البث المباشر

الدرس القرآني التاسع والعشرين؛ وَلا يُؤذَنُ لَهُم فَيَعتَذِرونَ

الأحد 24 مايو 2020 - 12:00 بتوقيت طهران
الدرس القرآني التاسع والعشرين؛ وَلا يُؤذَنُ لَهُم فَيَعتَذِرونَ

لن يُؤذن لنا يوم القيامة بالاعتذار، وما دام الاستغفار يرفع الإنسان درجة ويغسل الذّنوب ويُضفي على الإنسان نوراً فليستغفر وليعتذر إليه تعالى. «فاذكروني أذكركم». أي في نفس اللحظة التي يتوجّه فيها القلب إلى الله ويستحضر ذكره، يتفضّل هو عليكم بلطفه ورحمته وبركته، ويمدّ لكم يده بالبذل والعطاء. علينا أن نفعل ما يؤهّلنا لأن نكون مذكورين عند الله تعالى ولا يأتي الخطاب الإلهيّ «إنّا نسيناكم».

ينشر موقع KHAMENEI.IR الإعلامي خلال أيّام شهر رمضان المبارك بشكل يومي مجموعة من الدروس القرآنية للإمام الخامنئي التي فسّرها سماحته وشرحها ضمن خطاباته. وقد تمّ إعداد هذه الدّروس تحت عنوان "ربيع القرآن" بشكل تراتبيّ من الجزء الأوّل حتّى الجزء الثلاثين من القرآن الكريم حيث سوف يُنشر في كلّ يومٍ من أيّام الشهر الفضيل درسٌ من هذه الدروس على الموقع الرّسمي وحسابات شبكات التواصل الاجتماعي.

وَلا يُؤذَنُ لَهُم فَيَعتَذِرونَ
سورة المرسلات المباركة ﴿۳٦﴾

يوم القيامة ليس مكان الاعتذار!
سيأتي يومٌ يقول فيه الله عزّوجل للمجرمين: «لا يؤذن لهم فيعتذرون».(۱) لا يُؤذن لنا -لا سمح الله- يوم القيامة بالاعتذار، ولا يُؤذن للمجرمين بالتفوّه بكلمة واحدة للاعتذار، فليس هناك مجالٌ للاعتذار. وما دام باب العفو مفتوحاً هنا، وما دام الاستغفار يرفع الإنسان درجة ويغسل الذّنوب ويُضفي على الإنسان نوراً فليستغفر وليعتذر إليه تعالى، وطالما كانت الفرصة سانحة لاسترحام وطلب الرأفة منه بنا والعطف علينا فعلينا بالمسارعة إلى مثل هذا العمل. «فاذكروني أذكركم»؛(۲) أي في نفس اللحظة التي يتوجّه فيها القلب إلى الله ويستحضر ذكره، يتفضّل هو عليكم بلطفه ورحمته وبركته، ويمدّ لكم يده بالبذل والعطاء. علينا أن نفعل ما يؤهّلنا لأن نكون مذكورين عند الله تعالى ولا يأتي الخطاب الإلهيّ «إنّا نسيناكم».(۳) هكذا يكون موقف يوم القيامة. (٤)

يوم القيامة، لا ينطقون ولا يؤذن لهم بالاعتذار
تقول الآية الكريمة حول يوم القيامة : «يستعجل بها الّذين لا يؤمنون بها والّذين امنوا مشفقون منها ويعلمون أنّها الحقّ».(٥) كفار قريش كانوا يقولون للرسول أين هي القيامة والجحيم اللذان تخوّفنا منهما؟ يقول القرآن: «والّذين آمنوا مشفقون منها»؛ الذين آمنوا يخافون من يوم القيامة . هذه هي القيامة حقاً. يجب الإشفاق منها وعدم نسيانها. هذا ما يضمن لنا الحفظ والصون. القيامة هي اليوم الذي نُعرض فيه على الله: «وعرضوا علي ربّك صفّا».(٦)  يظهر الإنسان أمام الله تعالى بحقيقته، وبباطن قلبه، وبالملكات الراسخة فـي نفسه. هنا أيضاً يرى الله تعالى باطننا، أما هناك فسترتفع كل الحجب، وسنرى ونفهم نحن أيضاً، وسندين أنفسنا. يوم الجزاء هو يوم الإجابة، الإجابة بالمعنى الحقيقي للكلمة. إجابة من دون أي مجال للّف والدوران، لا يستطيع الإنسان نحت أعذار كاذبة فارغة. الإنسان واقف أمام الله تعالى، والله ممسك بتلابيبه. القيامة يوم حساب لا تسامح فيه. سنحاسب كلنا. القيامة يومٌ يخرس فيه لسان الإنسان. طلاقة اللسان التـي يمكن أن يجترحها هنا لن تتهيأ له هناك: «هذا يوم لا ينطقون ولا يؤذن لهم فيعتذرون».(۷) يختم على اللسان ويتكلم باطن الإنسان وملكاته وأعضاؤه وجوارحه. إنْ كنا نُخفي فـي قلوبنا حقداً، وحسداً، ونظرة سلبية، ونية سيئة، وأمراضاً قلبية ، وضغينة للصالحين، وشوقاً وحباً للذنوب، فسيتجلى كل هذا هناك. القيامة حدث عجيب: «اليوم نختم علي أفواههم وتكلّمنا أيديهم وتشهد أرجلهم بما كانوا يكسبون».(۸) 

فلنراجع الآيات الخاصّة بيوم القيامة
الآيات الخاصة بالقيامة تهز الإنسان حقاً. أقترح أن يراجع كل واحد منا آيات القيامة لوحده، لأننا بحاجة إليها. هذا ليس من الأمور التي يمكن للإنسان تسجيلها وإعلان إحصاءات بشأنها. ثمة في القرآن مئات الآيات عن القيامة. هناك بشائر القيامة وهناك التحذيرات من القيامة. وكلاهما يهزّ الإنسان من الأعماق. بشائر القرآن مدوّية وجذابة ومشوِّقة، وتهديداته أيضاً مدوية تذيب قلب الإنسان، «يبصّرونهم يودّ المجرم لو يفتدي من عذاب يومئذ ببنيه وصاحبته وأخيه وفصيلته الّتي تؤويه ومن في الأرض جميعا ثمّ ينجيه»؛(٩) يتمنى المجرم من شدة العذاب الإلهي أن يضحّي بابنه لينجو من العذاب، يضحّي بأحبّته وكل البشر على وجه الأرض ليخلص من العذاب، لكنه لا يستطيع. إنه العذاب الإلهي وما هو بالهزل، ”كلّا إنّها لظي. نزّاعة للشوي. تدعو من أدبر وتولّي. وجمع فأوعي“.(۱۰)

جسر الصّراط؛ جسر العبوديّة والتّقوى
يشرح الإمام السجاد (سلام الله عليه) فـي دعاء أبـي حمزة الخوف من القيامة بقوله: «أبكي لخروجي من قبري عرياناً ذليلاً حاملاً ثقلي على ظهري»؛ «أنظر مرة عن يمينـي وأخرى عن شمالـي إذ الخلائق فـي شأن غير شأنـي لكل امرئ منهم يومئذ شأن يغنيه ، وجوه يومئذ مسفرة ضاحكة مستبشرة»؛(۱۱) 
البعض وجوههم ضاحكة راضية مسرورة مرفوعة الرأس. من هم هؤلاء؟ إنهم الذين استطاعوا العبور في الدنيا على جسر الصراط الذي تظهر حقيقته وباطنه هناك ويكون مثاله هنا. جسر الصراط هذا هو جسر العبودية والتقوى والورع، «وأن اعبدوني هذا صراط مستقيم»؛(۱۲) صراط هذه الدنيا هو نفسه الصراط فوق جهنم. «إنك لعلى صراط مستقيم» (۱۳) التي يقولها الله للرسول، أو «وأن اعبدوني هذا صراط مستقيم»،‌‌ هو نفسه الصراط فوق جهنم. إذا استطعنا هنا عبور هذا الصراط بصورة صحيحة وبدقة وبدون زلاّت، لكان عبور ذلك الصراط أسهل ما يمكن. كالمؤمنين الذين يمرون على الصراط كالبرق. «إن الذين سبقت لهم منّا الحسنى أولئك عنها مبعدون لا يسمعون حسيسها»؛ لا يسمعون حتى همهمة جهنم، «وهم فـي ما اشتهت أنفسهم خالدون لا يحزنهم الفزع الأكبر».(١٤) الفزع الأكبر هو أصعب أنواع الخوف الذي يمكن أن يصيب الإنسان. المؤمنون بما لهم من أبعاد جسمانية وروحية ونفسية لا يحزنهم ولا يغمّهم الفزع العظيم الذي سيكون يومئذ، «لا يحزنهم الفزع الأكبر»؛هؤلاء اجتازوا هذا الصراط.(۱۵)

الأعمال الصّالحة ستعينكم
”فمن يعمل مثقال ذرّة خيراً يره“(١٦) بقدر ثقل ذرّة، أي هذه الأشياء المعلّقة في الجوّ ونور الشمس وتُرى، حجمها حجم الذرّة؛ إذا كان حجم عملكم بهذا الحجم فإنّه لن يضيع ولن يذهب هباء.
فلتفرضوا أنّه عُرض عليكم مال وفير؛ أي رشوة، وأنتم قادرون على قبض هذا المال دون أيّ توقيع ودون أن تتسبّبوا لأنفسكم بالمتاعب، لكنّكم تقرّرون أن لا تأخذوه من أجل رضا الله فقط. لن يعلم أحد بالعمل الحسن الذي قمتم به، وسوف تخسرون المال؛  لكنّ كلّ شيء يُسجّل عند الله عزّوجل وسوف ينفعكم في ذلك اليوم «يوم يفرّ المرء من أخيه وأمّه وأبيه وصاحبته وبنيه لكلّ امرئ منهم يومئذ شأن يغنيه»(۱۷) في ذلك اليوم شديد الاضطراب والخوف حيث يفرّ الجميع من الحساب والجزاء الإلهيّ؛ ذلك اليوم صعبٌ إلى درجة أنّه ”يوم يجعل الولدان شياً“؛(١٨) يفرّ المرء حينها من أبيه وأمّه وابنه الذي هو فلذة كبده وزوجته. لماذا؟ ”لكلّ امرئ منهم يومئذ شأنٌ يُغنيه“؛ كلّ إنسان لديه هموم بما يكفي لتشغله عن التفكير بأيّ أحدٍ آخر؛ لكن هناك في ذلك اليوم وذلك المكان ”وجوهٌ يومئذ ناضرة“(١٩) أي وجوه مستبشرة؛ وهناك أيضاً وجوه حزينة وكئيبة. تلك الوجوه المستبشرة هي وجوهكم أنتم، لماذا؟ لأنّكم امتنعتم عن أخذ ذلك المال، وتلك الدولارات في الخفاء رغم قدرتكم على ذلك، هنا تهبّ أعمالكم الصالحة لتعينكم وتخلّصكم من ذلك المأزق؛ هناك تنفعكم تلك الأعمال؛ وذلك أهمّ بكثير من مال هذه الدّنيا.(٢٠)

الهوامش:
1) سورة المرسلات، الآية ٣٦
2) سورة البقرة، الآية ١٥٢
3) سورة السّجدة، الآية ١٤
4) كلمته في خطبتي صلاة الجمعة ١٦/١/١٩٩٨
5) سورة الشورى، الآية ١٨
6) سورة الكهف، الآية ٤٨
7) سورة المرسلات، الآيتين ٣٥ و٣٦
۸) سورة يس، الآية ٦٥
٩) سورة المعارج، الآيات ١١-١٤
۱۰) سورة المعارج، الآيات ١٥-١٨
١١) مصباح المتهجّد، الشيخ الطوسي، ص٥٩٠.
١٢) سورة يس، الآية ٦١
١٣) سورة الزّخرف، الآية ٤٣
١٤) سورة الأنبياء، الآيات ١٠١-١٠٣
١٥) كلمته في لقاء مسؤولي النظام ٢٧/١٠/٢٠٠٤
١٦) سورة الزلزلة، الآية ٧
١٧) سورة عبس، الآيات ٣٤-٣٧
١٨) سورة المزمل، الآية ١٧
١٩) سورة القيامة، الآية ٢٢
٢٠) كلمته في لقاء العاملين في وزارة الأمن ٤/١٠/٢٠٠٤

شاركوا هذا الخبر مع أصدقائكم

جميع الحقوق محفوظة