البث المباشر

مدخل لدراسة ديوان "روضة الورد" للشاعر سعدي الشيرازي

الأحد 22 سبتمبر 2019 - 13:39 بتوقيت طهران
مدخل لدراسة ديوان "روضة الورد" للشاعر سعدي الشيرازي

اذاعة طهران - برنامج : عبارات و اشارات - فقرة : مدخل لدراسة ديوان "روضة الورد" للشاعر سعدي الشيرازي

 

حيث يعد هذا الكتاب من حيث اسلوبه، وحسن سبكه، واشراق ديباجته، وحلاوة عباراته من بين النماذج الراقية للاسلوب الادبي الرفيع بين عيون التراث الادبي ليس في ايران فحسب وانما على مستوى العالم اجمع.
كما انه يعتبر من اهم الكتب التي يعتمد عليها في تبرية النشء، وتثقيفهم بما حوى من حكم ومُُثُل اخلاقية عالية سيقت في اسلوب قصصي شيق حيث يعدّ من هذه الناحية من اقوم كتب التربية التي تعتمد اسلوب السرد القصصي.
وقد انتهى المؤلف (سعدي الشيرازي) من تأليف هذا الكتاب عام 656هـ، بعد ان طوف كثيراً في بلاد الدنيا، وخالط الناس من شتى الاجناس والطبقات، وذاق من الايام حُلْوِها ومُرّها.
فهو يحدثنا في كتابه عن الناس واخلاقهم حديث العارف المجرب، ويسوق حكمه وامثاله عن خبرة، ونظرة عميقة فاحصة.
ونحن لا نبالغ اذا قلنا ان هذه الاسفار الطويلة في الآفاق والانفس التي استغرقت من حياته ثلاثين عاماً كما قيل، ومشاهداته في هذه الاسفار قد صيغت في هذا الكتاب قصصاً اخلاقياً رائعاً، وصوراً ناطقة حية للعالم الذي عاش فيه.
فلم يكن شاعرنا واديبنا (سعدي) في هذا الكتاب اديباً وشاعراً ينحو في ادبه نحواً اخلاقياً فحسب، بل كان كذلك داعية اصلاح، فنراه في بعض المواقف يتجاوز افق الوطنية الى افق الانسانية الفسيح، فيرى الناس اخوة، ويندد بالعصبية الجنسية، والمذهبية، والرياء والنفاق، ويسخر في دعابة لاذعة من المتعصبين والمرائين والمنافقين، ويقف من الملوك والحكام، في جرأة عجيبة موقف رجل الاخلاق المومن برسالته.
واما اسلوب الكتاب فهو النثر المسجوع، وسجعه رشيق، حلو الجرس، بعيد عن الابتذال، يسامي في موسيقاه الاوزان الشعرية، وتتخلله ابيات، وقطع من الشعر العربي والفارسي وكلها من نظم صاحب الكتاب، غير ان قدرة الرجل على نظم النثر العربي محدودة متواضعة لاتقاس بشاعريته عندما يتصدى لنظم القوافي في لغة قومه.
اعزتنا المستمعين! وُلِدَ الشاعر سعدي عام 595هـ بين احضان اسرة اشتهرت بالعلم والدين، فنشأ نشأة علمية دينية، وهو يحدثنا في احدى حكايات (الجولستان) عن سهره، وتعبده مع ابيه في حداثته، وتأديب ابيه له بآداب العبادة الحقة.
وكان والده في خدمة الاتابك سعد بن زنكي، وانحسر عنه ظل ابيه وهو يناهز الثانية عشرة من عمره، فكلفه جده لامه مسعود الكازوني، وبسط عليه الاتابك ظل رعايته.
وهكذا ذاق الفتى مرارة اليتم، والحرمان من الحنان الابوي يافعاً، وترسبت هذه المرارة في اعماقه، والتصقت بشغاف قلبه، وامتزجت بروحه، لنحس بطعمها فيما بعد في ادبه وهو يحدثنا عن عطف ابيه، وحنانه، وتودد الناس اليه رعاية لابيه وقسوة الموت عليه باختطافه لاكثر الناس برّاً به، وحدباً عليه، وتنكر الناس له، وعدم احتفالهم بأمره بعد موته.
واذا استعرضنا حياة الشاعر فيما بعد فاننا لانرى فيها ما يكفل له حياة عائلية ثابتة الاركان، فقد قضى اكبر شطريها، وخير ايامها في طلب العلم، والسير في مناكب الارض، وعاد الى موطنه شيخاً ليقضي شيخوخته في التأليف، وقرض الشعر، والتفرغ للعبادة، وتأملاته العرفانية لايخرجه عن كل هذا الا داعي الحج الى مكة.
واذا ما اخذنا بما جاء في بعض حكايات الجولستان والبستان فسنرى ان شاعرنا سعدي دخل الى صميم دنياناً مرتين: رُزئ في الاولى بفقد ابنه في صنعاء، وبكاه مرّ البكاء، ولقي في الثانية العنت وسوء العشرة من زوجته الحلبية، ففر بنفسه من حلب الى شمال افريقيا.
تلقى سعدي علومه الاولى في شيراز، ثم بعثوا به الى بغداد ليتمّ دراسته في المدرسة النظامية المشهورة، وهناك التقى بعلماء بغداد، وافاضلها، وكان ابعدهم اثراً في حياته شيخاه، شهاب الدين السهروردي المعروف، وابو الفرج الجوزي.
وطالت اقامة شاعرنا في بغداد فشبّ، وترعرع، ونهل من مناهل العلم والعرفان ما شاء الله ان ينهل، ثم عاد الى شيراز شاباً يملؤه الزهو والامل والثقة بالمستقبل في ظل مولاه، وراعيه الاتابك سعد، ولكنه يرتد عنها حزناً على هزيمة مولاه، وحسرة على ما عمّها من الفتن والخراب.
ويجد البرء من احزانه واشجانه في ان يجوب البلاد، ويتنقل بين العباد، فيدخل بهذه المرحلة الثانية من مراحل حياته.
بدأ سعدي تجواله في العالم الاسلامي عن طريق بلخ، وغزنين، والبنجاب الى كجرات، وعلى ساحلها الغربي رأى معبد (سيوارا) في سومنات، وينقل لنا في البستان صورة عن هذا العبد، فيحدثنا عن الصنم العاجي المرصع بالجواهر، وسجود عباده امامه، وهو يرفع يديه الى السماء كل صباح، حيث زمزمة الحجيج الى المعبد، وطقوس العبادة فيه.
ثم احتياله لكشف سر الصنم حتى يتمكن من رؤية الكاهن الذي يختبئ وراء ستار وهو يجذب بيده حبلاً فيحرك يدي الصنم، ويعرف الكاهن ان هذا الشاب لابد وان يذيع سر هذا المعبود في الناس فيكفروا به او يشككوا في دينهم.
ويدرك الشاب المغامر ان هذا الكاهن لابد انه محتال في قتله فيلقي به في بئر المعبد بعد ان تحدث بينهما معركة دامية كاد فيها الكاهن ان يقتل شاعرنا، فيفر الى الهند، ويطيل المقام في دهلي.
ويلتقي هناك بالامير خسرو الشاعر المعروف، ويتعلم الهندية والاوردية، ثم تنازعه نفسه الى الارتحال، فيبحر الى اليمن، وهناك يرزأ بوحيده في صنعاء، فيكره المقام بها، ويشد الرحال الى الحبشة، ليخرج منها حاجاً الى مكة، ويزور المدينة، ويواصل رحلته الى الشام، ويطيل المقام في دمشق.
وهناك سار سعدي بين الناس سيرة الورع، وتصدى للوعظ والارشاد، يلقي عظاته على الناس في مساجد دمشق، وجامع بعلبك، حيث يحل من نفوس اهل الشام وقلوبهم محل الاجلال والتكريم، ويلقبونه بالشيخ.
ولكن الشيخ ما يلبث ان يملّ المقام في دمشق، فيعرف عن مخالطة الناس، وتنزع به نفسه الى خلوة العبادة، فيخرج الى صحراء قريبة من بيت المقدس، ليشتغل بربه عما سواه.
كانت اهمّ المؤثرات التي اثرت في حياة الشاعر الخاصة نشأته في بيئة علمية متدينة، وموت ابيه في طفولته، وعدم نجاحه في حياته الزوجية، وفقده لوحيده، كما تأثر من الناحية العلمية بشيخه شهاب الدين السهروردي وابي الفرج الجزي ومن التقى بهم فيما بعد من شيوخ التصوف وخصوصاً جلال الدين الرومي.
اما اهم الاحداث التي تأثر بها شاعرنا واديبنا سعدي فهزيمة مولاه سعد بن زنكي وما ساد البلاد من الاضطرابات مما دفع الشاعر الى ترك موطنه، واغترابه في رحلات استغرقت ثلاثين عاماً من حياته.
وقد كان لهذه الرحلات فضل كبير في تزويد الشاعر بخبراته وتجاربه ومعارفه التي تتضاءل الى جانبها معارف الكتب ودور التعليم وحلقات الشيوخ، واخيراً هذا الامن الذي عمّ البلاد ايام الاتابك ابي بكر فكفل للشاعر حياة مستقرة مثمرة.
وهكذا فاننا نرى في ادبه روح التدين، وكآبة الحزن، ولوعة اليتم، وتفجع الثاكلين، وشقاء الزواج وشكايات المتزوجين، كما نرى في ذات الوقت مسحة التصوف، واخبار الدراويش ونوادرهم، وحكايات العباد، واهل الزهد، وتقلبات الايام، وصور الناس حاكمين ومحكومين، وطبقاتهم، واخلاقهم، وعاداتهم، وما رُكّب في جبلتهم من غرائز وطبائع.
وفي نفس الوقت تشرق في جوانب هذا الادب روح الشاعر المرحة الراضية وهو يسوق الينا حكمه وامثاله وعظاته وحكاياته حين يفجؤنا بالنكتة اللاذعة، والدعابة البارعة، والنادرة اللطيفة.
وقد تجلى لنا كل ذلك في رائعتيه الخالدتين (البستان) الذي اتمّ تأليفه سنة 655هـ، وهو عبارة عن حكايات منظومة على الطريقة المعروفة بالمثنوي، وموضوعها اخلاقين، عرفاني.
والجولستان او (الروضة) الذي سيكون موضوع بعض من حلقات البرنامج اعتباراً من هذه الحلقة، وهو عبارة عن حكايات اخلاقية ذات مضامين عرفانية صيغت في اسلوب نثري مسجوع تتخلله ابيات، وقطع شعرية، وبعض ابيات عربية.
والكتاب هذا بعد المقدمة، على ثمانية ابواب، الاول في سيرة الملوك، والثاني في اخلاق الدراويش، والثالث في فضيلة القناعة، والرابع في فوائد الصمت، والخامس في العشق والشباب، والسادس في الضعف والشيخوخة، والسابع في تأثير التربية، والثامن في آداب الصحبة والمعاشرة.
وترك لنا سعدي سوى ذلك القصائد العربية والفارسية في شتى الاغراض، والمراثي، والملمعات، اي المنظومات الفارسية التي تتخللها اشطار او ابيات عربية من بحرها وقافيتها، والترجيعات وهي مطولات تنتظم اقساماً متساوية تتفق في البحر، وتختلف في القافية، وينتهي كل قسم منها ببيت معين متفق معها في بحرها.

*******

شاركوا هذا الخبر مع أصدقائكم

جميع الحقوق محفوظة