البث المباشر

سيرة وآثار الشاعر الحكيم السنائي الغزنوي

الإثنين 23 سبتمبر 2019 - 09:44 بتوقيت طهران
سيرة وآثار الشاعر الحكيم السنائي الغزنوي

اذاعة طهران - برنامج : عبارات و اشارات - فقرة : سيرة وآثار الشاعر الحكيم السنائي الغزنوي

 

نحن نلتقيكم في دروب التراث الفكري، والادبي الخالد الذي سطره عمالقة المعرفة والادب في ايران.
ابو المجد آدم سنائي الغزنوي، شاعر حكيم، وعارف كبير من القرن الخامس واوائل القرن السادس الهجري.
وُلِد هذا الشاعر، والعارف الكبير سنة 467 للهجرة في مدينة غزنة وتوفي عام 529هـ، ووري جثمانه الثرى في نفس هذه المدينة التي تقع اليوم في شرق افغانستان.
امضى سنائي فترة طفولته وشبابه في غزنين، وانهمك في غزنة في تلقي العلوم، والمعارف حتى بلغ الدرجات العليا في جميع علوم ومعارف عصره اعتباراً من الادب العربي، وحتى الفقه والحديث والتفسير والطلب والفلك والحكمة والكلام بحيث تشهد لنا اعماله ببلوغه هذه المنازل السامقة.
كانت اسرة سنائي من الاسر الاصيلة في غزنة، وكان والده صاحب حظ من المعرفة، واستناداً الى احدى الروايات التي نجدها في اعمال سنائي ايضا فقد كان والده يتمتع بمكانة مرموقة في تربية اولاد اعيان عصره.
في مثل هذه الاسرة، وفي ظل بيئة كانت آنذاك مركزاً من المراكز المهمة للفضل والادب، انشغل سنائي في تحصيل العلم والمعرفة، واستطاع بفضل تعرّفه على علوم عصره، وتمتعه بلسان فصيح وبليغ، وطبع فياض ان يشق طريقه منذ مطلع شبابه بين الادباء والفضلاء.
قضى سنائي شطراً من حياته في السفر والتنقل، فسافر الى بَلْخ وسَرَخْس، وهرات، ونيسابور ومدن خراسان الاخرى، وفي خلال هذ الاسفار كان يحضر مجالس وحلقات دروس عرفاء وعلماء عصره مثل محمد بن منصور السرخسي.
وتشكل مدائح الامراء والحكام قسماً من اشعار سنائي وذلك عندما كان يعيش في بلاطهم، ويتنقل بينها كما كان حال اكثر شعراء عصره.
الا ان سيرته هذه لم تدم طويلاً اذ ما لبث ان عزم على زيارة بيت الله، فتوجه الى مكة من بلخ.
ويرى نقّاد ومحللو اعمال سنائي ان زيارة مكة تركت آثاراً عميقة في قلبه، فتجرد من ظلمات الطمع، وجعله جمال الحق من الوالهين، حتى عزف عن العالم والعالمين، واضحى شاعراً مستغنياً.
وعندما قفل سنائي عائداً من مكة الى بلخ، برزت عليه آثار التحول، والثورة الفكرية، فعزف عن انشاد المدائح في بلاطات الملوك، والعيش فيها، ومال الى الزهد، حيث ترك هذا التحول آثاره على اشعاره، حتى انه نظم الكثير من الاشعار الدينية، والزهديّة التي ادت الى تميزه عن الشعراء القدامى الاخرين، في تلك الفترة، وفي مدينة بلخ.
وبعد تلك الاسفار الطويلة، والانقلاب الروحي والمعنوي عاد سنائي بعد مدة الى غزنة، ليختار العزلة، ويعكف على جمع اشعاره العرفانية والاخلاقية.
حيث خلف لنا - بالاضافة الى ديوان قصائده وغزلياته ورباعياته التي تشتمل على اربعة آلاف بيت- عدداً من المؤلفات المنظومة مثل: (حديقة الحقيقة) و(سير العباد الى المعاد) و(كارنامه بلخ) و(مكاتيب سنائي).
واما كتاب (حديقة الحقيقة) الذي يعدّ اشهر آثاره على الاطلاق والمعروف ايضا باسم (الهي نامه) اي، الرسالة الالهية فهو عبارة عن شعر منظوم على اسلوب المثنوي او المزدوج.
وقد بدأ سنائي منظومته هذه بوصف الله تعالى، والنبي صلى الله عليه وآله، وخصص فيها ابواباً للحديث عن العقل، والعلم، والعشق، والحكمة، وقد وظف في هذا الكتاب حكايات ممتعة ومشوقة كثيرة لبيان معتقداته وانفكاره.
وقد كُتبت الى الآن شروح كثيرة لهذا الكتاب، وتأثر به شعراء كبار مثل نظامي، وخاقاني في انشاد منظوماته.
المؤلف المعروف الآخر لسنائي الغزنوي هو (سير العباد الى المعاد) وهو عبارة عن منظومة رمزية عرفانية وصف فيها الناظم رحلة خيالية قام بها الى عالم الروح والمُثُل بلغة متينة وجميلة.
ويرى الكثير من الباحثين، والمهتمين بدراسة ادب سنائي ان هذا الكتاب هو من جملة اشهر المنظومات العرفانية باللغة الفارسية.
فيما تعدّ منظومة (كارنامه بلخ) افضل كتاب لباحثي ودارسي آثار سنائي ذلك لانه ازاح الستار عن حياته الشخصية، وحياة والده، وبعض من معاصريه في قالب منظومة قصيرة تبلغ ما يقرب من خمسمائة بيت.
وقد نُسبت الى سنائي ايضاً منظومات اخرى مثل (عقل نامه)، و(عشق نامه)، وطريق التحقيق.
(ايّها الملك! لساني يلهج بذكرك
فأنت الطاهر، وأنت الاله
أنا لاأسير الاّ في الطريق الذي اَبَنْته لي
أنا عاكف على البحث عن حضرتك
واطلب الفضل دوماً من عندك
واوحّدك ليلي ونهاري، فانت المستحق للتوحيد
لايمكن لأحد ان يصفك
فأنت اسمى من ان تستوعبك الافهام
ولايمكن الاتيان بشبيه لك
فأنت لا تدركك الاوهام)
كانت مدينة غزنين في عصر سنائي تغصّ من جهة بالعرفاء والزّهاد الذين اسلموا زمام قلوبهم الى الخلوات، ومن جهة اخرى فانها كانت تعجّ ايضاً بالشعراء الذين ارتضوا لانفسهم ان يكونوا مداحاً للحكام والامراء اتباعاً لسنة شعراء البلاط.
ولكن يبرز لنا سنائي كواحد من رجال البصيرة في عصره، فلم يستطع الاستمرار في حياة الترف واللذات العابرة تلك، والبقاء في نوم الغفلة طيلة حياته،
واذا ما نظرنا الى الاشعار التي نظمها سنائي بعد انقلابه الفكري فان بالامكان ان نحيط علماً بمعتقداته، فقد جهد من خلال اشعاره في سبيل ان يوقظ الغافلين من نومهم.
وان صرخات الاعتراض التي اطلقها سنائي احتجاجاً على غفلة الدهر، وانباء مجتمعة مفعمة بالآلام، والعويل، والامل واليأس، والنقد، واللوم اللاذع.
لقد كان يتأمل حال عالم دهره، وينظر في ما انكبت قلوب الناس عليه، فتصيبه الحيرة، وتعقد لسانه الدهشة، فيطلق صرخته بغضب وسخط معلناً ان الدنيا دار غرور ويأس.
وهكذا فقد حذر سنائي كا فعل الشاعر ناصر خسرو الناس من الانغماس في مستنقع الحياة الدنيوية، ووجّه سهام نقده الى مفاسد عصره، مذكراً مخاطبيه، ومستمعيه بالموت، وسرعة الرحيل عن دار الزوال والفناء، قائلا:
(قبل ان تعجز هذه النفس المختلقة للمعاذير عن النطق
وقبل ان تفقد بصيرتك 
اعتبرْ - ايّها الانسان- وخذ الدروس
فالى متى تبقى في دار الغرور هذه حريصاً
عيناك متطلعتان كعيون النرجس
ويداك ممدودتان كأيدي الاشجار؟!)

*******

شاركوا هذا الخبر مع أصدقائكم

جميع الحقوق محفوظة