البث المباشر

الغيرة الحسينية على دين الله عزوجل

الأربعاء 29 مايو 2019 - 13:48 بتوقيت طهران

"بأبي أنت وأمي ونفسي يا أبا عبدالله، أشهد لقد اقشعرت لدمائكم أظلة العرش مع أظلة الخلائق، وبكتكم السماء والأرض وسكان الجنان والبر والبحر. صلى الله عليك عدد ما في علم الله، لبيك داعي الله، إن كان لم يجبك بدني عند استغاثتك ولساني عند استنصارك، فقد أجابك قلبي وسمعي وبصري.. أشهد لقد أمرت بالقسط والعدل ودعوت إليهما وأنك صادق صديق، صدقت فيما دعوت إليه.. وأشهد أنك قد بلغت عن الله وعن جدك رسول الله وعن أبيك أميرالمؤمنين، وعن أخيك الحسن، ونصحت وجاهدت في سبيل ربك وعبدت الله مخلصاً حتى أتاك اليقين، فجزاك الله خير جزاء السابقين.. اللهم صل على محمد وآل محمد وصل على الحسين المظلوم الشهيد الرشيد، قتيل العبرات وأسير الكربات، صلاة نامية زاكية مباركة، يصعد أولها ولا ينفد آخرها، أفضل ما صليت على أحد من أولاد أنبيائك المرسلين، يا إله العالمين".
أيها الإخوة الأعزة.. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، إن الصبر ليس تحملاً وحسب، بل الصبر المقدس المرضي عند الله تعالى هو ما كان في الله، مقروناً بالشكر لله والتسليم لقضاء الله، جل ثناؤه، وهو مقيد بالنية الصالحة والعمل الصالح.
قال تعالى: "وَالَّذِينَ صَبَرُواْ ابْتِغَاء وَجْهِ رَبِّهِمْ وَأَقَامُواْ الصَّلاَةَ وَأَنفَقُواْ مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرّاً وَعَلاَنِيَةً وَيَدْرَؤُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ أُوْلَئِكَ لَهُمْ عُقْبَى الدَّارِ"(سورة سورة الرعد:۲۲)
والصبر الحسيني – أيها الإخوة الأكارم – هو ذلكم الصبر الذي لم يكن له نظير، حيث واجه أعظم المصائب والنوائب، وتحملها طاعة لله، مقرونة بالرضى عن الله، فهي من قضاء الله، وهو المحبوب، وكل ما يفعله المحبوب محبوب.
أيها الأحبة.. لقد كان صبر الإمام الحسين صلوات الله عليه جهداً وجهاداً، معهما الإعتقاد الأسمى والشجاعة المثلى، كما كان ذلك الصبر المقدس إمساكاً للنفس عن الجزع، وثباتاً على قدم العزة والبأس والبسالة. ولقد صبر أبوعبدالله الحسين على الطاعات الطويلة، وعلى المصائب الجمة، إلا أن تهتك حرمات الدين، وتهان كرامة المسلمين، حيث لم يصبر – وهو الغيور- وهو يرى بني أمية ينزون على منبر رسول الله صلى الله عليه وآله، يغتصبون الخلافة النبوية، ويحكمون بخلاف ما أنزل الله تعالى في كتابه وخلاف سنة المصطفى صلى الله عليه وآله، ويعودون بالناس القهقرى إلى الجاهلية الأولى، وينشرون الظلم والفساد والإنحراف ويسلبون الأموال ويهتكون الأعراض والحرمات، ويقتلون المؤمنين؛ فنهض سيد شباب أهل الجنة، الحسين بن علي ينادي: "ألا ترون إلى الحق لا يعمل به، وإلى الباطل لا يتناهى عنه، ليرغب المؤمن في لقاء الله، فإني لا أرى الموت إلا سعادة، والحياة مع الظالمين إلا برما.
ذكّر عليه السلام بالتكليف، منادياً فيهم: "أيها الناس، إن رسول الله صلى الله عليه وآله قال: من رأى سلطاناً جائراً، مستحلاً لحرام الله، ناكثاً عهده، مخالفاً لرسول الله، يعمل في عباد الله بالإثم والعدوان، فلم يغير عليه بفعل ولا قول، كان حقاً على الله أن يدخله مدخله. ألا وإن هؤلاء قد لزموا طاعة الشيطان وتركوا طاعة الرحمن وأظهروا الفساد وعطلوا الحدود، واستأثروا بالفيء وأحلوا حرام الله وحرموا حلاله".
أيها الأحبة.. هذه الكلمات الحسينية في ذروة البلاغة في التعبير عن عمق الغيرة الحسينية على دين الله عزوجل وشريعة رسول الله – صلى الله عليه وآله – فما الذي نتعلمه منها وكيف نستلهم مصاديقها في سلوكياتنا العملية؟ سؤال مهم نستمع معاً لإجابته من ضيفنا الكريم في هذه الحلقة من برنامج الحسين في الوجدان سماحة الشيخ محمد سعيد النعماني عضو الأمانة العامة في الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين في العراق.
النعماني: بسم الله الرحمن الرحيم أحييكم وأحي المستمعين الأعزاء في اذاعة طهران العربية التي نعرف تاريخها المجيد وأقول بالنسبة الى هذا السؤال ثورة الامام الحسين وسلوك الامام الحسين كله ينم عن غيرة لامتناهية على الاسلام ومصالح المسلمين. الامام الحسين كان بإمكانه أن يعيش عيشة مرفهة ومحترمة من قبل السلطة الحاكمة ومن قبل الجماهير المسلمين ولكن لم يستطع الامام الحسين سلام الله عليه أن يرضى أن يكون في منئى عما يجري ويحل بالمسلمين خاصة مع وجود حاكم فاسق فاجر كيزيد حسب تعبير الامام نفسه حينما يقول "ويزيد فاسق فاجر يشرب الخمر ومثلي لايبايع ومثله". ولم تكن قضية الامام الحسين سلام الله عليه قضية شخصية وإنما هذه الغيرة على الاسلام وخاصة المسلمون والمجتمع الاسلامي والأمة الاسلامية قريبة عهد بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم وبعد تلك التضحيات الجسام التي قدمها النبي وأهل البيت والصحابة الكرام واذا بالأمور تنقلب الى وجود شخص لايمت بأي شكل من الأشكال الى الاسلام ويريد أن يتحكم بمصير المسلمين فهذا درس كبير لنا نحن اليوم وهذه هي المسئلة التي يجب أن نستلهمها من الحسين وإلا مجرد الإستذكار والبكاء ولكن أتصور يجب أن نطبق دروس الامام الحسين عليه السلام وسلوكه ومفاهيمه وبياناته التي كانت منذ اليوم الأول لإنطلاقته من المدينة الى مكة من مكة الى كربلاء وفي يوم عاشوراء، كلها بيانات تبين حقيقة موقفه سلام الله عليه من أوضاع المسلمين. الآن ايضاً المسلمون اذا أرادوا أن تكون لهم العزة. صحيح أن الامام الحسين إستشهد وصحيح أنه خسر المعركة ولكنه ربح التاريخ، الآن لايوجد لمن قتلوه وناوئوه وعادوه لهم أي مكان وأما الحسين فهو تهفو اليه قلوب لاأقول الشيعة وإنما المسلمين وغير المسلمين ايضاً يعني الامام الحسين تحول الى رمز للفداء، الى رمز للتضحيات الجسام. اذا أردنا نحن اليوم أن نقتفي بهذا الأثر أتصور لابد لنا أن نوطن أنفسنا على أي نوع من أنواع التضحية غيرة على الاسلام وعلى مصالح المسلمين. هذا هو الدرس العظيم الذي يجب أن نستلهمه من سيد الشهداء الامام الحسين سلام الله عليه.
بإسمكم أعزائي الكرام نشكر سماحة الشيخ محمد سعيد النعماني على توضيحاته المتقدمة بشأن المصاديق العملية لإستلهام الغيرة الحسينية على المقدسات الالهية. نتابع أيها الأكارم من اذاعة طهران صوت الجمهورية الاسلامية في ايران تقديم حلقة اليوم من برنامج الحسين في الوجدان فنتطرق الى إستلهامات من روح الصبر والغيرة الحسينية.
نشكر سماحة الشيخ محمد سعيد النعماني على توضيحاته المتقدمة بشأن المصاديق العملية لإستلهام الغيرة الحسينية على المقدسات الإلهية، نتابع أيها الأكارم من إذاعة طهران صوت الجمهورية الإسلامية في ايران تقديم حلقة اليوم من برنامج (الحسين في الوجدان) فنتطرق إلى إستلهامات من روح الصبر والغيرة الحسينية.
مستمعينا الأفاضل..أصبحت النهضة الحسينية المباركة دروساً أفخر ما تكون الدروس في الصبر والغيرة معاً، والجهاد والبصيرة معاً، والطاعة لله والثبات والفداء معاً؛ وقد تطلب ذلك مواجهة أعظم الآلام وأشد الأحزان وأصعب المواقف، فتقبلها أبوعبدالله الحسين عليه السلام برحابة صدر، يقدم التضحيات الكبرى وتهون عليه النكبات، إذ هي في عين الله، وفي سبيل الله، والصبر عليها لوجه الله تبارك وتعالى.
ويأتي المسلمون فيقرؤون أو يسمعون.. ماذا جرى على ساحة طف كربلاء، وماذا حمل من أخبار يوم عاشوراء، فيستحيون من أنفسهم أن يعتبروا مصائبهم مصائب، كما يستحيون أن لا يصبروا على ما هم عليه وقد صبر إمامهم الحسين وقدوتهم وأسوتهم ذلك الصبر العجيب على تلك النوائب العظمى.. فحق للشاعر بعد ذلك أن يقول:

أنست رزيتكم رزايانا التي

سلفت.. وهونت الرزايا الآتية

وفجائع الأيام تبقى مدة

وتزول.. وهي إلى القيامة باقية


بعد هذا – أحبتنا المؤمنين – نقول: إن كنا حقاً حسينيين، وأردنا أن نكون دوماً مع الحسين قلباً وروحاً، علينا أن نتأسى بصبر الحسين السبط الشهيد ونتعلم منه كيف يكون الصبر على المحن وفي المعضلات، وكيف ينبغي أن نواجه المواقف العصيبة باللجوء إلى الله عزوجل وهمنا مرضاته والتوكل عليه، وهو المأمول والرجاء، وقد روي أن الحسين صلوات الله عليه لما اشتد به الحال في الساعة الأخيرة، بل في ساعة الإحتضار، رفع طرفه نحو السماء وتوجه إلى الله بهذا الدعاء: "اللهم متعالي المكان، عظيم الجبروت شديد المحال، عريض الكبرياء، قادر على ما تشاء، قريب الرحمة، صادق الوعد، سابغ النعمة، حسن البلاء، قريب إذا دعيت، محيط بما خلقت.. أدعوك محتاجا، وأرغب إليك فقيرا.. وأستعين بك ضعيفا، وأتوكل عليك كافيا.. صبراً على قضائك يا رب، لا إله سواك يا غياث المستغيثين. ما لي رب سواك ولا معبود غيرك، صبراً على حكمك يا غياث من لا غياث له، يا دائماً لا نفاد له".
هذا مع المعبود، أما مع الظلمة فقد ذهل العدو ببأسه وإقدامه، وهو يكر وحده على الآلاف، حتى قال عبد الله بن عمار بن يغوث: ما رأيت مكثوراً قط (أي تكاثر عليه العدو) قد قتل ولده وأهل بيته وصحبه، أربط جأشاً من الحسين وأمضى جناناً، ولا أجرأ مقدماً، ولقد كانت الرجال تنكشف بين يديه إذا شد فيها، ولم يثبت له أحد.
وهكذا يجتمع إلى صبر الحسين، عزة الحسين، وإلى شجاعة الحسين، مبادئ الحسين، حتى كانت الشهادة وقد تشرفت بالحسين، صلوات الله على الحسين وآل الحسين، وعلى هذا النهج الشامخ يمضي من كان يأتم بالحسين ويحب أن يبقى مع الحسين.

شاركوا هذا الخبر مع أصدقائكم

جميع الحقوق محفوظة