البث المباشر

أدب الإمام الهادي (عليه السلام)

الإثنين 12 يوليو 2021 - 14:42 بتوقيت طهران
أدب الإمام الهادي (عليه السلام)

إذاعة طهران-أدب الإمام الهادي:

يلاحظ ان الامام علي الهادي (عليه السلام) يتماثل مع الأئمة المعصومين: شخصياً ووظيفياً، ويتفاوت من حيث النتاج الأدبي حسب الظروف الاجتماعية والعبادية التي تستلزم هذا العمل الادبي او ذاك او تستلزم سعته او ضموره او انعدامه اساساً... ويلاحظ ان الامام الهادي (عليه السلام) وابنه الحسن العسكري (عليه السلام) قد انفردا عن سائر الائمة (عليهم السلام) بشخوصهما الى مدينة سامراء تبعاً لمقر سلاطين العباسيين عصرئذ، حيث كان تخوف هؤلاء السلاطين من هيمنة الائمة (عليهم السلام) يدفعهم الى أن يبعدوهم من المدينة المنورة الى مقربة منهم في بغداد او سامراء، كما هو واضح.. ويلاحظ ايضاً، ان الائمة الاربعة: الجواد، الهادي، العسكري، المهدي (عليهم السلام) لم يتح لهم من حيث الحجم ان يتوفروا على صياغة النصوص الفكرية بنفس النسبة‌ التي توفرت للأئمة السابقين، نظراً لمتطلبات غيبية من جانب، وأسباب فردية مثل قصر المدة بالنسبة للامام الجواد (عليه السلام) والامام المهدي (عليه السلام) واجتماعية مثل ابعاد العسكريين (عليهم السلام) الى سامراء - كما اشرنا- فضلاً عن نمط الارهاب الذي يحجز الناس عن الوصول اليهم (عليهم السلام)... كل اولئك يفسر لنا جانباً من عدم توفرهم على نسبة ضخمة‌ من النتاج،....
المهم، فيما يتصل بالامام الهادي (عليه السلام)، حسب ما يذكره المؤرخون، ان المتوكل - وهو معروف ببغضه لأهل البيت (عليهم السلام) - قد ابعد الامام (عليه السلام) الى العراق بعد ان وصل نبأ التفاف الجمهور حوله، حتى ان الجمهور قد ضج - كما يقول المؤرخون - ضجيجاً‌ عظيماً ما سمع بمثله خوفاً على الامام (عليه السلام) من قبل مبعوث المتوكل الذي ارسل خصيصاً لغرض اصطحابه الى العراق (۱).
ومن الواضح، ان ضجيج الجمهور يكشف عن هيمنة الامام (عليه السلام) عليهم، وهي هيمنة لا تنحصر في صعيد شعبي فحسب، بل حتى في الصعيد الرسمي، حيث يذكر المؤرخون بان بعض المرتبطين بقصر المتوكل شاهدوا ترجل الناس عند قدومه (عليه السلام) - مع صغر سنه - فاعترض على ذلك، ولكنه ترجل صاغراً عند مشاهدته الامام (عليه السلام)، موضحاً بانه لم يملك نفسه من التهيب لشخصية الامام (عليه السلام)، وهو امر يكشف عن عنصر غيبي دون ادنى شك،...
ان ما نعتزم توضيحه في هذا الصدد هو ان مهمة‌ الامام (عليه السلام) (عبادياً) تظل مرتبطة بقنوات سرية، وان النتاج العلني يظل مرتبطاً بمناسبات خاصة يتاح من خلالها التوفر على صياغة النصوص الفنية عبر مقابلة او رسالة او كلمة‌ مرتجلة...
وفي هذا الميدان يمكننا ان نظفر بجملة من النصوص التي نعرض للبعض منها،... فهناك نصوص (علمية)، من نحو ما ورد عنه في رسالة جوابية تتصل بقضية كلامية هي (الجبر والتفويض) تعد دراسة مفضلة ذات منهجية ملحوظة في طرح الموضوع،... كما ان هناك رسائل واملاءات طرحها على بعض المعنيين بشؤون الفكر الاسلامي: تعد مقالات ذات طابع تحليلي او تفسيري لنصوص القرآن والحديث، او ذات طابع نقدي يتناول الرد على نظرات الآخرين....
وهناك من النصوص ما يجمع بين الطابع العلمي وبين الطابع الفني، مثل رسالته (عليه السلام) لأحدهم عن صفات الله تعالى:
«.... وانى يوصف الخالق الذي تعجز الحواس ان تدركه، والاوهام ان تناله، والخطرات ان تحده، والابصار عن الاحاطة به... نأى في قربه، وقرب في نأيه،... كيف الكيف فلا يقال: كيف، واين الأين فلا يقال: أين،... الخ» (۲).
ففي هذا النص: عناصر فنية مثل (التوازن، التقابل، التقسيم، التجانس) فضلاً عن انسيابية اللغة وليونتها...
كذلك: يمكن ملاحظة هذا الطابع الذي يجمع بين العلم والفن، في النص الآتي الذي يتحدث عن رسالة الاسلام والمعجز الذي واكبها...
«بعث الله موسى (عليه السلام) بالعصا واليد البيضاء في زمان: الغالب على اهله السحر، فأتاهم من ذلك ما قهر سحرهم وبهرهم واثبت الحجة عليهم. وبعث عيسى (عليه السلام) بإبراء الأكمه والأبرص واحياء الموتي باذن الله في زمان: الغالب على اهله الطب، فاتاهم من ابراء الأكمه والابرص واحياء الموتى باذن الله فقهرهم وبهرهم. وبعث محمداً بالقرآن والسيف في زمان: الغالب على أهله السيف والشعر فأتاهم من القرآن الزاهر والسيف القاهر ما بهر به شعرهم وبهر سيفهم وأثبت الحجة ‌به عليهم»(۳).
فالملاحظ في هذا النص، لغته الانسيابية، المشرقة، اللينة، وتخللها عناصر ايقاعية وصورية من نحو (فقهرهم، وبهرهم) ومن نحو (القرآن الزاهر، والسيف القاهر) حيث نجد الاستعارة‌ والجمل المقفاة‌ توشح النص،... كما نجد التقابل والتجنيس (ما قهر سحرهم، وبهرهم) (ما بهر به سيفهم)... الخ، يوشح النص مما يكسبه طابعاً فنياً له جماليته الملحوظة...
ولعل ملاحظة الطوابع الفنية يمكن تمثلها بنحو أشد وضوحاً في:

*******


(۱) المجالس السنية: ج۲، ص ٦٥۰.
(۲) البحار: ج ٥۰، ص ۱۷۷،۱۷۸.
(۳) نفس المصدر: ص ۱٦٤.

*******

شاركوا هذا الخبر مع أصدقائكم

جميع الحقوق محفوظة