وهو يرى بعينه إلى ما وراء المعلوم المنظور ليأتيهم بشذرة من المجهول المستور.
إنما كان ينطق عن حق لا شبهة فيه لأنه كان عندئذٍ يطلعهم على بعض علم محمد (صلى الله عليه وآله) الذي اختصه به من دون الناس..)(1).
إن الله تعالى قد منح أئمة أهل البيت (عليهم السلام) طاقات مشرقة من العلوم، وخصهم بمكنونات غيبه للتدليل على إمامتهم وقيادتهم الروحية والزمنية لهذه الأمة، وممن خصّه بهذه الفضيلة الإمام زين العابدين (عليه السلام)، فقد أخبر عن كثير من الملاحم التي تحققت بعده، وكان من بينها:

1- إخباره عن شهادة زيد:

من الملاحم التي أخبر عنها الإمام (عليه السلام) أنه أخبر عن شهادة ولده الشهيد العظيم زيد، فقد روى أبو حمزة الثمالي قال: كنت أزور علي بن الحسين في كل سنة مرة وقت الحج، فأتيته سنة، وكان على فخذه صبي فقام عنه، واصطدم بعتبة الباب فخرج منه دم، فوثب إليه الإمام، وجعل ينشف دمه، وهو يقول له:
(إني أعيذك بالله أن تكون المصلوب بالكناسة...).
وبادر أبو حمزة قائلاً:
(بأبي أنت وأمي أي كناسة؟...)
(كناسة الكوفة..).
(جعلت فداك أيكون ذلك؟..)
(أي والذي بعث محمداً بالحق إن عشت بعدي لترين هذا الغلام في ناحية الكوفة مقتولاً، مدفوناً، منبوشاً، مصلوباً بالكناسة، ثم ينزل فيحرق، ويدق ويذرى في البر..).
وبهر أبو حمزة وراح يسأل عن اسم هذا الغلام قائلاً:
(جعلت فداك ما اسم هذا الغلام؟..).
(زيد)..

وتحقق كل ما أخبر به الإمام فلم تمض حفنة من السنين حتى ثار زيد الشهيد الذي هو من ألمع الثائرين الأحرار فقد ثار في وجه الطغيان الأموي مطالباً بتحقيق العدالة الإسلامية، وتحقيق حقوق الإنسان فأجهزت عليه القوى الظالمة فأردته قتيلاً وانبرى بعض أنصاره فدفنه، إلا أن الحكومة الأموية أخرجته من قبره، وصلبته، في كناسة الكوفة، وبقي أربع سنين مصلوباً على جذع وهو ينير للناس طريق الحرية والشرف والكرامة، ثم أنزلوه بعد ذلك وأحرقوه، وذروا قسماً من رماده في ماء الفرات ليشربه الناس حسبما يقول الأمويون.
لقد تحقق جميع ما أخبر به الإمام في شأن ولده العظيم، ومن المؤكد أن ذلك من علائم الإمامة ودلائلها.

2- إخباره عن حكومة عمر بن عبد العزيز:

من الملاحم التي أخبر عنها الإمام (عليه السلام) أنه أخبر عن عمر بن عبد العزيز وأنه سيلي أمور المسلمين ولا يلبث إلا يسيراً حتى يموت(2) وتحقق ذلك فقد ولي عمر الخلافة وبقي زمناً يسيراً ووافاه الأجل المحتوم.

3- إخباره عن حكومة العباسيين:

وأخبر (عليه السلام) عن حكومة العباسيين، وقد استشف من وراء الغيب أن حكمهم يقوم على الظلم والجور وعلى الفسق والفساد، وسيخرجون المسلمين عن دينهم، وستثور عليهم كوكبة من العلويين مطالبين بتحقيق العدل والحق بين الناس، وأنهم سينالون الشهادة على أيدي أولئك الطغاة، وهذا نص حديثه روى الإمام أبو جعفر عن أبيه أنه قال: أما أن في صلبه - أي صلب ابن عباس - وديعة ذرية لنار جهنم وسيخرجون أقواماً من دين الله أفواجاً، وستصبغ الأرض من فراخ آل محمد (صلى الله عليه وآله) تنهض تلك الفراخ في غير وقت، وتطلب غير مدرك، ويرابط الذين آمنوا، ويصبرون حتى يحكم الله(3).

لقد ثارت كوكبة من العلويين المجاهدين على طغاة بني العباس، فقد رفع علم الثورة محمد وإبراهيم على المنصور الدوانيقي الذي هو أعتى ملك في تاريخ هذا الشرق، وكذلك ثار الحسين بن علي صاحب واقعة الفخ على الهادي العباسي، وثار على غير هؤلاء من أبناء الرسول (صلى الله عليه وآله) وقد رفعوا راية الحرية والكرامة مطالبين بحقوق المظلومين والمضطهدين، وقد سقوا بدمائهم الزكية شجرة الإسلام التي جهد العباسيون الأقزام على قلعها.
هذه الملاحم التي أخبر الإمام زين العابدين (عليه السلام) عن وقوعها، وقد تحققت كما أخبر (عليه السلام).
لقد منح الله زين العابدين العلم الذي لا يحد كما وهب آباءه، وكان (عليه السلام) يكتم علومه، ولا يذيعها بين الناس لئلا يفتتن به الجهال وقد أعلن ذلك بقوله:

إني لأكتم من علمي جواهره

كيلا يرى الحق ذو جهل فيفتتنا

يا رب جوهر علم لو أبوح به

لقيل لي أنت ممن يعبد الوثنا

ولاستحل رجال مسلمون دمي

يرون أقبح ما يأتونه حسنا

وقد تقدم في هذا أبو حسن

إلى الحسين وأوصى قبله الحسنا(4)

    

1- الإمام علي بن أبي طالب ج 8 ص 164.

2- دلائل الإمامة ص 88 بصائر الدرجات.

3- إثبات الهداة ج 5 ص 241.

4- منهاج العابدين ص 2 منصور لأبي حامد الغزالي، الإتحاف بحب الأشراف ص 50 روح المعاني للآلوسي ج 6 ص 190 روضات الجنات ج 3 ص 133.

شاركوا هذا الخبر مع أصدقائكم

جميع الحقوق محفوظة